الإتحاد | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في شهر رمضان المعظم. تحدثنا في حلقاتنا السابقة عن الأخلاق النبوية التي هي أخلاق عالمية حية وأنشطة يجب علينا أن نعود إليها وأن نعلمها أبناءنا في مدارسنا وأن نلهج بها وأن نقاوم أنفسنا إذا ما نسيناها أو شاع فينا عكس ما أراده لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما هذا
الذي أراده لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن نعمل معا في قيمة تسمى بقيمة الاتحاد وقيمة الاتحاد تحدثنا عنها في مرة سابقة ولكن الأحاديث فيها كثيرة جدا فهذه حلقة للاتحاد مرة أخرى حتى نأخذ مجموعة من الأحاديث التي لم نذكرها من قبل فأخرج أبو داود حدثني وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله إننا نأكل ولا نشبع قال
فلعلكم تتفرقون يعني كل واحد يأكل وحده قالوا نعم قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه معنى حقيقي معنى نغفل عنه كثيرا يا رسول الله نأكل ولا نشبع إذا وضعوا الطعام معا وكلوا فإذا بكم تشعرون بالشبع ويربط هذا بالعقيدة وبالبركة واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه عندما نذكر اسم الله فإن النبي صلى الله
عليه وسلم يحاول أن يحول هذا إلى أمر حسي فيقول يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وهذا يجعل هناك بركة في الطعام ويقول بشأن البسملة وهو يضرب لنا الأمثال ويفهمنا ويفهم الجميع الجاهل والعالم والأمي والبدوي والحضري والعربي والأعجمي فهم الناس فهمت عنه صلى الله عليه وسلم رجل نسي بسم الله الرحمن الرحيم وأكل ثم بعد ذلك تذكر فقال بسم الله أوله وآخره فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن الشيطان كان يأكل معه فلما قال ذلك كأنه تقيأ يعني يريد
أن يربط ما بين ذكر الله وما بين البركة في الطعام فقال لهم اتحدوا اجتمعوا لا تتفرقوا اجتمعوا على الطعام يبارك لكم فيه أمرهم بأمرين الاجتماع على الطعام بدلا من الفرقة وذكر اسم الله طلبا للبركة هذا التعليم في الأكل نحن نظن الاتحاد في أمور اقتصادية في أمور عسكرية في سوق مشتركة لكن الأكل هذا بناء للملكة الذي يتحد في الصلاة ويتحد في الأكل ويتحد في عبادة مثل الحج وهي ركن من أركان الإسلام ويبنى كل ذلك على الجماعة الذي صوموا
لرؤيته وأفطروا لرؤيته فيجتمع المسلمون على صيام شهر واحد وهو شهر رمضان الذي يأمرهم بأن يكونوا فريقا واحدا يبدأ ذلك من الطعام وفي العبادة وفي الجهاد فيكونون في الجهاد صفا واحدا ويقاتلون في سبيل الله سبحانه وتعالى ولذلك فإن الطبراني يروي عن جابر الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول أحب الطعام إلي والله ما كثرت عليه الأيدي وهذا معنى أيضا يمكن أن يكون معنا اجتماعيا داخل الأسرة قديما وفي طفولتنا كنا نجتمع مع الأب والأم في
الغداء وفي الإفطار وفي العشاء، هذا الاجتماع كان لا بد منه لأننا نجتمع على الطعام وأحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي، كان يحدث نوع من أنواع ترشيد الاستهلاك في هذا الاجتماع كان يحدث نوع من أنواع الشبع من هذا الاجتماع، والأمور متعلقة بأمور نفسية وبأمور واقعية وببركة موروثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن في النهاية مقصدها هو ترشيد الاستهلاك. ترشيد الاستهلاك هذا الآن بدأ يدعو إليه من يدعون إلى مراعاة البيئة الاستهلاك مفهوم أصبح واضحا لدينا، كنا نذهب في البداية إلى الفنادق فنجد أنهم يغيرون كل شيء يوميا، الآن
يأتون ويضعون لك إشعارا بأنه من أجل البيئة، المناشف أو الفوط التي تريد أن تغير ضعها في المكان المحدد، والتي لا تريد أن تغير وتريد إعادة استعمالها ضعها في المكان الآخر، هذا كنا نسير عليه منذ خمسين أو ستين سنة ولم يكن هذا الإفراط من التغيير غير المبرر لأمور تخرج عن الاتزان بحدود النظافة لأن النظافة من الإيمان وأن الله نظيف يحب النظافة لكن هذه فيها إفراط أنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم فهذا الإفراط منهي عنه لكن مأمورون بها الآن عادوا مرة ثانية بعد كل هذه الدعوة للاستهلاك غير الرشيد من أجل المصالح ومن أجل
الدرهم والدينار عادوا مرة أخرى الآن يقولون المحافظة على البيئة وبالاستهلاك الرشيد إلى آخره فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستهلاك الرشيد ويضع حدا لهذا بمسألة الاجتماع على الطعام النبي صلى الله عليه وسلم أيضا عن أبي مسعود الأنصاري قال كان رجل من الأنصار يقال له أبو شعيب وكان له غلام لحام يعني يبيع اللحم أو يهيئ اللحم الذي نقول عليه الآن جزار لأنه هو الذي يقوم بالذبح لكن لحام يعني يهيئ اللحم وهو أيضا كذلك فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف في وجهه الجوع، الرجل
من الأنصار الذي هو أبو شعيب كان عنده غلام من العبيد صنعته أنه يحضر اللحم جيدا، أبو شعيب رأى الجوع في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لغلامه: ويحك، كلمة فيها دعاء أي ربنا يحفظك، الله يحفظك اعمل لنا كذا ويحك اصنع لنا طعاما لخمسة أنفس فإني أريد أن أدعو النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة قال فصنع ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم أبو شعيب بعد أن حضر طعاما جيدا لطيفا في أمانة الله ذهب إلى سيدنا رسول الله يدعوه
فدعاه خامس خمسة قال له أنا أعددت حسابي لخمسة أشخاص والطعام كاف لخمسة فأحضر معك خمسة أو أربعة معك وأنت خامسهم خمسة يعني أحضر أربعة آخرين واتبعهم رجل فلما بلغ الباب قال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا اتبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع قال لا يا رسول الله بل إذن له فدخل فبارك الله لهم في الطعام وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول طعام الاثنين يكفي ثلاثة وطعام الثلاثة يكفي أربعة وذلك من هذا الاتحاد الذي فيه ترشيد للاستهلاك
عن أبي هريرة فيما أخرجه مالك في الموطأ رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله. هنا تعلمنا درسين: الأول هو أن طعام الوليمة التي يمنع منها الفقراء بينما الأغنياء يتمتعون بطيب الطعام، هذه هي شر الولائم وشر الأطعمة. ولذلك يجب علينا أن يكون طعامنا مفتوحا، يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما. وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا والعلم الثاني أنه
إذا دعاك أخوك إلى دعوة فلا بد عليك أن تلبي ما لم تكن هذه الدعوة فيها معصية لله أمرنا بالاتحاد وعلمنا هذه القيم التي أصبحت الآن قيما عالمية يسعى الإنسان لأن تعود مرة أخرى في الحياة الناس لشأن الاجتماع البشري المبارك إلى لقاء من غد، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.