احترام الكبير | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرحبا وأهلا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبيب المصطفى والنبي المجتبى الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، نتعلم منه ما يقيم مجتمعنا البشري وما يفيد مسيرة حياتنا ومصالحنا ومبادئنا بحيث نوجد التوازن بين
كل ذلك. تحدثنا في حلقة سابقة عن قضية الرحمة بالصغير واحترام الكبير وتناولنا الحديث حتى استوفينا رحمة الصغير. بما يسمح به الوقت واليوم نتحدث عن احترام الكبير، هناك حديث أخرجه البخاري ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم عبارة في وسط هذا الحديث صارت كالمبدأ، كالنصيحة الذهبية، كالقاعدة الأساسية وأصبحت بعيدا عن القصة وبعيدا عن الحديث نفسه الذي وردت فيه أصبحت لها دلالة مستقلة، وذلك أن
رجلا كان اسمه عبد الله بن سهل وهناك شخصان محيصة بن مسعود بن زيد انطلقا معا إلى خيبر وإذا بعبد الله قتل ولا نعرف من الذي قتله فمحيصة دفن عبد الله بن سهل ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنا توجد جريمة قتل لا نعرف القاتل وجاء أهل عبد الله ابن سهل كان له أخ اسمه عبد الرحمن بن سهل وكان صغيرا في السن أصغر القوم وحويصة ومحيصة أخوان
وهما ابنا رجل اسمه مسعود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم لرفع دعوى ضد القاتل المجهول وجاء عبد الرحمن بن سهل ولأنه القتيل ولأنه أكثرهم التصاقا بالقتيل ليتكلم في القضية والقوم فيهم تردد وحيرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كبر فهذه هي العبارة التي صارت بعد ذلك النصيحة الذهبية والقاعدة الأساسية واستقلت من الحديث "كبر كبر" أي إنك صغير في السن ونسمعك ولكن من الأدب واللباقة واللياقة والآداب
الاجتماعية أن تجعل الكبير هو الذي يتكلم أولا كبر صارت بعد ذلك هي الأساس في وضع الآداب، نحن لسنا بذلك نحاول أن نقهر الشباب ولا أن نغلق عليهم فرص التعبير عن النفس أو المطالبة بما يريدون، إنها عملية آداب ولياقة ولباقة يتربى عليها الجميع في توازن علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا التوازن
يعني أن يتسق مع الفطرة التي خلقها الله في بني البشر وأصبحت كلمة "كبر كبر" هي القاعدة في الكلام، وفي الجلوس، وفي المساعدة والمعاونة، وهنا يحدث شيء بين الناس حيث يشعر الكبير بشيء من الرحمة ويشعر الصغير بشيء من الوقار والاحترام تجاه ذلك الكبير، فالكبير يشعر عندما يتلقى مثل هذه الأحكام ومثل هذه السلوكيات تجعله يشعر بالامتنان، يشعر بأنه
ما قدمه لأبنائه ووطنه ومجتمعه لم يذهب سدى وأنهم قد حملوه ورفعوه وقدروه، وشعور عدم التقدير هذا إذا حدث في قلب الكبير يكون مؤلما جدا لأنه سيشعره بالأنانية، سيشعره بالنبذ، سيشعره بأشياء قبيحة جدا لا يجب علينا أن نشعره بها، يجب علينا أن نشعره بعكسها، ولذلك عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا
قيض الله له من يكرمه عند سنه". فهذا الحديث فيه أن شابا وكلمة شاب تعني لديه قوة في الجسد، لديه قدرة على الحركة قدرة على النشاط قيض ما أكرم شاب شيخا أكرم إذا فهو من باب الإحسان وهو من باب الحب لأن الحب عطاء والكرم عطاء فالحب نوع من أنواع الكرم ما أكرم شاب شيخا لسنه لأنه شعر أنه قادر
على أداء هذا الفعل هذا الكلام ممدوح عند كافة البشر أن الشاب يجب عليه أن يعين الشيخ، فإذا ما أعانه وقلبه معلق بالله أنه يكرمه لسنه، قيض الله له هذا الشاب. عندما يكبر يبدأ يشعر بمشاعر لم يكن يدركها من قبل، قوته تزول، يبدأ ظهره يتعب، يبدأ لا يستطيع أن يقوم كما كان يقوم من مجلسه، هناك تغيرات جسدية يشعر بها تكن موجودة كان يصعد السلم ثلاث أربع درجات وينزل
السلم ثلاث أربع درجات في خطوة واحدة وبعد ذلك لا يستطيع أن يصعد السلم الآن إلا خطوة وربما خطوة ويقف على السلم وربما يدور ويجلس كي يستريح لأنه غير قادر على المتابعة فرق ما بين حالة الشباب وحالة فإن الله سبحانه فإن وتعالى يقدر له من يكرمه عند كبر سنه فيصبح كأنه كما نقول سلف دين أنت أيها الصغير أكرمت الكبير وأكرمته لسنه أكرمته عطاء منك وإحسانا وشعورا بالواجب الذي عليك فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع عليك هذا في الدنيا أما في
الآخرة فلك الثواب ولك الأجر أما في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى ما دام قد أوجد في قلوب الناس هذا التعاطف وهذا التراحم يحمل بعضنا بعضا، فإنك ستجد من يرفعك ويعينك ويساعدك. حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنزلوا الناس منازلهم، ويقول عن أبي موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي
فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط. هنا في هذا الحديث يبين لنا بعض الآداب الاجتماعية المتعلقة بالكبير، فهناك كبير في السن وهناك كبير في العلم وهناك كبير في الوجاهة والسلطان وخدمة الناس، ويبين لنا أن جهة الإكرام ليست من الخوف وليست من الرهبة بل هي من الحب فهذا صاحب السن نفعل هذا إكراما لله حتى يقيض الله لنا من يحملنا في سننا
الكبير ذي الشيبة المسلم إن كبير السن وحامل القرآن حامل القرآن يعني هناك علم حامل القرآن قدر قدره الله عليه أن يكون من أهل الله ومن أهل القرآن تعظيما منا لصاحب القرآن ولحامل القرآن لأننا نعظم القرآن فينبغي علينا أن نقدم له كل معونة وأن نقدم له كل احترام، حامل القرآن وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الصفات التي تبين أن هذا الإكرام ليس من خوف وليس من عادة بل هو من أجل المحبة فيقول غير
الغالي فيه والجافي عنه إذا حمله للقرآن في ذاته لا بد أن يضاف إليه خدمة لهذا القرآن والوقوف عند هذا القرآن والحمد لله وعلى مر العصور كان حملة القرآن في أغلبهم ملء عام يعني تسعمائة وتسعة وتسعين في الألف على هذه الصفة تجد نورا في وجوههم وانضباطا في سلوكهم وحبذا ظاهر منهم إلا أنه لا يخلو الأمر من أن يكون حاملا للقرآن وهو غال فيه أو مجاف عنه، هذا واحد في ألف أو في المليون يعني رأيناهم قليلا جدا هذا النوع من الناس،
وإكرام ذي السلطان وأضاف لها أهم شيء في ذي السلطان وهو العدل المقسط، ولذلك قالوا العدل أساس الملك فينبغي علينا أن نوقر كبيرنا وأن نعرف لعالمنا حقه وأن نشيع هذه الأخلاق مرة أخرى حتى تكون هي الأساس وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته