التيسير والبساطة 3 | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في شهر رمضان المعظم المبارك في هذا المجلس من مجالس الطيبين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينهانا عن التنطع في الدين وهو الذي قال هلك المتنطعون ويأمرنا بعكس ذلك من اليسر والتبشير وهذا اليسر هو الذي يتوافق مع طبيعة الإسلام من كونه
دينا عالميا منفتحا نسقا مفتوحا يدعو الناس أجمعين ولذلك يدخله الغني والفقير والعالم والجاهل والقوي والضعيف صاحب السلطان والمحكوم يدخل عليه كل الناس، ومن أجل ذلك كانت البساطة من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أيضا من الأخلاق التي عندما نفتقدها نقع في كثير من المشكلات وتتعقد حياتنا الاجتماعية، وهي أيضا من الأشياء التي إذا ما فقدناها فإننا نفقد جزءا مهما من الدين ولذلك ترى الناس الذين يصابون بالوسواس، ما الذي أصابهم بالوسواس؟ إنه التشدد، إنه فهم
النصوص من غير خلق البساطة. من مدخل آخر غير هذا الخلق الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلق البساطة. نجلس ونتأمل في مجموعة كبيرة جدا من الأحاديث من مداخل مختلفة معنا اليوم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وعنهما لأنه عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم والبخاري أيضا قال تصدق على مولاة لميمونة، ميمونة هي أم المؤمنين هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي في الوقت نفسه خالة لأم عباس لابن عباس مولاة لميمونة
بشاة هناك بنت جارية واحدة تصدق عليها بشاة فلما تصدق بشاة معزة صغيرة ماتت هذه المعزة فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ماتت سيدنا رسول الله وهو يمشي فوجد هذه المعزة أمام الجارية ميتة عندها هكذا فقال هلا أخذتم إهابها أي جلدها أي أنها ماتت فنأخذ جلدها ونسلخه منها، نرمي هذه الميتة التي حرم الله أكلها وننتفع بهذا الجلد بعد أن ندبغه. هلا أخذتم إهابها فدبغتموه؟ الدباغة
تذهب الرطوبات التي في جلد الحيوان عندما ندبغ، وهناك عندنا منطقة تسمى منطقة المدابغ كانت قديما في عين الصيرة في القاهرة والآن نقلت إلى الأحياء الصناعية. المدابغ تدبغ. الجلد كي يتحول إلى جلد صالح للاستعمال يصنع منه حقائب يصنع منه أحذية يصنع منه أحزمة يصنع منه ملابس يصنع منه أثاث يصنع منه أشياء كثيرة، هذا الجلد الطبيعي يجب أن يدبغ حتى تزول منه العفونة وتزول منه الدهون وتزول منه الرطوبة ولذلك لا يفسد بعد ذلك، أما لو ترك الشمس فإنه يفسد هلا أخذتم جلدها
أي الجلد الخاص بها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا إنها ميتة قال إنما حرم الله أكلها وهنا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى أن نكون نتعامل مع الأمور ليس بتشدد وبتسلسل أفكار التشدد وتسلسل الأفكار هو الذي يصيب الإنسان بالوسواس ولذلك يأتيني ويقول لي أنا توضأت ولكنني توضأت في نصف ساعة، قلت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ فيما لا يزيد عن دقيقة، فالفرق ما بين دقيقة وما بين نصف ساعة ماذا تفعل؟ قال الأصل أنني أغسل وجهي وبعد ذلك يأتيني هكذا خاطر أنه هل أنا غسلت وجهي صحيح أم
أن هناك شيئا ما زال ناقصا، وبعد ذلك أغسل يديه وبعد ذلك أسأل نفسي هل غسلت يدي بشكل صحيح ووصل الماء إلى المرفقين أم لا، وبعد ذلك أغسل أمسح رأسي فأقول يا الله هل مسحتها أم غسلتها وأبقى هكذا مسكينا نصف ساعة، قال له وبعد ذلك قال بعد الوضوء أقول لعل الله ما يمكن في عضو أنا ما غسلته فأعيد الوضوء مرة ثانية وثالثة ورابعة، انظروا كيف هذه ليست بساطة هذه ماهي كذلك، هذا تداعي للأفكار تداعي الأفكار الذي جعله يدخل في هذا الوسواس، سيدنا رسول الله أوقف هذا التداعي هي ميتة إذن فجلدها نجس إذن فلا يجوز نحن نأخذه إذا وهكذا في سلسلة
