الدروس الشاذلية حـ 30 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يسألون في الطريق إلى الله: كيف لي أن أتبع إحدى الطرق، وما كيفية الاختيار، وما يجب عليّ عمله كي أتفهم كافة مناحي الطريق وأساليبها، وهل هناك إحدى الطرق التي تأخذ مسالك غير سليمة. قال: مشايخنا رضي الله تعالى عنهم اختاروا الطريق على أمرين: الأول القرب
من السنة المشرفة، فكلما كانت الطريق تتخذ أساليب السنة المشرفة فإنها تكون أولى بالاتباع. والسنة المشرفة جعلت الطريق إلى الله مقيداً بالذكر والفكر: "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض"، هذا هو الطريق إلى. الله وجعلت ذلك بالوسط ليعبد أحدكم ربه بقدر طاقته، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. وجعل هذا
بمجموعة من المساعدات سموها قلة الطعام وقلة الأنام وقلة الكلام وقلة المنام، وكلها ثابتة بالقرآن والسنة، فأمرنا بالصمت وبحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وحبب إليه الخلاء في غار حراء فأمرنا بالاعتكاف ونهانا الله عن اللغو وعن الهزر وعن كثرة الكلام بلا فائدة. أيؤاخذ أحدنا بلسانه يا رسول الله؟ قال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يُكبُّ الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم". فقلة الكلام وقلة الأنام بالاعتكاف وقلة المنام،
قم الليل إلا قليلاً وقلة. الطعام يصل الإنسان إلى درجات الطريق بالذكر والفكر وعدم الالتفات، يصل الإنسان إلى مقصوده. ملتفت لا يصل. ومعنى الالتفات أنني أسير في الطريق إلى الله، والطريق إلى الله تحدث فيه مبهرات، تحدث فيه إشراقات، تحدث فيه كشف للأسرار، تحدث فيه تجليات للأنوار، تحدث فيه كرامات، تحدث فيه رؤى، تحدث فيه. كشوفات تحدث فيه يسمونها ماذا؟ كل هذه إشراقات، فإذا اهتممت بها وسعيت وراءها
وتعلق قلبك بها فقد التفت، والملتفت لا يصل. كل فترة أصبح كل يوم: "يا مولانا أنا رأيت رؤية، وما هي؟ رأيت الروح تصير طائراً في الهواء هكذا، وهم يقولون لي: رضي الله تعالى عنك وأرضاك"، ورأيت مرة أخرى. يومٌ يقول: "عبدي أطعني فقد قربتك إليّ"، لكن شممت رائحة أي شيء مثل المسك؟ كل هذا يعيق الوصول إلى الله. هذه نِعَم، فلو رزقك الله المال فهو نعمة، إنما يمكن أن يصبح فتنة. ولو رزقك الله الصحة فهي نعمة، لكن يمكن أن تفتري بها على خلق الله. ولو رزقك الله السلطة فهي نعمة، لكن يمكن أن تظلم. بها الخلق.
لو رزقك الله سبحانه وتعالى العلم نعمة، لكن من الممكن أن تتكبر به، فيصبح إذن من النعم. "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". هل هذا معناه أن الفقير مغضوب عليه من الله؟ أبداً. هل هذا معناه أن المريض سيدخل جهنم؟ أبداً. "مرضت ولم تعدني"، قال: "كيف تمرض وأنت رب العالمين؟" قال: مرض عبدي فلان فلم تعده، ولو عدته لوجدتني عنده. يعني المريض في معية الله، ويُحسب له من الأجر بقدر ما كان يفعله في صحته. أحدهم يقول لي: هل أنا مغضوب علي أم ماذا؟ فأنا لم أستطع أن أعبد أو أذكر أو أقرأ أو أصلي أو أصوم، لم أتمكن
من قبل. هكذا، نعم، كل هذا محسوب لك في وقت المرض، فإذا كانت النعم تقتضي الشكر وتقتضي استعمالها فيما خُلقت له، فليس من الطريق أن تعبد الله من أجل التجليات ولا الإشارات ولا الكرامات ولا الشطحات ولا الكشوفات ولا الأسرار ولا الأنوار ولا أي شيء ولا الرؤى، ولو اتبعت كل... هذا وتكاثر عليك فأنت في فتنة. ماذا يعني في فتنة؟ الالتفات، ليست النعمة هي التي تُعد فتنة. النعمة تقتضي الشكر. شكرًا يا رب. "لئن شكرتم لأزيدنكم". إذن سأشكر من
أجل الزيادة. إنما الفتنة في ماذا؟ أن تنشغل بالنعمة وتضعها في غير موضعها عن الله، تلهو بها عن الله، وتجلس كل... يوماً تتكبر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. بدلاً من أن نتكبر، نزداد تواضعاً وشكراً وحمداً لله سبحانه وتعالى. إذاً، فأول شيء نختار به الطريق هو القرب من السنة المشرفة. هناك طرق بعيدة عن السنة المشرفة، وأحياناً تأتي بنتيجة لأنها تتعامل مع الجسد فتكلفه. ما لا يطيق، فالشيخ
عندما تدخل عليه يريد أن يكسر نفسك قليلاً لأنك تظن نفسك فرعوناً، فيجعلك تغسل الحمامات. فتقوم وأنت تغسل الحمامات وتقول: ما هذه الطريقة السخيفة؟ والله ثم ماذا بعد؟ أنت بهذا متكبر. للعلم، الشيخ علي الخواص وصل إلى ما وصل إليه لأنه كان بالليل من... من العشاء إلى الفجر يغسل مساقي الكلاب وينزح وينظف ساحات الحمامات للمساجد حتى إذا جئت صباحاً لتتوضأ لصلاة الفجر تجدها نظيفة جميلة طاهرة. وكان أمياً وكان يحفظ القرآن وفتح الله عليه
