أكل الربا | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين نعيش فيها مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الكريم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا من كبائر الذنوب ويسميها الموبقات، وفي حديث أبي هريرة اجتنبوا الموبقات السبع قالوا يا رسول الله وما هي فأجاب
صلى الله عليه وآله وسلم الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكمل الحديث وهذه الثلاثة كانت قد أخذناها في حلقة سابقة ونكمل اليوم ونعيش مع هذا الحديث النبوي الشريف، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وأكل الربا، وأكل الربا محرم في الشريعة الإسلامية كتحريم القتل وكتحريم الزنا وكتحريم السرقة وكتحريم الكذب وشهادة الزور، وكل هذه المعاصي وكل هذه المخالفات باتفاق المسلمين
شرقا وغربا سلفا وخلفا. إلا أن هناك اختلافا بين العلماء فيما إذا كانت هذه المعاملة من الربا أم ليست من الربا، وهذا الاختلاف في الحقيقة قديم، وهناك نوعان من الربا: ربا البيوع وربا الديون، واختلف العلماء في علة الربا على عشرة أقوال، فأبو حنيفة يقول إن علة الربا هي اتحاد الجنس ومسألة المقدار أي
ينبغي أن يكون الجنس متحدا، ولذلك فعنده يجوز أن الربا يقع في مبادلة التراب بالتراب أي شيء جنسه واحد وهو مقدر، وكلمة مقدر عنده بمعنى أنه يكال أو يوزن، فما دامت عربة التراب هي عبارة عن كيل فلا يجوز بيع عربة التراب أو حمولة بعربتين هكذا عند الإمام أبي حنيفة لأن الشافعي رأى أن العلة هي الطعم، ومعنى أن تكون العلة الطعم حرمة جريان الربا في المطعومات حتى لو كانت مياها، الماء
مطعوم، الدواء مطعوم، فلا يجري فيه هذه الزيادة. أما الإمام مالك فيقول القوت المدخر، ولذلك الدواء والماء لا ربا فيهما عند الإمام مالك. عاشرا، علل مختلفة. فيها سفيان الثوري مع أبي حنيفة مع مالك مع غير ذلك إلى آخره والجميع يحرم الربا ولذلك فهناك أمور اتفق جميع العلماء على أنها عند جميع العلماء هي من الربا المحرم وهناك أمور اختلفوا فيها وعندما اختلفوا فيها لم يكفر بعضهم بعضا ولم يفسق بعضهم بعضا واحتمل بعضهم بعضا ولم أحدهم أنه على صواب
مطلق وأن الآخرين يخالفون الإسلام ويخالفون المسلمين، وعندما ظهرت هذه الأوراق النقدية التي بين أيدينا اختلف فيها العلماء هل هي تحقق معنى النقود الشرعية التي حرم الله فيها الربا أم أنها خارجة عن ذلك، وعندما نشأت البنوك اختلف فيها العلماء هل هي تقوم بأمر فيه ربا أو أنها تقوم بغير ذلك من السياسات النقدية التي تحكم جريان عرض النقود في المجتمع وتتحكم في الادخار وفي الاستثمار وتقود عملية تداول النقود من غير أن توصف بأنها من الربا المحرم
الذي يضر بالفقير ويضر بالسياسة النقدية ويضر بحالة استقرار الأسواق إنتاجا واستهلاكا ولا يجب أن نستمع من بعضهم التكفير والتفسيق والتبديع ما دام قد خالف رأيهم أو قال مقولة لم تصل إلى أذهانهم ولم يفهموها، بل علينا أن نعلم أن جميع المسلمين يحرمون الربا حتى الذين قالوا إن إجراءات البنك التي تجري في مصر مثلا الآن بعد تغيير القانون في سنة الألفين وأربعة بقانون جديد يحكم العلاقة بين المدخر
