الإيمان بالله - درجات المعرفة #17 | د. علي جمعة

أهلاً بكم في الحلقة السابقة، توقفنا مع فضيلة الدكتور حول فكرة الإيمان بوجود الخالق، وتفضل فضيلته في الحلقة السابقة بإيضاح أن هذه المسألة هي درجات من الإنكار ومن عدم الاعتقاد بوجود خالق من الأساس، ثم هناك درجات كثيرة وتفصيلات حتى الإسلام، وهذه الدرجة
من الاعتقاد التي نحن... عليها والحمد لله. اليوم نتحدث عن فكرة الإيمان بالله وأثر الإيمان بالله في عقلية وفي شخصية الإنسان المسلم. أرحب بفضيلة الإمام العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. أهلاً بكم، أهلاً وسهلاً بكم، مرحباً بكم. مولانا، انتهينا إلى هذه الجزئية أن هناك مسلمون مؤمنون بالله سبحانه وتعالى، وهناك أركان كثيرة. للإيمان من بينها الإيمان بالله أثر هذا الإيمان مولانا في عقلية وفي نفسية المسلم كيف يؤثر على وجدانه وعلى شخصه. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في حديث سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو يصف أنهم دخلوا عليهم رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا
يعرفه أحد منا وليس عليه أثر السفر، وجلس فوضع ركبتيه إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يديه على فخذيه كهيئة المتعلم المتأدب في حضرة النبي، وسأله ما الإيمان؟ فقال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. والقدر خيره وشره، فسأله، قال: "صدقت". فعجبنا كيف يسأله ويصدقه، يعني يقول له: "طيب، حاضر" هكذا، لكن قال له: "صدقت"، يعني هو الله هو عارف قبلها أم ماذا؟ قال: "ما الإسلام؟" قال: "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت". لمن استطاع إليه سبيلا، قال: صدقت. قال: وما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه
فهو يراك. فسأله عن الساعة، فقال: ما المسؤول بأعلم من السائل. قال: فحدثني عن علاماتها. إذا كنا لا نعرف متى هي بالضبط، أخبرني ببعض العلامات الخاصة بها والنبي صلى الله. عليه وسلم ذكر في هذا الحديث بعض العلامات لكنه لما جمعنا ما لدينا من الأحاديث وجدنا أنه تحدث عما يسمى بالعلامات الصغرى والعلامات الوسطى والعلامات الكبرى في تفصيل كتب فيه العلماء وأفردوا فيه التآليف منهم نعيم بن حماد في كتابه الفتن إلى البرزنجي في أشراط الساعة إلى صديق خان. في الإذاعة وغيرها جمعوا فيه ما ورد عن سيدنا صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن من علامات صغرى ووسطى وكبرى إلى نهاية العالم. السؤال الآن هو أن هذا الإيمان بالأركان الستة ما الذي
يؤثر في الشخصية؟ وهذا سؤال تعرضنا له عندما سألنا الخلق من أنتم؟ ماذا تريدون؟ أنتم من؟ وهنا يجيب المسلم بأنه الشخص الذي يجيب على تلك الأسئلة الكبرى: من أين نحن؟ فيقول: خلقنا العليم الخبير اللطيف الخبير، خلقنا الله سبحانه وتعالى. وعندما نقول إن الله سبحانه وتعالى قد خلقنا، فإننا لا نقف عند هذا الحد، بل نجد أكثر من مائة وخمسين صفة لهذا الإله. في القرآن الكريم نجد أننا قد قسمناها إلى صفات الجمال وصفات الكمال وصفات الجلال، ونجد أننا نعبد رباً موجوداً حقيقةً وليس فكرة كما كان عند بعض
مدارس المشائين، ونجد أننا نعبد إلهاً مفارقاً للأكوان وليس داخلاً في الأكوان كما عند هيجل، ونجد أننا لا نستطيع أن ننكر هذا الموجود. العظيم ولا ننكر شيئاً من صفاته وأننا نوحده سبحانه وتعالى بكل أنواع التوحيد والتفريد وأنه هو الصمد الذي يُصمد إليه ويُتوجه إليه في الدعاء، فهذا هو الإيمان بالله إيماناً تفصيلياً بيّنا فيه ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حقه تعالى طبقاً للكتاب والسنة لأن طريقنا مع الله سبحانه وتعالى. مقيّد بما آمنّا به من أحقّية هذا الكتاب وأحقّية تلك السنة المشرّفة التي جاء بها رسول الله والتي أمرنا الله في كتابه "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" "قل
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" ويقول ربنا سبحانه وتعالى أن هذه السنة إنما هي لتوضح ولتبين "وأنزلنا إليك الذكر لتبين". للناس ما أُنزل إليهم ولعلهم يتفكرون، فالسنة تبين الوحي وتبين المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم. المهم ماذا يفعل الإيمان في شخصية المسلم؟ يفعل أنه مؤمن بالإجابة على هذا السؤال الأول، وأنه مؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد أنزل الكتب. ما هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، إذاً أنا مؤمن. بالكتب وهذا معناه أنني مؤمن بالوحي وهذا معناه أنني مؤمن بالتكليف. هذا هو التتابع الذي يحدث عندي، وهذا معناه أنني مؤمن بالمطلق، وهذا معناه أنني مؤمن بالاستعداد
للفعل والامتناع عن الخبائث والمحرمات، مؤمن بالوصايا العشر التي جاء بها موسى والتي أكدها عيسى والتي أقرها محمد فيما نسميه بالدين الخالص. اللهُمَّ سائقَ ذوي العقول والأفهام الصحيحة إلى ما فيه سعادة الدارين، فالله سبحانه وتعالى الإيمان بالتكليف والإيمان بالوحي يُجيب على المسألة الثانية ماذا أفعل أنا هنا الآن. بالتأمل والتدبر في هذا كله وجدنا أننا نقوم بعبادة الله بعمارة الأرض بتزجية النفس في برنامج تفصيلي استطعت فيه من خلال... هذه العبادة ومن خلال هذه العمارة ومن خلال تلك التزكية أن أكون إنساناً
آدمياً محترماً لي وجهة نظر ورؤية في الكون والإنسان والحياة وما قبل ذلك وما بعد ذلك. هل هذا هو السر يا مولانا منذ ألف وأربعمائة سنة وحتى الآن لمن يدخل هذا الدين، وخصوصاً أننا بدأنا نسمعها في الأخيرة من الغرب ممن يدخلون في الإسلام يقولون: بدأنا نشعر بالإنسانية، بدأ يحدث في داخلنا استقرار نفسي لم نكن نشعر به من قبل. ديننا كبير وصعب، قال تعالى في شأن الصلاة وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين، فحتى تمتزج بدين الإسلام لا بد أن تكون خاشعاً. الصلاة، هذه، خمس. مرات في اليوم يا إخواننا، ما من دين أمر أتباعه جميعاً أن يُصلُّوا. فهناك كهنة يمكن أن تصلي في
يوم واحد تذهب فيه إلى المعبد من أجل أداء العبادات، لكن أن تصلي لربك خمس مرات في اليوم وكل يوم وكل واحد، فهذا صعب. هذه الصعوبة عندما دخل فيها الإنسان عرف خرجوا من دين الله أفواجاً، فتجد الفلاح في حقله الذي نسميه في القرية بالغيط مع قليل من الماء، قد توضأ وصلى، فارشاً المنديل المحلاوي ليسجد عليه، وبينما أنت تسير بالسيارة ترى هذه المناظر، ما هذا؟ لقد أصبحت الصلاة برنامج حياته لا يستطيع أن ينفصل عنه. عنها حدث
