أنواع القداسة - درجات المعرفة #22 | د. علي جمعة

أهلاً بكم مشاهدينا الكرام ونستكمل هذا الحديث الطيب مع فضيلة الدكتور حول مفهوم القداسة. تعلمنا منذ فترة في الحلقة السابقة أن القداسة صنفان: الصنف الأول هو قداسة إلهية لا يمكن أن تتغير أو تتبدل، وهناك قداسة بشرية يمكن أن تتغير وقابلة للتغير أو التحول. أرحب بفضيلة الإمام العالم الجليل الأستاذ. الدكتور علي جمعة: أهلاً بفضيلتك، أهلاً وسهلاً،
أهلاً وسهلاً، مرحباً بكم. مولانا، الشق الثاني أو النوع الثاني من القداسة - القداسة البشرية - أفهم من هذا أنها قد تكون متغيرة تبعاً للظروف وللأحوال وللزمان والمكان، هل هذا صحيح؟ طبعاً، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وآله وصحبه ومن والاه. القداسة تعني الاحترام، تعني الهالة التي نضعها على الأشياء، على الأفراد، على العلاقات، على المواقف، على الزمان، على المكان. ومنها ما هو إلهي، ومنها ما هو بشري. أما الذي هو بشري فهو محدود بحده. ماذا يعني محدود بحده؟ يعني مثلاً نطلق على الزواج الرباط المقدس، ما... لا مانع من استخدامه، فليس استعمالاً سيئاً أو شيئاً من هذا القبيل. الرباط المقدس، إذا جاء الطرفان
وأخلّا بقداسته، يحصل انفصال ولا يعود مقدساً. فقداسته، لأنها قداسة بشرية، لم تصل به إلى حد الديمومة، ولم تصل به إلى حد أنه مقدس في ذاته، بل هو مقدس باعتبار السعي إلى... إبقائه وليس في ذاته السعي إلى إبقائه، يعني نريد، ولذلك اشترط أهل السنة والجماعة في الزواج أن يكون مؤبدًا. ماذا يعني مؤبدًا؟ يعني لا أستطيع أن أقول: تزوجتك لمدة أسبوع، فتقول لي: وافقت على هذا الزواج. هذا لا يصح لأنه زواج مؤقت، لأنه زواج ليس مؤبدًا. يجب أن نترك الزواج الله يستمر، حسناً، لم يشأ أن يستمر، لا يجري له شيء لأن القداسة التي أُعطيت
له إنما هي قداسة من قِبل البشر، ابتغاء ألا يُمَس، ابتغاء أن يحترمه الناس، ابتغاء... ولذلك عندما يأتي شخص ويقول لها: "أنا أحببتك"، تقول له: "نعم، لكنني امرأة متزوجة"، وبذلك تكون قد صدَّته. ما هو السبب الذي صدته لأجله؟ لأن هذا الزواج عليه هالة من الاحترام وهالة من القداسة. فإذا كانت تصده وهو يحبها حباً خالصاً، فعندما جاء ليعرض عليها هذا الحب، اتضح - يا مسكين - أنها متوجة ومغلفة بالقداسة، وتستمر هكذا ما دام الزواج قائماً. فعلى الفور يأخذ أغراضه ويمضي قائلاً: نصيب في هذه الحكاية، لكن لا يأتي ليقول لها ماذا؟ حسناً، وما المانع أن تطلقي منه؟ وما المانع؟ ويُفرِّق بينها وبين زوجها، فهذا يكون
خراب بيوت، ويكون هذا خطأ، ويكون هذا اعتداءً على القداسة وتنجيساً للطاهر. هل تفهم؟ والتنجيس أصلاً سيئ، فما بالك إذا نجّست الطاهر؟ فتكون هناك جريمتان، فهو هكذا عندما تأتي امرأة تريد أن تتزوج رجلاً، تقوم أختها بأن تقول لها: "ماذا؟ إنه متزوج!". كلمة "إنه متزوج" تعني أنها ترسم لها هالة الزواج حتى تصدها عن الدخول فتعكر عليهم صفو وحدتهم، حتى لو كان الزواج الثاني حلالاً. هذه قضية أخرى، لكن هذا ما يحدث دائماً. ذاهبة لواحد متزوج هكذا فلديه قداسة هنا. حكاية التعدد هذه قضية أخرى تتعلق بالأحكام الشرعية المرعية بشروطها وأغراضها وأهدافها
وما إلى ذلك، لكننا نتحدث الآن على لقطة القداسة. هذه القداسة موجودة في هذه العلاقة، وهي قداسة محدودة بحدها مشروطة بشرطها عندما تأتي قداسة. الكعبة لا تظل هكذا دائماً إلى يوم الدين، وكذلك قداسة بيت المقدس، وقداسة المصحف، وقداسة سيدنا النبي. أهذه القداسة ستظل هكذا دائماً إلى يوم الدين؟ مولانا، فيما يتعلق بقداسة سيدنا النبي، هل هي قداسة بشرية أم قداسة - لا أعرف كيف أصفها - إلهية؟ نعم، لأنها منتسبة [إلى الله]. إلى الإلهية: الله هو الأصل. نحن نعرف النبي باعتبار نسبه أو حسبه، ونحن نعرف أنه نبي لأنه كان مبلغاً عن الله، وقد عرفنا هذا الإنسان الكريم الكامل من قِبل
الله، لأنه أوحى إليه واختاره واصطفاه وجعله مهبطاً لوحيه سبحانه وتعالى، ومبلغاً لرسالته، وسيداً للكونين. نحن أحببناه حيث أمرنا الله سبحانه وتعالى باتباعه وتعظيمه وتوقيره والصلاة عليه، فهذه الأمور آتية من عند من؟ هل أنا الذي أقول أصلي عليه؟ إنه ربنا الذي قال: "صلوا عليه وسلموا تسليما"، "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"، فديمومة الاحترام والصلاة بالتالي. ديمومة القدسية إلهية، الإلهية لأنها موجودة في القرآن، وهو دائم الذي هو صفة من صفات الله، الذي هو كلام الله غير المخلوق في ذاته سبحانه وتعالى. إذاً نحن هنا أمام قداسة إلهية. النبي بعد أن انتقل إلى الرفيق
الأعلى ما زال نبياً، نعم بالطبع النبي ما زال نبياً. أين هو إذن؟ نعم، جثمانه الشريف في المدينة المنورة، وروحه في أعلى عليين، وما زال نبياً. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه ما زال يُوصف في الأذان بقولنا: "وأشهد أن محمداً رسول الله"، وأصفه بـ "السلام عليك أيها النبي". انظر كيف أوجّه الكلام إليه في التحيات وكأنه حاضر! "أيها"... هذا النبي ليس "السلام على النبي" الذي غاب، الذي كان نبياً لهذا ما كان. ليس كان نبياً فيصبح إذا هذه قداسة إلهية. لماذا؟ لأنها دائمة، لأنها من قبل الله. سميت إلهية لماذا؟ لأن الله هو الذي وهبه وأنزل عليه وتفضل عليه بهذه القداسة. هو الذي أمرنا
بهذه القداسة. قبر النبي هو... يحظى بنفس القداسة قطعاً والمدينة ومكة والمسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد القدس والآثار النبوية كلها والآثار الله على طول وأجمعت الأمة حتى الجماعة السلفية الوهابية على أنه يُتبرك بآثار النبي، التبرك بآثار النبي هذا متفق عليه بين الأمة ليس فيها كلام، وورد في الصحيح أنه عندما حلق رأسه. الشريفة شعرة تبركت الصحابة بها وفي الصحيح أنهم تبركوا بعرقه وهكذا فالنبي عليه الصلاة والسلام قطعاً يُتبرك به بل وبما لامسه. بعض الناس يختلفون مثلاً على قداسة الحجر الأسود، فهل بالتالي هذا يعني الانتقاص من القداسة أو عدم الاعتقاد بالقداسة قد
ينتقص من إيمان الإنسان؟ القضية ليست... هكذا القضية أن المفاهيم مختلة. ذلك الذي ظن في ذهنه أن القداسة لها علاقة بالعبادة، أي أن المقدس يجب أن يُعبد أو أنه من لدن الله، يعني شيء من هذا القبيل مثلاً. وعرف أن الإسلام هو دين التوحيد، يأبى أن يصف الحجر بالمقدس أو بأنه مقدس، وهو بتقديسه الذي هو ولكننا نصحح له المفهوم ونقول له: هذه الحروف القاف والدال والسين لا تُستعمل في قضية العبادة، وإنما تُستعمل في قضية الاحترام. هل أنت من الحشاشين الذين استولوا على الحجر فأهانوه؟ أتريد أن تهين الحجر يعني؟ يقول لك: أعوذ بالله، لا، هذا الحجر محترم. قال لهم: ولكن محترم يساوي
مقدس؟ هذا لنفهم له يعني نحن لا ننكر أنه ينفي عن الحجر العبادة، فنحن لا أحد منا يثبت للحجر العبادة، وإنما نصحح له مفهوم القداسة. نقول له القداسة ليس معناها هكذا، وإنما معناها الاحترام وليس العبادة. نعم، العبادة. يرد على الذين يعتبرون تقديس سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام بأنه شرك. يعني أنت تقدس النبي أنت تقوم بذلك، فبالتالي هذا المصطلح خاطئ. يعني تقديس النبي ليس شركاً، ليس شركاً بدون شك، لأن احترام النبي واجب. أجبهم مباشرة قائلاً له: يعني أنت لا تحترم النبي؟ سيجيبك قائلاً: لا، الاحترام شيء والتقديس شيء آخر. إذاً هو مشوش وليس لديه معرفة باللغة. العربية هكذا لغة أصبحت فارسية تركية أي شيء يعني، لكن
اللغة العربية القدس معناها الطهر والاحترام وليس معناها العبادة. فالنبي صلى الله عليه وسلم طبعاً مقدس بمعنى محترم ولم يعبده من المسلمين أحد والحمد لله رب العالمين. فبالتالي هذه القداسة والاحترام هي دائمة نتيجة لما هو إلهي صحيح فهو. دائم أما ما دون ذلك من الأمور البشرية أو المنتجات البشرية أو ما إلى ذلك فقداسته مرتبطة ببقائه وببقاء احترامه وبقاء اعتباره. أنت تعرف ميدان الأوبرا القديم في القاهرة، في المنطقة التي في مواجهة الكوبري، هذا الكوبري الذي يؤدي إلى الأزهر، كانت مسجداً ولدينا صور، فوتوغرافية لهذا المسجد. التي هي مكان تمثال إبراهيم باشا الذي في مكان على يساره هذا
الشارع الذي هو مقابل، مقابله توجد مجموعة من المحلات في الشارع المقابل، مجموعة من المحلات هذه، تسير فيه السيارات. أصحيح يا مولانا؟ نعم، كان هذا مسجداً وكان مسجداً متهدماً وأُزيل عام ألف وثمانمائة وتسعين. لكن قبل عام ألف وثمانمائة وواحد وتسعين جاءت صورة تُظهر مسجداً، ولكن ماذا يعني؟ هذا المسجد له أحكامه وقداسته، فزالت عن هذا المكان القداسة لأنه أصبح طريقاً تماماً. فهل لا يجوز للجُنُب أن يمر من هذا المكان؟ لا يجوز. حسناً، لماذا لا يجوز له المرور من هذا المكان؟ لقد كان نعم، كانت وأصبحت طريقاً
الآن، لا يوجد مانع. فالقداسة هنا ترتفع، القداسة ترتفع، انتهى الأمر. لماذا؟ لأنها إنما أُعطيت له بشرط، وأُعطيت له في حدود أن يكون مسجداً، نعم. لكن عندما زالت صفة المسجد، تزول معها فوراً قداسته، ويصبح طريقاً كسائر الطرق. جميل، هذا غير حكم ماذا نفعل. في المسجد الذي خُرِّب ننقله إلى مكان آخر، لكن هذا أصبح ملكاً لنا، وكذلك المقابر في شارع صلاح سالم، كان كله مقابر، ثم جاء تخطيط المدينة بأنه يجب أن يمر هنا شريان حتى يتدبر الناس أمورهم، فذهبوا قائلين للناس: من أين كانت تبدأ المقابر؟ كانت تبدأ من مستشفى الحسين. مستشفى
الحسين هذا هو بداية مقابر المجاورين وأنت صاعد هكذا على طول، فقالوا هذا، نحن سنعمل هنا الشوارع وهكذا، أزيلوا الموتى الذين هنا، فأزالوهم ودفنوهم في الناحية الأخرى. هذه المقبرة لها قدسية، يعني لا يصح أن تفتح على المسلمين ولا تهدم قبورهم ولا تأخذهم بالجرارات ولا هكذا الآن المكان. هذا ليس له ذات القداسة، لماذا؟ لأنه تم نقل جثمان الأولياء الأتقياء العلماء إلى مكان آخر، وهكذا. فالقداسة البشرية هنا محدودة ومشروطة ومؤقتة بشروطها. حسناً، بعد الفاصل فضيلتكم سنتحدث عن المصريين أو الشعوب الإسلامية وخصوصاً الشعب المصري، كيف يتعامل مع مفهوم القداسة من وجهة نظر فضيلتكم بعد الفاصل إن... شاء الله تكونوا معنا، أهلاً
بحضراتكم مرة أخرى في هذا الحديث الطيب والمهم والشيق مع فضيلة الدكتور علي جمعة حول مفهوم القداسة. وأشكر الحقيقة مرة أخرى فضيلتك على تصحيح وإيضاح هذه المفاهيم المختلطة لدى الكثير منا، شكراً لحضرتك. نعود للقداسة، ولكن كيف يؤثر مفهوم القداسة في عقلية... الشخص الموسم وبالفعل كيف أثّر في عقلية الشخص المسلم، سيدنا النبي رسم لنا حدوداً تمسك بها المسلمون وإن شاء الله إلى يومنا هذا، يقول فيها: "ليس منا، ليس منا" - هذه عبارة قوية
جداً - "ليس منا من لم يوقر كبيراً ويرحم صغيراً". إذاً نهج المسلمين هو مبني على توقير، الاحترام يعني التقدير، والتقدير يعني تبجيل كبار السن. ذهب واحد منهم يريد أن يتكلم ليشرح كيف حدثت الجريمة وما إلى ذلك، فقال له رسول الله فيما أخرجه البخاري: "كبِّر كبِّر، دع أخاك الأكبر هو الذي يتكلم". فيكون الأخ الأكبر محترماً مقدراً، أي أن للأخ الأكبر مكانة خاصة في هذا الموضوع. احترامي الكبير، عندما تربينا نشأنا على هذا النهج، فكان صاحب المكتبة وصاحب الصيدلية وصاحب البقالة، حين
يكبر المرء قليلاً، يقول لي: "أنا الذي ربيتك". ما معنى "أنا الذي ربيتك"؟ ما شأنه بي؟ هل كان من أفراد عائلتنا؟ نعم، لقد نشأت في الحي وذهبت إليه. أخذت منه وتعاملت معه وهو يحسب لي ويقول لي كذا يكون عشرة صاغ ونصف، والعشرة صاغ هذه علمتني قيمة التسامح وقيمة التساهل في البيع والشراء وهكذا من غير أن... والعشرة لأن عشرة صاغ هذا مبلغ كبير وقتها، عشرة صاغ ونصف يعني عمل لي خصماً، أتفهم؟ أو مثلاً... وضع الحلويات، فأعطيته العشرة صاغ التي اشترينا بها أشياء هكذا، فقام بإعطائي منها قطعة روحية أو قطعة
