الإخلاص | لقاء السبت | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يقول الفضيل بن عياض رضي الله تعالى عنه أن الله لا يقبل العمل إلا بالإخلاص والصواب، وهذا القول من سيدنا الفضيل بن عياض رضي الله تعالى عنه يبين أنه كان فاهماً لدين الله سبحانه. وتعالى هذا الكلام كلام شخص مارس العبادة والطاعة وأخلص لله وخلى قلبه من كل قبيح وحلاه بكل صحيح وقال هذا لا عن علم فقط بل أيضا عن تجربة ومعيشة لم يكتفِ بالعلم
ولم يكتفِ بالعمل بل أيضا عاش هذه المعاني وأخبرنا بها والإخلاص عادة ما يستدل العلماء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنه في قوله إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما أول والإخلاص هو فرع عن الصدق فالصدق كما يقول الجرجاني هو الأصل عندما يكون الإنسان صادقاً مع ربه وصادقاً مع نفسه وصادقاً مع من حوله ومع غيره بل ومع الكون جميعاً فإن هذا الصدق هو الذي يولد الإخلاص فالإخلاص تابع والصدق هو الأساس، اتقوا
الله وكونوا مع الصادقين. الصدق هو أن ندرك الواقع الذي حولنا على ما هو عليه، ولذلك حرم الله الكذب لأن الكذب ضد الصدق وضد الواقع الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، فكان الكذاب يكذب على الله إذا كانت هذه المخالفة مقصودة. الصدق. هو ما وافق الاعتقاد وإلا كان الإنسان الذي يقول لنا شيئاً ويعتقد شيئاً آخر معدوداً من المنافقين، ولذلك سمي ما خالف الاعتقاد كذباً. الصدق هو الذي يولد الإخلاص، قال تعالى: "مخلصين
له الدين ولو كره الكافرون"، فطالبنا بالإخلاص، والإخلاص أتى من مادة من الخاء واللام والصاد، معناها النقاء من كل. شيءٍ والنقاء من كل شائبة، فالله سبحانه وتعالى يدلنا على التخلية، نُخلي قلبنا من القبيح. والإمام الغزالي عندما بنى كتابه الماتع "إحياء علوم الدين" جعل الربع الأول في العبادات، نصحح بها العبادات حتى نحقق كمال الفضيلة من خلال الإخلاص والصواب. فنحن نسير بتصحيح البدايات لنصل في الطريق إلى الله إلى تصحيح النهايات فإن من
بدأ صحيحاً وصل صحيحاً. العبادات ثم المعاملات في البر الثاني، ثم بعد ذلك أتحدث عن المهلكات والمنجيات. المهلكات هي التي نعبر عنها بأن نخلي قلوبنا أي نخلصها أي ننقيها، يعني نجعلها نقية من هذه المهلكات. وعدّ منها أشياء منها الحقد، الكبر، منها الغل، ومنها الكراهية وهكذا. مهلكات لأنها تعكر على الإنسان صدقه مع ربه فتعكر أيضا خلوص قلبه لله سبحانه وتعالى وكما قال الحكماء تخلقوا بأخلاق الله فالله سبحانه
وتعالى رحيم وعفو وغفور وهنا يأتي أن نتحلى بهذه الصفات وأن نتخلى ونترك ونخلص من أضدادها لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبَر هذه مصيبة، فيجب علينا أن نتخلص من كل كِبْر، وأن نتواضع لله، ومن تواضع لله رفعه. للأسف كثير ممن لم يدركوا هذا الجانب من الدين يعلمون أبناءهم القرآن، ولكنهم يفهمونهم خطأً أنهم أفضل الناس، وأنه يجب عليهم أن يشعروا بالتميز. هذا كِبْر، ونحن نريد أن نعلم أطفالنا.
القرآن وأن يحفظوه وأن نفرح بهم فرحًا شديدًا مع التواضع الجَمّ لله رب العالمين، مع أننا في كل وقت وحين نزيد هذا التواضع لله، وأن الله قد مَنَّ علينا بحفظ القرآن، فعلينا أن نتواضع له وأن نعبده سبحانه وتعالى أكثر وأكثر، وأن نرى أنفسنا أسوأ خلق الله حتى لو كنا قد وفقنا الله للطاعات، فمن تواضع لله رفعه. هذا الآخر يريد التميز، والتميز فيه شيء من الكبر، والكبر فيه شيء من التعالي على الناس، والتعالي بالعبادة. فبدلاً من أن نشكر الله وأن نتخوف من فتنة
الله سبحانه وتعالى، فإنهم يعلمونهم التعالي، ومن هنا يتعجبون أن يصدر الذنب من ولي من أولياء الله. أولياء الله الصالحين أما أهل الله فليس عندهم هذا وليس عندهم عصوة إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو الذي عصمه الله سبحانه وتعالى من كل جانب وجعله أسوة حسنة وجعله مثالاً يحتذى وجعله إنساناً كاملاً وأسبغ عليه هذه النعمة من أجل لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. إياكم وأن تأخذوا بالأشكال الخارجية أو بالمعاني الطاهرة التي قد يروجها الداعون إلى الكبر، فإن الإخلاص ضد
هذا الكبر. إذا أخلصت عملي وإذا كان هذا العمل على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه من جنس ما تركه. لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله يقبله ربنا سبحانه وتعالى يصعد إليه الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ولذلك فيجب علينا أن نخلص لله مخلصين في تكبيرات العيد كنا نعلن أننا نخلص ديننا لله والإخلاص يحتاج إلى برنامج عمل والبرنامج يبدأ بالتخلية والتحلية ويبدأ أيضاً بمعرفة الصدق الذي سيوصلنا
إلى الصواب وهو الأصل الأصيل للإخلاص، رضي الله تعالى عن فضيل بن عياض وهو يعلمنا بكلمات بسيطة حقائق كثيرة. لا يقبل الله العمل إلا بالإخلاص والصواب. اللهم يا ربنا اجعلنا من المخلصين واجعلنا من الصادقين ومع الصادقين، واجعلنا ممن مننت عليه بإقامة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في حياتنا إلى لقاء آخر، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.