الإيمان بالغيب والشهادة | خطبة جمعة بتاريخ 2006 05 05 | أ.د علي جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين وصل وسلم على سيدنا
محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد في العالمين وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله وإن شر الأمور محدثاتها فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبعد فقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد ملأ الأرض نورا، تركنا على المحجة البيضاء ليلها
كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. تركنا وقد أقر لنا في أنفسنا الإيمان بالغيب والإيمان بالشهادة، والمؤمن لا يكون مؤمنا ولا يكون الله في قلبه وعقله ونفسه ووجدانه ولا يؤثر ذلك في فعله وسلوكه إلا إذا آمن بالغيب. وآمن بالشهادة ووصف الله نفسه بأنه عالم الغيب والشهادة أما الغيب فهو أول أركان التقوى في الإيمان به والتصديق
به هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب وأما الشهادة فإن الله سبحانه وتعالى قد أنزل إلينا القرآن خاتما للكتب يرشدنا كيف نقيم هذه الشهادة بالحق بعبادة الله وعمارة الدنيا وتزكية النفس والتصديق بالغيب والشهادة يجعل الإنسان المسلم قد أجاب عن أن يعرف كيف يعبد ربه ويعمر كونه
وكيف يزكي نفسه والمدخل إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وهو غيب الغيوب لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ليس كمثله شيء قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا ربنا العظيم هو غيب الغيوب لم يحط به أحد لا نبي مرسل ولا ملك مقرب فالرب رب والعبد عبد وهناك فرق بين المخلوق والخالق الإيمان بغيب الغيوب برب العالمين يخرج من قلبك
ومن نفسك ومن روحك ومن كيانك كله الشيطان وإذا غاب الله عن الوجدان دخل الشيطان إليه فكان هناك الله وكان هناك حزب الشيطان ولما أخبرنا الله عن قصة الشيطان في كتابه الكريم وجعلها من أوائل ما تجده وأنت تقرأ في قصة خلق آدم كان لذلك حكمة وحكمتها أن تؤسس فكرك على طريقة مستقيمة تؤمن فيها بالغيب والشهادة معا والمدخل إلى ذلك يتلخص
في ثلاثة أمور في الحب وفي المعرفة وعسى أن نتكلم عن كل مدخل منها بعد ذلك بالتفصيل، كيف ندخل بإيماننا بالغيب وكيف نجعله يفجر المحبة في قلوبنا، فالحب عطاء والله سبحانه وتعالى يحب المؤمنين وتكلمنا قبل ذلك في لقاءاتنا عن حب الله لأشياء وبغضه لأشياء وأن هذا هو الذي يرسم منهج المسلم في التقويم في الأخذ والرد في
القبول وعدمه، أما الرهبة فإنها تملأ القلوب وتقشعر منها الأبدان ولكنها لا تكون إلا لله فيتحرر الإنسان، ونحن ندعو الناس إلى الحرية وغيرنا يدعون الناس إلى التفلت، ونحن ندعو الناس إلى الحب وغيرنا يدعوهم إلى القسوة، وندعو الناس إلى الإيمان بالغيب وهم يدعون أن الغيب خرافة وندعو الناس
إلى أن يعيشوا في سنن الله التي خلقها في كتابه المنظور في هذا الكون وأن يتدبروا كلامه المسطور في القرآن الذي أوحى به إلى النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم وهم لأنهم قد أنكروا الغيب وأغلقوا على أنفسهم ينكرون الوحي وينكرون الأخذ بكتاب الله إلا على إنه نص أدبي ويعيشون وقد ضيقوا على أنفسهم الحياة الدنيا ويسعون فيها ظانين أنهم يحسنون صنعا وهم يفسدون وأنهم يصلحون وهم يدمرون فاختلت
المعاني بأيدي البشر ولا منقذ لهم إلا الإسلام والمسلمون فاللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين واهدنا واهد بنا يا رب العالمين وأزل الغشاوة عن أعيننا وعن قلوبنا واجعلنا هداة مهديين غير خزايا ولا مفتونين ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ولا تجعلنا حجابا بينك وبين خلقك، أما المعرفة فتبدأ بمعرفة النفس وهي بعينها معرفة الله كما قال يحيى بن معاذ من عرف نفسه فقد عرف ربه، فمن عرف نفسه بالافتقار والعجز والبداية والانتهاء والحدوث عرف
ربه بأضدادها بأنه هو الأول والآخر والظاهر والباطن وإنه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وبكل شيء محيط، من عرف نفسه وعرف أنه مخلوق أدرك أن الله هو الخالق سبحانه وتعالى جل شأنه وعز في علاه، من عرف نفسه فإن الله يدخل في قلبه ومن دخل الله في قلبه خرج الشيطان منه ومن كان كذلك كان مأمونا على البشر، مأمونا على نفسه، مأمونا على هذا الكون الذي خلقنا الله فيه خلفاء. لا يستطيع وهو يعلم أنه سوف يعود إليه سبحانه
أن يفسد، ولو أفسد لا يستمر في الفساد، يضيق صدره ولا ينطلق لسانه ويريد أن يتوب وأن يرجع إلى الله وأن يستغفر. عما قدمت يداه أما إذا خلا القلب من الله بأن أغلق الإنسان على نفسه الغيب وصدق بالشهادة إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر فإنه يكون مدمرا لا معمرا، كافرا لا عابدا، نجسا لا زكيا. الغيب والشهادة يقول فيها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يربط بينهما وهو ينهى الضارب إذا ضرب أخاه أن يتقي الوجه يقول إن الله قد خلق آدم على صورته وفي رواية أحمد بسند ضعيف أن الله قد خلق آدم على صورة الرحمن فالله سميع وخلق الإنسان سميعا والله بصير وخلق الإنسان بصيرا والله له قدرة وإرادة وحياة وعلم فوهبها للإنسان فجمع الإنسان بين عالمي الغيب والشهادة إذا ما صح الحديث وهو
بعينه آية في التوراة إن الله خلق آدم على صورة الرحمن وليس في ذلك شيء من التجسيد والتجسيم فالمسلمون ينزهون ربهم على أبدع ما يكون التنزيه ولكن فيه وصل بين الغيب والشهادة فيه إقامة للإنسان خليفة للرحمن فيه بداية للخير بأن نؤمن بالغيب والشهادة معه، هلم بنا نؤمن بالغيب والشهادة ونرى مداخل كل نوع من هذه الأنواع، نرى الحق وهو اسم من أسمائه
تعالى، ونرى الخلق وهو ما دون الله وما سواه، كيف نتعامل فيما آمنا به من الحق وكيف نتعامل فيما أقامنا الله فيه من الخلق وليكن هذه هي لقاءاتنا المتكررة في كل يوم من أيام الجمعة نذكر فيها ربنا وندعوه سبحانه وتعالى أن يتقبل منا صالح أعمالنا وأن يهدينا إلى سواء السبيل جاءتني هذه الصورة من الإيمان بالغيب والشهادة وأن
ذلك من مفاتيح الفهم ونحن نصلي على الشهيد الذي ضحى بنفسه من أجل أمته وناسه ووطنه ومن أجل أن يضرب على يد العابثين الفاسقين فإذا به ينتقل من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، سلى الله قلوبنا بشهادته لما عرفنا أنه شهيد وأنه ذاهب إلى ربه وأن الله يبدله حياة خيرا من حياته ودارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وصحبا خيرا من صحبه وجزاء خيرا مما كان يقوم به في دنيا سلت قلوبنا وعرفنا
كيف نسلي أباه وأمه وأصحابه وإخوانه ومن عرفوه ومن فجعوا فيه ومن لم يعرفوه وشاهدوا هذه الجريمة النكراء ونتائجها أما ذلك الذي آمن بالشهادة دون الغيب فماذا يقول وماذا تعني عنده الحياة أما نحن الذين آمنا فقد رددنا قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون،
يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين. فما كان موقف الذي آمن بالشهادة دون وماذا سيقول؟ فقدان مطلق ومحنة لا منحة فيها ومصيبة لا أجر عليها وعبث ما بعده عبث يولد الحقد والكراهية، أما الإيمان بالغيب والشهادة فهو يولد التوكل على الله. لقد ضربنا على أيدي المسرفين في الأرض ولم نتركهم في فسادهم وطغيانهم، إلا أننا عندما أصابتنا المصيبة قلنا إنا لله وإنا
إليه راجعون سيغنيهم الله من فضله ورسوله أيها المؤمنون الإيمان بالغيب والشهادة منهج حياة وأداة تفسير ومدخل سلوك فآمنوا بالله ورسوله لعلكم تفلحون بها تحببوا وصلوا الحمد لله والصلاة
والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه الحمد لله الذي جعلنا مسلمين وهدانا إلى الإسلام من غير حول منا ولا قوة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاما تامين كاملين أبديين كما يليق بجلالك عندك يا أرحم الراحمين، اللهم يا ربنا اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا، واجعله حجة لنا ولا تجعله
حجة علينا، علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وانصرنا بالحق وانصر الحق بنا، واهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت، اللهم أخرجنا من ورطتنا وارفع أيدي الأمم عنا وانصر الإسلام والمسلمين اللهم يا أرحم الراحمين حرر أراضي المسلمين من المحتلين اللهم انصر المجاهدين اللهم اغفر لنا ذنوبنا واستر عنا عيوبنا ورد لنا القدس ردا جميلا اللهم يا أرحم الراحمين تقبل منا صالح أعمالنا اللهم يا ربنا اهد العاصي اللهم اغفر يا رب العالمين ما لا تعلم اللهم يا رب العالمين اغفر ما لا نعلم اللهم يا رب العالمين أحسن نياتنا إليك وأقمنا على الحق
وأقم الحق بنا اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك نور قلوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر أمورنا وباعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب ونقنا من ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حيينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، واجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، كن لنا ولا تكن علينا، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم اقض حوائجنا وحوائج المسلمين، فرج الكرب عن المكروبين، انصر المظلومين، فك أسر المأسورين، اللهم يا أرحم
الراحمين رد الضالين إلى هدايتك ورد الغائبين إلى أهليهم، اللهم يا ربنا أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا واحد يا قهار، برحمتك نستغيث، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عفو يا غفار، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأقيموا الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما