الإخوة | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرحبا وأهلا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في شهر رمضان المعظم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحدكم مرآة أخيه فإن رأى به أذى فليمطه عنه هذا الحديث رواه الترمذي عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى
عنه وأرضاه وفيه هذا المعنى من أن الإنسان لا يعيش وحده وأنه ولأنه في جماعة وفي مجتمع فإن هناك مسؤولية عليه لدرجة أنه لا بد أن يعد نفسه مرآة أخيه فإذا رأى الأذى على أخيه فإنه لا بد عليه أن يزيله عنه وكان السلف الصالح يعتادون أن يقولوا عندما يفعل أحدهم ذلك أخذت يدك خيرا إنها أخوة ومودة ومحبة أخذت يدك خيرا ولذلك إذا رأى
أحدنا أخاه وياقة القميص مقلوبة فإنه يعدلها له هكذا ثم يقول له فعلت يدك خيرا أو يجد خيطا مثلا هنا هكذا فيزيله له فيقول له أخذت يدك خيرا هي أخذت خيطا ما يعني شيئا تافها ولكن أخذت يدك خيرا لأنها قد أثيبت على ذلك لتطبيقها هذه السنة النبوية الشريفة يشعر الناس بأنهم كالجسد الواحد يشعر الناس بأنهم كالبنيان الواحد وهذا هو شعور الانتماء الذي نفقده شيئا فشيئا في عصرنا الحاضر من سرعة الأحداث ولكنه في منتهى الأهمية ولا بد لنا أن نعيده وأن نتعود عليه مع سرعة الأحداث،
فالأحداث لن تتوقف وسرعتها لن تتباطأ ولكن يجب علينا نحن أن نراعي القيم وأن نتعود ونهيئ أنفسنا عليها في ظل ما نحن فيه من سرعة الأحداث، سرعة الأحداث هي التي تجعلنا في بعض الأحيان ننسى هذه القيم، ولكن ليس مستحيلا أن نطبق هذه القيم وهذه الأخوة مع سرعة الأحداث. وعن أبي مسعود رضي الله تعالى عنه قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحتطب، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقال مراء وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا إن الله لغني عن
صاعه يعني هؤلاء الناس وهم من المنافقين والعياذ بالله تعالى لا يعجبهم شيء فلما جاء أحد بالكثير قالوا ما عليه ما هو مراء ولذلك دفع هذا الكثير ونحن قد أمرنا أن نحمل أفعال الناس على الظاهر وأن نحسن حسن الظن بالله وأن نحسن الظن بالناس وأن يعني حرم علينا ربنا الغيبة والنميمة واحتقار الخلق حرم الله علينا الحقد والحسد كل ذلك نسوه فلما جاء من دفع كثيرا ودفعوه علنا لعل الناس يفعلوا مثله ويقلدوه في الخير فإنهم قالوا مراء ولما أتى شخص بصدقة يعني
شيئا بسيطا هكذا قالوا إن الله لا يستغني عن هذا، الأمر تافه، النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا ألا يحقرن أحدكم من المعروف شيئا، ويقول اتقوا النار ولو بشق تمرة، نصف تمرة، إذن فالخير هو الخير، وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، الخير هو الخير، ويتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جهد المقل وجهد المقل هو رجل فقير يتصدق بشيء من دخله ما معه عشرة جنيهات يتصدق بجنيه ومعنى هذا أنه قد تصدق بعشر ثروته والذي
معه المليارات لو تصدق بمليون جنيه فإنه يكون أكثر منه مليون مرة ولكن أحب الأعمال إلى الله جهد المقل جهد المقل الجنيه هذا عند الله أثقل في الميزان من المليون جنيه، فالمليون جنيه سيأخذها يوم القيامة عشرة ملايين، والجنيه سيأخذه عشرة جنيهات ويزيد الله لمن يشاء، غير أن العشرة جنيهات هذه فيها بركة وفيها قوة وفيها رضا من الله سبحانه وتعالى ربما أكثر من العشرة ملايين، فليست المسائل مسائل كمية وإنما المسائل فيها معان وفيها روح وفيها هذا الجمال فنزلت الآية {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} نزلت هذه الآية فأولئك النفر من المنافقين
