التراث بين التجديد والتقديس | أ.د علي جمعة | 29 - 01 - 2022

السيدات والسادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بحضراتكم في جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والخمسين. أهلاً بكم في هذه الندوة التي تأتي تحت عنوان: التراث بين التجديد والتقديس. السيدات والسادة، إن التجديد ينطلق في خطوات مفتوحة من استيعاب التراث والبناء عليه. يحيي ثم التعمق في كل علم وفن ومنهج لنجدد الدنيا بالدين، فالتراث يضم مسيرتنا الفكرية وحركتنا العملية التي تتضمن فعلنا الحضاري وإبداعاتنا الفكرية والفنية والتطبيقية، وهو إنتاج حي يقبل الإضافة دائماً. أما ما يزعم البعض من أن التراث
لا يقبل التجزئة وأنه يجب اقتلاعه من جذوره، إنما يعني قصور أدواتهم ورغبتهم. في العمل على الحل السهل بدلاً من البناء الإيجابي الصعب، وهو ما عبّر عنه أمير الشعراء شوقي قائلاً: "لا تحذروا هذي عصابة مفتونة، يجدون كل قدير شيء منكراً، ولو استطاعوا في المجامع أنكروا من مات من آبائهم أو من برا، كل ماضٍ في القديم وهتين، وإذا تقدم في البناية فسرا وأتى". الحضارة في الصناعة مقيدة والعلم قليل والبيان نافراً، لذلك يجب أيها السادة على من يتصدى لمهمة التشديد أن يكون راسخاً في دراسة المنقول والمعقول، فاهماً لطبيعة التراث ولطبيعة المناهج
ولأدوات التحديد الفكرية المستخدمة في البحث والتقصي. أتشرف في هذا اللقاء بضيافة العالم الجليل والأستاذ الكبير الذي تربيته كواحد من أبناء. ضيفي على أحاديثه وفتاويه عبر شاشات التلفاز وأثير الإذاعات فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة وعضو هيئة كبار العلماء من الأزهر الشريف ورئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب. أهلاً بكم فضيلة الدكتور، مرحباً بك. في البداية اسمح لي: هل هناك صراع حقيقي بين التراثيين والحداثيين؟ وإذا كان هناك صراع، فمن يؤجج هذا الصراع؟ بسم الله الرحمن الرحيم،
عندما يُفقد المشترك بين أي طرفين يبدأ الصراع، وعندما يوجد المشترك يبدأ التفكر والحوار ويبدأ التفاهم والنقاش ويبدأ العمل والانطلاق. ولذلك فإن ظاهرة الصراع في حد ذاتها مبنية على المخالفة
التامة بحيث أنه لا يوجد مشترك. والحقيقة أن التراث هو مشترك بيننا وبين العصر الذي نعيش فيه. فيه فيجب ألا يكون هناك صراع، والصراع حينئذ من شأن من جهل، فما دام قد جهل فهناك صراع على غير الحق. وما دام هذا الإنسان عنده فهم، فإنه سيجد نفسه في المشترك الإنساني، أو في المشترك الواقعي،
أو في المشترك الديني، أو في أي مشترك كان يأبى الصراع، فهذا هو. الحاصل أن مَن تعرَّض للصراع في مسألة المعاصرة والتراث افتقد تعريف الأشياء، وتعريف الأشياء أمر مهم والاتفاق عليها أهم. ويقول ابن حزم الأندلسي: لو أن أهل الأرض وحَّدوا معاني المصطلحات لانتهى ثلاثة أرباع خلافهم. فثلاثة أرباع الخلاف ناشئ من اختلاف
الناس فيما بينهم في تعريف الكلمات والمصطلحات والألفاظ الجارية في... النقاش: نعم، المصطلح له لفظ وله معنى، واللفظ له بعلاقته مع المعنى وضع وباستعماله وبحمله. فيقول: هذا الذي تعلمناه من التراث المنقول والذي لا يمكن أن يتم الأمر إلا به. الاستعمال من صفة المتكلم، والحمل من صفة السامع، والوضع قبلهما. وهذه قاعدة
غاية في الأهمية لأنها ضابطة للفهم في قضايا. التحاور بين الناس وفي قضايا تبادل المعرفة بين الخلق، الاستعمال من صفة المتكلم، وأنا أستعمل الكلمات أعني بها شيئاً قائماً في ذهني. هذا الشيء الذي هو قائم في ذهني تحمله أنت على معناه الصحيح أو على معناه غير الصحيح، فإذا حملته على معناه الصحيح تم التفاهم، وإذا حملته على المعنى غير الصحيح لم يتم التفاهم حول ما تعنيه هذه اللفظة.
وضعها بإزاء معناها أو معانيها أمر سابق عن العصر. من الذي سمى ما فوقنا سماءً؟ ومن الذي سمى ما تحتنا أرضاً؟ إنها اللغة، وفي واضع اللغة خلاف: هل هو الله أم البشر؟ الأصول وضعها الله ثم علّم البشر قواعد الاشتقاق. كلام. كثير من العلماء إذا فالاستعمال من صفة المتكلم والحمل من صفة السامع والوضع قبلهما. عندما أقول لك رأيت أسداً وأعني أسداً حيواناً مفترساً وأنت تحمله على الرجل الشجاع، يبقى إذاً هناك فارق بين الاستعمال وبين
الحمل. هذه اللغة هي التي تضبط جدال البشر فيجب علينا أثناء هذا الجدال ويجب على الجميع. أن نوحد مصطلحاتنا، فما الذي نعنيه بالتراث؟ هذا تعريف للتراث يجب علينا أن ننطلق منه. عندما يصدر قانون مثل قانون الآثار، يُعَد كل ما كان في عصر الخديوي إسماعيل وقبله فهو أثر يحتاج إلى التعامل معه على أنه أثر، وما بعده ليس بأثر. حسناً، هل ما قبل التراث؟ التراث يبدأ... مِن الخديوي إسماعيل بناءً على هذا، لأنه في عالم
الأشياء بدأت من الخديوي إسماعيل وبعد ذلك قالوا مائة سنة. إذاً، فهل التراث هو الذي بدأ من مائة سنة؟ فيكون كلامك عن أحمد شوقي الآن من التراث. إذاً، نحن نعيش التراث والتراث ليس بعيداً عنا لأنه جزء لا يتجزأ من كيلومتراتنا ولكن هذا أمر قديم. قال أبو هريرة: "أدركوا تراث محمد فإنه في المسجد". فذهبوا مسرعين إلى المسجد فوجدوهم يقرؤون القرآن. فسمى القرآن من غير اصطلاح، تسمية لغوية، سماه
تراثاً لأنه موروث عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. كلمة "تراثنا" بدأها الدكتور طه حسين رحمه الله تعالى عندما كان مسؤولاً. عن إصدار سلسلة فيما سُمي بعد ذلك بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وطُبع فيها مجموعة كبيرة من الكتب التي تتحدث في المعقول والمنقول. طُبع في تراثنا تفسير القرطبي، وطُبع في تراثنا كتاب التوحيد لعبد الجبار المعتزلي، وطُبع في تراثنا كتب كثيرة جداً، وبدأت الكلمة تنتشر وتُطلق على كل نتاج فكري
مر عليه. السنون، كيف أهدم نتاجاً فكرياً لأمتي؟ كيف أخرج منه خروجاً مزرياً؟ فيجب علينا أن نكون عقلاء وأن نتعامل بمشترك يمنع هذا الصراع ويجعل هناك مناقشة جادة وجدلاً نافعاً حول قضية التراث. هناك مقولة مشهورة لفضيلتكم، وصُحح فيها بأنه لا بد أن نتعلم مناهج التراث دون أن نقف عند مسائل هكذا. التراث يشتمل على مناهج ويشتمل على مسائل. المناهج كثيرة وتُعدُّ
أصولًا ينبغي أن نتعمق في فهمها، وقواعد ينبغي أن ندرك عمقها. هذه المناهج - والمناهج جمع منهج - قد تكون قليلة في عصرنا الذي نعيش فيه، فنضيف لها مناهج من جنسها، ونرى كيف ينشأ المنهج والشروط التي ينبغي أن تتوفر فيه. حتى يكون مستقيمًا نافعًا ممتعًا
جامعًا مانعًا، لا بعكس تلك الصفات من أن يكون مدمرًا لا معمرًا. ومن هنا تصبح مسألة التجديد - وهي الكلمة الثانية عندك بين التجديد والتقديس - تشتمل اشتمالًا حقيقيًا على ما يسمى بالمنهجية. كلمة المنهجية في لغة العرب وهي كيفية إنشاء المنهج، وهو الفن الذي من الله. به على المسلمين فمن الله على المسلمين بمنهج توثيقي وثّقوا به نصهم
المقدس القرآن ونصهم المقدس الشارح السنة. هذا المنهج فريد وحيد لم يكن من قبل لأمة ولم يكن من بعد أن وثق أهل فكر كما وثق المسلمون عناصر مرادهم. وثقوا القرآن وجعلوا هناك ما يسمى بالسند وجعلوا السند درجات. وأنواع متواتر وآحاد وعزيز ومشهور، عمل كبير. ليس هناك أمة على وجه الأرض من قبل ومن بعد أُوتيت منهج التوثيق، منهج التوثيق
الذي يخدمه أكثر من عشرين علماً من علوم الرجال ومن علوم المصطلح ومن علوم الدراية ومن علوم الرواية ومن علوم التضعيف ومن علوم التوثيق، لا ليس هناك أحد. في الأرض هكذا، ليس هناك أحد في الأرض يعني، الذين يطعنون في هؤلاء التراثيين ويطعنون في مناهجهم هم أنفسهم لم يستحدثوا من المناهج ما يجعلهم قادرين. لم يحدث، لم نرَ. نحن رأينا كتب الرجال مطبوعة موجودة هنا في معرض الكتاب بالعشرات، لا بالمئات، بل بما هو فوق المئات. بكثير يعني
أستاذنا هذه الكلمة ينبغي أن تصطف، هيا غنيها، غنِّ، اعمل لها أغنية، لأنه ليس هناك على وجه الأرض أمة فعلت هذا مع تراثها ولا مع كتبها ولا مع توثيقها ولا أي شيء. نحن فعلنا هذا في مجال اللغة، نحن فعلنا هذا في مجال القرآن ابن... أورد الجزري في كتابه "طيبة النشر في القراءات العشر" أكثر من ألف سُنّة للقرآن. أهو واحد وفي كتابه الواحد أورد ألف سُنّة في القرآن الكريم؟ مَن فعل هذا؟ أين نجد مثل هذا في علوم الهند أو في علوم الغرب أو اليونان أو في علوم المصريين
القدماء أو من بعدهم؟ ذلك أو في أي مكان مذهب ديني أو أخلاقي في الأرض وثّق كل ما يتعلق به، ليس هناك شيء. منهج التوثيق، منهج الفهم، منهج الفهم عندما يدرسون اللغة بهذا العمق: دلالة للألفاظ والتراكيب والبلاغة بأنواعها والنحو والصرف وغيرها، ويضعون هذه المعاجم، وكل ذلك لخدمة المحور الذي يتكلمون عنه، هذا منهج. منهج الفهم هذا شاركنا فيه بعضهم، لكن منهج التوثيق لم يشاركنا فيه بعضهم. منهج
التفكير، قضية الظن والقطع، قضية الإلحاق يسمونها عندنا في الأصول القياس. لا، ليس هناك، ليس هناك على وجه الأرض من قام بقضية الإلحاق، ليس هناك على وجه الأرض من قام بالمناسب والعلة وقوادح العلة وشروط. العِلّة أنه لم يحدث هذا من قبل ولم يحدث في التاريخ أن فعل أحد هذا. يأخذون النتائج ويقلدونها. نعم، حدث ذلك في مساحة طويلة عريضة عندما رأوا تفكير المسلمين هكذا - كيف يوثّقون، وكيف منهج الحجية ومنهج الحقيقة. أنا
منبهر، فكيف نهدم كل هذا بينما ترك لنا السلف مناهج. هل يمكن أن نضيف منهجًا آخر؟ نعم، يمكن أن نضيف منهجًا آخر. هل يمكن أن نستفيد من غيرنا؟ نعم، بشرط أن يكون المنطلق واحدًا. غيرنا منّ الله عليه بمنهج إدراك الواقع المتغير. ليس لدينا إدراك للواقع لأنه كان الواقع رتيبًا لا يتغير، فلم نكن في حاجة إلى أن نضع منهجًا لإدراك الواقع. المتغير لكن الواقع نعم عندنا، أما المتغير
فهي صعبة قليلاً. وحدث أن مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية نشأت في منتصف القرن التاسع عشر ابتغاء إدراك الواقع. المنهج والمنهجية هذه سموها في الإنجليزية "ميثودولوجي"، وهناك فرق بين "ميثود" و"ميثودولوجي". "ميثودولوجي" تعني هذا الذي يجعلك قادراً على وضع المنهج، فيكون إذاً المنهج نتاجاً. المنهجية الثمرة كان فرق بين الثمرة والشجرة. فالشجرة نحن ندرس الآن الشجرة التي تأتي منها ثمرة، نعم هذا المنهج هذا
مثل، لكن المنهجية التي هي الشجرة، فأنا أريد منهجية لإدراك الواقع المتراكب المتغير، فيصبح إذا أضفتها ويصبح هذا تجديداً، فتكون أول درجات التجديد الاهتمام بالمنهجية لإدراك الواقع المتغير. الواقع أصبح بالاتصالات. والمواصلات والتقنيات الحديثة شديدة التعقيد شديدة التداخل والتغير والتدهور والتطور، فنريد منهجاً لدراسة ذلك المتحرك وليس ذلك الساكن كما كان. يعني هناك، يعني لا بد
أن نفرق بين الثابت والمتغير في التعامل مع قضية الدراسة. ليست كلمة ثابت ومتغير المتبادرة إلى الذهن حتى لا نشوش على هذا المعنى، هذا متحرك. وساكت الثابت والمتغير أن الثابت هو القرآن، وأن الثابت هو الصلاة، وهو العبادات، وهو المقطوع به. حسناً، فلكي نلتزم بمصطلحاتنا حتى يتم التفاهم، دعنا نُبعد ما له معنى الآن، وهو الثابت والمتغير، ولنجعلها الساكن والمتحرك. الفرق بين السماء والأرض، ها هو. أصبح الثابت يُطلق على ذلك القدر من الدين الذي... ليس بأيدينا ولا يمكن أن يكون لنا أن نغيّره، الصلاة والصيام وحرمة
الخمر ووجوب الحج، هكذا هو واضح. هذه هي أول الإشكالية من مفهوم النسبية. ما هذا الثابت؟ أما الساكن فهو الواقع قبل ألف وثمانمائة وخمسين، كيف كان ساكناً؟ في رق العالم كله، في رق محمد. صافي رشد سؤال التوكل إلى مكة بالعمليات التي حدثت أربعة هيا يا محمد محمد صافي رشد، أنا أعرف ما هو خارج الآن، لكن بسعادة يعني ألف وثمانمائة وخمسين. أنا أريد أن أكفر عن ذنبي، أعتق رقبة، أجد رقبة، أنزل السوق أجد رقبة. ألف وثمانمائة واثنين وخمسين العالم اتفق. أن الرق انتهى، وأبراهام لينكولن كان هناك في أمريكا وقال: "ما هذا الكلام
الفارغ الذي نفعله؟" وذهب وألغى الرق، ونحن معه، وألغينا الرق. الآن لا أجد أحداً أعتقه. نعم، لقد تغير العالم. إذن كان هذا ساكناً. ماذا يعني ذلك؟ يعني لو أن سيدنا عمر ظهر وقال: "أريد يا أبناء أن أحرر"... قوم كان فيهم رقبة، لو ظهر الآن لن يجد رقبة. ها هو الساكن، وها هو المتحرك. المتحرك يعني المتغير كل يوم، هو في شأن. يعني لم يكن هناك في ذلك الوقت إنترنت ولا فيسبوك ولا أي شيء. لم تكن هناك اتصالات أو مواصلات أو تقنيات حديثة أو كهرباء ومواصلات. ماذا هذه؟ لم يكن هناك، كان عمر سيدنا رضي الله عنه عندما يريد أن ينتقل إلى
الإسكندرية في زمنه مثل ألف سنة قبل دخول القطار، بعضهم قبل دخول القطار. لا، هذا أصبح يصل إليها في ساعتين أو ثلاثة على الأكثر. لقد تغيرت الدنيا هكذا. إنني أذهب إلى الإسكندرية وأعود وأهل بيتي لا يعرفون إذا كان هناك شيء قد تغير. في هذا الوقت هذا متحرك، فيكون هناك فرق بين الساكن والمتحرك، ونحن نتحدث في هذه النقطة وليس في السابق والمتغير، أي مصطلحات يجب أن تصدر. لا بد أن ندرك معاني ما نقول، ولذلك فنحن نهتم اهتماماً بليغاً باللغة لأن اللغة هي التي سوف توصلنا إلى التفاهم الصحيح بدلاً من... الصراع إلى التفاهم الصحيح والبناء الصحيح بدلاً من إهدار الأوقات
والتدمير بدلاً عن التعمير، أي من الممكن أن نقول أن فهم دلالة المشترك هي الأرضية المشتركة التي تجمع الحداثيين مع التراثيين على مائدة واحدة ليتفاهموا. هذه هي النقطة الأولى، ولا بد أيضاً على الذين سميتهم... لا يعرف ماهية التراثيين هؤلاء، وكذلك يجب أن يفهم الحداثيون أيضاً. إذا استعمل الحداثيون لغة لا يفهمها التراثيون، والتراثيون يفهمون لغة لا يفهمها الحداثيون، فسيكون الحوار بلا معنى. لا بد أن نوحد الفهم حتى نفهم هذه أبجدية النقاش المنهجية. وماذا أيضاً في التجديد؟ المعرفية مهمة للغاية لأنها تجعل الإنسان... مدركاً بعمق
للمبادئ العليا، ولذلك نجد واحداً مثل العضد الإيجي يتحدث عن هذه المعرفية في تعريفه للعلم، وفي تعريفه للحكمة العالية، وفي تعريفه للوجود. هذا كله يسمونه ابستومولوجي أي معرفية، وهي جزء لا يتجزأ من عملية التجديد، وإن إدراكك للمعرفية جزء لا يتجزأ من عملية التجديد وأن تعرف النموذج. المعرفي الذي يميزك عن الناس يعني من أنت، فهناك ما يسمى بالبراديم. براديم يعني نموذج معرفي. نحن مؤمنون أن هذا الكون مخلوق، وهناك أناس آخرون يقولون لا، ليس كذلك. أنا لم أفكر في
هذه المسألة، إذاً يجب أن أكون عارفاً ماذا أناقش وماذا أفعل ولماذا أفعل. هذا ما يجب. نقوم به نحن في التجديد المنهجية المعرفية، والنموذج المعرفي مكون من حوالي ثلاثين نقطة. نحن أناس مؤمنون بيوم آخر، وهذا اليوم الآخر يتحكم فينا، أي أنني دائماً عندما أقوم بعمل ما أسأل نفسي: هل هذا حرام أم حلال؟ يوجد أناس ليسوا كذلك، يوجد بعض البشر ليس لديهم... دعوة بهذه الحكاية حلال وما هو حرام، ماذا أريد أن أفعله وما لا أريد أن تفعلوه، لكنني لست هكذا، وعلى فكرة لن أستطيع أن أكون إلا هكذا، أنا تربيت
هكذا. لماذا تريد أن تخرجني من جلدي؟ فأنا تاركك في حالك، اتركني في حالي. فإذاً النموذج المعرفي مهم للغاية ومكون من مكونات. العقل لا بد أن ندرسه بعمق ونحصل على الثلاثين نقطة ونعلمها لأولادنا وستجدها كلها في العقيدة. خلقنا الله وسنعود إليه، هذه النقطة الثانية. لم يتركنا الله هكذا بدون تكليف، هناك تكليف وهناك وحي، أي أن الله يوحي ويرسل الرسل. وها هي أركان الإيمان قادمة والأمور التي... في العالم هذا بعضه مطلق وبعضه نسبي، فيجب علينا أن نعرف معنى النسبي ومعنى المطلق. لأن نيتشه جاء وأنكر المطلق وأراد أن تكون كل شيء نسبياً والكون كما تراه. فأقول له: لا، الكون ليس
كما ترى، هناك حقيقة قالها لا توجد حقيقة، كله حقيقة وكله جيد، التي هي... الغنوصية الأولى التي كانت في اليونان، فيجب علينا أن نفهم هذا فهماً عميقاً حتى نستطيع أن نجدد النقطة الرابعة: الموقف من التراث الذي معنا هنا، تجديد لا تبديد. ثلاث كلمات يتحدثون بها ولكنها ليست أيضاً بالمعنى الذي لدينا هنا، يقولون لك: التجديد والتقديس والتمجيد، وجعلوا التمجيد فوق الاثنين، نعم. هذه دراسات أخرى لمنطلقات مختلفة لا ينبغي أن نقع فيها نحن الآن، لأنها تحمل معانيَ أخرى. أي أننا نسميها بأسماء أخرى
ولا نسميها بالأسماء التي نستخدمها حالياً، لأننا بذلك لن نفهم. فالتمجيد والتجديد والتقديس والتمجيد هذه ألفاظ موجودة الآن في الاستعمال الأدبي، ولكنها لا تعني شيئاً إطلاقاً على ما... نحن الآن في الموقف من التراث، وهو موقف الاستفادة من المناهج لا المسائل. المسائل ما الفرق فيها؟ إنها زمنية تخدم زمانها وقد خدمته وانتهت عنده، لأن زمنها جزء منها. لكن زمني أنا ماذا سأفعل فيه؟ وهنا يشير ابن القيم ويشير القرافي ويشير صديق حسن خان في كتبهم حول هذه النقطة أنه... لا بد من إدراك الواقع، لكنّ واقعنا تغيّر،
ولكي تدركوه أحتاج إلى بعض العلوم الاجتماعية والإنسانية، ولكن بشرط أن تكون منطلقةً من نموذج المعرفة الذي يؤمن بالله، الذي يؤمن باليوم الآخر، الذي يؤمن بالوحي، الذي يؤمن بالنسبية والإطلاق معاً، الذي يؤمن بقداسة الأشياء. فالكعبة عندنا مقدسة، والمصحف مقدس، لا أستطيع أنا هكذا هو. ابتعد قليلاً وأمسك المصحف وقل له: "خذ المصحف" وتجده يقول لك: "نفسي من داخلي لا أعرف كيف أفعلها". إذاً هناك تقديس واحترام، فأنا أحترم أبي وأمي، وأحترم الشيخ وأقبّل يديه، ثم يأتي الآخر ويقول لي: "لماذا تسجد له؟"، فأقول له: "اصمت، أنت لا تفهم شيئاً على الإطلاق، لا تفهم أنه..." هذا نوع من أنواع الحب والاحترام والود وأداء الوفاء، وليس
أن تفهم أنه نوع من أنواع الذل أو الخضوع أو نحو ذلك وانكسار، لا، هذا ينبع من القلب، من الحب، وليس مما تقوله أنت، فذلك قصة أخرى. والنقطة الخامسة في التجديد هي هذه المجموعة التي ذكرناها. عليها مرات التي هي إدراك الواقع فتكون المنهجية والمعرفية والنموذج المعرفي والموقف من التراث بنهج المثال وإدراك الواقع، هذه هي الحكاية. هذا التقسيم هو تقسيم ماذا؟ التجديد، هذه هي المفتوحة، هذا هو. تريد أن تؤصل وتقول لي كيف أجدد؟ يعني ماذا أفعل؟ فيكون إذا أقول لك مباشرة وأكلمك.
كما أتحدث إليك الآن، انظر كم عددنا هؤلاء الخمسة، وبعد ذلك تسألني فأقول: حسناً، وكيف عملت هذه؟ نعم، هذا هو التوصيل. ففي الأصل هناك التأصيل وهناك التوصيل، أو الشروط التي يجب توافرها فيمن يتصل بهم ليكون. ما هو؟ سنقول في التوصيل هذا الكلام، فهل نجعلها محاضرة ثانية أم لا؟ لا بد الآن، حسناً، موافق يا دكتور نظير. هل نفعلها الآن أم في محاضرة أخرى؟ حسناً، على كل حال، كم مدة المحاضرة؟ ساعة؟ ساعة؟ نعم، إذاً انتهت. حسناً، فقط لكي لا يشعر بالملل. نعم، مضى ربع ساعة وبقي ثلاثة أرباع. توكلنا على الله. الجماعة ليسوا
متضايقين، يعني ليسوا متعبين. الذي انتهى، أنتم أحرار، انتظروا إذاً، حسناً، هذا هو التأصيل وصلنا أمامكم. قلنا إننا نريد خمسة عناوين، وتحت كل عنوان ذكرنا بعض الأشياء هكذا، ماذا يعني للفت النظر، لكن هذا كله عميق. كيف نعمله إذاً؟ فليكن رقم واحد التعليم، هذا هو رقم واحد، فكيف توصله؟ توصله عن طريق التعليم. التعليم خمسة أركان حتى نستطيع أن نسميه تعليماً: خمسة أركان. أولاً، الطالب؛ يجب أن أهتم
بالطالب وعمره وراحته إلى آخره. ثانياً، الأستاذ. ثالثاً، الكتاب. رابعاً، المنهج؛ أي ماذا ستدرّس، وماذا تدرّس للولد في الصف الأول الابتدائي. الطالب موجود، والأستاذ موجود، والكتاب موجود، والمنهج يحدد ما ستدرّسه له في الحساب. عربية أم عربية فقط أم حساب فقط أم ألعاب رياضية أم ماذا ستدرس له؟ سيكون منهجاً شاملاً متكاملاً كالنموذج الخامس. الجو العلمي يعني أن هذا علم يا أبنائي، وأنك تتعلم. يشمل المدرسة
عبر الإنترنت، والامتحانات، وكيفيتها، وتطويرها. يشمل أشياء كثيرة، لكن المهم أن تشعر أن الولد أو البنت بالطبع قد أحس. أنه تعلم في علوم مساعدة وفي علوم أساسية، وفي درجات لهذا التعلم: ابتدائي، متوسط، منتهي، وهكذا. إذاً، أول شيء هو التعليم الذي سنتمكن من خلاله، ومن خلال التوسع فيه، أن نوصل هذه الأركان الخمسة الخاصة بالتجديد. فلو درست هذه الأركان الخمسة في المستوى الابتدائي، ثم المتوسط،
ثم المنتهي، فإن هذا سيُخرِج شخصاً فاهماً. نعم، أي أن فضيلتك تقصد التربية. المشكلة هي التربية، حيث توجد ثلاثة أمور: التعليم والتربية والتدريب. ما أقصده هو أن نستخدم هذه المناهج من البداية، ليس فقط هكذا. التربية والتعليم والتدريب مجموعة واحدة، ولذلك انظر، هذه ألفاظ مختلفة، كل واحدة لها معنى وكل واحدة لها... ما يتعلق بها يعني التربية متعلقة بالقيم وهذه جزء سيتجزأ من التعليم ومن عملية التعلم. حسناً، التربية والتعليم هذه متعلقة بالمعلومات والمعرفة، والتدريب متعلق
بالمهارات. إذاً، لدي قيم مختلفة في أسلوب التلقي والتدرج مختلفة عن قضية المعلومات، ومختلفة عن قضية المهارات، فيجب علي الالتفات إلى أن فيهم ثلاثة أجزاء. ليست قطعة واحدة، وكل هذا تحت التعلم تماماً، لكن إذا كان إنسان أو شخص ما قال: "أنا أريد جداً حكيماً"، يعني نسمع هذه الكلمة ويظهر على القنوات الفضائية ويقال له المجدد أو المفكر الإسلامي أو ما شابه، ويتدخل في قضايا محددة بعينها، ما الشروط التي يجب أو ينبغي أن تتوافر في هذا الشخص الذي... يدّعي أنه شخص لا يصلح، لا يصلح أن يقوم شخص ويقول أنا مجدد، فتصبح ظاهرة صوتية، أو يريد أن يحذف أو
يريد أن يضيف، ليس هذا هو المجدد. المجدد هو هؤلاء الخمسة، هؤلاء الخمسة نوصلهم، نجعل الإنسان متلبساً بهم، كيف؟ بالتعلم هذا رقم واحد، رقم اثنين بالثقافة السائدة، الثقافة السائدة هذه التي هي. معرض الكتاب هذا جزء منها، القراءة، السماع، الدراما، برامج الحوار (التوك شو). برامج الحوار تصنع ثقافة سائدة، يجب أن تكون هذه الثقافة السائدة تدور حول هذه المسألة. النقطة الثالثة: الإعلام، والإعلام له خاصية
فريدة في مخاطبة الجماهير. النقطة الرابعة: الخطاب الجماهيري الذي هو مثل خطبة الجمعة هكذا، مثل درس المسجد للعامة. فكل هذه الأشياء هي التي تؤدي إلى التوصيل بعد التأصيل. نعم، إذاً أنا لدي وسائل، وطبعاً هناك أشياء كثيرة سنذكرها. يعني نحن نعطي مثالاً أنني فصلت ثم وصلت. التوصيل، والتوصيل يؤدي إلى التجديد. يعني بين التقديس والتجديد، والتقديس لو لم أفعل ذلك في التجديد فهو تبديد. السبت والمتغير أصبح وسنلعب
وسنقول وسنصنع وسنحذف وسنهدم كلامًا عشوائيًا لا معنى له. عندما نجعل قضية التقديس حيث التاء للطلب، التقديس يعني أطلب الدخول في دائرة القدس، ودائرة القدس التي هي الطهارة، يعني سموها في الإنجليزية ماذا؟ هل تحب أنت الإنجليزية؟ "تابو" (Taboo)، "تابو" يعني المحرم، الدائرة المحرمة التي لا ينبغي أن يدخلها. لا أحد يمكنه قبول التراث بمسائله ومناهجه وكتبه وأخطائه وزمنه، فكأنني بذلك أسحب الماضي على الحاضر.