لا نهائية من تداعي الأفكار فقال لهم هلا أخذتم جلدها فدبغتموه فانتفعتم به قالوا إنها ميتة يريدون أن يسحبوا حكم الميتة على جلدها وظفرها وكذلك إلى آخره قال يعني يعلمهم هذا إن حرم أكلها فحرم أكلها لكن هل حرم الانتفاع بالأشياء التي تتعلق بها هذا تداعي أفكار يأتي من التطرف في الدين وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت إن كنا آل محمد آل محمد يعني أقصد آل محمد أعني آل محمد ولذلك ننصبها هكذا لأنها مفعول به إن كنا
آل محمد صلى الله عليه وسلم لنمكث شهرا ما نوقد نارا يعني لا يأكلون اللحم لأنه ليس لديهم ما يوقدون به النار، نوقدها لكي نغلي الماء ونضع فيها اللحم فيصبح هناك طعام دخلت فيه النار أي لا يعملون طبيخا ولا يوقدون شهرا ما يوقدون بنار إن هو إلا التمر ليس لدينا إلا قليل من التمر نأكله كل يوم يأكلون تمرا والماء اسمهما عند العرب الأسودان، وما هو التمر؟ عادة ما يكون لونه أسمر هكذا، وبعد ذلك الماء معه، فسمي بالتغليب الأسودان. تخيل إنسانا يعيش على
الماء والتمر، فبماذا نصف هذه الحياة؟ إنها حياة بسيطة لم تدخل في تعقيد: وجد الطعام فأكلنا، لم يوجد الطعام فاكتفينا. ما هذا الكلام؟ إنه كلام يتعلق بتربية الشخصية، مكونة من عقلية ومن نفسية كما يقول علماء التربية. العقل لا بد أن يكون مؤمنا بالله مسلما لقضائه وقدره، ويعمل أيضا في عبادة الله وفي عمارة الأرض وفي تزكية الأرض. والنفس يجب أن تكون نفسا راقية وقد تخلصت من شهواتها، نفسا
تستطيع أن تقف عند حدود الله. ونفس تستطيع أن تتحكم في مسيرتها أيضا، هناك حديث لهند بن أبي هالة، هند بن أبي هالة هو ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هند هذا رجل ولكنه تربى في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ابن خديجة عليها السلام، وفي حديث هند بن أبي هالة، هند بن أبو هالة من القلة الذين وصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقه وفي خلقه، هناك حديث رواه هند بن أبي هالة، وهناك حديث روته أم معبد، وهناك
أحاديث أخرى بسيطة تصف شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها أنس بن مالك خادمه الأمين، رواها الحسن، رواها الحسين وهكذا ولكن هند بن أبي هالة يقول وهو يصف شمائل النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال دمث يعني أخلاقه دمثة ليس بالجاف ولا المهين يعني عندما يقابلك صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال التبسم في وجه أخيك صدقة وهو الذي قال وهو يعلم المؤمنين ولو أن تلق أخاك بوجه طلق كان وجهه مريحا يستريح إليه الناس ولقاؤه
حافلا فكان صلى الله عليه وسلم دمثا في الخلق ولكنه ليس بجاف أخلاقه عالية واستقباله حلو جميل يرتاح إليه الإنسان وليس مهينا يعني ليس جافيا ليس بالجافي ولا بالمهين ليس بالجافي ولا بالمهين لأنه قد يكون الإنسان يستقبل الآخر فيزيد من هزله ومظهره وكذلك إلى آخره لكن لم يكن كذلك بل كان محترما تحدثنا كثيرا عن قيمة الثقة بالنفس واحترام الذات واحترام الآخر حتى وصل الأمر إلى احترام النبات والحيوان والجماد إلى آخره لكن هنا صفة تعظم النعمة
وإن دقت يعني يتلذذ بنعم الله سبحانه وتعالى هناك أناس سلبوا هؤلاء سلبوا هذه النعمة، ولذلك تراهم لا يعظمون نعمة الله ودائما يشكون ويبكون ودائما يعترضون وليس هناك رضا. ولكن في هذه الصفة صفة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بساطة يعلمها الناس يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا لا يذم طعاما ولا يمدحه إذا أكل ما لا يمدحه مثل الناس الذين يحبون الطعام ولا يذمه أبدا حتى لو لم يعجبه فإنه لا يكسر خاطر من
صنعه، أخلاق نبوية يمكن أن تربي فينا ملكة هي ملكة البساطة، نتعامل مع الحياة ببساطة ومع هذه البساطة سوف نعيش حلقات وحلقات لأنها متجذرة في حياتنا في كل حياتنا الاجتماعية وفي كل حياتنا الشخصية، ولذلك من المهم أن نعلم أبناءنا هذه الأخلاق النبوية المصطفوية الكريمة. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.