الدرس الخامس والأربعون | شرح متن الزبد | الفقه الشافعي | باب الضمان | أ.د. علي جمعة

بسم
الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم اشرح صدورنا للإسلام ونور قلوبنا بالإيمان وحبب لنا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره لنا الكفر والفسوق.
والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المتقين ومع القوم الصادقين. اللهم يا رب العالمين علمنا العلم النافع وأقمنا في الحق وأقم الحق بنا. اللهم يا ربنا أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا. علمنا منه ما ينفعنا. اللهم يا رب العالمين فهمنا مرادك وأقمنا. في دينك وَاعْفُ عنا بعفوك وارحمنا برحمتك وافتح علينا من خزائن فضلك ما تُثبِّت به الإيمان في قلوبنا وحب نبيك في أفئدتنا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد. هل
هناك مشكلة؟ نعم، توجد مشكلة. أوقفوا الشخص الذي يتحرك بسرعة، اقبضوا عليه، أهدئوه وضعوه هنا، واجعلوه يتحرك بتأنٍّ، أي بالتدريج، واحدة تلو الأخرى حتى... التسول فيه خصام بهدوء، إننا نقول له: يا رب اصلح قلوبنا، فيأتينا هذا لكي يختبرنا ويرى إن كنا سنصبر أم لا. نصبر، صبرنا، فهو بلاء. كان مشايخنا يقولون لك إن الصدقة تدفع البلاء، والمتسول من البلاء. نعم والله، الذي يطلب هذا حتى تُلقي في وجهه نكتة سوداء، فيأتي يوم. القيامة بها يكون بلاء فالصدقة تدفع البلاء،
انظر كيف تكون الفلسفة: تدفع البلاء عندما تعطي الصدقة فلن يذهب ليحطم السيارة، ولن يحرق بيتك أو متجرك، ولن يسرق. فهذا هو البلاء الذي تدفعه الصدقة. أي أن الصدقة ليست فقط تدفع البلاء الذي يأتي من عند الله هكذا. لا، هذه تدفع البلاء حتى بالطريقة الاجتماعية الاقتصادية لأنها تصد من عدوان المحتاج الذي سيعتدي تحت وطأة الحادث. الصدقة تقوم بهذا الدور، لكن التسول أصبح دوراً خطيراً جداً لأنه يسأل وهو لا يحتاج ويصنع كل هذه الضجة. حسناً، خذ جنيهاً لتسكت، وهو ما سيوفر لك وجبة الغداء لكن... هذا لا، هذا يريد أن يكنز ويضع في الصفائح، فيكون قد سرق
حق المحتاج، هذا هو المجرم الذي جعل التسول إجراماً. ما الفرق بين الصدقة والتسول؟ الصدقة هي أنك تقدمها للفقير المحتاج لكي تسد حاجته حتى لا يضطر للانحراف. حسنٌ، كلام جميل، لكن التسول هو أن يأخذ أكثر من حاجته لكي يدخر. لأنه هو بلية بلية من فهو بلاء، هو التاجر. فمشايخنا كانوا يقولون هكذا في تفسير الحديث الذي يقول أن الصدقة تدفع البلاء، والشحاذ من البلاء. فعندما يأتي ويلح عليك أعطه، ليس لشيء إلا لتصرفه عنك، لأن هذا بلاء. أهو سكي تاوله، قال رحمه الله تعالى ورضي الله. عنه ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين. باب
الضمان: شخص يضمن شخصاً آخر أو شخص يضمن شيئاً. ينقسم الضمان إلى نوعين: نوع يسمى بالكفالة (ضمان بمعنى الكفالة)، ونوع يسمى بالغرامة (ضمان بمعنى أنك ستغرم وتدفع ثمن الشيء الذي كسرته، ثمن الشيء الذي كسره ابنك، الذي كسرته بهيمتك، الذي كسره شيؤك). كسرتها. افترض أنك وضعت زهرية صينية للزرع هكذا في الشرفة ثم سقطت، فسقطت على رأس شخص وأصابته، فذهب إلى المستشفى وتكلفت العملية خمسمائة جنيه نتيجة ارتجاج في
