الإيمان بالأنبياء والرسل - درجات المعرفة #18 | د. علي جمعة

أهلاً بكم في إطار رحلة الإيمان التي نتحدث فيها مع فضيلة الدكتور في هذه الأيام الطيبة. جزء من تحقيق الإيمان كان عن طريق الأنبياء والرسل الذين بعث الله بهم إلى البشر لكي يكونوا هادين ومبشرين. إن شاء الله اليوم نتحدث في هذا الإطار عن فكرة اصطفاء الله سبحانه وتعالى
لبعض خلقه ليكونوا دون غيرهم ليكونوا رسلاً وهادين ومبشرين للبشر. أرحب بفضله الإمام العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. أهلاً بكم، أهلاً وسهلاً بفضيلتك يا سيدي مولانا. لماذا اصطفى الله سبحانه وتعالى الرسل كجزء من البشر لإيصال هذه الرسالة، ولم يختر مثلاً الملائكة ليكونوا هم أنبياء ليقوموا بهداية البشر؟ لماذا اختار؟ أن يكون البشر هم أداة أو وسيلة هداية البشر. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. لو أن الله سبحانه وتعالى اختار الملائكة ليبلغوا، فإنه من المتعذر كونياً أن يظهر الملك بخلقته للبشر على وضعهم،
فلا بد أن يتمثل هذا الملك. في صورة بشرية، ولذلك عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم فرأى الملائكة، منهم جبريل وحده، وجد أنه يسد ما بين المشرق والمغرب، أي أنه يغطي السماء كلها. فهذا الحجم لا يستطيع البشر أن يتلقوا عنه، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى كان أولى من هذا أن يبلغها مباشرة إذا بلغ. الله سبحانه وتعالى (لو أظهر نفسه) للبشر مباشرة أو عن طريق هذا الملك بهيئته، فإن الاختبار سوف ينتهي. كان لا بد، خلاص، لم يعد هناك اختبار. فأنا أرى بعيني، أرى بعيني، وكان حينها هدف الدنيا وهدف الاختيار وهدف الأمانة العظمى التي عرضها الله سبحانه وتعالى
على السماوات والأرض. والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، لم يكن له معنى حينئذ. فلا بد من أن يقول: "إنما أنا بشر مثلكم"، وإن كان هو سبحانه وتعالى يوحي إليّ. مرة، كاتب يساري ألّف كتاباً عن محمد، وبعد ذلك أورد هذا الأمر هكذا: "قل إنما أنا بشر مثلكم"، فرد عليه شخص الآية ليست هكذا، كيف ذلك؟ أليس هو الذي قال: "إنما أنا بشر مثلكم"؟ قال له: لا، ولكن "يوحى إلي". أتظن أنه بشر مثلنا فقط وانتهى الأمر؟ لا، إنه يوحى إليه. صحيح أن الله اصطفاه، صحيح أن الله اختاره، صحيح أن الله هيأ هذا الرسول، هيأه بتهيئة مختلفة، هيأه بشق الصدر، بملء قلبه حكمة
حباه بإعطائه خصائص. قال: "إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني". اختلف فيه واختصم فيه الملائكة فقالوا: "هذا رجل تنام عيناه ولا ينام قلبه". إنه ليغان على قلبي، فقال: "غين أنوار لا غين أغيار". أعطى للنبي خصائص معينة وأعطى لكل الأنبياء هكذا. أعطى للنبي خصائص جسدية وخصائص. حياتية وخصائص نفسية حتى يتحمل الوحي وثقل الوحي "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً" حتى يتحمل هذه الرحلة رحلة الإسراء، حتى يتحمل هذه الرحلة رحلة المعراج. فكيف يتحمل هذا البشر هذه الأشياء إلا بتأييد رباني وناتج عن الاصطفاء والاختيار، ولماذا؟ حتى تكون هذه
البشرية. ماذا بكم؟ قال: أنا محتاج إلى النوم. قال: "ألا إني أقومُ، وأنا طيّب، مولانا، عذراً في مسألة الاصطفاء. كيف جاء هذا الاصطفاء، وأن هؤلاء الرسل حينما بُعِثوا، حتى كان الله سبحانه وتعالى قدّر بأنهم رسل وأنبياء قبل أن يولدوا. فكيف حدث الاصطفاء والاختيار، وأنهم حتى هذا الوقت لم يكونوا قد قدموا إلى الله سبحانه وتعالى أعمالاً على..." أساسها يتم الاختيار وإنما الاختيار جاء من قبل حتى أن يولدوا. هذه مشكلة تتعلق بعلم الله سبحانه وتعالى وتصديق الإنسان وتصوره لهذه القضية أو لهذه المسألة. الله سبحانه وتعالى هو موجود لا في زمان ولا في مكان، فهو سبحانه وتعالى خارج الزمان وخالق الزمان، وهو خارج المكان لا يحده زمان. ولا يحده مكان، ماذا يعني
هذا الكلام؟ هذا الكلام الذي نظل نردده أن الله سبحانه وتعالى موجود قبل الزمان وقبل المكان، وأنه خارج الزمان وخارج المكان، نظل نردده ولله المثل الأعلى. أضرب لك مثلاً لتقريب المسألة، والله سبحانه وتعالى، الدنيا كلها مثل هذه العصا التي معنا، هذه هي بدايتها. من خلق السماوات والأرض والجبال وكذلك خلق هنا آدم وما إلى ذلك، وهذه نهايتها حيث تقوم الساعة، ثم يبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فيكون الأمر قد عاد إلى ما كان عليه. الدنيا كلها هي لله المثل الأعلى. انظر كيف أخرج أنا عن العصا، حسناً أنا، يا مخلوق.
يا ضعيف ترى كل شيء في كل شيء مرة واحدة، ها أنت ترى من هنا إلى هناك مرة واحدة. أنت كبشر مثلاً، أنت هنا لا ترى ماذا سيحدث غداً، لكنني أرى بدقة. الذي أراه قد سجلته في علمي، كل هذا قد سُجِّل مثلما نصور بالكاميرا الآن، وبعد أن... سنصور الكلام الذي صورناه، وسيذاع على الناس. فكل هذا يُسجَّل هكذا، وتُؤخذ له صورة بما في ذلك من تفاصيل، مثل متى وُلدت ومتى سأموت وماذا أفعل في الحياة الدنيا. هكذا هو خط حياتي كله. فهو قبل الخلق رأى فعل
الأنبياء وقدرتهم وإخلاصهم، ورأى توجهاتهم، فاختار هؤلاء المائة. أربعة وعشرون ألف نبي واختار منهم صفوة ثانية من فوق المائة أربعة وعشرين، ثلاثمائة واثني عشر رسولاً. فيكون هو قد خلق بالفعل كم من الخلق هذا؟ لنفترض أنهم عشرون مليار. نحن لدينا الآن ستة وقليلاً، نحو سبعة، لكن افترض من بداية الخلق حتى نهايته سيكونون عشرين ملياراً. افترض أو أيَّ مليارات، اختر من هذه المليارات مائة وأربعة وعشرين ألف واحد. مائة وأربعة وعشرين ألف واحد هو الذي صلى بهم النبي في ليلة الإسراء على دارِيَا التي هي في القدس.
المسجد هو على فكرة مائة وأربعة وأربعين ألف متر مربع. مائة وأربعة وعشرين ألف نبي صلوا فيه. هذه المنطقة ألفان من الملائكة أو ما شابه ذلك، هذا كلامنا نحن هكذا، لكنها مائة وأربعة وأربعون ألف متر هذه الساحة. فالله سبحانه وتعالى لأنه رأى كل شيء قبل خلقه رؤية واحدة، يعني في لحظة واحدة، يعني لا توجد لحظة لأن الله كان قبل الخلق وسيكون بعده. الخلق وهو لم يدخل في هذا الخلق دخول مكان، ولكنه مسيطر على هذا الخلق قدرةً وإرادةً وعلماً مرة واحدة، يعني كل هذا حاصل غداً مثل الأمس مثل اليوم بالنسبة إليه، لأنه كله حادث في ذات الوقت نفسه. بما أن الجنة والنار والعرش وكل
