التواضع | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في هذا الشهر المعظم الكريم ونحن ندرس سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونستفيد منها المواقف والمواعظ والعبر، ونستفيد منها كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الخير. ومعنا
حديث عظيم يدل على الأمر بالتواضع لله رب العالمين والنهي عن العجب وعن الكبر، خاصة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا من العجب ومن الكبر فقال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، أي لو عرفنا وزن حبة الخردل لتعجبنا ولخفنا أيضا من هذا الحديث لأن الجرام الواحد والجرام شيء بسيط إذا رأيناه أي
عند الصاغة نجد شيئا لا يذكر صفيحة صغيرة جدا هو الجرام الواحد ستة آلاف حبة خردل يعني حبة الخردل هذه تعني شيئا خفيفا جدا صغيرا جدا بحيث إن ستة آلاف حبة من حبات الخردل والخردل هذا نبات يخرج منه زيت الخردل وما إلى ذلك كأنها قشرة يعني خفيفة جدا ستة آلاف منها بجرام واحد تخيل أن مثقال حبة خردل يبقى إذن أي لا يدخل الجنة
من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر فقال إنه احتقار الحق أي أن الإنسان يكون عارفا الحق هكذا ولكن يتكبر عن أن ينقاد وأن يتبع وأن يخضع وأن يرجع عن ضلاله فهذا هو الكبر الذي يمنع الإنسان من دخول الجنة، الحديث الذي معنا يدور حول هذا، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث
منجيات وثلاث مهلكات، فأما المنجيات فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن الأخيرة هذه الصفة الأخيرة إعجاب المرء بنفسه أشد هذه الثلاثة المهلكات حلاوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
يقدم لك المنجيات على المهلكات المنجيات ثلاثة والمهلكات ثلاثة فما الذي ينجيني تقوى الله في السر والعلن إذا هنا يعني شفافية مع الله سبحانه وتعالى، التقوى معناها الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل. سيدنا علي بن أبي طالب لما سئل عن التقوى قال هذه الأمور الأربعة: أن يكون المرء خائفا من ربه، وأن يرضى بالقليل لأن الطمع
قل ما جمع، لأن الطمع يورد الإنسان المهالك، لأن الطمع يجعل الإنسان يحتقر نعمة الله عليه قال وانظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإن ذلك إن الواحد ينظر لواحد أقل منه يحمد الله فإن ذلك أجدر ألا تحتقر نعمة الله عليك فالخوف من الجليل مسألة تجعل الإنسان في حياته مع الرضا بالقليل مع الاستعداد ليوم الرحيل دائما الإنسان عندما ينسى الموت وينسى هذه القضية التي نشاهدها يوميا عشرات المرات وهي حقيقة مستقرة عندنا
وهي أمر لم يترك صغيرا ولا كبيرا ولا غنيا ولا فقيرا ولا حاكما ولا محكوما ولا عزيزا ولا ذليلا إلا وأصابه الموت مصيبة ولكنه يشمل الجميع ويختطف منا أبناءنا وبناتنا وأزواجنا وزوجاتنا وآباءنا أحفادنا يخطفون منا هكذا ونحن لا نعلم، لا حول ولا قوة لنا ولا بيد أحد إلا الله سبحانه وتعالى، والاستعداد ليوم الرحيل يكون بالعمل الصالح، يكون بالباقيات الصالحات التي تبقى نافعة في الأرض بعد رحيل الإنسان، ولذلك إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث من ولد الصالحات يدعى له ومن صدقة
جارية ومن علم ينتفع به إذا كان في شيء من الباقيات الصالحات لما يأتي الإنسان في الموت من يقول الباقيات في حياتك يعني ما هي الباقيات في حياتك يعني الباقيات الصالحات تستمر كما كان يفعلها الميت في حياته أنت لو فهمناها هكذا بعض الإخوة يعترضون لا لأنهم لم يفهموا ما فلسفة المصريين عندما يقولون البقية في حياتك يظنون بقية حياته هو انتهاء أجل مسمى لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون ولكن الباقيات الصالحات هي الأعمال الصالحة المستمرة التي يحملها الخلف عن السلف ويعيشون بها الخوف من الجليل العمل بالتنزيل الاستعداد ليوم الرحيل الرضا بالقليل هذا هو تقوى الله التي
تكون في السر وفي العلانية، القول بالحق في الرضا والغضب. يجب على المرء أن يقول الحقيقة سواء كان راضيا أو راضيا عن فلان أو كان غاضبا في نفسه أو كان ساخطا على فلان. ربنا يعلمنا الإنصاف، ولذلك الإنصاف من النفس والإنصاف من الآخر يجعلنا مطمئنين مع نخادع أنفسنا أمام الله وأمام أنفسنا وأمام الناس، الإنصاف هو الحل، القول
بالحقيقة في الرضا والسخط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا، أي لا بد من العدل حتى مع العدو، شنآن يعني كراهية، نكرهه بسبب ما فعله فينا لأنه عدوي أكرهه لأن قلبي يكرهه كذلك، اللهم إني عدلت فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك، فالحب والكراهية من عند الله في القلب ولكن العدل واجب، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، ولذلك فالقول بالحق
في الرضا والغضب هو أهم شيء في أخلاقنا التي نبني عليها أسس سلوكنا ثالثا وهو الذي كنا نتحدث عنه أولا القصد في الغنى والفقر، القصد يعني أن الإنسان يسير على الطريق الوسط ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط يعني الإسراف أو التقتير لا وكان بين ذلك قواما وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا
القصد سواء كان الإنسان غنيا أم فقيرا، فالمقصود هو السير على المنهج الوسط المعتدل: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. وأصبحت هذه العبارة من الآية مبدأ عاما يحكم سلوك الإنسان المسلم: إنه لا يحب المسرفين، لا يحب الإسراف في الماء ونحن نتوضأ لا يحب الإسراف في الاستهلاك ولا يحب الإسراف في العبادة ولا يحب الإسراف في الأكل والشرب ولا يحب الإسراف في اللباس وفي كل مفهوم في حياتنا لا يحب الإسراف فيه أبدا إنه
لا يحب المسرفين هذه ما كانت من المنجيات وتجلب لنا المهلكات هوى متبع وشح مطاع وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فإلى حلقة أخرى نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته