اعتبار المألات - درجات المعرفة #28 | د. علي جمعة

اعتبار المألات - درجات المعرفة #28 | د. علي جمعة - التفكير المستقيم, درجات المعرفة
أهلا بكم، اليوم نتحدث مع فضيلة الدكتور في موضوع المآلات وإدراك المسلم للمآلات. تحدثت مع فضيلته في حلقتين كاملتين عن مسألة الواقع وإدراك الواقع ومحاولة تغيير الواقع من عدمه وأمور متصلة بهذا المفهوم. اليوم نتحدث عن المآلات التي قد نعتقد في البداية أنها تكون مبنية على إدراك الواقع،
سنتحدث مفهوم المآلات وماذا يحدث لمن لا يراعي هذه المآلات، وكيف علينا كمسلمين وكشعوب ومراكز أبحاث عربية وإسلامية أن نراعي هذه الأمور وهذا المفهوم. أرحب بفضيلة الإمام العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة، أهلاً بكم مولانا، أهلاً وسهلاً بك. أهلاً وسهلاً فضيلتكم مولانا. هل يمكن أن نبدأ التفكير في المآلات بعد؟ مرحلة إدراك الواقع، وبالتالي إن لم يكن هناك إدراكًا صحيحًا للواقع، فلن يكون هناك استشرافًا صحيحًا للمآلات. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. هناك جانب نظري وهناك جانب عملي في محاولة إدراك المآلات. يقول الإمام الغزالي في كتاب له لم... يُطبع بعد، ولكن نقل عنه ابن برهان وغيره اسمه "حقيقة القولين" للإمام الغزالي.
يقول إن قدرة المجتهد على تصور ما سوف يحدث من حكمة واجتهاده تختلف من مجتهد إلى مجتهد آخر، وطبقاً لقوة التصوير وتوليد الصور والمسائل يكون قدر المجتهد. فكلما كان المجتهد قادراً على أن يتصور ما الذي سيترتب. عليه هذا الكلام، وكلما اختبر كل صورة من الصور حتى تحقق الجميع وفي كل الأحوال المصلحة، وكلما تنبه إلى ما كان خفياً على بعضهم ولم يخطر على باله، كلما كان أعلى في رتبة الاجتهاد ممن لم يخطر على باله هذا التصور. الكلام الذي
يقوله الغزالي هذا يقوله الآن علماء الإدارة. تحت عنوان في اللغة الإنجليزية "Creative Imagination" أي التصور الخلاق أو التصور المبدع، يُقصد به أن يكون لدى الشخص قوة لربط المعلومات وقوة للتخيل وقوة للتصور لمعرفة المآلات وما الذي سيحدث في هذا المجال. هذا هو كلام الإمام الغزالي، وهذا أيضًا كلام علماء الإدارة عندما تأملوا في الإنسان وكيفية قيامه الذي هو صاحب التصور المبدع أو الخيال الخلاق هو الذي ينجح أكثر ممن ليس عنده هذا التصور المبدع والخيال الخلاق. نرى هذا أيضاً عند ابن عاشور في مقاصد الشريعة، إذ
يتكلم عما يمكن أن نترجمه نحن بعباراتنا، أن على المجتهد أو المفتي إذا ما أراد أن يقوم بإفتاء معين أن يختبر هذا المجتهد فيه أو المفتي فيه قبل إبرازه، قبل أن يطلعَ به على الجمهور. يقوم هو ببحثه بينه وبين نفسه ويرى ما الذي سيترتب على هذا. فلو أنه ترتب عليه شيء، القواعد سليمة والحسابات سليمة، إلا أن النتيجة ستؤدي إلى مصيبة، على الفور يراجع حساباته ويقول إن هناك غلطة. أنا لستُ منتبهاً إليها لأن المفترض
أن ما توصلتُ إليه من أحكام شرعية معتبرة أو من فتاوى حقيقية تجلب المصالح لا تجلب المفاسد. حسناً، هذه المسألة قد تأتي بالمفاسد أو لا بد أن تأتي بمفسدة، إذاً هناك خطأ في شيء نحن ناسوه، في شيء لسنا مدركين له، لم نُدخله في حسابنا فهي سبب هذا التناقض. هذا ملخص كلامهم على هذا النحو، وهم ينبهون أننا لا نتعجل في هذه الدعوة إلا بعد التمحيص والدراسة حتى نتأكد من مآلات الأحكام والفتاوى ومآلات كذا وكذا، ولا يكفي إطلاقاً أن أكون قد سرت على القواعد اللغوية والأصولية مع النصوص حتى أصل إلى
شيء. وإذا بهذا الشيء يصطدم مع ذات النصوص نفسها ويصطدم مع الواقع، فهو أبداً لا يرضى بهذا الفكر الإسلامي والفقه الإسلامي عبر القرون. سأعطيك مثالاً منهم عندما لا يدرك الفقيه الواقع. هذه واحدة من الأمثلة: عندما ظهر كان هناك رجل يمني اسمه أبو الحسن الشاذلي، وهو غير الشاذلي الذي نعرفه نحن. الذي مدفون في حميثرا كان دائماً أي شخص اسمه علي يكون كنيته أبو الحسن، وأي شخص كنيته أبو الحسن يكون اسمه علي، فلابد أن هذا الرجل كان اسمه علي. والشاذلي كان في أواسط القرن الثامن الهجري. أبو الحسن الشاذلي توفي سنة ستمائة وستة وخمسين، وهو ذاهب إلى الحج، أبو
الحسن. الشاذلي الذي هو إمام الطريقة، لكن هذا كان في سبعمائة وبضع سنين، ففي القرن الثامن أبو الحسن الشاذلي هذا كان من العبّاد، وبعد ذلك بقليل، سقطت بعض حبات البن في مياه مغلية كان قد أعدها ليتوضأ بها، فشرب من هذه المياه وسهر الليل، فقال: "الله ما هذا؟" لقد أحدثت يقظة، أصبحت القهوة العربية تُعد بهذه الطريقة وهي أن تنقع البن في ماء مغلي، فتحصل على قهوة. وقد سمى هذا السائل "قهوة الصالحين"، أي إذا كانت الخمرة تسكر الشخص وتذهب عقله، فهذه تنشط الإنسان وتعينه على قيام الليل وعلى العبادة وعلى الذكر، إنها شيء
جميل جداً. قهوةٌ تعني خمراً، لكنها قهوةٌ في اللغة تعني خمراً، فسموها قهوة الصالحين عندما وصلت إلى الحجاز. وعندما وصلت إلى مصر أصبح اسمها قهوة فقط، وكلمة الصالحين هذه لم تعد موجودة. ذهب إلى الشيخ وقال: يا مولانا، القهوة ما رأيك فيها؟ فبدأ الشيخ يتكلم كلاماً لفظياً لا علاقة له بإدراك القهوة يا بني حرام، القهوة تعني الخمرة في الكتاب، وأنت تقول لي قهوة، فتكون القهوة حرامًا. وانتشرت الأقوال كتيار كبير أن القهوة حرام، لماذا؟ لأنهم تعاملوا معها تعاملًا نصيًا بعيدًا عن إدراك
الواقع. صحيح جاء واحد عندما بدأت الفتاوى تختلف: كيف تكون القهوة حرامًا إذا كنا نشربها في الحجاز وكانت... يعمل ضد هذا فابتدأ العلماء ينتبهون إلى أنهم عندما أصدروا هذا الكلام إنما صدر بطريقة لفظية يغيب عنها إدراك الواقع، يغيب عنها إدراك الواقع. يعني اكتفى بالنص الذي أسميه دائماً الفكر الأعرج، واكتفى بالنص المقدس بقواعده تماماً، لم نقل شيئاً، ولكن غاب عنه أن يحقق هذا المناط. ما هيئة أحد علماء الأزهر الذي احتجز عشرة من الطلاب، وانتبه إلى التقوى التي تمتلكه، استدعاهم إلى بيته بعد صلاة الفجر وأعد لهم
القهوة هذه وسقاهم وجلس يبحث معهم في العلم، كلما شربوا كلما تحمسوا وكلما ازداد التركيز بعد النهار وكل شيء قال الله هذا. تعمل عكس ما تفعله الخمر المحرمة، فبدأ الناس يبيحونها. أتعلم كم استغرقنا من الوقت في هذه المسألة؟ مائتي سنة، نعم مائتي سنة. كل ذلك بسبب عدم إدراك الواقع، واقع الشيء، وعدم الحكم عليه بشكل صحيح. انتبه الآن، دعني أعطيك مثالاً آخر: عندما ظهر التصوير الفوتوغرافي، ذهبوا وسموها "الصورة" التي أوقعتنا. بيضه الصورة في النصوص يُقصد بها التمثال المعبود، فتكون الصورة حراماً، ويكون ذلك حراماً. والمصورون
أشد الناس عذاباً يوم القيامة لأنهم يساعدون على الشرك وعلى الوثنية التي نريد أن نُخلّص الناس منها. فيكون الرجل صاحب الاستوديو، عم حسين اللطيف، الذي يصلي كل فرض في وقته في المسجد، من أشد الناس يوم القيامة. لماذا؟ لأنني أدركت اللفظ النصي ولم أدرك حقيقة الواقع. حسناً فيأتي سيدنا الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار وحامي الذمار رضي الله تعالى عنه ويقول: يا جماعة، إن هذا الواقع ليس له علاقة بما هو موجود في النص. فقال له: كيف؟ فذهب وألّف كتاباً اسمه الجواب الشافي. في إباحة التصوير الفوتوغرافي وقال في هذا احتباس ظل. أنت تقف أمام الكاميرا في ضوء يأتي عليك فينعكس على شيء يُسمى الورق الحساس. هذا الورق
الحساس يلتقط صورتك وأنت تمشي، مثلما المرآة تحبس صورتك وأنت تمشي. افترض أنك وقفت أمام المرآة، هل هذا حرام؟ قالوا له: لا، ليس حراماً. قال: مشيت حرام، قال: "لا، ليس حراماً"، قال: "طيب، المرآة حبست صورتك، حرام؟"، قال له: "لا، ليس حراماً"، قال له: "إذاً ما هو الحرام؟"، فقال: "هذه هي هكذا"، وسماها احتباس ظل، وقال: "إذا كنتم تريدون"، وانظر إلى دقته، "الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي"، وليس التصوير الموجود. في اللغة التي حُرمت لعلة واضحة جلية معقولة مطلوبة أن نخرج من ضيق الدنيا وسوء الخَلق وما إلى ذلك إلى توحيد الباري سبحانه وتعالى، فأنا أريد أن أقول لسيادتك أن هذا نوع من أنواع غياب الواقع الذي يؤثر سلباً في التعامل مع
الأشياء. هذا عبارة عن ماذا؟ عبارة عن ضياع أرجو أمثلة أخرى يا مولانا، مثال آخر خاصة أننا ما زلنا نعاني من هذه الجزئية حتى الآن. مشكلتنا أن بعض الناس لا تدرك هذا الواقع، ولكن أرجو أن يكون بعد الفاصل وهو كذلك. شكراً جزيلاً مولانا. بعد الفاصل ابقوا معنا، أهلاً بحضراتكم مرة أخرى مولانا إدراك. الواقع ومن ثم المآلات وأرجو أن تكمل لنا هذه الأمثلة لكي نعالج هذه المشكلة التي مازالت موجودة حتى الآن منذ عدة قرون، والاختلاف حول مفهوم القهوة هل هي خمر أم لا، وحتى الآن نحن والتصوير الفوتوغرافي، حتى الآن هناك مسلمون في هذا العام في هذا اليوم مازالوا يفكرون بنفس هذه. العقلية
القديمة، أعطيك مثالاً ثالثاً حتى نُنهي مسألة عدم إدراك الواقع، وهذا يحدث الآن: قضية البنوك، نعم، قضية النقود الورقية. إلى الآن مصممون على أنها كالذهب. أصبح الأئمة الكبار يجعلون العلة تعبدية ويجعلونها قاصرة وما إلى ذلك. وهناك من يقول إنه غير قادر على تصور هذا. ما زلنا في المائتي التصوير وما زلنا في البنوك إلى الآن وفي التعاملات المالية الحديثة يضرب العلماء مثالاً في هذا المجال يتعلق بقضية النقود الورقية هذه. فمثلاً يأتي اجتهاد، هذا الاجتهاد يقول ماذا؟ يقول: يا جماعة، الزكاة مناطها الذهب والفضة كما أن الربا مناطه الذهب والفضة إذا تعلقت الزكاة بالذهب والفضة.
وتعلق الربا بالذهب والفضة، فالذهب والفضة لم يعودا وسيطاً للتبادل، كل هذا المجتهد يفكر فيه. وقد نصوا على أن علة الربا تعبدية، ولذلك ليس هناك ربا في الأوراق النقدية التي معنا هذه. ما سببه عند الإمام الشافعي وعند أبي حنيفة وعند أحمد بن حنبل؟ بالنص أن الذهب والفضة فيهما خصائص في وسيط تبادل آخر، وهذه الخصائص جعلها الله سبحانه وتعالى سبباً للتحريم الذي نتحدث عنه اليوم أنها منع للتضخم من داخل النظام. لا بأس، وماذا عن الزكاة؟ أليست في الذهب والفضة أيضاً؟ فهل يكون بلا زكاة إذا كان الشخص يملك مليارات لكن ليس لديه ذهب وفضة؟ فهل لا توجد زكاة
وصل المجتهد بهذا الترتيب إلى تعلق الزكاة بالذهب والفضة، والذهب والفضة ليست موجودة، فلا تكون هناك زكاة. تخيل مآل هذا الأمر أن يصبح الإنسان لا يُخرج الزكاة، فينهار ركن من أركان الإسلام، وعندما ينهار ركن من أركان الإسلام، يعود ليعرف أنه مخطئ وأن هناك خطأ ما. هو الخطأ؟ الخطأ... أن تتعلق الزكاة بالمالية وليس بالنقدية. ما هو هدف هذه الزكاة؟ إغناء الفقير. أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم. يعني الهدف من الزكاة ليس مثل الربا والظلم وما شابه، بل هدفها هو إغناء الفقير. السؤال: هل هذا الورق النقدي الذي في جيوبنا يُغني فقيراً أم
لا؟ عندما أعطيه له يذهب العلاج في الأكل، في الشرب، في المدارس، في المواصلات، في اللباس، في السكن، يصبح مُغنياً له لأنه يقضي حوائجه. ما هو الغنى؟ إنه قضاء الحوائج. إذا كان هذا متعلقاً بالأمور المالية، وما الذي يؤكد أنه متعلق بالأمور المالية؟ الزكاة، فقد فُرِضت في الأموال، ولم تُفرض في الذهب والفضة فقط، بل المال السائب وعروض التجارة وفُرضت في المواشي والغنم والبقر والإبل وفُرضت في الزروع وفُرضت في الثمار وفُرضت وهكذا وبعض التابعين فرضها في العسل وفي الزيتون لماذا؟ إغناءً للفقير. الفقير يريد أن يأكل ويشرب ويكتسي ويتعالج ويتعلم.
إذاً إذا كانت هذه للمالية، فهذه هي الغلطة. لو أنه قالها للنقدية، سيقول أنه لا يوجد ربا، لا توجد زكاة، لكن لا بد أن يقول إنها المالية. كل هذا مراعاةً للمآلات، وهذا هو كلام الغزالي، وهذا هو كلام الطاهر بن عاشور، وهذا هو كلام الأئمة كلهم، وهم ينبهون إلى ألا يتسرع الإنسان في فتواه إلا بعد الدراسة، فإن اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد مولانا بعد أن أتممنا هذا المفهوم الآن ماذا عن المآلات؟ يعني ماذا عن المآلات؟ هل يمكن أن نقول بأن الإسلام يشجعنا أن نكون مراكز فكرية لاستشراف المستقبل وللدراسة المستقبلية؟ هل هذا أمر له تأصيل شرعي؟ استشراف المستقبل ليس من ضرب بالغيب، هذا استشراف المستقبل هو عبارة عن
السير بسير. المنتظم مع معلومات سابقة يعني عندما أقول لك: اثنين، أربعة، ستة، ثمانية، عشرة، أكمل، فستقول: اثنا عشر. جئت بالزيادة وهي اثنان لماذا؟ من الذي سبق. حينما قلت: اثنين، أربعة، لم أقل: اثنين، ثلاثة، بل قلت: اثنين، أربعة، ستة، ثمانية، عشرة، فتقول مباشرة: اثنا عشر، وأربعة عشر. يقول الإمام. القرطبي في التفسير أشار إلى أن هذا لا علاقة له بالحدس بالغيب، وإنما هو عبارة عن قوانين موجودة، وضرب لذلك أمثلة من ضمنها السونار مثلاً الذي كانوا يدركون به إن كنتِ ستلدين ولداً أم بنتاً من اسوداد حلمة الثدي، فإذا اسودت الحلمة اليمنى تكون بنتاً، وإذا اسودت الحلمة اليسرى يكون هم
تتبعوه فوجدوه هكذا. عندما أرى سحابة سوداء في وسطها مركز أسود، أعرف أن هناك مطراً فينزل المطر. عندما أعرف أن الشمس ستشرق من هذا المكان غداً، فهي كل يوم تشرق من نفس المكان في ذات اليوم من كل سنة، وهكذا. فهذه هي الدراسات المستقبلية. هذه لا علاقة لها بالنهي عن الحدس بالغيب الذي هو العقلية الخرافية، بل هذه عقلية علمية. حسناً، أن ندرس الغيب، ندرس ماذا سيفعل المستقبل، ندرس خطة نضعها. فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يدخر قوت سنة لبيوته، فهذا معناه أنه يضع خطة لسنة حتى لا تحدث فجوات. طبعاً هناك... الكرم والضغط
الذي يمارسه الناس وما شابه ذلك قضية أخرى، فكان لا يصل إلى نهاية الشهر إلا وتجد كل شيء قد نفد. لماذا؟ لأنه كان لا يرد سائلاً، وكان إذا دخل كان أجود الناس، وكان إذا دخل رمضان كان كأنه الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم. إذًا إذا أجبنا على مراعاة المآلات يا مولانا في الفكر أو في التخطيط أو حتى في مجال الدعوة إلى الله، كيف ترى هذا الأمر؟ عدم وجود النظرة إلى مآلات ما يُقدَّم سيجعل الأمور مضطربة، وستصطدم الآليات ببعضها البعض، وهذا فن. فتجد شخصاً درس الشريعة لكنه لم يدرس. الواقع واحد درس الواقع لكنه لم يدرس الشريعة، وآخر درس
الاثنين لكنه لم يدرس هذا الوصل بينهما الذي هو جزء لا يتجزأ منه إدراك المآلات. فهذه دراسة أو كما يقولون إنه علم وفن مثل الطب هكذا، علم لكنه فن أيضاً، يعني ليست يد كل واحد كجراح مثل الأخرى. الثانية في يد مرتعشة ويد ثابتة، فهناك دائماً في هذا المجال يكون علمٌ وفن. الفن يعني ماذا؟ خبرة، والعلم هو معلومات مرتبة قد درسها واستوعبها وحفظها ويطبقها. يده تعني ماذا؟ كما يقولون "تلف في حرير"، نعم، هذا معناه الخبرة، معناها الملكة. فالملكة كيفية راسخة في النفس بها تُدرك. هذه المعلومات عندما يأتي النجار الماهر ليصنع شيئاً مثل هذه الطاولة، يصنعها بمهارة. أما أنا فإذا
أتيت فقط لأقطع قطعة خشب، أفسد كل شيء. الملكة غير موجودة، وهو يفعل ذلك وهو يتحدث ويحل مشكلاته هكذا وهو جالس يعمل على المال، لأن يده تعمل، فهذه خبرة إذا تأملتها. وتعلّم في نفس ذات الخبرة الخاصة به يكون أعمق لأنه سيكون عارفاً لماذا يفعل هذا وكيف، وعندما تظهر له مشكلة لا يتحير فيها، فهي ليست محض خبرة. وكذلك هذا العلم، هذا العلم لا بد من مراعاة المآلات وإلا اضطربت الدنيا ببعضها على الدوام، نعم وأنكر على الدين الذي ندعو. إليه بالبطلان وهذا سبب رئيسي أعطانا الآن محاولات الجماعات الإسلامية التي استمرت مائة سنة
وباءت بالفشل. لماذا؟ لأنها لا تراعي المآلات، ولأنها لا تدرك الواقع، ولأنها لا تريد أن تعرف الفكر. إنها غير راضية أن تفكر، ويقول لك إن هذا الفكر أخو الكفر، فهذه كاف وفاء وراء، وهذه كاف وفاء يكون كفراً مثل الفكر، وهذا سيؤدي بهم إلى الطريق المسدود. نعم، أخيراً مولانا، يعني هل طريقهم هذا هل سيأتي بالضرر فقط عليهم أم على الأمة ككل؟ على العالم؟ على العالم؟ نعم، على العالم. وها نحن نرى العالم كله متأذياً، والعالم كله من نتاج هذا الفكر يُصاب. ما ذنب أو ما... لقيه شخص يسير في حاله في لندن أو باريس أو نيويورك ثم يُقتل، ليس أمه فقط من تتألم، ولا البلاد والعباد فقط، بل العالم كله.
إن الإسلام كدين تُشوه صورته، والبشرية تُعامل كأناس يتحملون جرائم لا ذنب لهم فيها. أشكرك جزيل الشكر فضيلة. الدكتور أهلاً وسهلاً شكراً جزيلاً لحضرتك الشكر موصولٌ لكم مشاهدينا إلى اللقاء
شكراً للمشاهدة