أنماط التفكير مع د. علي جمعة #5 | درجات المعرفة

أنماط التفكير مع د. علي جمعة #5 | درجات المعرفة - التفكير المستقيم, درجات المعرفة
أهلاً بكم مشاهدينا الكرام في حلقة جديدة من برنامج درجات المعرفة مع فضيلة الإمام العليم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. أهلاً بكم مولانا، أهلاً وسهلاً بكم، مرحباً مولانا. في فكرة التفكير هناك عمليات عقلية يقوم بها الإنسان لكي يصل إلى رغباته أو يدرك الأهداف التي يسعى من خلالها، فبالتالي هناك... أنماط أو طرق متعددة للتفكير،
هل يمكن أن نرتقي ببعض من هذه الأنماط؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. تحدث العلماء المسلمون حول درجات العمق للتفكير، فذكروا أن هناك ثلاثة مستويات: المستوى الأول هو مستوى الفكرة، والمستوى الثاني هو مستوى المفاهيم. والمستوى الثالث هو مستوى شعور الأعماق، فالفكرة تأتي للإنسان وبسهولة يمكن مناقشته فيها مثل البرامج وهذه الأشياء، يتم مناقشته فيتغير فكرك لأنها فكرة
قابلة للتغير. عندك قناعات معينة بمعلومات معينة، فإذا تبين أن المعلومات غير سليمة، فإن قناعاتك تتغير بناءً على المعلومات السليمة التي تلقيتها من الدراسة أو من المناقشة أو غير ذلك. آخره، لكن الفكرة عندما تستمر زمناً ما وتتصل بمجموعة من التصرفات الحياتية فتصير مفهوماً راسخاً في النفس. المناقشات لا تصل عادةً إليه، وإلا فإنها تحتاج إلى زمن طويل من المناقشات والعرض وإقامة الأدلة والبراهين حتى تبدأ الفكرة تتخلخل قليلاً. لكن شعور الأعماق أصبح
من الممكن جداً أن تقول له. حسناً، لقد اقتنعت ولا تفعلوا ذلك. إذاً هناك فكرة ومفهوم وشعور أعماق، هذا أول ترتيب سيوصلنا إلى أنماط التفكير المختلفة كما سنرى الآن. المستويات الثلاثة هذه: الفكرة، والمفهوم، وشعور الأعماق. أضرب لك لهم مثلاً وهو الأحداث وأسبابها: الدولار ارتفع، حسناً، لماذا ارتفع؟ هذه هي الأفكار. من الممكن جداً أن يجلس شخص ما ويقنعك أنه... ارتفع لزيادة الطلب عليه أو لسياسات الدولة أو لأنه
ارتفع في العالم كله أو كذا وكذا إلى آخره، وأنت ستكون وفقاً لمعلوماتك وتجربتك تقرر أنك تترك الفكرة التي معك أو ستنفذها. هذا حدث وفكرة لكنها لا تمثل في حياتك أهمية بالغة، لكن عندما ننتقل إلى... عالم المفاهيم هو أعلى وأعمق أنواع المفاهيم، فالدين من أهمها. فعندما يأتي شخص ويقول لك أنه لا يوجد مسجد أقصى، أو أن المسجد الأقصى هذا وهم، أو أن المسجد الأقصى لم يكن موجوداً في القدس بل في مكان آخر تماماً، فالمستمع يفهم أن هذا مفهوم أدركتُ عليه مباشرة. عمري أملك قناعة بدون أدلة وبدون أي شيء، فلا يرضى بالتطور ويبدأ بالسخرية منه
ويصنع عليه النكات. لماذا؟ لأنه مس مفهوماً وليس فكرة. اعلم أنه لو كان مس فكرة لكانت قابلة للنقاش، لكن عندما يمس مفهوماً فلا يصح ذلك. المفهوم أرسخ إذن من الفكرة يا مولانا، بالطبع أرسخ وأعمق. من الفكرة افترض أننا بقينا نهدم ونعيد ونزيد في هذه المسألة حتى غيرناها في ذهن واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر إلى آخره، هل ستتغير؟ لقد تغيرت بالفعل عند الأستاذ الفلاني أو الدكتور الفلاني أو الكاتب الفلاني. تغيرت فعلاً، إذاً المفهوم قابل للتغيير. لكنه صعبٌ صعبٌ جداً أن تُكلّم الناس في مفهومٍ مستقرٍ وراسخٍ
وتريد أن تغيّره. تعال إليّ الآن في شعور الأعماق، شعور الأعماق هذا يُشبه ماذا؟ يُشبه الملابس. أنا أخرج بملابسي هكذا، فجاء شخصٌ يريد أن يُقنعني أن أخرج عارياً، لا أستطيع حتى لو بيّن لي بكل ما يستطيع من خلال الدجل والتلبيس والتدليس أن يقنع أن هذه الحركة نافعة أو غير ذلك، لكنني لا أستطيع، لست قادراً. فشعور الأعماق أثبت وأعمق وأكثر استقراراً من المفاهيم، ولذلك لا تجد الناس مثل ذلك الصبي الصغير مع الحجاج، حين سأله: "أمعك شيء من القرآن؟" فقال له:
"نعم، إذا جاء نصر الله والفتح". ورأيتُ الناس يخرجون من دين الله أفواجًا. قال له: يا ولد، "يدخلون في دين الله". قالوا: هذا كان في أيام النبي، لكن في أيامك أنت يخرجون. طيب، لماذا الناس لا تخرج من دين الله أفواجًا؟ لأنه شعور في الأعماق، لأن الدين عندهم في شعور الأعماق، ولذلك لا تستطيع أن تغير دين شخص واحد. إلا بعد إقامتك لكلام كثير وأدلة عديدة لكي يحصل هذا النوع من أنواع التخلي عن شعور الأعماق. اليوم في المدارس الحديثة وما إلى ذلك، يدعون إلى سقوط عمود النسب، من الأشياء التي هي يعني "العصر الجديد" أو العصر الحديث. ما هو سقوط النسب هذا؟ يعني أن يتزوج المرء عمته أو أمه. ابنته لا مانع يعني، يا الله! أنتم جننتم،
هذا هذا المجتمع البشري ينهار! يا الله، من أين أتيتم بهذه؟ عمته وكذا من عند ربنا. قال: حسناً، لقد قلنا لا يوجد رب أساساً. ألا تتركوننا من عمود النسب هذا؟ بالطبع الناس حين تسمع هكذا تضحك وتقول لك: يا الله! لقد جُنّ. لماذا؟ لأنه شعور الأعماق. إذا كان لدي مفهوم يخص فكرة، ولدي ما هو أعمق منها وأرسخ، ثم لدي ما هو أعمق وأرسخ منها أيضاً، فما هو هذا الشعور؟ إنه شعور الأعماق. هذا الشعور يقودنا إلى - كما يقولون - التفكير في درجاته الثلاث. فهل لديك وقت الآن أم بعد
الفاصل؟ يمكنني أن أتحدث لدقيقتين. أيضاً معك دقيقتان أخريان لنقول إن هناك تفكيراً سطحياً، نعم، هذه أول بداية، حسناً، هذه بداية التفكير، نعم، هذا هو التفكير السطحي الذي يليه التفكير العميق، والذي يلي التفكير العميق هو التفكير المستنير. إذن التفكير أيضاً على ثلاثة ماذا؟ على ثلاثة مستويات. ما هو التفكير السطحي؟ دعني أضرب لك مثالاً بأنني... أرى ورقة الشجرة لونها أخضر، وفي الصباح عليها ندى جميل، يُسمى الندى، أي قطرة ماء لطيفة تنزل. في حفظ الله، هذا عبارة عن إدراك سطحي للمسألة أنني رأيت الورقة وعرفت أنها خضراء ومندية وفيها حياة وما إلى ذلك. أما التفكير العميق فهو أن
آخذها وأتأمل فيها وأتعرف عليها. عنها قضية التمثيل الضوئي أنها تحدث فيها تفاعلات وعمليات وأن هذه العمليات تجعل الوردة أو النبات هذا يُطلق ثاني أكسيد الكربون بالليل، ويجعل في النهار يُطلقون أكسجين، وأن هذا هو الذي يجعل الحدائق تحتوي على هواء نقي وما إلى ذلك. أكسجين بالنهار وثاني أكسيد الكربون بالليل، وأعرف الخلية والسليلوز والنواة وما إلى ذلك تحت. الذي هو تخصص وتعمق في الفكرة وليس على ظاهرها فقط، ليس على ظاهرها فحسب. أعرف أن الماء مكون من غازين: الهيدروجين
والأكسجين، وبعد ذلك أعرف أن الهيدروجين هذا يشتعل وأن الأكسجين هذا يساعد على الاشتعال. هذا هو التفكير العميق، أما تفكير المستنير فهو أنه بعد ذلك يقول: سبحان الله. هذا هو التفكير. المستنير هو الذي أرسل العقل إلى القلب، فأصبح للقلب بصيرة، فانبهر فوحَّد الله وعبده. هذا هو التفكير المستنير، وهو يتدرج من السطحي إلى العميق ثم إلى المستنير. أستأذن حضرتك بعد الفاصل لنستفيد أكثر ونَنهَل أكثر في مسألة التفكير المستنير، خصائصه ومواصفات هذا التفكير المستنير وطريق للتفكير المستنير. اللهم ارزقنا هذا. النعمة إن شاء الله جميعاً إن شاء الله. ابقوا معنا بعد الفاصل. أهلاً
بحضراتكم مرة أخرى. مولانا، قبل الفاصل تفضلتَ وشرحتَ لنا التفكير، بداية التفكير السطحي ثم العميق الذي لديه نظرة ثاقبة ودراسة وتحليل بشكل أكبر، ثم المستنير الذي أصبح في قمة الهرم. كيف يصل الإنسان ويدرب عقله حتى... يكون من أصحاب هذه الطريقة المستنيرة في التفكير السطحي هو رؤية الواقع المعيش الذي يشترك في إدراكه أنا وسيدنا آدم. سيدنا آدم عندما كان يشرب المياه هي المياه نفسها التي أشربها، وعندما كان ينظر إلى الوردة أو إلى النبات أو إلى الحيوان هو ذاته الذي أعرفه، وفي هذا ما يسمونه الواقع، أي الشيء
الواقع في نفس ذات الحياة. ولكن هذا الواقع له ما يسمى في نفس الأمر بالفلسفة. يسمون هذا الواقع الظاهر، وبعد ذلك هذا الظاهر له حقيقة. وكما ضربنا المثل بالخلية، وكما ضربنا المثل بتكوين الماء، وكما ضربنا المثل بالتمثيل الضوئي، وكما ضربنا هذه الأمثلة. سنجد فيها أنه من الظاهر شيء أن الشمس تجري من الشرق إلى الغرب، والأمر نفسه أننا نحن الذين ندور وأن الأرض هي التي تدور. هذا نفس الأمر، الظاهر أن المياه أكسجين وهيدروجين، ولكن الظاهر أنها ماء، يعني سائل لطيف أكثر الله الحاجة إليه،
ليس سائلاً لا لون له ولا جرم له. ولا كذا إلى آخره، لكن الحقيقة نار الله الموقدة هيدروجين يشتعل وهذا يساعد على الاشتعال، فيكون هذا نفس الأمر. عندما جاءت الشريعة علّقت أحكامها بالواقع، لا بنفس الأمر، لماذا؟ لأن الواقع هو الذي يشترك فيه البشر جميعاً دون واسطة، دون جهاز، دون تسليح. نذهب لنرى الهلال، فإن رأيناه صمنا، وإن لم نره لا نصوم. نفطر هذا اليوم الثلاثين من شعبان دون عين مسلحة. العين المسلحة هي التي تستخدم المجهر فترى الهلال أنه موجود وهو في الحقيقة
لا أراه بالعين المجردة. مجردة عن ماذا؟ عن السلاح. فدائماً يجب أن تكون منتبهاً للواقع، ونفس الأمر لأنه بعد ذلك التفكير. السطحي سيتعلق بالواقع والتفكير العميق سيتعلق بنفس الأمر، وسنجد أن هذا الأمر نفسه لا تنكره الشريعة لكنها لا تعلق عليه أحكاماً وإلا ستكلفني ما لا أطيق. الشريعة تقره لأنه واقع خلقه الله هكذا، فهو الذي خلق الماء على هذه الصفة وهو الذي خلق النبات على هذه الصفة وهكذا، ولكن هو... كلفني بالصلاة حسب جريان الشمس
في ظاهر العين في السماء، فعندما تأتي في المنتصف وتكون هكذا، يكون ذلك أذان الظهر، وعندما تكون هكذا، يكون ذلك أذان العصر، وعندما تغرب، يكون أذان المغرب ويفطر الصائم، وعندما تكون من هنا على الدرجة كذا، يكون أذان الفجر ويمتنع الإنسان عن الطعام إلى آخره. الحركة الظاهرية ليست دليلاً على الحركة الحقيقية لها، فهذا هو التفكير السطحي، أما التفكير العميق فهو متعلق بالواقع. وبنفس الأمر تعال إليّ الآن لندخل إلى التفكير المستنير. المستنير هذا انتقل مباشرة إلى القلب. لقد انتهينا هنا في مرحلتي التفكير السطحي والعميق عند حدود العقل صحيح، ونحن نقول لهم: لا يا إخواننا، هذه درجة. ثانية أرجوكم لا تُهمِلُوها من أجل سعادة
الدارين، لقد غمضت عليهم هذه الدرجة الثالثة وهي التفكير المستنير، التفكير الذي يطلب النور ويطلب الهداية، والهداية لا تكون إلا من عند الله سبحانه وتعالى. كيف إذن نصل إلى التفكير المستنير المستقيم؟ ذلك بأن العقل يُعطي للقلب الإحداثيات، فالقلب يربط بين تلك المعلومات. ببصيرته عندما يعطيها هذه الإحداثيات كلها يتدبر ويتأمل وقد يتحير العقل فيجيبه القلب فيسكن من
حيرته. هنا القلب يا مولانا يساند العقل في الأمور لكي يصل إلى التفكير المستنير. نعم دور القلب هنا مع العقل، نعم دور القلب مع العقل أنه ينير للعقل الطريق. الإنسان ينظر هكذا وبعد ذلك عندما درسنا. العين ودرسنا الضوء منذ زمن. ابن الهيثم كان عندنا عالماً كبيراً في هذا المجال، واسمه ابن الهيثم. وأبحاث ابن الهيثم هي التي أسست لاختراع الكاميرا، هي التي جعلتهم يتوصلون إلى صناعة الكاميرا. فيقول لك: أنت لديّ الآن في القرنية مقلوب، وبعد ذلك يقوم العقل بتعديل الصورة. فأنا أراك رأسك في الأعلى وقدماك في الأسفل، وأنت تراني كذلك. هل يوجد نوع من أنواع
الأمراض والخلل ولو كان نادراً يمنع تعديل الصورة فأرى الناس بالمقلوب؟ لا يوجد. إذن من الذي منع هذا؟ إن القلب يحيّر العقل، والعقل يحتار ماذا يقول. ما المانع؟ ما المانع أنه بموجب الضياء وانقلاب الصورة في القرنية أن تظل مقلوبة وتنقطع الصلة ما بين التعديل؟ العقل لها والواقع مانع من هذا، يعني لا إجابة، وهذا الذي يسمونه حائط القدر، أنه يصطدم بحائط القدر. هذه الأمور يا مولانا التي لا يوجد فيها دور للعقل. فالأصل أن العقل هنا احتار، فيتوقف عند نقطة معينة. نعم، لماذا؟
يعني لماذا؟ يقول لك: ماذا؟ أنت الآن خرجت. من بيتك، فعندما خرج الشخص من بيته سقط عليه قالب طوب وضرب رأسه بشدة. حسناً، لقد علمنا الآن أن خروجك إضافة إلى سقوط هذا القالب أدى إلى نتيجة. وعلى فكرة، نحن نعرف من أين سقط هذا الحجر وبأي سرعة - أطلقوا عليها العجلة - وبأي سرعة استمر حتى ضرب الرأس فجرحه. كل هذا نعرفه لكن... هذا ليس معروفاً لماذا جاء هذا مع ذاك، أي لماذا تزامنت هذه اللحظة مع تلك اللحظة عند نقطة التقائهما. فيقول لك إنها أسباب غير فلسفية، أسباب غير رياضية، أو هكذا نحن، فالقلب دائماً يتدخل هنا في الأسباب غير الفلسفية وغير الرياضية وغير
المنطقية وغير المعقولة، لماذا؟ حسناً، الصورة لا تبقى هكذا ويكون هناك مرض اسمه مرض الانقلاب، ومرض الانقلاب أن أرى الناس بالمقلوب. لا يوجد شيء كهذا. لدينا مرض يسمى عمى الألوان نرى الألوان مختلفة، ولدينا مرض العمى لا نرى شيئاً أصلاً. لدينا ولدينا ولدينا وليس لدينا هذا. لماذا؟ قس على هذا أن آلاف الأسئلة عندما... يتعمق الإنسان في العلم فيجدها ويجد أنها لم تُحل بعد أو أنها ليس لها إجابة، فيدخل القلب ليسد الفجوة بشكل جيد جداً، ويبني الجسر،
ويطمئن أنه بكلمة، ماذا أصبح هذا كله؟ سبحان الله، هذه الكلمة هي التي أصبحت، لكن لو خادع الإنسان نفسه وقال لعله يأتي في يوم من الأيام وانتهى الأمر. يكون أنه لم يُجب، فهو ليس علميًا لأنه لم يُجب على السؤال ولم يُطمئن حتى العقل ولا غير ذلك إلى آخره، إنما سبحان الله أقرّت بالحقيقة العليا التي تبدو هكذا. دعني أعطيك مثالاً آخر وهو نظرية الاحتمالات، نظرية الاحتمالات هذه تقول لك: ليكن لديك كيس فيه كرات وهذه الكرات مكتوب عليها. من واحد إلى عشرة، احتمال أن تخرج كرة فتخرج رقم واحد قال: واحد على عشرة. قال: طيب، احتمال أن تخرج كرة رقم واحد
وبعدها كرة رقم اثنين؟ قال: هذا احتمال من تسعين، احتمال واحد على عشرة في واحد على تسعة، يساوي واحد على تسعين. قال له: طيب، واحد... واثنان وثلاثة قال إنه احتمال واحد، واثنان وثلاثة هذا يكون تسعين في ثمانية يساوي سبعمائة وعشرين، يعني لو قمت بسبعمائة وعشرين محاولة ستخرج واحد اثنان ثلاثة مرة واحدة. قال: حسناً، تعال الآن في الكون وقل لي من الذي جعل القمر في هذا المكان لو ابتعد يحدث المد والجزر. ولو قرُب أن يُغرق الدنيا، ولو اقتربت الشمس لاحترقنا، ولو ابتعدت لتجمدنا، وهكذا. أريد أن أعرف عدد الاحتمالات.
رجل ألّف في العلم يدعو إلى الإيمان بالفرنسية وتُرجم إلى العربية يقول: هذا معناه أن واحد على ما لا نهاية - التي يسميها أهل الرياضة صفراً - هو احتمال كون هذا الكون بلا إله وبلا... خالق صفر غير ممكن، غير ممكن أن يكون هذا، فيبدأ القلب في التحرك عندما ينتهي العقل وينتهي بهذه الصورة ليصل مباشرة إلى دخول القلب في هذه المسألة. وفي كل العلوم، في الفيزياء هكذا، في ميكانيكا الكم هكذا، في قضايا الرياضيات هكذا، إلى آخره. طيب، هل يا مولانا الإدراك ظاهر الواقع في... يختلف التفكير السطحي عن التفكير العميق، أي هل إدراك ظاهر الأمور كما أراها بهذا الشكل سيختلف عندما أفكر بطريقة سطحية أو بطريقة متعمقة؟ هل
الظاهر له درجات؟ يقول لك مثلاً: أنت واقف عند كوبري الجامعة بالقرب من القصر العيني هكذا، وأنت ترى قبة. الجامعة صغيرة تماماً، كلما اقتربت كلما كبرت، وكل هذا في الظاهر فقط. لم ندخل بعد في العمق، نحن فقط في الظاهر. لم أحلل هذا، وهذا هو السبب. أنا حللت ولكن لم أعرف إن كانت هذه القبة من خرسانة أم من خشب بغدادلي أم من أي شيء آخر. أنا بالكاد أسير من عند القصر. من عند مسجد صلاح الدين، كلما اقتربت كلما كبرت القبة، فهذا يُسمى الظاهر. ما هي آيته الحقيقية؟ الحقيقة
أن هذه القبة أكبر مني، لكنني أراها من هناك بعيداً أصغر مني. وما بين هذا وذاك، يتبين أن الظاهر له تجليات مختلفة. انظر كيف أن الظاهر له تجليات. مختلفة ومن أجل هذه التجليات المختلفة للظاهر فقط حدثت في دراسات عن نفسيات الشعوب، عندما تذهب إلى جنوب شرق آسيا تجدها كلها خضراء، في كل مكان وأنت واقف في أي مكان، الدنيا خضراء ومغلقة، ما الذي بالداخل؟ لا تعرف ما يوجد بالداخل في عمق الغابة،
هل يوجد بها ثعبان أم بشر أم ماذا يوجد بها. هكذا لا أحد يعرف بشكل كامل، فتكونت النفسية لقبول الغيب في دراسات كهذه. وانتبه، يقول لك إن الإنجليز محصورون بين البحار فحصلت عندهم نفسية الصياد. اليونان ضيقة وأمورها بعض الشيء، فتجد فيها بخلاً قليلاً وهذه التصرفات. هكذا تتشكل نفسيات الشعوب، فنفسيات الشعوب هذه آتية من البيئة التي هو منها. الظاهر يعني من الظاهر فقط، فالظاهر له تجليات، وهذه التجليات لها إدراكات ما بين هذا وما بين ذاك، وما بين السطحي والعميق. بارك
الله فيكم مولانا. أهلاً وسهلاً بحضرتك، مرحباً. شكراً جزيلاً لحضرتك، وشكراً