اصطفاء الأنبياء وختام النبوة - درجات المعرفة #19 | د. علي جمعة

تحية لكم مشاهدينا الكرام في هذا اللقاء الطيب الذي يجمعنا بفضيلة العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي الجمعة. أهلاً بكم مولانا، أهلاً وسهلاً، أهلاً بفضيلتكم مولانا. نستكمل ما قد تفضلتم وتحدثتم فيه في حلقات سابقة حول الأنبياء والرسل والإيمان بالله تعالى. نستكمل الحديث حول الأنبياء والرسل. السؤال مولانا: ما هي
القوة التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الأنبياء والرسل بعد أن اصطفاهم - وتحدثت بفضيلتك عن مسألة الاصطفاء والاختيار - بالقوة التي أودعها فيهم المولى عز وجل لكي يتمكنوا من تحمل مشقة الرسالة. لا يمكن أن نتخيل أن بشراً يعرف أنه سيُلقى في نار يُعَدُّ لها هذا الإعداد ولا يجري خوفاً على حياته وهذه طبيعة بشرية خلقنا الله عليها، فبالتالي ما هو هذا السر في الأنبياء والرسل. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نقلت إلينا حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كمثال متكرر من الرسل نقلاً واسعاً يجيب عن كل هذه الأسئلة لكن لم ينقل مثلها الرسل، فنحن نعرف ما الذي حدث لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ونقيس
عليه بقية الأنبياء، ولا نجد في ذلك غضاضة في الكتاب أو في السنة تمنعنا من هذا القياس. "ما كنت بدعا من الرسل" يعني أنني لست بمبتدع ولا آتي بشيء جديد أي أو شيء جديد ليس على مثال سابق، بل إن موكب الرسل عليهم جميعًا الصلاة والسلام كان متشابهًا، ولذلك يقول الإمام البهوتي في متنه: "والنجس منا طاهر منه صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء". هذا الأمر ليس خاصًا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فطهارة دمه وطهارة عرقه وطهارة أي... شيءٌ يكون نجساً عندنا نحن هو عنده صلى الله عليه وسلم ليس بنجس، لكن عيسى كذلك أيضاً وموسى كذلك وهكذا. فالذي عند نبينا أن الله
سبحانه وتعالى قد هيأه تهيئة جسدية وهيأه تهيئة نفسية وهيأه تهيئة روحية لهذه الرسالة. أما ما ورد في التهيئة الجسدية فنلحظه ونلحظ آثاره في... قضية شق الصدر بعض الناس الذين ينكرونها لأنهم لا يتصورونها إذ لم يروا نبياً ولم يسمعوا النبي ولم يخالطوا نبياً حتى يعلموا ما هو الوحي وما هي التهيئة في مضارب حليمة السعدية، وهو يلعب مع أخيه من الرضاعة وإذ بالملك ينزل ويأخذه رجلان ويشقان صدره ويملآنه من الحكمة ويأخذانه. منه شيئاً معيناً
من القلب هكذا، شيء محدد. ما هو؟ شيء معين لا نعرفه ما هو. العلماء يقولون: أُخِذَ نصيب الرحمة التي كان يرحم بها الخلق أجمعين بما فيهم إبليس. يعني لو لم يؤخذ هذا الجزء، ربما كان قلب النبي رحم إبليس، وهذا وارد في روايات عن الرسل وسأقول. إليك بعضها الآن، فهو أخذ منه الجزء الذي يفيد أن النبي عليه الصلاة والسلام، الله سبحانه وتعالى يعني غاضب على إبليس، فلا ترحموه واتركوه "أفتتخذونه وذريته أولياء من دونه وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً"، فجعل قلب النبي صلى الله عليه وسلم خالياً من نصيب إبليس،
هذا الشق الذي يملأ حكمة ويملؤه نوراً ويملؤه كذا إلى آخره والطفل الصغير يرى صدره مشقوقاً ويرى هذا موضوعاً ويرى صدره بعد ذلك سليماً، هذا معناه أنها تهيئة للعقل البشري الخاص بسيدنا النبي لأن يتلقى ما دون المحسوس، ما في، يعني هذه حالة ليست طبيعية هكذا وليست في المنام وأخوه ذهب. تقول حليمة السعدية: "فأرجعته إلى أمه، خافت أنه حصل له شيء"، تقلبه فلا تجد شيئاً، وهو يرى بعينيه وأخوه يرى. ولذلك جاءت فوجدته ممتقع الوجه، أصفر من الفزع، يعني هو يرى ما الذي يحدث هذا. وإذ بهذا كله،
هذه العملية تتم بلا ألم وتتم أمامه صلى الله. عليه وسلم فيبدأ منذ صغره أن يدرك أن خلف هذا المنظور الذي نعيش في أوساطه عالماً غير منظور، وهو عالم الغيب، ويتهيأ شيئاً فشيئاً لهذا العالم في صورة أنه يسمع الحجر في مكة وهو ذاهب إلى غار حراء وقبل النبوة يسلم عليه، تخيل وأنت تمشي هكذا تسمع أحداً يقول. السلام عليكم، من هذا؟ لا أحد هنا، لا يوجد أحد حولي، فلماذا قلت السلام عليكم؟ هل أخاطب نفسي؟ هل هذا وهم؟ حسناً، فهو يعود عند ذات الحجر نفسه ويقول: السلام عليكم. هل
هو فعل منعكس شرطي كما يقول بافلوف؟ طيب، كيف؟ كيف هذا حجر؟ فتتكرر هذه الحالة بحيث أنه... يستقر في قلبه وفي نفسه أن هذا خارج نطاق المحسوس وأن هناك شيئاً ما يحدث وراء هذا المنظور. يذهب إلى... فالشكل هذا هو هكذا، وبعد ذلك يحدث له شق صدر ثانٍ، ويحدث له شق صدر ثالث. ثلاث مرات في الروايات، إذاً هكذا يُعَدّ الأنبياء. شق الصدر الثالث هذا حصل في... الإسراء والمعراج، عندما نتخيل هذا الانتقال السريع للجسم، فإن
الجسم يتعرض لضغط جوي ويصاب بما يسمى "جيت لاج" التي يتحدثون عنها، وتحدث فيه أشياء كثيرة عندما ينتقل عبر الزمان وبسرعة. أما المعراج، فهناك مرض يسمى مرض الصندوق يعرفه رواد الفضاء، حيث يتجه الدم بدلاً من العرق. ينزل دم بسبب الضغط الجوي، فينبغي تهيئة الجسد الشريف لهذا بما أودع الله فيه من هذه الأشياء. لقد هُيِّئ الجسد الشريف للوحي، وهُيِّئ الجسد الشريف لتحمل تبعات الرسالة، وهُيِّئ الجسد الشريف للمعجزات، وهُيِّئ الجسد الشريف لهذا الحال الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ذلك لم يُخرجه عن ما زال محتاجاً إلى النوم، ما زال محتاجاً إلى الأكل والشرب، ما زال محتاجاً
إلى الراحة، ما زال محتاجاً إلى التطبيب، وكان إذا توعك مقام رجلين، وإذا أصابته الحمى نزلت بمنزلة شديدة عليه. ولكنه صلى الله عليه وسلم معان مؤيد، فهذا كان إعداد ربنا للرسول، ونستطيع أن نقول إذاً هؤلاء الرسل من غير أي مبالغة وهكذا كل الرسل، نحن ليست لدينا هذه التفاصيل الدقيقة إلا لسيدنا النبي عليه الصلاة والسلام. لم يحفظ أحد هذا ولم يقل لي أحد هكذا عن نوح، ولكن ما داموا من الرسل وما دام ربنا فعل هذا مع سيد الخلق فهو قد فعل. هذا مع بقية الرسل، نعم، صحيح. في إطار هذا، مولانا، بعض المفكرين، حتى بعض العابثين يقولون: لماذا لم
تكن هناك على نحو مسابقة للاختيار من بين البشر لكي يتحمل أمانة الرسالة؟ لماذا الله سبحانه وتعالى اختار هذا الشخص أو هذا البشر؟ دون غيره واصطفاه وطهره وأعطاه القوة الجسدية والنفسية والعقلية لكي يتحمل مشقة الرسالة، لأن الله عالم. ولو لم يكن عالماً لكان يحتاج إلى مسابقة، فالله لا يحتاج إلى هذه المسابقة لأنه يعرف أن هذه المسابقة قد حدثت أمامه، ونتيجتها حدثت أمامه قبل خلق الخلق الذي تريده، الذي أنت... أريد بالضبط ما حدث قبل خلق الخلق، أنه خلق إنساناً، وأن هذا الإنسان توجه بخالص قلبه له سبحانه وتعالى، واستمر على ذلك وداوم عليه، وكان عمله دائماً
تحمُّل الأعباء، وأنزل الله عليه السكينة والصبر، وكذلك نجح في كل المسابقات، هو هذا الذي نجح عندما يأتي ليطَّلِع على واحدٍ مثل... يجد أنه لم ينجح هذا النجاح، فهذه القضية، قضية المسابقة هذه، هي قضية فكرة جميلة جداً، لكنها تمت. ولكن كيف تمت؟ تمت في علم الله لأن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير وبكل شيء محيط. هنا يأتي الجزء الذي ينساه الناس أحياناً، فهذه المسابقة تمت وبناءً عليه اختار الله. أولئك المختارين واصطفى الله أولئك المصطفين الأخيار، فعلاً تم هذا ولكن تم في علم الله الذي هو مطابق للواقع ونفس الأمر لأن الله علّام الغيوب، علّام الغيوب. نعم، ما الذي أعطاه الله سبحانه
وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لكي يكون بالتالي هو آخر الأنبياء والرسل؟ دائماً كانوا يقولون... لعله آخرك ليقدمك، فالنبي جاء آخر الرسل لكنه كان سيد المرسلين، وهذا اختيار، أي كما تقول: إنه قدر الله سبحانه وتعالى أن يجعل هناك ختاماً للنبوة. لماذا؟ لأن هذه هي الكلمة الأخيرة لله قبل الساعة. "بُعِثتُ والساعة كهاتين"، أي في القرب هكذا مباشرة، ليس هناك شيء بينهما. فأنا آخر واحد الآن بعد ذلك، فهذا آخر إنذار للبشرية. ومن أجل هذا حافظ على كتابه "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". ومن أجل هذا أعلى ذكري، ومن أجل هذا أبقى على أهل بيته، ومن أجل هذا حافظ على قبره وأبرزه وبيَّنه،
ومن أجل هذا كل هذه المؤيدات التي حدث مع سيدنا النبي كان من أجل أن يكون خاتماً للأنبياء والمرسلين، فالله سبحانه وتعالى أعطاه مؤيدات كثيرة، وما زال عندما يأتي ليقول له: "إن شانئك هو الأبتر"، ظهر فعلاً أن شانئك هو الأبتر. "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، حفظٌ ليس فقط للكتاب على مستوى الحرف، بل على للأداء ليس فقط بقراءة واحدة بل بعدة قراءات، ونحن نعرف الاختلافات التي بينهم، وفي كل قراءة مع القراءة الأخرى تقوم بدور التفسير أو التخصيص أو التعميم أو الإطلاق إلى آخره، فأصبح كأنه لدينا عشرة أضعاف القرآن في قرآن واحد، شيء لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى والنبي عليه الصلاة وأهل بيته عندما يُصرح الأمر بأن مُبغضك هو المنقطع
الذرية، ونحن لا نعرف مَن هو. توجد تسعة أقوال في التفسير، في حين أن النبي وأهل بيته فاقوا ثلاثين مليوناً. نعم، بارك الله فيكم مولانا أستاذنا. سنخرج إلى فاصل، وبعد الفاصل إن شاء الله سيكون المزيد من هذا اللقاء الطيب مع جمعة ابقوا معنا، أهلاً بحضراتكم مرة أخرى. مولانا، هل يجوز أن نسأل لماذا كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آخر المرسلين إلى الأرض، خاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "بُعثت أنا والساعة كهاتين"، ولكن بالنسبة لنا هذه مدة طويلة وأزمنة طويلة، الله أعلم متى ستقوم. الساعة والبشرية الآن في حالة اضطراب، ربما كان هذا الاضطراب أكبر مما
كانت عليه في أزمنة سابقة. لم يكن هناك هذا التقدم الهائل وهذه الأمور الغريبة التي نراها في هذه الفترة. فلماذا لم يكن أو لماذا لم يأتِ هناك أنبياء بعد سيدنا محمد؟ لسببين: السبب الأول أن هذه الأمة الأخيرة. هي أمة توحيد ليس معناها أنها توحد الله فقط، فهناك أديان أخرى توحد الله، ولكن لأن مفهوم الوحدة مفهوم عضوي في هذه الأمة. هذه الأمة تتوجه إلى قبلة واحدة، هذه الأمة لها قرآن واحد وليس عدة قرآنات، هذه الأمة لها شهر صيام واحد، لا يوجد أحد منفصل عن الأمة. يصومون رمضان وبعضهم يصوم شوال، هو شهر رمضان فقط، هي الكعبة فقط، هو القرآن فقط، الله واحد
أحد فرد صمد فقط، فهي تعبد إلهاً واحداً. طيب، والنبي الخاص بها من؟ أيضاً واحد. انظر إلى الوحدة لأنها لها رب واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة وشهر واحد، وهي لها نبي واحد. ماذا يعني هذا الكلام أنه لو جاء أنبياء بعد سيدنا النبي، فما الذي حدث في كل البشرية منذ آدم وحتى بعثة النبي؟ حدث أن آمن بعضهم وكفر بعضهم. فأمة محمد التي كان فيها الصحابة مائة وعشرين أو حوالي مائة وأربعة عشر أو مائة وأربعة وعشرين، يعني مائة وعشرين ألفاً، قوم عشرون
بالنبي الجديد ومائة لا يصدقونه، يصبح قد قسمنا الأمة، قسمنا الأمة رسمياً. يعني عندما يأتي النبي الذي بعده، هؤلاء المائة منهم عشرون صدقوا بالنبي الذي بعده وثمانون لم يصدقوه، فأصبحنا ثلاث فرق. والعشرون الذين صدقوا بالنبي الأول لازم يصدقوا بالنبي الثاني، منهم عشرة صدقوا وعشرة لم يصدقوا. فكيف تكون أمة وهذا ما حدث في الأمم السابقة. ختم النبوة مرتبط ارتباطاً ذاتياً عضوياً بفكرة وحدة الأمة، ولذلك لا بد من ختم النبوة حتى تبقى هذه الأمة أمة واحدة. حصل خلاف، حصل خلاف في ماذا؟ في الفروع. ولذلك، يا عزيزي، يقفزون كالفول في النار [مضطربين] بزعمهم أن هناك
إسلامات متعددة، لا. توجد إسلامات متعددة، لماذا؟ لأنه قرآن واحد، ولأنها قبلة واحدة، ولأنه رب واحد، ولأنه رسول واحد، ولأنه شهر واحد، ولأن كل شيء واحد فما الذي يحدث إذن؟ انظر إلى أبي الحسن الأشعري وهو يؤلف الكتاب ليناقش الاختلاف: "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين". انظر ما هو عنوان الكتاب: الإسلاميين فالكل منسوب إلى الإسلام. اختلاف من؟ المصلون اختلفوا على القبلة، واختلفوا على أن الظهر أربع ركعات، واختلفوا على أنها خمس صلوات في اليوم والليلة، أبداً. اختلفوا في أشياء أخرى ووحدة الأمة باقية. إذن نحن
نؤمن بحرية الفكر التي تتيح الاختلاف، وأن هذا الاختلاف من باب اختلاف التنوع وليس اختلاف التضاد الذي يوجب الصدام والخصام ويوجب التفريق، ومن هنا كان ختم النبوة يتصل اتصالاً وثيقاً عضوياً بوحدة الأمة والحفاظ على وحدتها. لا جدال في ذلك، فهذا نبي واحد، وهذه أمة واحدة، وهذه قبلة واحدة، وهذا كتاب واحد تعبدون به رباً واحداً. وقد كان لما عرضنا هذا الفهم للعالمين. قالوا الله! أنتم هكذا كأنكم تشتموننا أم ماذا؟ نحن اختلفنا وكفّر بعضنا بعضاً ولم نعد على قبلة واحدة. حسناً، أنتم أيضاً مثل نفس الوضع الذي بيننا
وبينهم في موضوع الدين والعلم. ليس لدينا إطلاقاً أي نزاع بين الدين والعلم، هم لديهم فأصبحوا غاضبين منا وقالوا: لا، أنتم... إسلامات أو الشيعة والسنة والمالكية والشافعية والخلوية والوهابية... أريد أن أسأل سؤالاً: هل كل هؤلاء لديهم مصادر مختلفة أم لديهم مصدر واحد؟ هل لديهم قبلة مختلفة؟ هل لديهم نبي مختلف؟ هذا يُثبت وذاك يفعل... هل لديهم رب مختلف؟ هل لديهم صلاة مختلفة؟ هل لديهم... صيام مختلفين! عجباً! عندما يذهبون للحج، بعضهم يحج إلى بيت المقدس، وبعضهم يحج إلى الكعبة، وبعضهم يحج إلى اليمن مثلاً. إذاً هم يشبهون حرية الرأي وما نتج عنها من اختلاف بالتنوع،
ويطبقونها على "إسلامات"، ويصرون - خاصة الجماعة الفرنسية - على مصطلح "إسلامات" ويضعون لها اسماً. يا جماعة، لا توجد لكن له وجوه وتجليات مختلفة. لا يرضى أن يصدق بذلك لأنه يريد أن يجعل رأيه مساوياً لرأيي، وأنه كما حدث عنده الموقف المعين ذاك، حدث عندي هنا أيضاً. هو حر أن يعيش حياته. حسناً مولانا، ما الضمانة إذن كي تستمر هذه الدعوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها منذ وإلى ما شاء الله حتى قيام الساعة ما هي الضمانة أن تظل كلمة التوحيد وأن تظل هذه الدعوة وهذه الأمة قائمة وألا تختفي كما اختفت دعوات واختفت رسالات من قبل؟ نحن عندنا قضيتين: القضية الأولى البشرى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق
لا يضرهم من خلفهم إلى يوم القيامة، وهذا الذي جعل العوام يقولون إن الخير في أمة محمد إلى يوم القيامة. فهذه بشرى أنه لا تزال طائفة، يعني سنظل موجودين حتى يوم القيامة ونحن نبلغ عن الله سبحانه وتعالى. هذا من ناحية جانب البشرى، أما الجانب الثاني فما الضمانة هو النبي صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، هو قال هكذا: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، كتاب الله وعترة أهل بيتي، كتاب الله وسنتي" في رواية. أصبح عندنا ثلاثة هم المحجة: كتاب الله وعترة أهل
البيت. الكريم والسنة النبوية المشرفة، وبهذا الشكل نذهب ونلتجئ إلى ما ورد تحت أيدينا وهو فريد في نوعه في العالمين، حيث إنه نُقِل إلينا بمحجة بيضاء بتوثيق معتبر بفهم صحيح له علومه، وبتوثيق معتبر له علومه، وبتفريق معتبر في تعقله بين القطع والظن وكذا إلى آخره، وبالحال معتبر له آليته وبفك. جميع التعارضات الظاهرية التي قد تطرأ في ذهن أي شخص على وجه الأرض وبيان لمن يقوم بهذه العملية حتى غدا الأمر واضحاً جلياً فعلاً لا يضل عنه إلا هالك. نعم، فهذه الضمانة المحجة البيضاء، هذه
الضمانة هي أنه جعل لنا شيئاً نرجع إليه، ولو أنهم ردوه إلى الله وإلى الرسول. لعلمه الذين يستنبطونه، لعلم الذين يستنبطون، هذا شرط الاجتهاد، ولذلك هم هؤلاء الذين أخبرك عنهم: الحجية والتوثيق والفهم والقطعي والظني والإلحاق والتعارض والترجيح وشروط المجتهد، نعم، شروط المجتهد. فهو ترك لي كل شيء على المحجة البيضاء عندما آتي لأقول له: ألا تخبرنا هكذا يا رسول الله. عن هؤلاء الأشخاص الجماعة الإرهابية وداعش هل انضم إليهم أم لم ينضم؟ أين أجد الإجابة؟ أين أجد الإجابة؟ من الذي أخرجها؟ هل البزار؟ من الذي أخرجها؟ هل نعيم بن حماد؟ من الذي أخرجها؟ هل البخاري؟ من الذي أخرجها؟ هل مسند أحمد؟ هل كان الله معنا أم ماذا؟ نعم إنه مؤيد، نفسي وأتجاهل؛
أنت حر. إذن أنت تركت وخرجت عن المحجة البيضاء. هذه المحجة البيضاء موجودة، ولذلك لن يضل عنها إلا شخص في قلبه شيء. أما أنها واضحة، جلية بينة. وأما الوصول إليها فهو أسهل من شرب الماء البارد. إذن، إذا الترتيب الذي تركه لنا، لو نحن خالفناه بعد ما... يقول: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". قلنا: لا، هؤلاء علماء باطل وعلماء سلطة، وكلام ما أنزل الله به من سلطان. "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله". لكن أبداً، غير راضين، يخدعون أنفسهم. ماذا نفعل؟ دائماً الفرق الضالة إما أن تنكر القرآن وإما... أن تنكر السنة،
وإما أن تنكر اللغة، وإما أن تنكر الإجماع، وإما أن تنكر العلماء؛ واحدة من هذه الخمسة لا بد أن تنكرها حتى تضل. والحمد لله أنهم أنكروا ثلاثاً أو أربعاً منها، فنحن معنا المحجة البيضاء التي تضمن لنا أن نسير في طريق الله سبحانه وتعالى وفي رضاه كما سبحانه وتعالى، لا كما نريد. كالعادة استمتعنا بحديث فضيلتكم الراقي، شكراً جزيلاً. فضيلة الدكتور، أهلاً وسهلاً، شكراً جزيلاً. حضرتك، شكراً موصولاً
للمشاهدة.