اعرف ما هو النسبي والمطلق من د. علي جمعة #15 | درجات المعرفة

اعرف ما هو النسبي والمطلق من د. علي جمعة #15 | درجات المعرفة - التفكير المستقيم, درجات المعرفة
أهلاً بكم مشاهدينا الكرام وحلقة جديدة من هذه النافذة على المعرفة ودرجات المعرفة التي ننهل فيها من علم فضيلة الإمام العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. أهلاً بكم مولانا، أهلاً وسهلاً بكم، أهلاً وسهلاً بفضيلتك فضيلة الدكتور. في الحلقة الماضية كنا توقفنا على فكرة اليقين والمفترض اليقين دال الألوهية الأولية. أن أمر غرقه للشك ولكن حضرتك تفضلت وذكرت أنه أمر نسبي يعني خاضع لأن يكون عليه إجماع أو اتفاق أو لا، ولكن الإنسان حينما يكون لديه يقين راسخ يُحاسب على هذا اليقين. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، ربنا سبحانه. ويقول تعالى في هذا الشأن: "ذلك مبلغهم من العلم"، ويقول: "وما كنا معذبين
حتى نبعث رسولاً". مذهب الأشاعرة السادة أهل السنة والجماعة أن أهل الفترة ناجون. إذًا، سيدنا إبراهيم هذا نبي، فمن هو المحاسب الذي يحاسب من بلغته الرسالة؟ وسيدنا النبي نبيٌ، فمن الذي يحاسب من بلغته الرسالة؟ الآباء الأولون الذين لم يأتهم رسول ولا نبي ولم يعرفوه لا حساب عليهم، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً. يبقى لا بد من بلوغ الرسالة. فأهل الفترة - الفترة بين
النبيين - جاء عيسى وبعده جاء محمد عليهما السلام، الفترة التي بينهما كانت الستمائة سنة هذه لم يأتِ فيها نبي. الوسط لافت للنظر لأنه يمكن أن يكون هناك أنبياء غير لافتين للنظر مثل خالد بن سنان، هذا نبي ضيعه قومه ولم ينتبهوا له، وقال: "ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد"، لم ينتبه له أحد، يعني مرت هكذا، لم يصطدم معهم اصطدام نوح مع قومه وإبراهيم مع قومه وموسى. وعيسى مع قومهم أو هكذا يعني، فآمن به أناس وكفر به آخرون. لا، لم يحدث هكذا، كان هناك نوع من أنواع التبليغ المحدود، ثم بعد ذلك ضيّع هؤلاء الناس نصيحته وتبليغه وأحواله. لكن يبقى
أنه من محمد إلى عيسى فترة ملتهبة يعني خالية من الأنبياء، ولذلك فأهلها غير... محاسَبون، وهذا ما اعتمد عليه أهل السنة والجماعة وهم يقولون بنجاة والدَي المصطفى صلى الله عليه وسلم. انظر إلى الكلام عن نجاة الوالدين، نجاة الوالدين تعني أنه لا يُعذَّب إلا من كانت قد بلغته الرسالة بصورة لافتة للنظر، ولذلك هؤلاء الناس لم تأتهم أي شيء لافت للنظر، فيدخلون الجنة على هذا واحد من الصحابة وابن صحابي، عمران بن الحصين. جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو كبير في السن، فقال له: "يا حصين، كم إلهاً تعبد؟" قال: "إلهاً في السماء وسبعة في الأرض". فقال له: "يا حصين،
دع الذين في الأرض وإياك سؤالها، واعبد الذي في السماء". قال: "أشهد أن لا إله إلا الله، ليست هناك مشكلة عند الرجل في أنه يعبد رب السماوات والأرض، أما هؤلاء فإننا نعظم شأنهم، ربما يوصلوننا إلى الله، إنما يقربوننا إلى الله زلفى، فربما يفعلون فينا شيئاً، ربما ربنا أراد هكذا أن نعبد سلطاناً من عند الله بهذا، فلما علمه من أبسط طريق. ذهب الأمن فوراً، أي السبع دول بما فيها، فألغى السبع التي في الأرض. والتوحيد الخالص هو عبادة رب السماوات والأرض سبحانه وتعالى. فيكون إذا كان لدي هذا التوجه، اليقين الذي أُمرنا به أن نعبد الله
سبحانه وتعالى كأننا نراه، يعني فقط، لا أن نستعمل العقل ونستعمل العمل. بل إننا نُنهي نيل الله وكله هذا الله والهدي في نيل الله. حسناً فضيلة الدكتور، هذا الشخص الداعشي مثلاً هو على يقين، هذا الشخص الإرهابي بصفة عامة، أنه بهذا العمل الذي يفعله يتقرب إلى الله وهو إنما يموت في سبيل الله أو يستشهد في سبيل الله. هل هذا الشخص... سيؤاخذ على هذا أو سيكون له عذر، عفواً يعني بأنه كان يرجو اليقين لكنه لم يصل إلى اليقين وكان على صورة مشوهة من اليقين. سيؤاخذ لأن قدر الله فيه هو هذا. الله سبحانه وتعالى هو الذي جعله هكذا، جعله لا يلتفت إلى بسم الله الرحمن الرحيم، جعله لا يقف، جعله... كذلك يتكبر ويريد لنفسه
القيادة والزعامة والشهرة. هذه المسألة خطيرة للغاية، ولذلك دعها لله. أي أن الله سبحانه وتعالى عليم بما في الصدور وعليم بذات الصدور وعليم بما في القلوب وعليم بالسر وأخفى من السر. مرة كان سيدنا النبي جالساً وفي معركة ما، فرأى رجلاً وهم جميعاً يشاهدونه، رأى رجلاً. هكذا هو يقاتل في سبيل الله بشراسة وقوة، فقال الناس: انظر، إلى الرجل، هو رجل من أهل الجنة. فنظر النبي إليه وقال: "هذا من أهل النار". يا الله! حدث للصحابة نوع من أنواع التعجب والاستغراب، يعني ماذا؟ هذا يقاتل في سبيل الله. يعني
هذا يدافع دفاعاً مستميتاً فتبعه أحد الصحابة كي يرى كيف يكون هذا الرجل من أهل النار، إذاً من سيكون من أهل الجنة؟ إذا كان هذا الأمر هكذا. الناس بنوا كلامهم على الظاهر وهم لا يعلمون حقيقة علاقة هذا الإنسان بربه، وهذا لا يعلمه إلا الله والنبي بالوحي، فالنبي كبشر. لن يعلمها لكنه بالوحي وبكونه سيد الخلق مما أعطاه الله وأفاض عليه، يعلمها في حينها عن طريق الوحي وعن طريق كشف الله له هذا الغيب فتتبعه. فعندما يُصاب المرء يثبت، وعندما يُصاب حتى يزداد الألم عليه إلى أن لا يشعر به. أتفهم؟ من
شدة الألم لا يشعر به. فعندما أُصيب جزِع وانهارت نفسه، فأخذ السيف وضرب به نفسه وانتحر، إذاً هو من أهل النار، من أهل النار. فالظاهر أنها كانت حادثة عندما كان سيدنا النبي جالساً هكذا، ثم قالوا له: "يا رسول الله، هناك رجل من الصحابة يحضر عندك هنا، ولكنه في حالة أخرى صائم". قائم عابد وما إلى ذلك، أمر يعني أمراً آخر. مَن هذا؟ جلسوا يصفونه. لم يكن يخطر في ذهن النبي مَن هذا. النبي عليه الصلاة والسلام عندما كان يراك، كان يرى فيك قصتك كاملة. أتفهم كيف؟ فلم
يكن هناك أحد لفت انتباهه من الناس الذين دخلوا عليه، وهكذا الرجل. مَن هذا؟ فالمهم أنه جاء وبينما هم يتحدثون دخل من خارج المسجد هكذا، فقالوا له: هذا يا رسول الله، ها هو، هذا هو. فأنا هذا، قالوا: تعال يا رجل أنت. فلما أتى إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو. قال للصحابة أول ما قال لهم "هو هذا"، قال قالوا إنه قال: "أرى على وجهه سَفْعَة من النار". لا حول ولا قوة إلا بالله. هذا الذي هو التقي النقي، الذي بلغ الغاية، والذي هو من أحسن الناس والعباد، يعني بشكل تام. نعم، سَفْعَة من سَفْع النار. تعال، هم جالسون. قال له: "السلام عليكم"، فرد: "وعليكم السلام".
اجلس. أناشد الله وأناشدك الله، هذه كانت عند العربي تعني يا من هو غليظ القلب، سيخاف أول ما تقول له: "أناشدك الله". النبي الذي يقول له هكذا، النبي الذي يقول له ذلك لكي يسمعهم، لأنه رأى في عيونهم التعجب، نعم، كيف سأفعل ما لم نره؟ إذن من سيكون التقي النقي؟ يعني له أناشدك الله عندما دخلت من الباب بماذا حدثتك نفسك؟ فقال: حدثتني أني أفضل من هؤلاء، أنا أفضل من هذا العالم لأنني أصوم وأقوم الليل، فأنت لا تعرف هؤلاء الناس، لماذا أضلهم الله، سبحان الله! من
الخارج هكذا، نعم، هو يصلي ويصوم ويعمل، وفي الظاهر أنه في عقيدته أنه... يجاهد لكن لا تعرف ما العلاقة التي بينه وبين ربنا، ولا تعرف العاصي ما العلاقة التي بينه وبين ربنا، وسيأتي يوم القيامة الذي أنت تظنه فرعون سيتبين أنه موسى، والذي تظنه موسى سيتبين أنه فرعون، وستظهر الحقيقة مختلفة تماماً طبقاً للقلوب المتضرعة. هذا الشخص وهو جالس يكذب ويتكبر ويعتقد تفاخراً تربى في الجماعات الإرهابية أنه أفضل من خلق الله كلهم وأنه أحسن من هؤلاء وأنه قائم بفرض الشريعة وهم لا يقومون. من الذي قال لك أن هذا مقبول عند الله؟ من الذي قال لك أن تكون نائباً عن الله سبحانه وتعالى ومُدخِلاً هؤلاء النار ومُدخِلاً هؤلاء الجنة والأمر ليس بيدك؟
هذا التعاظم والتفاخر والبعد عن ذكر الله والتكبر بغير الحق وعدم الرضا وعدم التسليم والخروج عن محجة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يجعل هؤلاء الناس ليسوا على الصراط المستقيم. بارك الله فيكم مولانا. أستأذن حضرتك نخرج لفاصل ونستكمل إن شاء الله ما تفضلتم به بعد الفاصل. ابقوا أهلاً بحضراتكم مرة أخرى مشاهدينا الكرام ونستكمل هذا الحديث الطيب مع فضيلة الدكتور حول فكرة اليقين ما بين المطلق والنسبي. فضيلة الدكتور، يعني من يصل إليه الدين بصورة خاطئة ويترسخ هذا المفهوم عنده على هذا الشكل الخاطئ وهذا المفهوم الخاطئ، ثم يصبح هذا الشيء وهذا الاعتقاد الخطأ من الدين يصبح عند هذا الشخص ولا يريد أن يغير أو يقتنع به، هل
الإثم في هذه الحالة يقع على هذا الشخص بما أنه لا يريد أن يغير من يقينه هذا أو يتغير في يقينه، أم على الذي أوصل إليه المعلومة بهذا الشكل الخاطئ؟ ربنا حل هذه المعضلة وأمرنا فقال: فذكر إن الذكرى. تنفع المؤمنين، لا مانع أن يتعلم خطأً، وبعد أن تعلم خطأً تراكمت الأخطاء لديه حتى أصبح على ما هو عليه. لكن الذي أنا مكلف به هو الاستمرار في التذكير والتصحيح المستمر. بلّغوا عني ولو آية. أنا لست حفيظاً عليهم ولست مسيطراً عليهم، لست عليهم بمسيطر، وما أرسلناك عليهم حفيظاً. ما على الرسول إلا البلاغ، وعندما قال: "بلّغوا
عني"، فأنا أبلّغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو آية واحدة، ولا أتدخل فيما بيني وبين جلده، ولكن عسى الله أن يجعل في الكلمة البسيطة الهداية، لأنها إذا خرجت من القلب دخلت القلب، وإذا خرجت من اللسان توقفت عند الآذان. المكلَّف به، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة". انظر كيف عُرِّف الحج. ليس معرَّفاً فقط، بل الحج أشياء كثيرة، ولكن عُرِّف بأهم شيء فيه تكون أنت عرفته. فكذلك الدين، أهم شيء فيه النصيحة. وقد ألَّف العلماء في هذه النصيحة، ألَّف الإمام النحاس في "تنبيه الغافلين"، وألَّف ابن كتب الكثير من الناس في كيفية النصيحة والفرق بين النصيحة والتعيير، والفرق بين النصيحة والفضيحة.
فالنصيحة ينبغي أن تكون بهدوء، وينبغي أن تكون باستيعاب، وينبغي أن تصدر من شخص يعرف ما هي القصة والرواية وهكذا، وينبغي أن تكون بلين، كما قال تعالى: "وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". فإذا وأنه كذلك بقدر ما سأشتغل لأعلمه، فالواجب عليّ أن أذكره، والواجب عليّ أن أنصحه، والواجب عليّ أن أستمر في هذا ولا أيأس، ولا أرمي الأمر خلف ظهري وأتجاهله. بل إنني سأتابعه باستمرار، وأنا لدي إيمان راسخ بأن الهدى هو من الله، وأنك لا تَهدي مَن أحببتَ ولكنَّ اللهَ يهدي مَن يشاءُ، وإنَّ الذي يخلقُ التوفيقَ والهدايةَ هو اللهُ، وأنا أفعلُ ذلك أُبلِّغُ فقط، ولذلك لا
تحزن إذا ما فاتك هذا، لا تُذهِب نفسَك عليهم حسراتٍ، فلعلك باخعٌ نفسَك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث. أسفٌ، ففي الرضا وفي التسليم وفي التوكل وفي... رميت حملي على الله سبحانه وتعالى، هو فعال لما يريد، هو صاحب الكون وليس أنا، لا حول ولا قوة إلا بالله. فأنا أنصح وأعلم وأستمر، أنا مطمئن القلب ولست غير مبالٍ، بل أنا مبالٍ لدرجة أنني أفرح بهدايته، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس. وما غَرُبت يبقى إذا أنا سعيد وأفرح بهدايته، ولكن بالرغم من أنني كذلك إلا أن هناك رضا واصطفاء
في النفس هكذا، فالله فعله لما يريد، وهناك نسبة الأمر لأهله، وأنا لست أنا الذي هديته، أنا أرشدته فقط؛ لأن الهداية تأتي بمعنى الإرشاد وتأتي بمعنى خلق قدرة الطاعة في العبد وتوفيق. العبد إلى مراد الله، هذا هو الحل بيني وبينه: أنني سأظل مستمراً في نصيحته، مستمراً في تعليمه، مستمراً في إرشاده، والأمر بيد الله. طيب، هل في هذا الإطار، هل الدين يعلمنا والشرع يعلمنا أن نحترم يقين الآخر، ما هو يقين عند الآخر؟ بمعنى: إذا كان الآخر مثلاً يختلف... عني في العبادة أو في الدين عفواً، يختلف عني في الدين، فهل أنا مأمور باحترام يقينه هذا ولا أسعى إلى زعزعة يقينه؟ فيما يتعلق بالفرق ما بين حياة الدعوة وما بين الحياة اليومية، حياة الدعوة تعني أننا سنتناقش، مثلاً
اليهود عندما كانوا في الأندلس عقدوا ندوات مع المسلمين ابتغاءً لماذا؟ أصبح الوصول إلى اسم الله الأعظم هدفاً لهم، فقد أرادوا معرفته. لديهم طرق صوفية مثل اليهود الذين يتبعون "الكابالاه". هذه الكابالاه تسعى إلى الوصول إلى سر اسم الله الأعظم. المسلمون لديهم تجربة روحية عظيمة، فأصبحوا يجتمعون معاً لمعرفة اسم الله الأعظم لأنه الذي إذا دُعي به. أجاب الله، فيريدون أن يصلوا إليه. هل هو لفظ؟ هل هو تصرف؟ هل هو موقف؟ هل هو حالة نفسية؟ هل هو... ولذلك من ضمن ما كان يفعله أهل القبالة هؤلاء أنهم يقفون على أرجلهم ويضعون الكتاب على رؤوسهم لفترة طويلة لعل الله أن يستجيب، وهذا هو ما نرى بعضه وهم.
يحتلون حائط البراق عدواناً وهم يفعلون ذلك محاولين أن يستعملوا اسم الله الأعظم، وإن شاء الله سيكون اسم الله الأعظم على رؤوسهم. لكن ما هي القضية هنا؟ القضية هي أن المسلمين على مر التاريخ، بينما كان هؤلاء اليهود طريدي أوروبا وطريدي العالم كله، كانوا يأتون إلى العالم الإسلامي لأن لدينا الذي يخصك، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. لدينا قاعدة تجيب على هذا: "لكم دينكم ولي دين". لدينا قاعدة تجيب على هذا: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". لدينا قاعدة تؤكد هذا: "ما على الرسول إلا البلاغ" و"ما أرسلناك عليهم حفيظاً" و"لست عليهم بمسيطر". لدينا قاعدة تؤكد. هذا أننا لا نريد التدخل،
هذا التدخل الذي إذا ما كان فيه نوع من إكراه أو إرغام أو شيء من هذا القبيل يكون فيه نوع من أنواع إنشاء جماعة المنافقين. إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. نحن لا نريد مجتمعات منافقة، نحن نريد مجتمعات فيها حرية فمن شاء فليؤمن. ومن شاء فليقم. حسناً مولانا، في إطار المطلق والنسبي أيضاً، مسألة الأخلاقيات، يعني مثلاً الكذب أو الصدق، البعض يراها قد تكون نسبية، ويمكن أن يكون هذا يقيناً وصدقاً شيئاً هائلاً، ولكن هناك من يراها نسبية وهناك من يراها مطلقة. فهل الأخلاقيات بصفة عامة والقيم بصفة عامة ممكن... يكون فيها ما هو نسبي وما هو مطلق متغير بحسب العادة وبحسب الظرف. عفواً، ماذا يعني مطلق؟ يعني متحرر من الزمان، من المكان، من الأشخاص، من الأحوال. إن كان
معنى المطلق هو هذا، وهو التحرر من جهات التغير الأربعة، فالأخلاق كلها مطلقة. الأخلاق مطلقة، الكذب يظل طوال... عُمره ليست معيبة في أي زمان وفي أي مكان وفي أي حال وفي أي شيء إلى آخره، طيب، ولكن الإطلاق له شروطه. احذر أن تنسى هذه الكلمة، والشروط لم تحوله من الإطلاق إلى النسبي، لا، بل طابعه الإطلاق، إنما له شروطه. اشرح حالك، الخمر والخنزير عندنا نحن كمسلمين حرام أم لا، حرامٌ أن نأكلهم ونشربهم، حرامٌ. طيب، افترض أنني أمامي خنزير واضطررت لأني سأموت، كأن تقع الطائرة ونجونا
وأمامنا لحم خنزير، نأكله فقط لكي لا نموت. فما اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه. هل هذا الشرط يغير من حرمة الخنزير والخمر؟ لا، ستظل محرمةً طوال عمرها. حرامٌ، إنما هذا الشرط لا يتغيَّر، هذا الشرط هو شرط تطبيق، أما الشرط فهو ماهية. هل تنتبه؟ كيف؟ وهكذا هو شرط تطبيق وليس شرط ماهية. الماهية هي أنه حرام، وحرام دائماً وباستمرار، والكذب حرام دائماً، والصدق واجب دائماً، وهكذا إلى آخره. فيأتي ويقول... لي في التطبيق أنني أريد أن أقول لزوجتي أنتِ أجمل امرأة في العالم مرت على البشرية منذ عهد حواء إلى قيام
الساعة. أهذا كذب أم ليس كذبًا؟ وهل يمكن اعتباره كذبًا بالمقاييس؟ هو كذب. هل تنتبه لهذا؟ طيب، هل يصح القول بأن هذا النوع من الكذب هو من باب المبالغة؟ المحمودة المراد منها تطييب الخاطر ليست من نوع بناء الأحكام عليه، ليست مثل شهادة الزور، ليست مثل أكل أموال الناس بالباطل، ليست مثل إيقاع الفتنة بين الخلق. هذا هو الكذب، لكن هنا أنت متخاصم مع شخص فيقول لك رجل: استرح معه، إنه يمدحك يا رجل في... كل موضع وهو لا يمدحك ولا شيء بعد ذلك، ولكن هذا المقصود منه هو مبالغة وليست كذباً.
حسناً، إذا سميتها كذباً، فالكذب هنا شرط. هل تنتبه؟ هذا تطبيق وليس شرطاً. إنه شرط، فالكذب كله حرام. إذا جاء العدو وأسرني والجيش انسحب هكذا، أقول له إنه انسحب هكذا لأجل... لماذا أغطيه؟ إنها حرب، سيذهب ليقتلهم، فإذا كانت هذه تُسمى شروطاً، انظر إلى سيدنا إبراهيم وهو يقول: "بل فعله كبيرهم هذا". هذا ليس كذباً يا إخواننا، هذه مبالغة. يعني أنتم تعبدون شيئاً غير عاقل، أنتم تعبدون شيئاً من صنع أيديكم، أنتم تعبدون شيئاً بهذه الكيفية السيئة المضطربة، فينبهون. ولذلك عندما رجعوا إلى أنفسهم قالوا: نعم، صحيح، إننا ضالون جداً هكذا. إن الفتى الذي يتحدث عنه هو سيدنا إبراهيم،
فقد كان فتى. نعم، فتى يقال له إبراهيم. سمعنا فتى يذكره يقال له إبراهيم. سيدنا إبراهيم كان فتى، هذا سؤال. لكنه نبههم، فهذا ليس كذباً، ليس كذباً، ليس كذباً. ترتيب الأدلة، عندما رأى الشمس قال: "هذا ربي، هذا أكبر، هذا ربي". هذا ليس كذباً بقدر ما هو ترتيب للأدلة. إذن، هذا نسميه شروط التطبيق وليس شروط المهنية. هل العلم إذاً، أو المعارف التي نحن أمامها، نقول بأنها يقينية نسبية؟ هل يمكن أن... نرى الأمور بهذا الشكل: اليقين النسبي موجود، اليقين النسبي في الجانب الظني، في الجانب الظني نعم، لكن ليس في الجانب القطعي. إذاً هذه تحتاج
فقط أن يميز المرء بين القطعي وبين الظني. في الظني نعم يوجد يقين نسبي. أنا متأكد كشافعي أن لمس المرأة... ينقض الوضوء، وأبو حنيفة متأكد أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، هذا يقين وهذا يقين، هذا يقين وهذا يقين، لكن في مساحة الظني تكون النسب صحيحة، وهذا ما يجعلنا نقول إن هناك فرقاً بين الحقيقة والحق. نعم، الحقيقة نسبية والحق مطلق، الحقيقة تتغير لكن الحق لا يتغير، نعم، ولذلك ربنا ليس اسمه الحقيقة، اسمه الحق، وأنه الثابت الذي لا يتغير، الذي هو خارج الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، الذي هو مطلق المطلق وغيب الغيب وهكذا. فنعم، هذه الألفاظ: "العلم يقيني، نسبي، كذا". نعم، في الجانب، في دائرة الظن هو كذلك. نعم بارك
الله فيكم مولانا، أهلاً وسهلاً، أشكركم جداً. أشكرك شكراً جزيلاً مولانا على هذه المعلومة الجميلة والقيمة. الشكر موصول لحضراتكم. نراكم غداً إن شاء الله على كل خير. إلى اللقاء.