التصوف وتحديات العصر | أ.د علي جمعة | 1 - 12- 2007

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أشكر هذه الدعوة الكريمة وهذا الاجتماع الطيب الذي نلتمس منكم فيه الأنوار ونقتبس وجزاكم الله عنا خيرا والتحية موصولة إلى فضيلة الإمام الشيخ حسن الشناوي وإلى أستاذنا الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم وإلى السيد الحسيب النسيب الشريف السيد أحمد كامل ياسين وإليكم جميعا السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته. التصوف والعولمة، وكلمة عولمة كلمة جديدة ليس لها في أدبيات الغرب والشرق مكان قبل ألف وتسعمائة وتسعين، ولذلك لم تدخل في مناهج الدراسة في العالم في جامعات العالم، وإنما ظهرت أولا في مقالات صحفية ثم بعد لذلك دخلت للدراسة بعد سنة ألف وتسعمائة وستة وتسعين، هذا الأمر جعل فيها غموضا، ماذا نعني بالعولمة؟ فالعلم دائما يقوم على التعريف، الجامع المانع الذي يحاول أن يجمع أفراد المعرف وأن يمنع دخول غيره فيه، فمعاني وحقائق
هذه التعريفات تكون واضحة لذهن السامع، تصل إليه من أقرب طريق. لكن عندما تظهر مثل هذه الألفاظ والمصطلحات خارج نطاق الجامعة وإنما في مقالات الصحافة وعند بعض المفكرين يكتنفها الغموض ويأخذ كل واحد لهذه الكلمة معنى، فهل العولمة حالة تمر بها الدنيا حالة نتجت من الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة بحيث إننا أصبحنا نعيش في قرية واحدة وبذلك فهي حالة يمكن أن نستفيد منها وأن نحولها لصالحنا ويمكن أن يكون لها آثار سيئة علينا
يمكن هذا ويمكن هذا وهذا معناه أنها حالة محايدة وأن الأقوى هو الذي سوف يستفيد الاستفادة الكاملة من هذه الحالة الاتصالات والمواصلات والتقنيات التي وصلت بنا إلى أن كل واحد منا يحمل هاتفا يستطيع أن يكلم العالم كله شرقها وغربها في آن واحد، بل ويستطيع أن ينقل صورة ما هنالك إلى هنا وصورة ما هنا إلى هنالك بحيث أن الواقف في لندن يمكن أن يعرض علي السلعة التي أقول له أن أشتريها أو لا من هناك في نفس الوقت ويعطيني سعرها وهذا يؤثر في سلوكي هنا لأني يمكن أن أؤخر الشراء هنا وأتركه يشتري من هناك،
أو ألغي الشراء من هناك وأشتري من هنا. هذه حالة تعيشها الدنيا، هذا معنى من معاني العولمة، أو أن العولمة معناها الهيمنة والسيطرة وأنها بهذا تصبح سيئة السمعة وتصبح تفترض أقواما يسيطرون ويهيمنون ويفرضون ثقافتهم وآراءهم على أقوام آخرين. الناس يتحدثون هكذا وبعض الناس يقولون إنها في الحقيقة محايدة ولكن لما لم تكن معنا هذه الآلة الإعلامية الضخمة التي في أيدي غيرنا فإن واقع الأمور سوف يجعلنا دائما الأدنى ويجعلنا دائما يتصرفون فينا ويتعاملون معنا باعتبارنا نحن الأقل ولكن على كل حال أنا أتبنى
أن العولمة حالة وأنها جاءت من الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة وأن الذي حدث في العالم من سنة ألف وثمانمائة وثلاثين إلى سنة ألف وتسعمائة وثلاثين في هذه السنين المائة غير وجه التاريخ وغير برنامج الإنسان اليومي أي في هذه الفترة استطاع الإنسان أن يخرج من نطاق الأرض واستطاع الإنسان أن ينتقل بصورة أسرع ولذلك نشأت في هذه الفترة القطارة والسيارة والطائرة ثم الصاروخ، نشأت في هذه الفترة الهاتف والتلفاز وصناعة السينما، نشأت في هذه الفترة الحاسوب وبعد ذلك تجمعت كل هذه الأشياء
في المائة سنة التي لم تكتمل بعد لأنها ستكتمل في عام ألفين وثلاثين، فبعد ثلاث وعشرين سنة ستكتمل المائة سنة الثانية أشياء قليلة جدا مثل التدخل البيولوجي استطاعوا أن يستنسخوا النعجة دوللي واستطاعوا أن يتحدثوا عن إمكانية نقل الأعضاء واستطاعوا أن وهكذا أشياء دخلت في ذات الإنسان وفي تكوينه إذن فالعولمة حالة وهذه الحالة جعلتنا نعيش معا في قرية ضيقة واحدة أحداث سنة ألفين وواحد في أمريكا وهي تحدث كنا نشاهدها على التلفزيون وكان بعض ساكني أمريكا لا يدركون أن أمريكا تحت الهجوم وإننا هنا في مصر نتصل بهم لنطمئن عليهم فإذا بهم ما زالوا نائمين لم
يستيقظوا بعد. إذا نحن أصبحنا في عالم غريب عجيب ذهب فيه أو طوي فيه المكان وبسط فيه الزمان، وفي بعض الأحيان حدث العكس فذهب البركة من الأزمان واتسعت الفجوات في المكان فاختلط الحابل بالنابل وإنا لله وإنا إليه راجعون، فماذا عن التصوف في هذا؟ وما التصوف إلا بناء الإنسان، التصوف رأى الإنسان قبل البنيان وعالج الساجد قبل بناء المساجد، التصوف اهتم بهذا الكتاب المقدور بعد أن فهم أمرين: كتاب الله المسطور وكتاب الله المنظور. أما كتاب الله المسطور فهو الوحي وأما كتاب الله المنظور فهو
الكون ومن الوحي والوجود معا كان التصوف فإن للتصوف تجربة لكنها تحت نطاق سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه لا يستطيع أن يخرج عنها وكما قال الجنيد طريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة لكن في الوقت نفسه له تجربة وله كلام عن التخلي والتحلي والتجلي وله كلام عن اليقظة والتوبة والسير إلى الله سبحانه وتعالى بمراحله العشرة كما في منازل السائرين للهروي وتفصيل ذلك إلى الله سبحانه وتعالى وله كلام وهو يحول المعاني من لا حول ولا قوة إلا بالله وهي التي بنيت عليها الحكم العطائية الرائعة الفائقة التي تبني الإنسان وتجعله قبل البنيان وتعتبر
الساجد قبل المساجد لأن الله سبحانه وتعالى قد جعل لنا الأرض مسجدا وطهورا، ماذا نفعل وهذه الحالة من العولمة قد رفعت الحواجز والحجب بين الناس؟ لدينا مدارس في التصوف، هذه المدارس يمكن أن نأخذ منها أمرين مهمين يستفيد منهما التشارك البشري في عالمنا الآن الأول هو حب الله أن نحب الله والثاني هو حب الجار فحب الله وحب الجار إذا ما تحقق بهما المسلم وإذا ما أحياهما في نفسه وفي أولاده الصوفي فإنه يكون قد وقف على المشترك البشري
الذي ما إن مددنا أيدينا إلى العالم حتى قبلنا واستمع إلينا وكان في ماسة لنا وهذا هو الأهم تركنا من كل العناصر الأخرى لكن حب الله وحب الجار هو الذي يمكن أن نخاطب به العالمين نحن أقوام نحب الله ونحب الجار فهل عندكم من اعتراض لا أحد يعترض حتى الملحد لا يعترض لأن الملحد جعل المعيار عنده المصلحة والمصلحة مبنية على حسن الجوار ونحن نقول له سنحسن الجوار إليك وعندئذ يجتمع ويلتئم الشمل، حب الله وحب الجار فلسفة وحكمة
جلال الدين الرومي، نحن في أشد الحاجة إلى إبرازها وتقديمها في ترتيب للأولويات في عصرنا الحاضر. جلال الدين الرومي تحدث عن الحب بأجل معانيه وهذا الحب والحب عطاء نحتاج إليه في هذا العالم المضطرب. الأمواج بالحب والحب يأتي ويتولد من الرحمة ولذلك فإن الرحمة هي الأساس وإذا نظرنا في القرآن الكريم نجد أول ما فيه بسم الله الرحمن الرحيم ولله أسماء الجمال وأسماء الجلال وأسماء الكمال وكان من الممكن أن يقول بسم الله الرحمن المنتقم أو بسم الله المنتقم
الجبار فيتجلى علينا بجلاله ولكن قد خلقنا من ضعف فإنه قد جعلها جمالا في جمال فقال بسم الله الرحمن الرحيم وكأنه يطمئن حالنا من جلال لفظ الجلالة وكماله وعلو شأنه وأنه لو قال بسم الله لارتعدت القلوب واقشعرت الجلود فأتبعها فقال الرحمن الرحيم حتى يهدأ البال ويصلح الحال والنبي صلى الله عليه وسلم كما يعلمنا أسيادنا العلماء المحدثون يقولون في حديث اشتهر بينهم بحديث الأولية الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء بسكون الميم يرحمكم من في السماء بضمها روايتان واحدة
يجعلها النبي شرطا أن ترحموا من في الأرض فإن الله سوف يرحمكم وعليه فمفهومها أنه إذا لم نرحم من في الأرض فإن الله لا يرحمنا والثانية دعاء من المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يرحمنا الله سبحانه وتعالى فيوفقنا إلى رحمة الخلق كما على حد قول القائل تخلقوا بأخلاق الله الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء كأنه يدعو لنا أن يرحمنا سبحانه وتعالى في علوه وهو أول حديث يتحدث به المحدث إلى أبنائه فسمي بحديث الأولوية، أول حديث نبدأ به هو كما لو كنا نقول بسم الله الرحمن الرحيم ومن الرحمة ينبثق الحب،
هذه المعاني ينبغي علينا أن نربي أبناءنا عليها وإذا ما ربينا أبناءنا عليها وأبرزناها في هذا العصر إبرازا وهذا نشر الكتب التراثية خاصة في التصوف فننشر كتب جلال الدين الرومي ومدرسته وهو جزء يسير من التصوف بأنواعه المختلفة فإننا في حاجة إلى هذا حتى نصحح صورتنا أمام الناس وننتقل من موقع الدفاع عن أنفسنا إلى موقع الدعوة التي مددنا فيها أيدينا في هذه العولمة إن العولمة بعدما جعلت كلها قرية واحدة فإنها تنتظر منا الخير واليد الممدودة وهذه
اليد الممدودة لو مدت بالحب لوجدت شيئا كثيرا ولدخل الناس في دين الله أفواجا هذا الحب يقتضي أن يكون من الرحمة ويقتضي أن يخرج منه الصبر فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ويخرج منه الكرم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الكرم حتى من الكافرين فكان كلما ذكر ابن جدعان أمامه تبسم وانشرح وجهه الشريف فسألته عائشة أهو في الجنة قال لا إنما كان يفعل ذلك لسمعة يتسمعها رآه وعنده قصعة يصعد إليها بسلم يثرد الثريد لضيوف البيت الكريم فرح النبي صلى الله عليه وسلم بكرم ابن جدعان وإن
كان قد مات كافرا وإن كان قد حكم الله عليه بالنار فالآخرة لها أحكامها وأحكامها بيد مولانا سبحانه وتعالى لا يتألى عليه أحد وعندما شاهد ابنة حاتم الطائي وكان مشهورا بالكرم والسخاء والعطاء خلع عباءته الشريفة صلى الله عليه وسلم وأجلسها عليها وقال إن أباك كان يحب مكارم الأخلاق فطمعت الفتاة وقالت: أهو في الجنة يا رسول الله؟ قال: لا، إنما كان يفعل ذلك لدنيا يريدها ولسمعة يتسمعها. إذن فرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرغم من اطلاعه الشريف على حال أولئك إلا أنه قد أكرم خبرهم وأكرم وفادة بنت حاتم الطائي من
أجل هذا المعنى، معنى الحب وفي الأردن اكتشفوا الشجرة التي نزل تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلوا هناك بعض القياسات ووجدوا أن هذه الشجرة بالرغم من جفاف ما حولها من صحراء تهتز عندها الآلات تثبت أن شيئا ما يخرج منها وهذا الشيء جربوه خاصة عند حنان الإنسان وعند حبه فتعجبوا من ذلك جدا هذه الشجرة وهم لا يعلمون أنها الشجرة التي استند إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان حبا خالصا قد تجسد بشرا بإذن الله سبحانه وتعالى، فلما علموا أن هذه الشجرة إنما
لامست جسده الشريف تعجبوا غاية العجب وبعضهم أسلم من أجلها، وما زالت الشجرة إلى الآن كلما قربنا إليها ذلك الجهاز كلما اهتز جدا بطاقة الحب التي كانت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي نزل إليه ملك الجبال فأبى أن يطبق الأخشبين عليهم وقال عسى أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله، هذا الحب الذي تعلمناه منكم هو هذا الحب الذي لا بد أن يبرز الآن في عالم العولمة والناس جميعهم في الأرض كلها يحتاجون إليكم وإليه وهذا هو الحب الذي سوف يهز القلوب ويزيل الحجب بين الخلق
