أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة - سيدنا محمد, مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في شهر رمضان المعظم. كانت صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة كصفاته بعد البعثة كان صلى الله عليه وسلم رحيما يحب مساعدة الآخرين حتى صار ذلك طبيعة له وخلقا لا يستطيع أن يتخلى عنه كان أمينا صادقا حتى أن كفار قريش كانوا يودعون عنده الأمانات لما أودع أحدهم أمانة عند أبي جهل وهو من سادة قريش ومن
الزعماء والمتصدرون فيهم هشام بن الحكم فإنه ماطله وأنكرها وذهب إلى قريش من أجل أن يرد أبو جهل أمانته التي عنده فذهب إليهم وهم بجوار الكعبة كانوا يقدسونها ويعظمونها ويعبدون أصنامهم حولها وبالرغم من ذلك شاع فيهم الخيانة وعدم الأمانة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمى بالصادق الأمين لما ذهب الرجل إلى ما حول الكعبة ويكلم الناس سخروا منه وقالوا له إن حبيب أبي جهل رجل يقال له محمد
يسخرون منه وهم يعرفون العداوة الشديدة بين أبي جهل وبين سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وأن أبا جهل يكره النبي صلى الله عليه وسلم في حين أن النبي لم يكن يكره أحدا لذاته، ولذلك لما دعا ربه قال: اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، عمر بن الخطاب وهذا أبو جهل عمرو بن هشام هذا، فأعز الله الإسلام بعمر. لكن المحصلة أن الرجل ذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فذهب النبي معه إلى أبي جهل فقال له: أعط هذا ما لديك من أمانة فدخل
أبو جهل وأتى بالأمانة، خاف أبو جهل خوفا من سيدنا محمد عندما رآه وقريش تضحك على هذا الموقف وتقول يا أبا جهل ما هذا ونحن قد سخرنا من الرجل ولم نكن نعلم أنك ستعيد إليه الأمانة بهذه السرعة فقال والله لقد رأيت فحل إبل فوق رأس محمد يكاد يلتهمني، ربنا أراه هكذا حتى يوقع الرعب في قلبه، فدخل وأتى بالأمانة. النبي صلى الله عليه وسلم كانت صفاته قبل البعثة من الأمانة، ومن الصدق، ومن العطاء، ومن مساعدة الآخرين كما كانت بعد البعثة. وأخرج البخاري في هذا المقام ما وصفته
به خديجة رضي الله عنها. زوجة النبي أم المؤمنين أم أولاده فقالت عندما نزل عليه الوحي كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل الضعيف الفقير المسكين تحمله الكل المتعب المجهد تحمله معك أو تتحمل عن المدين دينه تحمل الكلة يعني لا تترك هذا الضعيف أو المسكين أو الفقير أو المحتاج إليك المنقطع في البادية لا تتركه
هكذا من الأنانية أبدا لم يكن هكذا بل كان معطاء كان معطاء صلى الله عليه وآله وسلم فكان يحمل الكل ويكسب المعدوم لما يرى شخصا معدوما يعطيه حتى يخرج من عدمه ويقري الضيف يضيف الضيف بالقليل أو الكثير من مشايخنا إذا أراد أن يزور أخاه زاره هكذا من غير ترتيب حتى لا يكلفه الضيافة ولا يقيموا له وليمة ثم بعد ذلك لا يكون قادرا أو يستدين من أجل هذه الوليمة يأتي على ما كان فإن كان هناك خبز وجبن يأكلون خبزا وجبنا وإن كانوا قد طبخوا أم شيئا يأكلونه مما هو
في البيت ببساطة وبجمال وبحلاوة افتقدناها كثيرا في عصرنا الحاضر ولذلك رأينا في حلقة سابقة الإسلام وهو يدعو إلى عدم الإسراف وإلى البساطة والإسلام وهو يدعو أيضا إلى المساعدة وإلى العطاء وإلى مكارم الأخلاق كل هذه الأشياء ليست كلاما نظريا بل ينبغي أن تتحول إلى أعراف عامة مقبولة كما كنا نعيش منذ خمسين سنة وكانت هذه الأعراف موجودة، ولكن فكرة الاستهلاك هذه التي سيطرت على قلوب وعقول وتصرفات الناس والتفاخر والتكاثر بالأموال وهناك فقراء في المجتمع ليست من الإسلام في شيء، فلا بد لنا
من العطاء ومن أن نتحمل التكلفة وأن يتحمل الأغنياء واجبهم في عطائهم للفقراء فإن الصدقة تدفع البلاء والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، الصدقة تدفع البلاء. كان بعض مشايخنا يقول كلمة حكيمة تحتاج إلى تأمل وسألناه عنها، كان يقول الصدقة تدفع البلاء والتسول من البلاء، لماذا؟ لأن هذا المتسول يمكن أن يثور وأن يدمر من أجل جوعه وهذا لا يرضى عنه. الله ولا رسوله ولا المؤمنون ولا استقرار المجتمع، فالصدقة تدفع هذا البلاء. الصدقة يمكن بها أن نأتي بصنارة نعلمه بها