هذا الذي هو التداخل بين الدين وبين الحياة. كنا في القرن التاسع عشر وما قبله حتى الخديوي إسماعيل نرتدي ما يسمى بالزي المغربي والسروال المغربي هذا الذي حجره متدلٍ هكذا يشبه ملابس الصيادين، وتجد سعيد باشا يرتدي هكذا وتجد محمد باشا يرتدي مثله. هكذا في الصور وكذا إلى آخره، هذا الزي فيه أكمام واسعة فكنت أعرف أتوضأ وأعرف أصلي وأيضاً زي مناسب للجو. فمثلاً قطاوي باشا كان يهودياً لكنه يلبس نفس الزي، لماذا؟ لأنه مناسب للأجواء وللمناخ الخاص بمصر. عندما دخلت الأوبرا فيجب أن نلبس الرجل "توك"،
هذا الرجل "كوت" والمنشية، الأشياء المُنشاة، عندما تصيبه المياه فإنه يفسد، فبدأ الناس في ترك الصلاة، هل تنتبه؟ واستمر ترك الصلاة ربما لفترة، إنهم ينسحبون من الصلاة لفترة طويلة تبلغ ثلاثين أو أربعين سنة وهم تركوا الصلاة ونفوسهم غير مسامحة، نعم، متعبة بسبب ذلك، أي متعبة من ترك الصلاة، وهذه هي الفترة التي وصفها نجيب محفوظ السيد يصلي وبعد ذلك يذهب ليفعل المنكر بالليل، ففي ازدواجية في الشخصية تتضح، شخصية متناقضة. وظل
الناس يقاومون ويقاومون حتى ثورة - يقول أحمد أمين في كتابه "حياتي" - حتى ثورة تسعة عشر عادت الناس مرة أخرى إلى المسجد. وعندما عاد الناس مرة أخرى إلى المسجد، بدؤوا يتعاملون مع ما الشيء الجديد؟ التنشية والقميص والأغراض وهذه الأشياء، فرجعوا مرة ثانية وأصبح لهم نظام آخر حتى يستطيعوا أن يستمروا. أصبحت أتوضأ قبل أن أخرج، ليس مجرد أنني لن أخرج وانتهى الأمر وأنا أعلم أنه يمكن الوضوء في أي مكان وهذا أمر سهل، لا، بل إنني أصبحت أتوضأ قبل أن أخرج على وضوئي قمْ إلى أي مكان حيث ما أدركتك الصلاة فصلِّ،
فابتدأتُ أفعل هكذا، فابتدأ جسمي نفسه - وانتبه جيداً - يعتاد على هذا. أدركنا مشايخنا وهم يصلون العشاء، وبعد أن يصلوا العشاء يذهبون مباشرةً إلى الحمام. لماذا؟ لأنهم قد انتهوا، فهو يمسك نفسه كي لا ينتقض وضوؤه منذ الساعة تسعة أو نحو ذلك حتى الآن، فالجسم نفسه اعتاد. حسناً، ولماذا ذلك؟ لأجل أن ترتاح نفسيته، إذ إنه غير مرتاح لتركه الصلاة وهو لا ينكر الصلاة ويذهب لصلاة الجمعة، لكنه لا يعرف كيف ينتظم لعدة أسباب. فالصلاة هذه تؤثر في سلوك الإنسان وفي لباسه وفي طعامه. الإنسان وفي البرنامج اليومي الخاص بالإنسان وكل هذا لأنه مؤمن باليوم الآخر، هو مؤمن بالله وهذا مقبول، والإيمان بالله
يجعله موجوداً، لكن الإيمان باليوم الآخر هو الذي يجعله يفعل أو لا يفعل، بمعنى أنه يقول لك: "هذا سيجعل الله يغضب علي" أو "هذا سيجعل الله غير راضٍ" أو "هذا سيجعل ما هو راضٍ عني ومن هنا يحدث أن الإيمان باليوم الآخر أحد مفاتيح السلوك البشري. نعم، بارك الله فيكم مولانا. أستأذن فضيلتك نخرج إلى فاصل وإن شاء الله بعد الفاصل نستكمل في هذا الكلام الطيب مع فضيلة الدكتور علي جمعة. ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مرة أخرى فضيلة الدكتور، هل يمكن؟ أن نقول بأن الإيمان مراتب، هناك المؤمنون بالله وهم كثر والحمد لله على وجه الأرض، ولكن هل هناك مراتب للإيمان
تفرق شخصاً عن شخص؟ علماء المسلمين لما فكروا في هذا السؤال: هل الإيمان شيء واحد أم متفاوت؟ فقالوا هو في ذاته شيء واحد وهو التصديق، ومن هنا ذهبوا إلى... ذاهبون هكذا أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص بهذا المعنى بهذا الاعتبار، فأنت إما مصدق وإما غير مصدق، صحيح؟ إما أبيض وإما أسود، نعم، إما أبيض وإما أسود. إن كنت مصدقاً فأنت مؤمن، وإن كنت غير مصدق فأنت غير مؤمن وكفى. فهنا إذا نظرنا للإجابة على هذا السؤال لذات الإيمان، هو التصديق فلا يزيد ولا ينقص، ولكن هناك ما يسمى باستحضار الإيمان.
هذا الإيمان مسيطر عليّ وأنا منتبه لمقتضياته طوال النهار والليل، أو خمسين في المائة. ما مدى سطوع هذا الإيمان في نفسه أو خفوت هذا السطوع؟ يكون الأمر كأنه مصابيح تتحكم في مفتاحها لتزيد [الإضاءة]. الضياء أو تنقص الضياء، وانتبه إلى السطوع والآية والخفوت. هل الإيمان يحدث فيه ذلك؟ قالوا: نعم، بالنسبة للأعمال وتجلياته في الأعمال. يعني نعم، يزيد بزيادة الأعمال وبزيادة الضراعة لله سبحانه وتعالى وبزيادة تعلق القلب
به. ويخفت عند الغفلة والنسيان وقلة الطاعات وهكذا. نعم، فالإيمان يزيد وينقص بمعنى ولا... يزيد ولا ينقص في ذاته، يزيد وينقص متصلاً بالضراعة والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا يزيد بالطاعات وينقص بضدها. أما هو في ذاته باعتبار أنه تصديق فهو لا يزيد في ذاته ولا ينقص، وإنما هو يسطع ويخفت ويخبو طبقاً لهذه الوضعية. فهذه كانت الإجابة من أهل السنة والجماعة على... تلك النقطة مولانا، البعض حتى في العصر الحالي حينما يرى أو يحاول أن يقيم نفسه بالصحابة
الكرام الأوائل، يقول بأن إيمانه لا يمكن أن يقارن بإيمان هؤلاء. هنا من المفترض ألا يكون الحديث حول مقارنة الإيمان، وإنما تجليات الإيمان في الأعمال هي كذلك تجليات الصحابة لأنهم تربوا في مدرسة النبوة على يد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وسيد الخلق هذا كان بركة، وكان من بركته أن الله أعطاه خاصية التربية بالنظرة، أي أنه ينظر إليك هكذا فيُحدث في نفسك شيئاً وتهيؤاً غير ما يحدث وأنت مؤمن به. أتفهم؟ ولذلك قالوا: الله، لماذا لم يحدث هكذا في أبي. لهب لماذا قال ذلك؟ لأن أبا لهب لم ينظر إليه باعتباره نبياً، بل رأى فيه يتيم أبي طالب. أبو لهب كان ينظر
إلى النبي على أنه ذلك الطفل الذي أعتقتُ ثويبة في يوم مولده، فتكبّر عليه ولم يره نبياً. ولو كان رآه نبياً لاتبعه، ولكنه لم يره كذلك. نبي حتى أصبح من أهل النار بنص القرآن في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، إذاً فإيمان الصحابة... رجل اسمه ابن الحاج فكر في هذه المسألة وقال في ثلاثة مجلدات سماها "المدخل"، فأصبح المدخل لابن الحاج المالكي العبدري. ابن الحاج يقول ماذا؟ يقول: الله... ما الفرق بين... لماذا نشعر... الشعور هذا أن الصحابة سبقتنا وما شابه، ونحن، الصحابة كانت متدربة. حسناً،
متدربة على ماذا يا ابن الحاج؟ قال: تدربت على استحضار النيات الصالحات عند الباقيات الصالحات. وذهب يؤلف ثلاثة مجلدات يشرح هذه العبارة. اشرحها لنا ببساطة. قال: ما الفرق بيني وبين الصحابي؟ استحضار النيات الصالحات، كيف؟ أنا أتوضأ، وبعد أن أتوضأ، آخذ نفسي وأذهب إلى المسجد لأصلي الظهر والسنن وما إلى ذلك، ولست أدري ماذا بعد ذلك، ثم أعود إلى البيت في أمان الله، وأفعل هكذا في هذه الصلوات. هل كان الصحابة أيضاً يفعلون هكذا؟ فهل أنا مثل الصحابة؟
قال وهو خارج للصلاة: هل كان يلتفت يرتدي شيئاً أنيقاً جداً، شيئاً يعني أناقة كبيرة، بعد ذلك لا بد أن ينوي في قلبه أنه قد اتخذ الزينة لله في صلاته بهذا الذي ليس أنه يرتديها بطراً وتكبراً وفساداً في الأرض ولأجل أن يراه الناس، لا، بل هو يرتدي هكذا لقوله تعالى: "خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا تُسرِفوا إنه لا يحُبُّ المُسرِفين. ونِيَّةٌ أخرى وهي أن الفقير يأتي إليه فيسأله فيحلُّ له مشكلتَهُ، يقول: لأجل أنه عندما يرونني يعرفون أنني يمكن أن أحلَّ له مشكلتَهُ، لكن لو أنني ارتديتُ ملابس عادية
فلن ينتبه إليَّ. ونِيَّةٌ أخرى وهي أنه في طريقه إلى المسجد لو... وجد قشرة موزة فسيزيلها من الطريق لئلا ينزلق فيها أحد، فإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، والحياء شعبة من شعب الإيمان. فما هو الإيمان؟ إنه بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. لذا ينبغي أن يكون متنبهاً أثناء سيره ويأخذ حذره من أجل يتعثّر فيها فينكسر ويضيف إليها نية أخرى وهي أن يكثر عدد الناس الذين في المسجد، فالأطفال الصغار عندما يأتون ويجدون الناس كثيرين هكذا فيعرفون أن صلاة المسجد هذه جميلة وجيدة، ويضيف لها نية أخرى. وأخذ ابن الحاج يولّد النيات بهذا الشكل ويقول
إنه عندما كان الصحابي يذهب إلى المسجد. يخرج له بثلاثين أو أربعين أو خمسين نيّة. نحن لسنا متدربين هكذا، لسنا متدربين. وحتى لو خطر في بالنا واحدة أو اثنتان أو ثلاث بعدما نبهنا ابن الحاج إليها في كتاب المدخل، فلن نستطيع استحضارها بالسرعة التي كان الصحابة يستحضرونها بها، ولذلك كان هؤلاء الناس يحصلون على ثوابات كثيرة جداً أثناء ذهابه إلى المسجد وعودته منه، وأثناء ذهابه لإحضار بعض الخبز لأولاده ليأكلوه، وأثناء ذهابه إلى العمل، وأثناء ذهابه إلى أي شيء، أصبحت الحياة كلها عندهم لله. يقول ابن الحاج إن خريطتهم كانت كيف: "هذا حرام، خلاص
لن أفعله"، وكذلك المكروه أيضاً، "وهذا واجب، إذاً يجب أن أفعله"، وكذلك. المندوب أيضاً يجب عليّ أن أفعله، هو المندوب ليس واجباً لكن دائماً هم كانوا هكذا. حسناً، والمباح يوجهه بالنية. فإذا كان الصحابي عنده ثلاث قطع فقط أو قطعتان فقط أيضاً، افعل ولا تفعل. لا تفعل ما هو حرام ومكروه، وافعل ما هو واجب ومندوب، وأيضاً المباح يجعله مثل الواجب تماماً. يؤديه بالواجب أو يمتنع عن المباح أيضًا يجعله مثل الحرام، وبهذا الشكل كان الصحابة يعيشون في سعادة وهناء، ولم يكونوا يعيشون في انتصار دائم، ولا كانوا يعيشون في تهيؤ لبناء الحضارة، بل كانوا يعيشون
لكي يبلغوا هذه الكلمة للعالمين، لدرجة أن الرجل يدخل على كسرى ويقول له: "جئناكم لنخرج الناس". من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فكسرى هذا كانوا يسجدون له، فيقول له هكذا بمنتهى الثقة والاحترام والثقة في النفس وفي الله من قبل ومن بعد. هذا هو أثر الإيمان في نفسية المسلم، وهذه شذرة بسيطة من الإجابة على سؤال: لماذا المسلمون غير راضين بالخروج من دينهم يا أخي؟ مسرورون يا أخي، مستقرون يا أخي، لديهم برنامج كامل للإجابة على كل الأسئلة. نعم، وما دام لا توجد حيرة فيوجد ضد هذه الحيرة من استقرار، والاستقرار
للمشاهدة.إلي اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله