الحياء | خطبة جمعة بتاريخ 2006 06 02 | أ.د علي جمعة

الحياء | خطبة جمعة بتاريخ 2006 06 02 | أ.د علي جمعة - خطب الجمعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين
وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا
يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله وإن شر الأمور محدثاتها فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أيها المؤمنون كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا مكارم الأخلاق وقال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
وكان يحب الأخلاق ويحب أهلها حتى من غير المسلمين حتى من المشركين حتى ممن أراد بهذه الأخلاق غير وجه الله من شدة حبه للخلق الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وكان مثالا يحتذى به وكان أسوة حسنة لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوتي من الخلق الكريم ما جعله الإنسان الكامل
في كل شيء في ظاهره وفي باطنه في كل شيء كان صلى الله عليه وآله وسلم هو المثال الذي يحتذى به الناس أجمعون إلى يوم الدين ومكنه الله سبحانه وتعالى من كل ما مكن به الأنبياء من قبله فكان حاكما وكان قاضيا وكان مفتيا وكان معلما وكان إماما للصلاة وأذن للمؤمنين وقام بكل مهمات الدنيا والدين، كانت عنده أسرة فكان زوجا وكان أبا وكان
جارا وكان مجيرا، كان صلى الله عليه وسلم فقيرا وكان غنيا وكان مثالا لكل الناس إلى يوم الدين نرى الأنبياء نرى بعضهم أغنياء ونرى بعضهم فقراء، نرى بعضهم حاكمين ونرى بعضهم محكومين، نرى بعضهم لم يتزوج وكان عفيفا ونرى بعضهم قد تزوج، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين كل شيء، لا يريد أحد من الناس عبر التاريخ أن يتأسى إلا ووجد
فيه الأسوة الحسنة. الله أو صغر اغتنى أو ضعف أو افتقر كان قائدا للحروب وكان سياسيا ومفاوضا ومعاهدا فصلى الله عليك وسلم يا سيدي يا رسول الله ما هبت النسائم وناحت على الأيك الحمائم وكان من خلقه الكريم الحياء حتى قال الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن طريق الناس والحياء شعبة من شعب الإيمان والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حييا كان كالعذراء
في خدرها مع أنه كان في الحرب إذا اشتد الوطيس احتمى به الصحابة الكرام من أمثال حمزة وعمر وأبي بكر وطلحة والزبير وهؤلاء الأشاوس احتموا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لا مثلا كحاله وهو في وطيس الحرب كنا إذا اشتد الوطيس احتمينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان صاحب مهابة ولكنه كان حييا ولذلك لم يطلب من الناس شيئا ولم يغضب لنفسه أبدا، وكان الذي
آمن به من عرفوه بعكس كل الناس وكل الأنبياء من آمن بهم لم يكونوا يعرفونهم إنما هذا آمن به من عرفوه من زوجة ومن ولد من عم ومن عمه من قريب ومن بعيد فكان صلى الله عليه وسلم هو المثال الكامل للإنسان الكامل وكان خلقه الحياء ومر على رجل يلوم أخاه ويعاتبه في الحياء فقال لا تلمه فإن الحياء خير كله ونبهنا وحضرنا فقال إن مما أدرك الناس من كلام النبوة
الأولى منذ عهد آدم: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ومعنى هذا أن الحياء إذا رفع من الأمة وفعل الناس ما فعلوا من المهلكات والمعاصي والفجور وجرت الأقلام والأفكار بقلة الحياء والدين والأدب فإننا نكون قد سلكنا طريق الهلاك، نبهنا رسول الله وحذرنا أن نحافظ على الحياء في كل المجالات، فنظر إلى أصحابه الذين رباهم وعلمهم وأخرجهم من الظلمات إلى النور بنوره صلى الله عليه وآله وسلم وقال:
استحوا من الله حق الحياء. قالوا: نحن نستحيي والحمد لله يا رسول الله. قال: ليس ذاك، ليس هو أن يحمر الوجه خجلا ولا أن يستحي الإنسان من فعل أو من طلب أو من شخص حتى أن بعضهم يحمله هذا الخجل على الكذب لأنه يستحي من فلان أو من علان في دعواه وهذا ليس حياء إنما هو خجل وانكسار قال ليس ذلك يعني ليس هذا الذي قد ذهب إليه ذهنكم إنما الحياء أن تحفظ
الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل هذا فقد استحيا من الله حق الحياء صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي يعيه الرأس ويشتمل عليه ثلاثة في الظاهر وواحد في الباطن السمع والبصر واللسان وهذه حواس للإنسان والباطن هو الفكر الذي
يتولد عنه الرأي فكيف يحفظ الإنسان رأسه وما وعى عليه أن يحرر سمعه وألا يسمع الباطل والكذب والبهتان والغيبة والنميمة والسب والقذف وعندما نأمره أن يفعل هذا فنحن نأمره بالمقاطعة فليقاطع كل مسموع رديء قبيح وليحل سمعه بكل مسموع صحيح فإن المسموع يؤثر في النفس ويجعلها إن كان صحيحا فهو
محفوظ حي، وإن كان قبيحا فهو فاجر رديء. احفظ الرأس وما وعى، فلا تسمع أذناك إلا الصحيح، إلا الصدق، إلا عمارة الدنيا. لا تسمع أذناك إلا الخير، إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لا تسمع أذناك إلا العمل الصالح، إلا نفع الناس. وعليك بالمقاطعة، فلتقاطع هذا الحياء الذي شاع على ألسنة الناس في وسائل
الإعلام وفي الصحافة وفي حديث الناس حتى كاد الناس أن يقتل بعضهم بعضا وأن تنزع الرحمة من القلوب حتى اعتادت الألسنة على قلة الأدب والحياء حتى طالوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى رأينا سواد الصحف وهم يستهزئون بالشرع الله ويسخرون من فرائض الله حتى رأينا الآراء الخبيثة هنا وهناك ينطق فيها الرويبضة من غير حياء من الناس ولا حياء من الله ولا يسعنا أمام ذلك الطوفان إلا أن نقاطعهم بأسماعنا
عما يفعلون وأن نجعل أذاهم عليهم وأن نستمر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كره الكافرون ولو كره الفاسقون كلاما يخرج أحدهم من الملة، كلاما يخرج أحدهم على أقل تقدير من التقوى، كلاما يخرج أحدهم من الحياء ويدخله في الفسق والكفر وقلة الحياء والبذاءة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاءة من الكفر والكفر في النار، صلى الله عليه
وسلم. يا سيدي يا رسول الله، لا يشكون أحدكم، لا يشكون أحدكم شخصا قد اعترض على شرع الله في الصحف وفي وسائل الإعلام، عليك أن تقاطعه وأن نقوم جميعا بهذه المقاطعة، فإنه ما أراد إلا مجدا وشهرة، ما أراد إلا مالا ودنيا، فضيق عليه موارد الدنيا حتى يميته الله، والرأس وما احفظ لسانك من ترديد الشائعات، أقم نفسك فيما أقامك الله فيه من ذكر، من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، من موعظة حسنة،
من تربية جليلة جميلة. عليك أن تتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لا تذكر الألفاظ القبيحة وأن تنزه لسانك من الرفث. عليك أن لا تنظر بعينيك إلى قلة الحياء فإن النظر إلى الحرام حرام والنظر إلى المكروه مكروه والنظر إلى المباح مباح فهذا الهراء لم تره بعينك من غير حاجة إليه إذا كنت تأمر بمعروف أو تنهى عن المنكر أو تقوم مقام التربية فأنت قائم مقام الحياء وإذا كنت غير ذلك فنزه سمعك وبصرك ولسانك
عن قلة الحياء ونصل إلى الباطل إلى الأفكار فنرى هذه الأفكار التي تبارز الله سبحانه وتعالى جل جلاله وهو ليس في حاجة إلينا ولا إلى عبادتنا أمرنا من أجل نفع أنفسنا ومن أجل أن يرجع ما نفعل إلينا ثم بعد ذلك يثيبنا سبحانه وتعالى الثواب العظيم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون إن بيع الدين وشراء الدنيا فهم البطن قد
دفع الإنسان إلى الخروج عن العقل وإلى إسكات القلب وإلى اتباع الشهوات وينضم إلى هم البطن الذي اهتممنا به أكثر من اللازم والنبي يقول لنا حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، شهوة الفرج الدافعة أصلا للتكاثر والتناسل وعمارة الدنيا عمت علينا وأصبحت هي الأساس الذي يحرك الأفكار والمعيار الذي به القبول والرد، حتى وصل الأمر إلى شذوذ لم تر البشرية مثله،
وإلى تجارة بالنساء والولدان لم تر البشرية مثله، وإلى فساد عريض مؤصل رأى المنكر معروفا ورأى المعروف منكرا. احفظ نفسك حتى تكون حيا مع الله، ولتتذكر حتى يعينك هذا التذكر على ترك الشهوات والمعاصي، تذكر الموت وأن الحياة فانية وأنه لا يبقى إلا وجه الله، وإذا أردت الآخرة فعليك بترك زينة الدنيا المحرمة، فإن هناك زينة مباحة "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق"، وهناك زينة محرمة حرمها
ربنا علينا من أجل سعادتنا في الدنيا والآخرة. واضح أن هناك مفتاحا يفتح به الباب في الطريق إلى الله اسمه الحياء، والحياء خير كله. احفظوا الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكروا الموت والبلى. ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، ومن فعل ذلك فقد استحيا
من الله حق الحياء. ادعوا ربكم تعالى، وصلى الله على سيدنا رسول الله، حبيبه وعلى الله عز وجل الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك،
اللهم يا ربنا صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد صلاة وسلاما تليق بجلالك عندك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، أخرجنا من دائرة سخطك إلى رضاك نور قلوبنا واغفر ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم أنزل السكينة على قلوبنا وافتح علينا فتوح العارفين بك واحشرنا في زمرة من وهبتهم الحياء يا أرحم الراحمين.
لا يكون ذلك إلا بتوفيق منك اللهم يا ربنا اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وأحزاننا واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا، علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفهمنا مرادك من كتابك وأقمنا فيه بالحق يا أرحم الراحمين، أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين، احشرنا تحت لواء سيدنا محمد يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة. شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب ولا عتاب. اللهم إننا في حاجة إلى رحمتك ولسنا في حاجة إلى مؤاخذتنا يا أرحم الراحمين، فاعف عنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم
يا ربنا كما وفقتنا لطاعتك فأقمنا فيها إلى أن نلقاك وارض عنا برضاك وارحمنا برحمتك واهدنا بهدايتك وأرنا وجهك الكريم في جنة الخلد يا أرحم الراحمين اللهم ثبتنا على الحق في الدنيا وفي الآخرة وألهمنا رشدنا اللهم يا رب العالمين كن لنا ولا تكن علينا ارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، رد علينا أرضنا واحم عرضنا ورد علينا قدسنا يا أرحم الراحمين. ربنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، أنت رب المستضعفين
وأنت ربنا. اللهم استجب لنا دعاءنا ولا تردنا خائبين، اشف قلوبنا يا أرحم الراحمين. مكننا في الأرض كما مكنت الذين من قبلنا أعنا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اللهم يا رب العالمين اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، اقض حوائجنا وحوائج المسلمين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا واقض الدين عن المدينين ورد الغائبين وانصر المظلومين. وفك أسر المأسورين واجعل هذا البلد سخيا رخيا دار أمن وإيمان وسلم وإسلام وسائر بلاد المسلمين، اللهم يا ربنا وحد قلوب أمة سيدنا محمد على
الخير، اللهم وحد قلوب أمة سيدنا محمد على الخير وأخرجنا من ذنوبنا ونقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اغسلنا بالماء والثلج والبرد. بعد بيننا وبين خطايانا كما بعدت بين المشرق والمغرب، اللهم يا أرحم الراحمين، لا نعبد إلا إياك، لا نعرف ربا سواك، اللهم انصرنا يا أرحم الراحمين، اللهم انصرنا ومكنا في الأرض كما مكنت الذين من قبلنا، أعنا على أن نبلغ دينك كما أردت، اللهم يا رب العالمين أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اهدنا واهد بنا، اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن
توليت وبارك لنا فيما أعطيت، اللهم يا ربنا أعن الطلاب على المذاكرة وعلى الامتحان وأنجح مقاصدهم وهدئ بالهم ووفقهم يا أرحم الراحمين، اللهم يا رب العالمين ثبت قلوبنا على الإيمان إلى أن نلقاك وتقبل منا صالح أعمالنا، اللهم يا رب العالمين اغفر لنا ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر أمورنا وارزقنا رزقا واسعا وعلما نافعا وقلبا خاشعا وعينا دامعة ونفسا قانعة وشفاء من كل داء، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
    الحياء | خطبة جمعة بتاريخ 2006 06 02 | أ.د علي جمعة | نور الدين والدنيا