والخالق ولكن لا أخفيكم أننا في بعض الأحيان نكون حجابا بين الخلق والخالق عندما نتناسى الحب وعندما نتناسى الرحمة وعندما نقسو على الآخرين حتى من غير المسلمين فنكون قدوة ونرجو الله ألا نكون كذلك غير صالحين للتعبير عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان الحب يملأ قلبه حتى أنه أعطى ذلك الكافر واديا من الإبل فقال له والله يا محمد ما هذه عطية أحد من البشر هذه عطية نبي فالنبي صلى الله عليه وسلم كان كريما وكان حبيبا وكان رحيما وهكذا يصدق الله سبحانه وتعالى وهو
الصادق دائما فيقول وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فكان رحمة للمسلمين ولغير المسلمين لمن رآه ولمن يأتي بعده ولمن جاء قبله فإنه سوف يشفع كما ورد في البخاري في العالم كله فتتصل رحمته إلى الناس أجمعون حتى السابقون عليه صلى الله عليه وسلم سيستفيدون من رحمته المهداة ومن شفاعته التي سوف يقوم بها فيطوق كل العالم سابقا ولاحقا ويطوق أعناقهم بهذه الرحمة المهداة التي أرادها الله صفة له ومن محاور هذا اللقاء التصوف والتشيع والأرضية المشتركة التي
بين الصوفية والشيعة وهي حب آل البيت صلى الله عليه وسلم قال: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي. والنبي يقول هذا صلى الله عليه وآله وسلم وهو يرى أبناءه يموتون الواحد تلو الآخر ويرى بناته يمتن أمامه، فماتت رقية وأم كلثوم وزينب، حتى أنه أخبر فاطمة عليها السلام كلام الإمام البخاري أن فاطمة عليها السلام أخبرها بأنها أقرب أهله لحوقا به، أي أنه يعلم أنها ستموت بعده كأقرب أهله لحوقا
به. فكيف يقول ولو كان هذا ليس من عند الله، لو كان هذا من عند غير الله ما تجرأ على أن يقول وعترتي أهل بيتي لأنه مات أهل بيته وهم أحياء وهو حي، فكيف هذا؟ هذه معجزة لأن هذا ليس من عند أحد وإنما هو من عند الله، ولم يكن بيد محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد الخلق الحبيب المجتبى، لم يكن بيده أن يحافظ على أبنائه هذه المحافظة الغريبة العجيبة التي هي من علامات نبوته فنرى نسل الحسين رضي الله تعالى عنه يهلك ونسل الحسن بعد أن تزوج كثيرا
يهلك وينحصر النسل الشريف في علي زين العابدين وفي زيد الأبلج وفي الحسن المثنى يعني كأنها رسالة ربانية تقول كنت قادرا على أن أفني كل هذا، هذه العترة الكريمة، كنت قادرا على أن أفني المسلمين في الأصل وكان ينبغي أن يكون معروفا في التاريخ أن شيئا كان قادرا على أن يخفي قبره، كان قادرا على أن يذهب بكتابه، ولكن "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فحفظه الله، "ورفعنا لك ذكرك" فرفع الله ذكره حتى إن أكثر الناس اسما الآن هو اسم محمد صلى الله ومصطفى وياسين وطه ومحمود وحامد وغير ذلك من أسمائه صلى الله عليه وسلم، إذا هذا النبي الكريم لما
ترك لنا عترة أهل بيته فنحن نحب أهل البيت ونفتخر بحبنا لهم ونعتبرها علامة ودلالة على نبوة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن هناك مذاهب قد تشتتت وهناك نزاع الآن يستغل السياسة بين السنة والشيعة، الصوفية هم الأقدر على أن يصلحوا بين الأخوين لأن الصوفية في مصر من أهل السنة ولأن الصوفية تحب أهل البيت فهم مقبولون عند الشيعة ولذلك وجههم مقبول عند الجميع فهم أجدر الناس بالتدخل للصلح بين الطائفتين. بعض
الناس غال جدا حتى لم يسم أبناءه عليا تمسكا. هكذا كله لا يوجد ولا واحد اسمه علي، فماذا عن هذا وهكذا والآخرين لم يسموا أبا بكر وعمر، فهل هذا يرضي ربنا أم لا يرضى يا إخواننا؟ إذن فدور المتصوفة مع الشيعة في عصرنا هذا أنهم حمامة السلام الأقدر على قبول الوحدة بين طوائف المسلمين لأنهم على الحد والمحك الوسط جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. القضية الثالثة هي قضية ما الذي نستطيع
أن نفعله نحن، والحمد لله أقوياء بأوليائنا وتاريخنا وخبرة هذا التاريخ، أقوياء بحاضرنا، أقوياء بمنهجنا، وأقوياء بأننا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل الدنيا في أيدينا ولا يجعلها في قلوبنا، وأننا إذا ما جعلنا الدنيا في أيدينا استعملناها فيما أراد الله أن نستعملها فيه، وربنا سبحانه وتعالى أراد منا العبادة والعمارة وتزكية النفس "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" أي طلب منكم عمارتها "إني جاعل في الأرض
خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ولأجل هذا العلم ولهذه الخلافة ولهذا الأمر بطلب العمارة سجدت الملائكة لك في صورة أبيك آدم احتراما وتقديرا إذا فهذا المعنى الذي نحن فيه الآن هو معنى جليل يمكن أن نربي أبناءنا عليه العبادة والعمارة وتزكية النفس من غير الصوفية لا يستطيع أحد أن يرسم منهج طريق الله سبحانه وتعالى من الذكر والفكر، إنما أهل الصوفية هم الذين يعرفون كيفية الذكر وكيفية الفكر
وكيفية التخلي عن كل قبيح والتحلي بكل صحيح، وما الذي يواجهه الإنسان عندما تحدث له أمور، هذه الأمور لا يعرفها إلا السادة الصوفية أمور التجلي، فإن عبد القادر رضي الله تعالى عنه عندما حدث له في خلوته نور اشتد عليه وسمع صوتا قال ما سمعت أحسن منه قط يقول له يا عبد القادر لقد قربناك، قال فذبت كما يذوب الملح في الماء، قال وأحللنا لك الحرام فقال اذهب يا لعين، قال علمك نجاك يا عبد القادر وسمع صوتا محشرجا لم يسمع منه أسوأ منه قط،
من الذي يعرف هذا؟ من الذي يحمي شبابنا من التهور والتدهور؟ إنهم أهل الله، إنهم الصوفية. إذن ما الدور الذي علينا؟ تربية الشباب. لقد ذهبنا في الأرض كلها نبحث عن الأزمة وعن سببها ووجدنا أن الأزمة دائما تحتاج إلى تربية، الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية والفكرية والفلسفية كلها تحتاج إلى الإنسان إلى أن يعود مرة أخرى أمام الله إنسانا آدميا، وهذا لا يكون إلا بتطبيق ما علمنا إياه مشايخنا وآباؤنا وما وجدناه في التراث هذا الذي آمنا به واطمأنت له قلوبنا وسعدت به أرواحنا حتى قالوا هذه لذة
لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها، هذا الكلام له أثر في تصحيح المفاهيم فتصحيح السلوك، ولذلك فإذا أردنا أن نصنع عنوانا على الدور المرتقب للتصوف فليكن التربية ثم التربية ثم التربية، إننا قد افتقدنا همة التربية ولم نفقدها بعد والحمد لله رب العالمين، ومعنا ما يحتاج العالم إليه حتى إذا وصفنا بعضهم بالتخلف وبعضهم بالشرذمة وبعضهم يهاجم وبعضهم كذلك، فإن الكلمة الطيبة تخرج من القلب فتصل إلى القلب فتغير الوجدان. يا جماعة الخير، إن القلب يعلو على العقل وإن العقل يعلو على السلوك، ومصيبة عصرنا أنه
عكس هذه المنظومة فجعل السلوك يتحكم في العقل ويسكته، وجعل العقل إذا ما يسكت العقل القلب وهي منظومة خسيسة منظومة قد اختلطت فيها الأمور والحاصل أن القلب فوق العقل وأن العقل فوق السلوك ولذلك سمي القلب قلبا وسمي العقل عقلا لأنه يعقل الإنسان فيمنعه وهذا القلب يتقلب ولكنه يتقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء وما سمي الإنسان إلا لنسيانه وما أول الناس إلا أول الناس وما سمي القلب إلا لأنه يتقلب إذ علينا أن نجعل القلب هذا الذي يتقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن مع الله ثم
نجعله فوق العقل ونجعل هذا العقل الذي يتحكم مع الله ونجعله فوق السلوك هذه هي طريقة التربية أرجو ألا أكون قد أطلت جزاكم الله عني خيرا وبارك الله فيكم وشكرا لكم