ملبسة أو شيئاً كهذا. إن هذه القطعة تصبح أعز عندي من كل ما اشتريت وحصلت عليه. وأنا أتذوقها، ما زال طعمها إلى الآن. نعم، هذا رباني حقاً، هذا شارك في تربيتي بالفعل. إذا كان هذا الود وهذا الحب وهذه الرحمة وهذا التسامح وهذه التربية موجودة بأنك إياك أن ترفع صوتك أمام الكبير، إياك، فقد أصبحت هذه قيوداً يُراد التفلت منها. يقول لك: لا، هذه أمور تسمى السلطة الأبوية ونحن نريد أن نكسر السلطة الأبوية، وهناك ما يسمى سلطة الدولة ونريد أن نكسر شيء يُسمى سلطة اللغة ويريدون كسر سلطة اللغة، وهناك شيء يُسمى سلطة الدين ويريدون كسر سلطة الدين. لماذا يا جماعة تريدون كسر هذه السلطات؟ إن الإنسان لا يكون إنساناً إلا بها. قالوا من أجل الإبداع، وهنا لا
يوجد فرق بين الإبداع وبين الفوضى. الإبداع كما قلنا في... الحلقات السابقة توضح أن الإبداع لا يتأتى بهذه الفوضى، وإنما يتأتى بأن تنشئ شيئاً لا على مثال سابق. وقد ضربنا - كما تتذكر - مثالاً بابن مُقلة، ومثالاً بالزخرفة، ومثالاً بالتعشيبات، وبالعمارة الإسلامية. هناك أمثلة كثيرة جداً على ذلك، فالمسلمون اخترعوا أكثر من ألف اختراع، وكانوا سبباً في اختراع ألف الكاميرا وهذا كله قد اعترفوا به وكتبوه وعملوه وانتهينا منه. أريد أن أقول لسيادتك إن مفهوم القداسة الذي استقر عند المصريين من الأدلة الشرعية المرعية أثَّر في سلوكهم إيجاباً. وعندما اهتز هذا المفهوم
باهتزاز اللغة أولاً، بدأت كلمة القداسة تختلط وبدأ الناس لا يفهمونها، فيعتبرونها عبادة فينكرونها، فيذهب معها في... لقد ضاع الاحترام نفسه، فلم يعد هناك من يحترم الكبير، ولا من يحترم المدرسة، ولا من يحترم أحداً. وتأتي مسرحية "مدرسة المشاغبين" لتقضي على البقية الباقية من احترام المدرس، التي هي قداسة المدرس، قداسة التعليم. هل تدرك كيف لم يكن الحال عندنا هكذا؟ لم يكن الوضع بهذه الصورة. القضية أنني كنت وقتها في السنة الثانية الثانوية، وعُرض فيلم "مدرسة المشاغبين" هذا، لكنه كان بالأجنبي وبطولة سيدني بواتيه. وبعد ذلك بفترة، بعد سبع أو ثمان سنوات، جاءت المسرحية. طبعاً في المسرحية، لم يكن أحد
يعرف شيئاً عن سيدني، الذي كان ممثلاً أسمر اللون ومشهوراً. لكن عندما جاءت المسرحية وأُذيعت الدنيا تغيرت. كيف تغيرت الدنيا؟ بسبب فقدان الاحترام للمدرس. كان المدرس محترماً وكانت له قيمة. أتذكر أن مدرسي كان يسأل عني بعد الامتحان وبعد ظهور النتيجة. كان لابد أن يسأل عني ويطمئن ويفرح بأن النتيجة صارت هكذا. وعندما كنت أحصل في الرياضيات على مئة وعشرة، كان يأتي ليواسيني بشأن العشرة. هؤلاء كانوا مائة وعشرين، فجلبتُ مائة وعشرة من مائة وعشرين، فيأتي ليسليني ويقول لي: "مائة وعشرة مثل مائة وعشرين، لا تخف، أنت كأنك حصلت على الدرجة النهائية"، ويسليني. كانت هناك مصيبة عندي حدثت أنني فقدت
