الباقيات الصالحات | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة

الباقيات الصالحات | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة - حديث, مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين. كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحنُ نعيشُ مع حديثهِ في هذه
الأيامِ المباركةِ، يُعلِّمُ الناسَ، وهذا التعليمُ شرفُ الأمةِ، وهو الذي أبقى دينَ اللهِ إلى يومِ الناسِ هذا في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها. وكان من معجزاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنهُ كان يُعلِّمُ الشيءَ البسيطَ، فإذا بهِ يصلُ بهِ إلى الأعماقِ، إلى أعماقِ النفسِ البشريةِ. إلى أعماق الاجتماع البشري، إلى أعماق العلاقات بين الإنسان وربه، وبين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان وأخيه المؤمن، وبين الإنسان والكون، وبين الإنسان وبقية المنظومة البشرية. شيء عجيب أن يعلمنا أشياء بسيطة وبها تتكون الشخصية الربانية الإلهية والإنسان الكامل الذي
يعبد الله ويعمر الأرض ويزكي النفس. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ربه هذه الملكة هو نبي ليس من عند نفسه إنما برحمة ربه وتوفيقه وإقامته واصطفائه له صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وكان مما علمنا إياه حلقات الذكر وحلقات الذكر كان الصحابة الكرام يجلسون يذكرون الله سبحانه وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا فعلّمنا الذكر، علّمنا الباقيات الصالحات. وسُمّيت بالباقيات الصالحات لأنها تبقى بعد الإنسان حتى بعد وفاته: سبحان
الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله. يندر أن تجد مسلماً لا يحفظها. صحيح أن كثيراً منا لا يعرف أنها تسمى بالباقيات الصالحات وحتى لو عرف. قد لا يعرف لماذا سُميت هذه الأذكار بالباقيات الصالحات، وسبب ذلك أنها تبقى كما قلنا بعد رحيل الإنسان من هذه الدنيا، تبقى عملاً صالحاً ينفعه إلى يوم الدين. ذكر الله، لا يزال لسانك رطباً بذكر الله، وانظر إلى هذه الكلمات الطيبات: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، أقول "لا حول ولا قوة إلا بالله". علَّمنا خمسةً أخرى: "استغفر الله"، "حسبنا
الله ونعم الوكيل"، "إنا لله وإنا إليه راجعون"، "توكلت على الله"، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، حيث إن الإنسان إذا صلى عليه مرةً واحدةً صلى الله عليه بها عشرًا، وهذا من فضل الصلاة على النبي صلى معروف أن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فاللهم صل وسلم عليه يا ربنا كما أمرتنا وكما رفعت شأنه بتلك الصلاة فاللهم صل على سيدنا محمد في الأولين والآخرين والعالمين وفي كل وقت وحين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه روى مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أيضاً قال: "لا يقعد قوم
يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده". إذا حرضنا ودفعنا وحثنا أن نجلس في حلقات لذكر الله سبحانه وتعالى ووعدنا بأربعة: بأنه ستحفنا الملائكة، وبأنه ستتنزل علينا وتغشانا. الرحمة بأنه ستتنزل علينا وتغشانا السكينة بأن الله سبحانه وتعالى جزاء هذه الحلقة سوف يذكرنا في ملأ عنده في
من عنده ومن عند الله سبحانه وتعالى هم الملأ الأعلى وهذا جزاء وفاقه فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون هكذا قال ربنا سبحانه وتعالى رسول الله يعلم الأمة شيئا بسيطا وإذ به يتغلغل في أعماق هذه الأمة، في هذا الحديث الذي رواه مسلم ردٌ على أولئك الذين يؤوّلون الأحاديث على هواهم، فيمنعون حِلَق الذكر. حلقات الذكر لا تُمنع، حلقات الذكر من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وعن أنس بن مالك قال فيما رواه أبو داود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن أجلس
مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة، وهي صلاة الفجر، حتى تطلع الشمس، أحب إليّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل". وولد إسماعيل المفترض أنهم أحرار، هم خلاصة العرب، هم أصل العرب، فإذا ضُرب عليهم الرق كان واجباً علينا أن نحررهم، فنعتقهم منه. أربعةٌ فإن فضل ذلك عند الله كبيرٌ. لأن اجلس بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس، كم دقيقة؟ حوالي أربعين دقيقة، ثلاثين دقيقة، حسب ما تنتهي. يعني لو قدرنا ذلك، ما بين الفجر وما بين طلوع الشمس يعني ساعة وثلث. الناس تقيم
الصلاة بعد ثلث ساعة وتقوم بالصلاة. أيضاً ربع ساعة أخرى سيكون قد مر علينا ساعة، ربع ساعة وربع أخرى نجلسهم في حلقة ذكر وكأنني أعتقت أربعة من ولد إسماعيل. ياه! إن ولد إسماعيل هذا في الميزان شيء كبير جداً. ولَأن أجلس مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إليّ من أن أعتق أربعة يعني من ولد إسماعيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما يقول هذا للصحابة والصحابة تبلغها لمن بعدهم إلى يومنا هذا، يتعلم المسلمون أن الله سبحانه وتعالى يحب حلقات الذكر، يجلسون بأدب وأناة مع الله بتدبر، فيذكرون الله سبحانه وتعالى كما
علمهم بالعشرة الطيبة التي ذكرناها أو بالخمسة. التي هي الباقيات الصالحات أو بأسماء الله الحسنى، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، ولذكر الله أكبر. إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. ألا بذكر الله تطمئن القلوب. والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، مدح الله سبحانه وتعالى الذكر ومدح رسوله صلى الله عليه وسلم حلقات الذكر وفي أيضاً ابن ماجة والدارمي وأبو داود الطيالسي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بمجلسين لما
دخل المسجد، وجد حلقة هنا وحلقة هناك، مجلس ومجلس في مسجده، فقال: "كلاهما على خير، أحدهما أفضل من صاحبه". انظر. كيف أنه يعلمنا الذكر ويعلمنا العبادة، ولكن انظر إلى فضل الله الواسع وأن بعض الأعمال أعلى وأفضل عند الله من بعض. لا ينكر هذا على ذاك بالبطلان، لم يقل أن هذه الحلقة التي هي في الأفضل أن تستمر وهذه الحلقة التي هي أقل أن تنتهي، فكل ميسر لما خُلق وكل وقت له أذان، وحيثما تجد قلبك، مر على الحلقتين. هاتان الحلقتان ماذا كانتا تفعلان؟ في
الحقيقة كانت حلقة تذكر الله ذكراً، وحلقة ثانية يتدارسون العلم علماً. لو خُيِّرنا بين العلم والذكر، فالعلم أفضل عند الله. أنلغي الذكر إذن؟ هذا حمق، هذا خطأ. لا نلغي الذكر بل... نضيف إليه العلم ونفضل العلم عليه، فإذا يقول أحدهما أفضل من صاحبه. أما هؤلاء فأشاروا إلى حلقة الذكر، فيدعون الله ويرغبون إليه. عندما تقول: "الله الله الله"، فإنك تلتجئ إلى الله، أي تدعوه: "يا الله". بعض الناس الآن خرجوا يقولون لك: "لا، لا يجوز أن تقول: الله الله". لماذا؟ قال... ليس في السنة النبوية ما يشير
إلى هذا الجهل، بل إن السنة تضمنت هذا. يقول القرآن: "قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ". لا تفعل هذا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقوم الساعة إلا على لُكَع بن لُكَع، حيث لا يُقال في الأرض الله الله". إن هذا إنه كان يُقال في أيام الخير "الله الله"، فلماذا لا نُذكِّر بهذا؟ والله سبحانه وتعالى أمرنا أن ندعوه بأسمائه الحسنى. لا تعرف دليلاً، إنما هي أهواء مُتَّبَعة. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم". وأما هؤلاء فيتعلمون الفقه والعلم ويُعلِّمون الجاهل، فهم وإنما بُعثت معلمًا، ثم
جلس فيهم إلى لقاء آخر. نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.