الدال على الخير كفاعله | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها المشاهدون الكرام أيتها المشاهدات الكريمات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في هذا الشهر الكريم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقه وفي مواقفه نستنبط منه الهداية لحياتنا في علاقتنا فيما بيننا، في علاقتنا مع رؤسائنا ومع حكامنا، في علاقاتنا مع الدول المحيطة بنا، في علاقة الأمة الإسلامية بغيرها
من الأمم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يربي الفرد ويربي الجماعة ويربي المجتمع ويربي الأمة، يصنع لهم طريقا واضحا ويأمرهم بأخلاق دقيقة يترتب عليها الخير في الدنيا والثواب في الآخرة، من ذلك أنه جعل الدال على الخير كفاعله في الفضل في القيام بما يجب أن نقوم به في الدنيا في الثواب المترتب عليه في الآخرة، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الدين ومن سن سنة
سيئة فعليه وزرها ووزر من اتبعها إلى يوم الدين يعني هذا الحديث أن الدال على الخير كفاعله فهذا الذي سن سنة حسنة دل الناس على الخير وعلى ذلك فله ثواب كأنه فعل الخير بالرغم من أنه لم يفعل إلا مرة واحدة وعن أبي مسعود الأنصاري الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أبدع بي فاحملني يعني يريد من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو قائد الحكومة وزعيم الأمة أن يعطيه دابة حتى تصل به إلى غرضه أو إلى وطنه فكلمة احملني معناها طلب المعونة وهنا يطلب أحد أفراد الناس يطلبون المعونة من رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتباره إماما وباعتباره صاحب سلطان في هذه الأمة، ولذلك عندما نستفيد من هذا الموقف فإن هذا الحديث يتحدث عن العلاقة بين الإنسان وحكومته. يطلب أحد الأفراد من الحكومة شيئا ما، وفي
عصرنا الحاضر نطلب من الحكومة النفقات. العلاج في عصرنا الحاضر نطلب من الحكومة البعثات العلمية في عصرنا الحاضر نطلب من الحكومة إصلاح الهياكل الأساسية في عصرنا الحاضر ومن الهياكل الأساسية الطرق والشوارع والمصارف وبناء المستشفيات وبناء المدارس من الهياكل الأساسية الصرف الصحي وإدخال الكهرباء إلى القرى التي لم تدخلها بعد وهكذا العلاقة ما بين الفرد و الحكومة طلب منها من فرد من رعاياها يا رسول الله احملني فقال ما عندي، الحكومة
عجزت عن الوفاء بجميع متطلبات الأفراد إذن فهذا أمر طبيعي أمر لا غرابة فيه أمر يتعلق بإمكانات الحكومة في زمن معين وبطريقة معينة فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حكومة تحكم بين الناس البلد صادق ويتحدث عن الواقع ولا يعد بما يكلف نفسه ما لا يطيق لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فيرد عليه بمنتهى البساطة ما لدي إذا فعندما لا تستطيع الحكومة لا
نقول تعجز بل نقول لا تستطيع لأن هذا مرتبط بزمن ما ثم بعد ذلك تستطيع وبحالة ما وفي وقت في مكان معين وعند شخص معين لا تستطيع أن تقول لا، كلفني تكلفة العلاج، قال أعطني خمسين ألفا، هي قالت لكن العلاج يحتاج إلى ثلاثمائة ألف، قال ليس لدي ولا أستطيع، إذا لا تستطيع أفضل من كلمة عجزت، فإذا لا تستطيع الحكومة أداء هذا فلا بد للمجتمع المدني أن يتدخل وأن يقوم إن استطاع بما يستطيع لإظهار عدم قدرة الحكومة، ما لدي فقال
رجل يا رسول الله أنا أدله على من يحمله، هذا الرجل دال على الخير، هذا الرجل انتقل من قدرة الحكومة وعدم قدرتها إلى تشغيل وتفعيل المجتمع المدني، أنا أدله على الجهة في المجتمع المدني التي لا يعرفها. كثير من الناس وأنا أعرفهم يستطيعون أن يقوموا بهذه العملية ويعطوه دابة ويحملوه حيث ما أراد بأي طريقة إما أن يملكوه هذه الدابة وإما أن يكون عندهم خط للبريد فيحملوه عليها وإما أي صورة من الصور وإما أن يستأجروه وإما أن يرسلوا معه أحدهم من أجل أن يصل به إلى مبتغاه ثم
يعود إلى آخر ما هنالك من صور يا رسول الله أنا أدله على من يحمله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دل على خير فله مثل أجر فاعله لأنه هو الفاعل لما عجزت عنه الحكومة والدال عليه والمرشد له أجر ومن هنا تأتي فكرة تحويل والمبادئ والقيم التي أمرنا بها في ديننا إلى مؤسسات فاعلة في مجتمعنا
من أجل الوصول إلى أحسن النتائج، تحدثنا عن هذا المعنى ونعيد الحديث عنه مرات ومرات، كيف نفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نستخرج من الأحاديث معاني، نحول هذه المعاني إلى سلوكيات وإلى أفعال وإلى مناهج للتعليم. والتربية والمؤسسات العاملة التي تفيد المجتمع، هذا هو مفهوم المجتمع الإسلامي. إن مفهوم المجتمع الإسلامي لم يقتصر أبدا على إقامة بعض الحدود العقابية، ولا يكون في ذهن الإنسان مجتمعا إسلاميا إلا إذا قطعت أيد أو
جلدت ظهور، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بغير ذلك ويقول: "من مؤمنا في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مؤمن كربة في الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. النبي صلى الله عليه وسلم يقول واستر أخاك ولو بهدبة ثوبك، ويقول ادرءوا الحدود بالشبهات. ويأتيه الرجل ويقول يا رسول الله زنيت فيعرض عنه كأنه لم يسمع حتى لا نصل بالحدود إلى الحكام، رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بين لنا ربنا في القرآن ورسولنا في السنة عقوبة هذه القذورات
والمعاصي استعظاما لشأنها وليس جعلها عنوانا على المجتمع المسلم بحيث أنه لا يكون مسلما ولا يكون المجتمع المسلم أمام الناس أجمعين أمام العالمين الذين ندعوهم إلى الله إلا إذا قطعت أيديهم أو ضربت ظهورهم لم يكن هذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أراد أن نفهم أن هذه المعاصي كبائر وأنها أوساخ وأنها قذارات يجب أن نبتعد عنها وأنها عظائم عند الله سبحان الله تعالى وبها تستقر المجتمعات، رسول الله صلى الله عليه وسلم درأ الحد بأي شبهة كانت حتى أنه أجاز رجوع المجرم عن إقراره بذنبه وجريمته. رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ. وبعده عمر أوقف الحدود في عام الرماد، ولذلك فنحن في إسلام رقيق عال راق وليس في إسلام عنيف يقول فيه رسول الله من دل على خير فله مثل أجر فاعله، كلام في منتهى الوضوح، كلام في منتهى التحديد، كلام يجعلنا نعرف الفرق ونعرف الطريقة ونعرف كيف نحول الأفكار إلى مؤسسات، وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام. عليكم السلام ورحمة الله