وبين المصرف وبين المصرف وبين المستثمر تحكمها بوضوح يبتعد عن الربا، الآخرون قد يكونون لم يطلعوا على مثل هذا التغيير ولم ينتبهوا إليه ولم يلتفتوا إليه، وإذا ما ذكرنا ذلك لهم فإنهم يتعجبون، لكن الأمر هنا هو أن أحدا من المسلمين لم يحلل الربا، لم يحلل أحد من المسلمون الخمر، لكنه يقول إن هذا ليس خمرا أصلا لأنه غير مسكر. لم يحل أحد من المسلمين الخنزير، لكنه يقول إن هذا الحيوان الذي أمامنا ليس خنزيرا ويختلف مع من يظنه خنزيرا. ولكن الاثنين يحرمان الخنزير ولكنهما
يختلفان في هذا، هذه العين بالذات هل هي خنزير أم ليست بخنزير فيجب على الدعاة أن يتقوا الله في هذا المقام وأن يوردوا الخلاف وأن لا يتهموا أحدا من المسلمين بأنه قد أحل الربا وأكل الربا من الموبقات لأنه يؤثر في الطبقة الفقيرة ويؤثر في الأسواق،
على كل حال فإن أكل مال اليتيم إنما هو أكل النار المستعرة في بطن أكل اليتيم حقه علينا الحنان والأمان والنبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ويقول وقد وضع يده على رأس يتيم إن من وضع يده على رأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة من رأس اليتيم وذلك لأن رعاية اليتيم هي رعاية مهمة جدا تنبئ عن رقي المجتمع من عدمه، ولذلك
كان عدم المساس بمال اليتيم أساسا من أسس رقي المجتمع، وكان أكل مال اليتيم يؤذن بأن هذا المجتمع لا خير فيه. والتولي يوم الزحف، القتال في الإسلام شرع لصد العدوان ورفع الطغيان "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا"، ولذلك أمرنا ربنا سبحانه وتعالى. بأن نقاتل الذين يقاتلوننا وأن نجعل ذلك في سبيل الله وألا نعتدي إن الله لا يحب المعتدين صار مبدأ عاما عند المسلمين أن الله سبحانه وتعالى أبدا لا يحب المعتدين ولذلك لا نكون نحن من المعتدين إذا كان الأمر كذلك فالقتال إنما هو في سبيل الله وإنما
هو في سبيل القضية أننا لا نريد من أحد أن نستولي على أرضه ولا أن نستولي على ماله ولا عرضه وإنما نريد الدفاع عن الحق ولذلك فإن التولي يوم الزحف من الكبائر لا يجوز لنا إلا في حالة الكر والفر والتولي يوم الزحف من الموبقات السبع الكبار التي عدها رسول الله صلى الله وسلم وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات مظهر آخر من مظاهر شيوع الفساد وضعف أركان المجتمع أن نقذف المؤمنة الغافلة المحصنة التي هي حرة شريفة، فإذا بنا نتكلم
بكلام لا أساس له من الصحة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع، هذه البلية التي ابتلينا يوجد في مجتمعاتنا أن كثيرا من الناس يتحدثون بمجرد ما يسمعون ويظنون أن في هذا حرية للرأي أو أن في هذا حرية للتعبير والأمر ليس كذلك، حرية الرأي وحرية التعبير مرتبطة بالمصلحة، مرتبطة بالحقائق، مرتبطة بالصدق وليست مرتبطة بأن يتحدث كل من هب ودب في كل شيء ثم يرى من حقه أن نصفق له، النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذا من أنواع الكذب وقال ثم ينتشر الكذب، ولذلك فإننا نرفض
رفضا تاما مبدأ الكذب حتى أنه قال في هذا الأساس وهو يسأل أبا ذر: أيكذب المؤمن؟ قال لا، بعد أن قال له أيسرق المؤمن؟ قال نعم لعله أن أي دفعه شيء من الاحتياج إلى السرقة والسرقة جريمة كبيرة جعل الله لها حدا بقطع اليد حتى يردع ويعظم شأن السرقة ويأمر بالابتعاد عنها إذن المؤمن قال نعم بالرغم من أن الزنا جريمة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا يقول اجتنبوا السبع الموبقات هنا السبع الموبقات وهناك التسع المتبقيات وزاد عليها
عقوق الوالدين وشهادة الزور، إلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.