احترام الخصوصية | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وهو الذي علمنا كيف نسير في هذه الحياة بمجموعة من الأخلاق والمهارات، بمجموعة من الأحكام والسلوكيات. ما أحوجنا أن نرجع إلى هذا النبع الصافي وهذا الكنز النبوي المصطفوي حتى نأخذ منه. في حياتنا كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا احترام الخصوصيات، يعلمنا عدم التفتيش والتنقيب عن
عورات الناس، يعلمنا عدم التدخل في الحياة الشخصية للأفراد. جاء في مجتمع أسميناه بالمجتمع الجاهلي بالجاهلية الأولى ولم تكن لديهم هذه الأخلاق الراقية، كان لديهم سوء الظن وكان لديهم حب التفتيش والتنقيب. والبحث والدخول بين الإنسان وجلده وبين الإنسان وعظمه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليمنعهم من هذا وليربيهم على شيء آخر، على خلق، على خلق أقوى، على صفة أعلى، وهذه الصفة كانت احترام الخصوصية وكانت منع
سوء الظن ومنع التفتيش ومنع تتبع العورات، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا وكونوا عباد الله إخوانا جعل الأخوة العامة بيننا وبين الخلق مانعة من الظن وانظر إلى الحديث تجده يتحدث عن الظن وليس عن سوء الظن وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا البرهان يعلمنا والدليل يعلمنا اليقين، وكان
دائما وهو يعلمنا هذا المعنى يقول: أرأيت الشمس؟ فعلى مثلها فاشهد، يعني أن الإنسان عندما يذهب إلى المحكمة أو إلى القاضي أو إلى جلسات التحكيم أو عندما يستشهد ليشهد فإنه لا بد له أن يشهد باليقين بما رآه دون أن يدخل رأيه في تحليل رآه وفي رأيه هو، ولكن هو يريد ما الذي رأيته، ولا بد أن تكون قد رأيته على جهة اليقين والقطع، ولذلك قال أرأيت الشمس؟ الشمس لا تحتاج إلى دليل، ولا يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل، ولكن الشمس
هذه ظاهرة وواضحة لا يمكن أن تحجب عنها إلا شخص لديه علة وحجاب بينه وبين الرؤية كأن يكون مصابا بالعمى أو يكون كفيفا أو ضريرا وهكذا قد تنكر العين ضوء الشمس من الرمد وينكر الفم طعم الماء من السقم إذن فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا اليقين وينهانا عن الظن يريد أن يجعل عقولنا تعمل بالبرهان بالدليل باليقين بالظن وسوء الظن أسوأ من الظن، فإذا كان قد منعنا من الظن أصلا فسوء الظن من باب أولى، فإن الظن
أكذب الحديث بالرغم من أن الظن من الممكن أن يكون هناك احتمال في صحته ولكنه منعنا من أن يظن أحدنا في أخيه وأن يبني على ظنونه هذه، ولو أن الناس الخلق لما رأينا ساحات المحاكم في هذه المنازعات والخصومات، لما رأينا الناس يسب بعضهم بعضا ويقذف بعضهم بعضا من سوء الظن أو من البناء على الظن الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا نهانا عن التجسس بكل أنواع التجسس وعلى كل درجات لا نتجسس على إخواننا ولا نتجسس على
جيراننا ولا نتجسس على أهلنا حتى أهلنا لا نتجسس عليهم ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر أحدنا إلى كتاب أخيه من غير إذنه وإذا وصل لأحدهم الجواب فأمسك الجواب يقرؤه فلا يصح ولا يجوز أن أنظر إليه لأرى ما من أين هو يقول له ماذا إلا بإذني هو الذي يدعوني لكي أقرأه أو يأذن له بأن يقرأ معي هذه العبارات أرى أن الأمر يريد أن يطلعني هو على ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم قال من نظر من ثقب باب في باب هكذا وله ثقب فأنا أريد أن أتجسس عما
في البيت من ثقب باب فحذفه من بالداخل بحصاة ففقأت عينه فلا دية له يعني ربنا وضع الدية من أجل التعويض إذا ما حدث خطأ أو حدث قصد وعدوان فهناك ترتيب لهذا الأمر أما الذي اعتدى ووضع عينه في الثقب من أجل أن يتجسس أو أن يتحسس، تجسس وتحسس أي نقب وفتش أي أراد أن يذهب إلى هذه الأوراق ويطلع عليها وهو ليس من حقه أن يفعل هذا لو أننا التزمنا بها
فإن كثيرا من مشكلات حياتنا التي نوقع أنفسنا فيها ستنتهي والنبي صلى الله عليه وسلم يتمادى حتى يمنع التجسس على أهلنا على من نحن أي مسؤولون عنهم فأيضا الخلق لا يتجزأ، وما دام في خلق راق مثل هذا فلا بد أن يسير على الكمال. فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى أن يترك الرجل أهله بليل يتخونهم أو يلتمس عوراتهم. وفي حديث آخر أمره رسول الله صلى الله عليه
وسلم جاء من السفر فلا يطرق على أهله حتى يذهب إلى المسجد، فالمسجد مركز المجتمع ومركز المدينة. فالشخص الذي يريد أن يتجسس على أهله لعل زوجته تخونه فيريد أن يفاجئها لكي يضبطها وهي في حالة التلبس أو في حالة الخيانة، نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا وعد هذا الخلق الدنيء وقال: أبدا، أنت مسافر وأتيت، فيجب أن تنزل أولا في المسجد، قم الأولاد والناس ليخبروا الزوجة ويقولوا لها: هذا فلان قد أتى، ويعلم ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم في جماله وحلاوته، سيدنا رسول الله كان جميلا في أخلاقه وفي خلقه وفي خلقه وفي كل شيء قال لعل أن تنتشط الشعثاء أو تستحد المغيبة، يعني تتزين لك، تهيئ نفسها لاستقبالك. في عصرنا الحاضر يجب أن نتصل هاتفيا لنقول لهم إننا قادمون خلال ساعة، ها أنا ذا قد وصلت المطار، ها أنا ذا قد وصلت المحطة، لقد عدت من السفر، سأصل بعد قليل، هذا ما ينبغي فعله. بنفس مقام النزول في المسجد، حيث كان المسجد مركز المدينة، حيث كان المسجد مركز للأخبار، حيث كان المسجد موصلا لهذه
الأخبار، فنحن نريد أن نوصل الخبر، توصيل الخبر هذا لعلها تنشط الشعثاء فتسرح روحها وهكذا وتستحد الغائبة، أي تأخذ حماما وتتزين وتستقبل وتعد الطعام لأنه قادم من السفر. ولكن من أراد أن يداهمها شاكا فيها فهذا من سوء خلقه، رجل يقول: يا الله، طيب ما أنا عندما أتصل بها بالهاتف ويكون عشيقها معها أما هو فسيذهب، وانظر إلى الفكر، انظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن ينظف هذا العقل وهذا يريد أن يتمسك بهذه القاذورات في عقله ظن عبدي به هذا الشخص يعذب نفسه فيعذبه الله سبحانه وتعالى ويتشكك في الخلق فيجازيه
الله سبحانه وتعالى بما يفعل ولذلك كان يريد حسن الظن وكان يريد عدم التفتيش وكذلك فجاءه أعرابي وقال له يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود وهو أبيض فقال له أليس لديك إبل قال نعم يا رسول الله، قال ما لونها؟ قال حمراء يا رسول الله، مثل هذا الطوب يعني، فقال أليس فيها أورق؟ أما فيها واحد لون مختلف؟ قال بلى إن فيها ورقاء، هذا ليس واحدا فقط بل هذا كثير، قال له فلماذا؟ قال لعله عرق النزع، قال وفي هذه لعله عرق النزع، ولذلك كان يريد أن ينظف عقولنا وقلوبنا من الظن السيء. يا ليتنا نعود إلى ما
علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتستقيم الحياة الاجتماعية. وإلى لقاء آخر أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.