الصيد حتى نقضي على البطالة ونقضي على العاطلين ولا يستمر استمرار الطلب الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى عن السؤال أن يسأل الإنسان وأن يكون متسولا. وإنما هناك من فقد الكفاءة، امرأة عجوز، رجل مقعد فقد الكفاءة لا يستطيع حتى أن يحمل الصنارة، فنأتي له بالسمكة. فخلق الله كثير، نحن لا نكرس أبدا مفهوم العطاء، فإن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن السائل بغير وجه حق يأتي وفي وجهه نكتة سوداء يوم القيامة، ولا يزال يطبع بتلك النكتة السوداء حتى يسود وجهه كله والعياذ بالله تعالى، ولذلك
فنحن ضد هذا التسول والشحاتة وما إلى ذلك، وفي الوقت نفسه هذا نداؤنا للفقراء بأن يصبروا وأن يتعففوا وأن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، لكن خطابنا للأغنياء مختلف، خطابنا للأغنياء أعطوا السائل ولو أتاكم على فرس، خطابنا للأغنياء إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل الكل وكان يكسب المعدوم ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق، والحق الأمر الثابت، فنوائب الزمان رجل أفلس كان غنيا نعم ولكنه أفلس فلا بد أن نقف معه ولا بد بلغة العصر أن نساعده، أي نعطيه ما يستطيع به أن يعيد بناء نفسه مرة
أخرى فيكون عنصرا منتجا يقدم الزكاة ويقدم الصدقات ويكون غنيا مرة أخرى بعد هذه العثرة بدلا من أن يصبح من طائفة الفقراء يصبح بما عنده من خبرة من طائفة الأغنياء مرة أخرى نحن نريد أن يبقى الناس أغنياء وأن يزيد الله لهم في فضله ولكن أيضا نريد أن يقوموا بواجبهم الاجتماعي الذي قد أمرهم الله به والذي كان من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أريد أن أطبع هذا الحديث وأن أضعه في كل مكان أمام الأغنياء في سياراتهم وفي بيوتهم وفي كل مكان يذهبون إليه صفات سيد الخلق صلى الله عليه وسلم تحتم عليك أن تقلده لقد كان لكم
في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا، صفات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي يجب أن تتبع. قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. هذه الأسوة الحسنة وهذا الإيتاء الكريم وهذه المحبة الخالصة والاتباع الواجب أريد أن أطبعه في كل مكان هكذا وأن يكون معنا في أجهزة إعلامنا وفي مناهج تعليمنا لا بد أن يقوم الأغنياء بواجبهم من العطاء النبي صلى الله عليه وسلم في حديث لبلال حديث أيضا أخرجه أبو داود رضي الله تعالى
عنه في سننه هذا الحديث يقول فيه بلال حينما سئل كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنقارن حالنا إذن بهذا الحديث الذي فيه قمة العطاء ولنر فيه أيضا أن ربنا كريم وأنك لا تنفق شيئا إلا وهو يعطيك مثله عشر مرات كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم معي ما كان له شيء كنت أنا الذي أقوم بذلك له منذ بعثه الله إلى أن توفي وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض أي أستدين فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه
وفي يوم من الأيام قال له مشرك اقترض مني فاقترض منه ولكنه لما سمعه مرة يؤذن قال لأن الشهر قريب وهم كانوا يقترضون لمدة شهر وسيأخذونك بما عليك أي في دينك هذا فتعود مرة أخرى لترعى الغنم فأراد بلال أن يتخلص من هذا أو أن يهرب ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم طمأنه وبعد ساعات قليلة وجد عظيم فدك قد أهداه أربع رواحل، والراحلة هي الإبل الجمال محملة يعني كأنه أهدى له أربع مقطورات كبيرة محملة بالبضائع والطعام والكسوة وما إلى ذلك، فسدد دينا يعني. انتبه أيها الغني إنك في تجارتك مع الله سبحانه وتعالى لن يضيع عطاؤك
أبدا، وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.