المخلوقات هي موجودة هنا، فإذا اختيار... الله لأنبيائه من سبق علمه بأنهم أهل همة، أهل همة، ولكن الله عندما أخبرنا بالحقيقة وقال: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء"، فأصبح هناك طرق الاتصال بين الإله وبين المائة والأربعة والعشرين ألف نبي الذين جاء الذين خاتمهم سيدنا النبي وهم هؤلاء الثلاثة. أما أن يتكلم معه مباشرةً كما حدث مع سيدنا موسى وكما حدث مع سيدنا محمد وما إلى ذلك. ما هو هذا الكفاح؟ أي "وكلم الله موسى تكليماً". وإما أن يرسل ملكاً
يخبره ويقول له ويبلغه، وإما... أنْ يُلقي في روعه شيئاً وينطلق كفلق الصبح تماماً كما يكون بالضبط رؤية البصر، لكن هذه برؤية البصيرة فيراها فيبلِّغ عن الله سبحانه وتعالى وهو ليس على هيئة الشك والريب والاحتمالات والآراء وما إلى ذلك، بل شيء قد أُلقي في قلبه. المائة والأربعة والعشرون ألف نبي هؤلاء تميزوا بماذا إذاً؟ بأنهم أخبروا أنهم من عند الله فكانوا أولاً أصحاب معجزات مخالفة لسنة الله في كونه التي أجرى الخلق عليها، ثانياً أنهم أصحاب صفاء ووفاء، لم يكن واحد منهم خائناً، لم يكن واحد منهم كذاباً، لم يكن واحد منهم
غادراً، لم يكن واحد منهم حاقداً. كملوا، فهؤلاء الناس مثل دينٌ ودنيا، أكمل دينٌ ودنيا رقم ثلاثة. إنهم كانوا من أحسن الناس نسباً، أين النخبة المختارة؟ أين صفوة المجتمع؟ هذا هو، وطوال عمرهم هكذا. إذاً نحن نتعامل مع أنه لا يوجد نبي ظهر واتضح أنه من الأسافل، من المجرمين الذين تابوا. لا أعرف، لم يحدث هذا الكلام أبداً. لم يحدث إطلاقاً، نحن مائة وأربعة وعشرون ألفاً، هذا ما أخبر به رسول الله في حديث أبي ذر، منهم ثلاثمائة وبضعة رسل، من هؤلاء الثلاثمائة ذكر ربنا لنا في القرآن خمسة وعشرين نبياً بما فيهم سيدنا النبي. شكراً جزيلاً مولانا، وبعد الفاصل إن شاء الله نستكمل هذا الحديث الطيب. مع فضيلة الدكتور علي جمعة ابقوا معنا.
أهلاً بحضراتكم مرة أخرى فضيلة الدكتور. فيما يتعلق بتأييد الله سبحانه وتعالى للرسل بالمعجزات، ما الحكمة منها؟ لماذا لم يُكتفَ فقط بالإبلاغ بأن الرسول أو النبي يأتي ليقول لقومه ويبلغهم بالرسالة؟ لماذا جاءت المعجزة لكي تؤكد؟ أليس كافياً رسالة الله سبحانه وتعالى الحقيقة؟ في ذاتها هي كافية، ولكن الشك لا يأتي من النبي، هذا الشك يأتي من الناس. تقول له: يعني أنت الآن تريدنا أن نترك الزنا ونترك الغش والتطفيف في الميزان ونترك الظلم، وتريدنا أيضاً أن نتوضأ ونصلي؟ ما
هذا؟ من أنت؟ من الذي قال لي أنك من عند ربنا؟ فعندما... يحدث هذا التكذيب، لكن أصل الرسالة هو أنني يا أخي آمرك بالمعروف أولاً، وأنهاك عن المنكر ثانياً، وأنني لا أريد منك أجراً ولا أريد منك سلطةً ولا شهوةً ولا أي شيء، فأنا في حال سبيلي، أنا فقط أبلِّغ لكن الناس... الناس... هي التي تخرج وتقول له: أنا أريد أن أعرف كيف تتكلم. بسم الله، قال لهم: أنا لا أريد منكم جزاءً ولا شكوراً. "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى". يعني صلوا أرحامكم. يعني أنا لا أريد منكم شيئاً. فجاؤوا وقالوا له: حسناً، تعال، ما رأيك أن نجعلك ملكاً؟ علينا يا جماعة،
أنا لست أريد أن أكون ملكاً. ما رأيك عندما نجمع لك بعض المال ونعطيه لك لتتركنا؟ قال لهم: لست أريد مالاً. قالوا له حتى قال لعمه أبي طالب: والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري... تخيل أنهم أعطوه من العلوم. ما يستطيع بها السيطرة على الكون. لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أدع هذا الأمر ما تركته حتى يبلغ الله بي نهايته. فهذا الفكر الذي يتبناه الناس، الذين يقولون له: حسناً، من أنت حتى تدّعي أنك من عند الله؟ ماذا أفعل؟ كيف أثبت لكم؟ ربنا يكلمكم، هذه طريقة أولى، أو
أجعل الملك الذي يأتيني يأتي إليكم، هذه طريقة ثانية، أو أريكم تحدياً بخرق السنن الإلهية حتى تعلموا أن الذي خرقها هو الذي خلقها، أن الذي خرقها هو الذي خلقها فتصدقوا، فأجرى الله مثلاً على يد نبيه ألف معجزة، تسعمائة وتسعة وتسعين زائد. واحد يعني ألف معجزة، هذا الذي بلغنا خبره. فلما رأوا ذلك لم يؤمنوا أيضاً، لكن بعض الناس آمنت، ولكن المشركون لم يؤمنوا. ماذا من هذه المعجزات الألف؟ لم تكن معه مياه وهو مسافر، فوضع يده في المياه هكذا، فانفجرت كأنها عيون. قليل من الطعام موضوع
في منديل جميل هكذا هو. كان يوجِّه فراغه موكِّلًا منها جيشًا، وكان يخطب على قطعة جذع نخلة، يصعد عليها لكي يصل صوته إلى نهاية المسجد، وبعد ذلك صنع له أحدهم منبرًا لطيفًا، في أمانة الله، ذا ثلاث درجات، ومصنوعًا من خشب العيدان، وهذا العيدان نوع من أنواع الخشب الجيد. فالجذع أنَّ وبكى، وسمعه الصحابة وهو في يده يعني في يده بعض الحصى هكذا، فالحصى سَبَّحَ، والذين حوله سمعوا تسبيح الحصى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانتبه إلى أنه كان يقول لهم: "كيف تكفرون وأنا بينكم؟" إنه ليل نهار ألف معجزة صنعت بهذا الشكل. هذه تسمى معجزة ماذا؟ معجزة الرسول. لماذا؟ لأن
بعض... الناس فقط هم الذين رأوها، الذين حضروا، الذين سمعوا. أنا معي الآن ثلاثمائة في المسجد هم الذين سمعوا الجذع وهو يئن. معجزات الرسول، معجزات الرسول لأنها شيء داخل في الزمان والمكان والأشخاص والأحوال محصورة فيها، فهي منسوبة إليهم هم فقط. أما أنا فبالنسبة لي لم أرَ ولم أسمع، هذا ما لقد قُلتُ: طيب، القرآن أين هو يا مولانا؟ هل هو معجزة الرسول؟ لا، إنه معجزة الرسالة. معجزة. الرسالة والأشياء الألف هذه، معجزة الرسول، ولا نعتمد عليها كثيراً. لا أذهب لأقول لشخص: هيا تُسلِم لأن النبي حنَّ إليه الجذع وكثُر له الماء. لا نقول هكذا، لأن هذه معجزة. الرسول الذي رآها والذي لم يرها لم يرها، ولكن ما الذي أقيمه على الناس؟ أقول لهم تعالوا خذوا هذا، لدينا كأنه
نبي مقيم، لدينا شيء مبهر، لدينا شيء مؤيد من عند رب العالمين اسمه القرآن الكريم، تعالوا انظروا كيف تأييده وتعالوا انظروا. تأييد ربنا وبعد انتقال النبي ومرور ألف وأربعمائة سنة على رسالته، تعالوا لنرى كيف يؤيده حتى الآن، لأن هناك تأييدات غريبة عجيبة لا تكون بيد البشر ولا بيد الأمة ولا بيد النبي. إذاً هذه تسمى معجزة الرسالة، وهذا ليس موضوعنا الآن، فهذا له حديث آخر، وإنما... المعجزات هذه، لماذا أجراها الله سبحانه وتعالى؟ لكي تطمئن النفوس. ولذلك تجد الذين حول النبي الذين آمنوا به، آمنوا به من أجل ماذا؟ واحد من أجل العشرة. سيدنا أبو بكر، العشرة
بيّنت له أن هذا الرجل صادق وأنه محترم وأن قلبه معلق بالله. ومن الذي آمن لأجل ذلك؟ سيدنا أبو بكر، السيدة خديجة، سيدنا علي، آمنة، هكذا آمنوا. ماذا تقول له السيدة خديجة عليها السلام؟ تقول له: "والله لا يخذلك الله أبداً، إنك تُكرم الضيف". أنت، تكرم الضيف. يا أخي، كيف كان عندهم إكرام الضيف! هذا شيء كبير جداً، قيمة كبيرة جداً. وأكرم، أكرم الضيف. هذه هي قمة الإنسانية، فعندما تكون في قمة الإنسانية هكذا، ثم الله يخذلك؟! لا، هذا غير ممكن، لا أصدق ذلك. فآمنت به وهي ضعيفة، وتصل الرحم، وتعين المكلوم الضعيف، تمد
له يد العون وتقف معه وتنسى نفسك. لا، أي أنك تبدأ بمساعدة هذا الضعيف، فذهبت وآمنت به، وآمنت به وهو صغير هكذا، أرى أبا بكر آمن به. ثمانية آمنوا به بعد ذلك. أصبح الثمانية الذين آمنوا به فقط لا غير، أغلبهم من ماذا؟ من عشرة. نعم صحيح. وبعد ذلك هناك شخص آخر مثل سلمان الفارسي آمن به لأنه صدَّق بالكتب السابقة. نعم، هذا معنى آخر. وبعد ذلك هناك شخص ثالث آمن به لأنه رأى بعينيه هذه الأشياء، وآخر آمن به لأنه رأى فيه معنى. صفوان بن أمية عندما جاء وبعد ذلك قال له: "يا صفوان،
انظر إلى هذا الوادي كله، كان مملوءاً بالجمال الحمراء. الجمل الأحمر تبلغ قيمته مائة ضعف قيمة الجمل العادي". فكان الوادي مملوءاً بغنيمة من الجمال الحمراء، قال له: "والله لا يُعطي هذا إلا نبي، ما هذا؟ ما هذه الملايين المذهلة؟ والله ما يكون بهذا السخاء إلا نبي". فكل الناس الذين جاؤوا - أبو محذورة أو عتاب بن أسيد أو غيرهم رضي الله تعالى عنهم - كانوا ذاهبين ليقتلوه أو يسخروا منه أو غير ذلك إلى... آخره فالنبي عليه الصلاة والسلام رأوه بأعينهم وهو يضرب الأصنام في الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً فيسقط. هذا متسلسل. أتظن أن المنظر مثل الأمريكيين وهم
يُسقطون تمثال صدام حسين؟ صدام حسين هذا مسلح، ولأنه مسلح اضطروا إلى أن يستخدموا نظرية الرافعة، نعم نظرية الرافعة التي درسناها في المرحلة الإعدادية والثانوية. يضربونه بماذا؟ بالنعال. لا، ليس هذا، فهو لا يسقط عندما يُضرب بالنعال، بل يسقط بنظرية الرافعة. ديكارت... لا، يا أخي، ديكارت دفعه هكذا بالمحجم فوقع. الله! ثلاثمائة وستين مرة! ما سقط مرة! كان متزعزعاً، لكن أمعقول هذا؟ نحن نعرف أصنامنا، فأسلموا ودخلوا في دين الله أفواجاً. إذاً فهي المعجزة. ربنا يُجريها على يد النبي لأن الناس طلبوها، لأن بعض النفوس لا تهدأ إلا بهذا، ولكن الرسالة في حد ذاتها ليست في حاجة إلى معجزة، والرسالة في حد ذاتها هي
المفروض أن تكون قائمة على البرهان وعلى الإقناع وعلى الخير وعلى العمارة والعبادة التي في النهاية تؤدي إلى سعادة الدارين. الناس ليست كلها هكذا، فهناك أناس عقلاء وهناك أناس - يعني - كان مشايخنا عندما يرون أحدنا يبحث عن كرامة، يقولون له: "يا بني، أنت لا تريد مرشداً، بل تريد شيخاً، أي أنت تريد حاوياً"، فالأمور ليست بالحاوي، بل يجب أن تكون علاقتك مع الله هي الأساس. طريقك إلى الله هو الأساس، نعم، بارك الله فيكم، مولانا، أهلاً وسهلاً، جزاكم الله خيراً، مرحباً،
شكراً لكم، شكراً.