المخ وما إلى ذلك، ومكث في المستشفى يومين. هل تعلمون أسعار المستشفيات الآن؟ خمسمائة جنيه، إذًا فأنت مسؤول عن تعويض هذا في الفقه، نعم. أي أنك تدفع خمسمائة جنيه لماذا؟ ضمان المتلفات! أين التلف الذي حصل في رأس الرجل؟ أين المتلف؟ اشرح لي. الزرع ملك من؟ ملكي في شرفتي، ملكي. إذن أنت الذي ستدفع. نعم، لقد سقطت. حسناً، أنا بريء، لم أمسكها ولم أضرب بها. قال له: لا، هذا حساب آخر. لو كنت قد أمسكتها وضربت بها، لكنت سأضربك بمثلها قصاصاً، ولو سببت له إصابة، لكنت سأصيبك مثلها. لكن لأنها قضاء وقدر
وحادثة، إلا أن إرادة الله جعلت أداة الحادثة تكون ملكك، فلا بد عليك من ضمان ما أتلفته. إذا كانت الأشياء حين حصلت في حوزتي وتحت مسؤوليتي قد دفعت ثمنها، فإذا... ذهبت وأحرقت دكاناً، فعليّ أن أدفع لأنني فعلتها عامداً متعمداً. لو اغتصبت أرضاً أو استوليت على سيارة وهلكت السيارة ووقعت في النيل، عليّ أن أدفع ثمنها لأن يدي عليها كانت يد غاصب، وليست يد أمانة. بل هي يد اغتصاب، فلا توجد يد أصلاً، فيد الغاصب كالعدم، فلا هي ضمان ولا هي أمانة. فكانت يدٌ عليها يد الغاصب، ويد الغاصب تضمن. إذا أردت أن تقول ضمان فلا تقل أمانة.
يدٌ عليها كغاصب سرقة - باللغة العربية - فهذه السرقة ستجعلها في ذمتي، فلو هلكت أو وقعت في النيل أو حدثت لها حادثة، فأنا كمغتصب أو سارق عليَّ إصلاحها. هذا هو الضمان أو الكفالة إذا كنت ذاهباً. تقول لشخص: "أقرضني عشرة آلاف جنيه"، فيرد عليك: "أنا أقرضك عشرة آلاف جنيه؟! أنت لا تستحق مني أربعة قروش، أقرضك عشرة آلاف جنيه؟! اذهب وابحث عن كفيل يضمنك، لأنني أشك في أنك لو أخذت مني العشرة آلاف، فإنني لن أرى وجهك أصلاً بعد ذلك." رجل طيب؟ إنني رجل صالح. قال له: هذا الكلام تقوله في القسم، لا تقله عندنا. اذهب وابحث عن شخص يضمنك. قال له: الشيخ علي. قال له:
هذا رجل طيب فعلاً، إنه يدفع. هيا، لقد قيل لك: الكفالة أولها شهامة وأوسطها غرامة وآخرها ندامة. الكفالة هكذا، فأنا فعلت جدي. قلت له: نعم، إنني أضمنه برأسي. فقال لي: حسناً، خذ العشرة آلاف. وقد أخذت العشرة آلاف وذهب ولم يأتِ ولم نر وجهه. الأصل أنني خسرت، الأصل أنني فعلت... الأصل أنني... الكلام الذي أنتم تعيشون فيه هذا... اتصل بي وقال لي: أين الرجل؟ حسناً، جاء اليوم آخر جمعة. في شهر سبتمبر قلت له: "إنه لم يأتِ"، فقال لي: "لم يأتِ ولم يسأل ولم يفعل أي شيء". قلت له: "حسناً، ادفع لك العشرة آلاف". هذا يعني أن الكفالة، أي الضمان هنا، هي ضم ذمة إلى
ذمة. الذمة الأولى هي التي قال له فيها: "لا تتدخل في كلامي ولا في عقلي بأربعة". سابق هذه ذمّة وضمان لها، الذمّة الكافلة هذه ذمّة ثانية، فأصبح عندما يأتي ليطلب، يطلب ممن؟ من أي منهما؟ هذا امتنع عن الدفع، فيكون الثاني هو الذي يدفع ويضمنه. وكان في الماضي شيء اسمه ضمان الدرج، ما هو ضمان الدرج؟ هو أن يأتي شخص معه بضائع أو يريد أن يشتري بضائع يا... معه بضائع يعني يا مشتريه. وبينما كنت جالساً في السوق، الشيخ مشهور عني أنني عم الشيخ وكلمتي مسموعة. فجاء هذا الرجل الشيخ محمد وقال: "أنا
أريد أن أشتري البضاعة". فقلت له: "اذهب إلى الشيخ حسن، هو الذي عنده البضاعة الجيدة". قال لي: "حسناً، ومن يضمنني؟". قلت له: "أنا أضمنك". قال لي سأدفع نقداً وآخذ البضاعة وأذهب إلى بلدي لأفرزها لأنها بضاعة كثيرة، فأجد أنها في الأصل رديئة. قلت له: بناءً على هذا الكلام، ما شأني أنا؟ لقد أدخلت نفسي ضامناً لأنني أستطيع أن أمسك التاجر الغشاش الذي باع وأُرغمه على أن يدفع ثمن غشه، أو أدفعه أنا إذا مات أو هلك أو لم يرضَ أو أفلس، فأكون أنا الذي أتحمل. ادفعه وكذلك
فعل الشيخ محمد، حمل الحمولة الخاصة به ولم يدفع مالاً، فقال له التاجر: "يا بني أنا لا أعرفك من قبل". قال له: "يضمنني الشيخ علي". "أتضمنه يا شيخ؟" قلت له: "بالطبع". والاثنان جالسان في المجلس، هذا يريد أن يأخذ البضاعة وذاك يريد أن يبيع البضاعة وهما غير واثقين. في بعضهما الاثنان متشككان في بعضهما، هذا يخشى أن تكون البضاعة رديئة، وذاك يخشى أنه عندما يأخذ البضاعة لن يدفع الثمن. فأدخل أنا بينهما وأقول له: لا، أنا أضمن هذا البائع وأضمن أن تكون البضاعة سليمة، وأضمن أيضاً هذا المشتري وأنه سوف يسدد في الموعد المحدد. هذا يسمونه... ضمان الآية الدَّرَك فيقول أبو الضمان يضمن
ذو تبرع هو أنا عندما أتيت للرجل وقلت له: أنا سأدفع العشرة آلاف جنيه، فهل هذه العشرة آلاف جنيه تبرعت بها أم لا؟ يعني تبرعت بها، ولذلك لا يجوز أخذ الأجر عنها لأنها شهامة. يقول ابن عابدين: فإنها من باب رفع الضيق. عن الصديق والكفالة، عبارة عن ماذا؟ رفع الضيق عن الصديق، التي أولها شهامة وأوسطها غرامة، خاصة في العصر الذي نحن فيه، وآخرها ندامة. مع ذلك ففيها ثواب أيضاً، فالضامن متبرع. ماذا يعني أن الضامن متبرع؟ يعني أنه لا يطلب أجراً على كفالته. لماذا؟ لأنك
إذا طلبت أجراً على شهامتك فإنك تصبح... ندافع باستمرار، ولذلك لا تطلب أبداً أجراً على شهامتك يا إخواننا. أقول: "أنا شهم، هاتوا مقابلاً لهذه الشهامة"، فتتحول من شهم إلى متطفل. وإنما يضمن ديناً ثابتاً قد لزم. لا يصح أن أقول له: "انظر، هذا محمد، إنه كابني تماماً، متى يأتيك فأنا ضامنه". لا يصح هذا الكلام. ذلك لأنه من الممكن أن يتلاعب محمد ويفسد وينحرف، ويأتي له في اليوم الثاني والثالث، وأنا لا أعلم إلى أي مدى أنا ضامن. لنفترض أنه أخذ منه مليون جنيه وأنا لا أملك المليون، فماذا تكون ذمتي وماذا تكون ذمته؟
ستكون ذمتي مشغولة وذمته هو أيضاً مشغولة. لذلك يجب علي في الضمان أن أعرف رأسي من قدمي، لا بد من ذلك. في الضمان اعرف دين مقداره كم، عشرة آلاف جنيه أم دولار؟ إن كان جنيهاً سأستطيع دفعه، وإن كان دولاراً فلن أستطيع دفعه. فلا يصح أن يأتي أحد ويقول لي: علينا عشرة آلاف، ثم في النهاية يتبين أنها عشرة آلاف إسترليني. لا، هذا لا يصح، يجب أن يحدد لي الأمر بالضبط لأرى إن كنت قادراً أم لا. لا يبقى إذاً لا بد أن يكون ديناً ثابتاً في الذمة محدد الملامح واقعاً فعلاً. لا يصح أن أقول له: أنا ضمنته ضماناً مطلقاً. إذا جاء وأخذ منك أي شيء، أنا ضامن. ما هو هذا الشيء؟ حسناً، إذا جاء وأخذ مني ملايين،
هل ستضمنه؟ كلامك يقول نعم، وأنت أصلاً مديون وليس مليونيراً. لا تصح مثل الإبراء والمضمون له يطلب ضامناً، ومن أصوله يعني أن الضمان هذا يحدث عندما يطلب الدائن. عندما قال له: "يا محمد، أنت لا تدخل في ذمتي بأربعة ساعة". حسناً، افترض أنه أعطاه النقود، خلاص يعني الضمان ليس مجاملة أن أذهب أنا معه وأقول له: "أنا سأكون ضامناً له"، لا. هذا الضمان على شيء قد وقع فعلاً، ويرجع الضامن بالإذن بما أدى إذا أشهد حين سلّم. وعندما يأتي موعد السداد، يأتي إليّ أنا عندما يقصّر هو في الدفع. والدرك
المضمون للرداءة يشمل العيب ونقص الوزن. والدرك المضمون للرداءة يشمل العيب ونقص الوزن. الدرك الذي ذكرناه هو أنه اشترى رقماً. إذا وصل الرقم اثنين فهذا يعني أننا نضمن. إذا اشترى خمسة أطنان وصل منها أربعة ونصف فقط، فإننا نضمن. يعني إذا كنت سأضمن العيب وسأضمن النقص في الوزن وفي العدد وما إلى ذلك، وأيضاً سأضمن في الكيفية
والرداءة والعيب ونقص الميزان، فسأضمن كل ذلك. هذا هو الدرك، ويصح الدرك بعد قبض الثمن وبالرضا. كفالة البدن أصبحت أيضاً ضماناً غير موجود الآن، كان يُسمى ضمان البدن أو كفالة البدن، وهي أن أذهب إلى حضرة الضابط وأقول له: "يا حضرة الضابط، أخرج الشاب من الحجز". فيقول لي: "أُخرجه من الحجز؟ ولكن قد يهرب". فأقول له: "إذا هرب، اقبض عليّ أنا". أنت انتبهت، هو الآن يمكنني أن أقول له: هذا في ضمانتي، أنا أسلّمه وأعمل له. فيقول لك: يُخلي سبيله بضمان فلان، مثل كفيل، أي أنه يضمن أنه سيأتي، فيكون مثل أبيه، والولد
لن يستطيع الهروب من أبيه، شيء كهذا. يعني وكيل النيابة يستطيع هذا، لكن في الماضي كان يضعني أنا. مكاني وضعني في مكاني، وهذه خاصة فيمن صدرت ضدهم أحكام مالية أي الدفع أو الحبس، فيقول له: أنا سأُحبس بدلاً منك إذا أردت أن تحبس أحداً، لأنني إما أن أدفع وإما أن أُحبس. لا أظن أنها موجودة الآن في القانون أن يمسكوا شخصاً ويحبسوه بدلاً من شخص آخر، هذا غير موجود حالياً. رأسه كأنه مثلاً الدكتور ممدوح مرعي مثلاً صاحب المحكمة الدستورية، أنت لا تفقه شيئاً في القانون فاصمت وكفى. نعم نعم يا سيدي الشيخ وكفى. لا، إنه يهز رأسه قائلاً نعم صحيح، ويسبل عينيه هكذا كأنه يعرف القانون. أقول أظن بعد أن أمضيت في القانون خمسة وثلاثين سنة وتربيت في
بيت. قانوني قديم ورأيت هذه الكتب القانونية أول ما فتحت عيني هكذا، رأيت المصحف والكتب القانونية، وأقول: اظلم، وهو يقول لي: نعم يا مولانا، صحيح صحيح، يعني امضِ هكذا في الكلام الذي تقوله. صحيح، لا تخف، لا تخف يا مولانا، امضِ. أتعرف ماذا يعمل هذا الفتى؟ إنه يُحضّر دكتوراه في... سكت الشيخ، ثم قال: "يبدو أنه هو أيضاً لم يبحثها. هل هناك الآن كفالة حبس عن حبس؟ الله أعلم". يقول الآن دكتور في القانون: "الله أعلم". والثانية ليست عليه يا مولانا، يعني لا
تصح الضمانة في مقابل المال لأنها من الشهامة، وإذا مات هذا الرجل فقد انتهى الأمر. لا يصح أن ننقل هذه الضمانة إلى غيره أو ننفذها عليه