الذين عزلوا أنفسهم عن المجتمع ولم يريدوا أن يسيروا في مساره الصحيح فلما رأوا من تبرع كثيرا اتهموه بالرياء ولما رأوا من تبرع قليلا اتهموه بالبخل بأن الله غني عن هذا ولم يفعلوا شيئا لم يتصدقوا بل لمزوا وسخروا من المؤمنين في قضية الصدقات عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع والحاكم وهو مسؤول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته
والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته قال فسمعت هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال والرجل في مال أبيه راع وهو مسؤول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، حديث أيضا من الأحاديث المهمة. بعض الناس لا تعجبهم كلمة راع وما إلى ذلك، والرعاية والعناية هي عين المسؤولية. نحن مواطنون لا رعايا، بعضهم يقول هكذا نحن
مواطنون لا رعايا. هنا معنى آخر من المعاني العالية للاجتماع البشري، كلكم راع، الرعاية هنا ليست بيد حاكم فهو الذي يرعى ورعايا يقدسونه أو يعظمونه أو يجعلونه في مصاف من لا يسأل عما يفعل أبدا. القضية هي أن كل إنسان إنما هو راع، هذه قضية عكس ما يذهب إليه المعترض يعني أن المعترض له حق فيما يذهب إليه ولكن خانه التعبير. المعترض يقول نحن لا نريد نحن لا نريد تمييزا بين الناس ولكن استعمال كلمة راع وراعي
هي التي لا تميز بين الناس، هذا الذي نريد أن نضيفه. نحن لا نعترض على عدم التمييز، نحن ندعو إلى عدم التمييز، وهذا الحديث يعلمنا كيف ندعو إلى عدم التمييز: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" إذا فالرعاية ليست مختصة بشخص دون شخص، ليس هناك طبقتان طبقة راعية وطبقة رعية، بل إن الجميع راع وكل الجميع مسؤول عن رعيته. هذا الفهم هو الفهم الصحيح لمعنى الحديث، أما هذا الفهم الطبقي أو الذي ينفي التميز فلا بأس أن ننفي التميز، ولكن من البأس
أن نسمي هذه الرعاية فيأتي الشاب ويقرأ الحديث ويوقع عليه دون أن يشعر بالاعتراض الذي اعترضه المعترض، إذا فالألفاظ واللغة لها أساس ولها معنى ولها أهمية في الأداء، ولذلك ليس هذا خلافا لفظيا بل هو خلاف على استعمال اللغة وهذا أمر في غاية الأهمية. عن أنس رضي الله تعالى عنه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه النسائي في السنن الكبرى قال إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع حتى يسأل الرجل
عن أهل بيته إذن مفهوم الرعاية هنا ليس هو مفهوم سياسي أو محصور في مصطلحات اجتماعية بقدر ما هو مفهوم إنساني وأن الله سبحانه وتعالى سوف يسأل وسوف يحاسب على هذا الأمر كل سائل، كل راع، كل راع من كل راع، كلكم راع وكلكم مسؤول. إذن فالله سبحانه وتعالى سيسأل كل راع عما استرعاه. إذن فهناك ربط بين هذه القيمة، قيمة المسؤولية، وبين العقيدة، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي استرعاه، هو الذي أقامك فيما
أقامك هناك حكم عليك أن تكون زوجا أو حكم عليك أن تكون زوجة أو حكم عليك أن تكون ابنا لهذا أو ابنة لهذا أو أبا لهذا أو جارا لهذا أو رئيسا لهذا في العمل في كذا أو صاحبا لهذا إلى آخره، هو الذي أقامك فكن حيث أقامك الله سبحانه وتعالى. وكن حيث ما أرادك الله سبحانه وتعالى، وراع رعايته واسترعاءه لك، إن الله سائل كل راع عما استرعاه إياه. إذن كل إنسان مسؤول ومحاسب هنا معه فيحاسب، وإذن لا بد له أن يسترعي ويلتفت
إلى رب العالمين. قيمة المسؤولية قيمة كبيرة، فإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله. وبركاته