هذه هي عملية التقديس، أي إياك أن تمس هذا. لا، أنا لن أمسه، بل أنا أحبه وسأنطلق منه وأزيده وأجعله قادراً على التحرك مع ما وصلنا إليه من تطور. هذا هو التجديد، أما التقديس فمعناه الشلل التام. معناه أن أجلس هكذا وأقول: خلاص، أنا ليس لي تدخل، فهي جاءت هكذا. وهذا قد يتبناه بعض المقلدين، لكن عموم المسلمين - والحمد لله رب العالمين - في العالم لم يتبنوا هذا. الذي يريد تقديس التراث ويكون صادقاً مع نفسه
فليذهب إلى الجبل، لا توجد فائدة إلا أنه اعتزل لأنه غير... قادر على أن يبقى في المجتمعات الإنسانية مع قضية تقديس التراث هذه، والله تعالى أعلى وأعلم. طيب، أنا لدي نقطة ختامية، يعني فضيلتك تعتبر أن شخصاً إذا لم يمتلك هذه الأدوات أو هذه المقومات فهذا لا يكون تجديداً بل يكون عبثاً؟ هذا هو معنى التجديد. معنى التجديد، انتبه، نحن... في عصرٍ تميّز بالتفلّت بعدما كان سابقه قد تميّز بشيء من الحرية، نحن الآن نعيش في زمن السماوات المفتوحة، فلا تستطيع إطلاقاً أن تمنع أحداً من الكلام،
ولا أن تمنع فكرة من الانطلاق، فاسدةً كانت أم صالحة. فلا تنشغل بكيفية منع هذا، لن نستطيع منعه، ولكننا سنبني، سنجلس نبني البنيان ونعطي. أقدم للناس الشيء الرائق النظيف فينجذب إليه الخلق فقط، الجمهور هم الحكم في هذا الأمر وهم دائماً الحكم. والجمهور أذكياء في عملية الانتقاء، هذا حال البشرية منذ القدم. والنبي قال: "فعليكم بالسواد الأعظم ومن شذ شذ في النار". قال هكذا. حسناً، سيكون معنا فقرة في... مجاهدات لو أحدٌ من السيدة بن محمد قال في مجاهدات، طيب
يعني أعتقد، فهو الذي نتكلم فيه هنا، ليس مطلق التجديد، بل هو تجديد للجانب الشرعي من حياة الإنسان. الشرع عندما جاء أراد سعادة الدارين: سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وهذا موجود حتى في المؤلفات، يُسمى الكتاب نفسه "سعادة
الدارين - كيف أسعد". بعض الناس يشعر بثقل من العصر المحيط به من الفتن ومن عدم وجود ما يجيب على الأسئلة فهو حزين متعب، كيف يكون سعيدًا إذن؟ فالتجديد هنا إنما هو في علاقة الشرع بحياة الناس وليس تجديدًا مطلقًا لأن الحمد لله مصر بالذات كانت قائدة ورائدة في التجديد في مجالات كثيرة جدًا وهي سابقة لدول كثيرة جداً، سابقة في هذه القيادة والريادة. فالمقصود الذي نتكلم عنه: كيف
نجدد عرض ونحيي الدين، إحياء علوم الدين، ونحيي علوم الدين من أجل الوصول إلى هدف الدين من سعادة الإنسان. هذا هو قرارنا. نعم، يعني بهذا القدر، سيداتي وسادتي، نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الندوة. التي انطلقت تحت عنوان دراسة بيت التجديد وتقديس، شَرُفنا بضيافة العالم الجليل والأستاذ الكبير فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، وبهيئة اعتبار العلماء من الأزهر الشريف، رئيس اللجنة الدينية بمجلس. شكراً لكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.