العشرة هؤلاء. هذه العلاقة من الود، من الحب، من الاحترام، من الأبوة، من... ليست مجرد معلومات، إنها تربية وتعليم، إنه إنشاء لأجيال بعد أجيال من أجل أن تضطلع بالمسؤولية وتقوم بها. الناس أحياناً تستهين بمثل هذه المعاني، وموجودة هذه الاستهانة منذ زمن طويل. يقول لك: "ستنجح بالرغم من فشلك"، لا، هذا مدمر للعمر، فالفاشل ما كان لينجح، وبعد ذلك تعال. يا ولد، ما معنى "فلكح" أصلاً؟ يعني انظر كيف اللغة مختلة. فلكح يعني اصنع ما شئت. لا، بل لا بد من الضبط والربط والسلوك والقداسة. وهذه الأشياء عندما
تُفقد بهذه الكيفية يحدث خلل في المجتمع. الحقيقة يا مولانا، موقف الحقيقة كنت ربما أنا تعرضت له عندما كنت أتحدث مع أحد من إحدى الدول العربية تأتي سيرة الصحابة، فحينما يأتي اسم الصحابي أقول سيدنا، فهو يتعجب ويقول لي: لماذا تقول سيدنا؟ لماذا تضيف عليه قداسة؟ هل يمكن لحضرتك أن تشرح لنا أبعاد هذا الموقف؟ يعني فكرة هل نطلق ونسيّد الصحابة أم لا نسيّدهم؟ هل تقديسي لهم بهذا المصطلح هل هو في عدم تقديسه لهم ليس عليه فيه وزر أو شيء. القضية كلها أننا إذا أردنا أن نأخذ شيئاً من ديننا رجعنا إلى الكتاب والسنة فقط، وننظر ماذا يقول الكتاب والسنة. فإذا رأيت مثلاً في قصة سيدنا يوسف أنه سمى العزيز
سيداً، وكذلك نرجع في قصة سيدنا معاذ حين قال النبي عندما "قوموا إلى سيدكم فأنزلوه". حسناً، لقد سماه سيداً إذن. فعندما أقول "سيد" اتباعاً للكتاب والسنة، يلومني. فهل يجدر بي أن ألومه أنا؟ وأنا في الحقيقة لم ألمه على قوله "عمر" وما إلى ذلك، لأن الصحابة كانوا ينادي بعضهم بعضاً هكذا، لكن قال رسول الله عن نفسه... أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ ولا فخرَ، فقال فيَّ سيِّدُها لدى البابِ. خلاصةُ الأمر أنَّه إذا كانَ لقبُ السيِّدِ يُطلَقُ على العزيزِ المحترمِ وعلى الصحابيِّ، وأُطلِقَ على سيِّدِ الخلقِ أجمعين، فأنا عندما أقولُ سيِّدُنا عمر،
هل يحدثُ شيءٌ؟ يعني ما هي جهةُ الاعتراضِ إلا الجفاء؟ دعني أقولُ ما اعتدتُ عليه. وأقول له لأن هناك شيء من الاحترام، فنحن في مصر تعودنا عندما نقول سيدنا عمر، فأنت تعرف فوراً أنه عمر بن الخطاب. ولكن عندما أقول لك "على فكرة، عمر قال" فستسألني "عمر من؟ أهو عمر أفندي أم عمر من؟ يعني من هو؟ أأنت عمر؟" فهذه المسألة... أن العقل الحديث يحتاج إلى هدم القداسة هذا كلام سيئ كان عند بعض المدارس الأمريكية قبل سنة ألف وتسعمائة وستين وإخواننا الذين يدعون إليه هؤلاء تعلموا قبل ستين عاماً ولم يعرفوا الثورة التي حدثت في منتصف التسعينيات ولا يعرفون ما هو
الكلام الجديد وأنا أقول لك الآن أن هؤلاء الناس أعلمُ، حتى أنني لا أعرف كيف أقلد الجفوة أو الجهل. إنه سبب عدم وضع الأمور في نصابها، وهل بالتالي منكر هذه القداسة يكون مرتكباً للذنب؟ أما لأنه لم يقدس فلا، ليس ذنباً، ليس ذنباً، لكنه يكون مخالفاً، يكون غير محترمٍ لنفسه، لأن الله يقول: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ فليس ذنبًا وإنما هو قصور أو تقصير. هل هناك حدود للقداسة يجب ألا تُتعدى في تقديسنا للشيء أو احترامنا له؟ يجب ألا نتجاوزها. إذا كان من المنظور أو من منظور القداسة البشرية، يعني مثلاً أضرب لك مثالاً بتقديس المصحف. مثلاً تقديس المصحف آخذه
في حديث في مسلم وابن ماجه، خذ. بيمينك وأعطِ بيمينك، قم، أنا حريص أن أسلمك المصحف بيميني لأن اليمين عندي لها رمزية إيجابية أكثر من اليسار، وبعد ذلك عندما نضعه لا نضع كتباً فوقه، وعندما تأخذه تقوم وترفعه هكذا وتقبّله، هل تنتبه؟ نعم، كل هذا من درجات القداسة، من درجات القداسة، لا أحد... يعترض بعض الناس، فيأتي شخص يهدي آخر نسخة من المصحف، فيأتي آخر ويسأله: لماذا تقبّله؟ لماذا أقبّله؟ إنه كلام الله! هل تنتبه لذلك؟ مرة حدث في الهند، وهذه القصة مكتوبة في الكتب، أن شخصين
اعتنقا الإسلام، وبعد ذلك أعطاهما الرجل الذي أسلما على يديه مصحفاً هديةً، فأخذا المصحف وذهبا. البيت، وبعد ذلك قالوا: والله، نحن لم نقل لهذا الرجل أين نضع هذا الكتاب. هذا كتاب، هذا كتاب ربنا، هذا شيء يخص ربنا، هذا ملك ربنا. فقالوا: حسنًا، وماذا نفعل؟ قال: لا أعرف، الرجل ذهب ونحن لا نعرف، وليس حولنا مسلمون نسألهم ماذا يفعلون في هذه المسألة. فذهبوا قلقين ولم فوضعوه على رؤوسهم طوال الليل حتى طلع النهار، وبدأوا يتحركون وهو على رؤوسهم متجهين إلى الرجل في القرية الأخرى الذين أسلموا على يديه،
فذهبوا وقالوا له: "نحن الآن أخذنا منك كلام الله ولا نعرف ماذا نفعل به، أين نضعه؟" فقال لهم: "ضعوه على طاولة، ضعوها فقط هكذا." نحن لم نستطع النوم، فهؤلاء الأشخاص الذين لا يعرفون اللغة العربية حفظوا القرآن في غضون شهر، سبحان الله! في غضون شهر، في غضون شهر وهم لا يعرفون العربية حفظوا القرآن. ما الذي يميز هؤلاء الناس؟ إنه الحب، نحن نقول إن الحب يغير الحدود ويحرك الجبال. لا أحد يصدق، إنهم غير راضين بالتصديق، يقول لك: "لا، أنتم تتكلمون كلاماً خرافياً". على كل حال، من ذاق عرف، ومن عرف اغترف. نعم، والذي لم يذق فالله يكون في عونه، الله يكون في عونه. نعم، لأنه لم
يرَ، له الحق في أنه لم يرَ. حسناً، من أين رأيت أنا وانظر كيف أثّرت فيهم شدة الحب وشدة الاحترام وشدة التقديس للمصحف. لا نحن أمامنا كنوز لكن لا أحد يعرف عنها شيئاً، ولا أحد يعرف إن كانت مجرد حجر أم قطعة ماس، ولذلك هم غير مهتمين. بارك الله فيكم، أهلاً، شكراً جزيلاً لحضرتك، شكراً لكم، إلى اللقاء،
شكراً للمشاهدة.