فتوح العارفين به، ففي طرق كهذه يعمل ما يجعلك في أمر صعب جداً تقوم به حتى تخرج. من الألف يعني إذا كانت هناك طرق ميسرة وطرق معسرة فاختر ما كان أيسر. هذان المعياران: ما كان أقرب إلى السنة وما كان أيسر في الحياة. هذه هي مقاييس الاختيار. ومن يريد أن يفهم كافة مناحي الطريق، عليه أن يقرأ. يجب عليك أن تقرأ في آداب الطريق، وأن تقرأ في ترجمة شيخ الطريقة. نحن... متبعين مثلا
الشيخ أبا الحسن الشاذلي ونرى ما كان يقوله أبو الحسن الشاذلي، وكيف كان يدعو، وكيف كانت عبادته، وكيف كانت صلاته، وكيف كانت تربيته، لأنه عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمات. فماذا نفعل نحن؟ نذكر الصالحين بقراءة سيرهم وما كُتب عنهم وما كُتب عن طريقهم. طرقهم وكذا إلى آخره، هل هناك طرق تأخذ مسالك غير صحيحة؟ طبعاً ما دام هناك بشر، ففيه صح وغلط. إن البعد عن السنة لا يزال هذا البعد يزداد حتى يخالف الشريعة، وعندها يكون قد وقع في المحذور، لأن طريقنا
هذا مقيد بالكتاب والسنة. وغاية ما هنالك أن تفعل شيئاً تجيزه الشريعة ولم... يرد في السنة هذا آخرنا آخر الحدود، أما أنك تخالف الشريعة فيصبح حراماً عليك وتصبح بدين الضلالة، وستستدرك "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين". "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً". قال تعالى: "وما آتاكم" الرسول فخذوا بالأمر هكذا وما نهاكم عنه فانتهوا أيضاً بالأمر، فيكون إذاً مقياس
اختيار طريق من الطرق هو القرب من السنة والعمل بالتيسير، فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً. هل هناك من خرج عن الجادة؟ ما دام هناك بشر فلا بد أنه سيصيب من يصيب ويخطئ من يخطئ. يسأل فيقول بالنسبة لأوراد الطريقة الشاذلية الأساس والمسبعات والوظيفة هل تكفي مرة واحدة في اليوم؟ الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يذكر الأذكار في الصباح والمساء، وسمى هذا العلماء
عمل اليوم والليلة لابن السنة، وأسموه أيضاً أذكار الصباح والمساء، وهكذا فرسول الله صلى الله عليه وسلم. كانت سنته وديدنه أنه يفعل هذا صباحًا ويفعل هذا مساءً، يفعل مرتين في اليوم وهذا هو أصل الطريق. فواحد قال لي: "طيب أنا غير قادر". قال مشايخنا: "إذن تمسك مبراة واحدة إلى أن تقدر. تعمل إلى أن تخرج على المعاش وتجلب مرة ثانية هكذا. المرأة تربي أولادها إلى أن". يتخرجوا أو يتزوجوا لكي يهدأ بالها، فالشاب كان مسافراً وعاد، وهكذا.
يعني أيضاً يجب عليك أن تريد المحافظة على الصباح والمساكين، وهذا ليس معناه "خلاص الحمد لله"، بل معناه أنك تتمسك غاية التمسك، فتحارب من سلم إلى سلم، ولا تترك السلم الذي أنت واقف عليه، هذا سلم يعني هؤلاء. دخلوا البلد ودخلوا البيت ودخلوا السلم، ولو سأدافع أيضاً من سلم إلى سلم. الصباح ينتهي لغةً عند الظهر، ومشايخنا مدوه إلى العصر، فمن الفجر إلى العصر هذا موضع التلاوة فيما يُقال له الصباح رسمياً
حتى الظهر. من الفضل حتى العصر، هيا كما يقول لك هكذا، هيا يعني تيسير يعني. لكن هو رسمياً قبل الظهر يُقال "صباح الخير"، وبعد الظهر يُقال "مساء الخير". نعم، هذا في اللغة العربية هكذا، وقد أخذها منا الأجانب فقالوا "جود مورنينج" و"جود آفترنون". لو قلتَ قبل أو بعد الساعة الثانية عشرة "جود مورنينج"، سينظر إليك هكذا باستغراب ولن يرد عليك، كأنه يعني شيئاً. كأنك أنبته بشدة، حسناً، أهم شيء أنهم أخذوا منا شيئاً جيداً، الله يهديهم. طيب، هذا هو الصباح إذاً،
وورد المسألة من العصر ونقصين من الظهر. يصح من العصر حتى الفجر، هذا هو المساء. والصباح من أين؟ من الفجر إلى المغرب. والنهار من الفجر إلى المغرب. وأين الليل؟ من المغرب إلى الفجر. ثم أتموا الصيام إلى الليل. الذي هو ماذا؟ الذي هو المغرب، وكانوا يقولون لابن أم مكتوم: أصبحت، أصبحت، خلاص الفجر قَدِمَ فالليل انتهى. يبقى إذا اليوم مُقسَّم قسمين: صباح ومساء، ومُقسَّم تقسيمة ثانية: نهار وليل، ونحن نسير على الصباح والمساء الأساس
والمُسبعات والوظيفة. هل لازم الترتيب هذا؟ أبداً، الترتيب هذا ليس لازماً، الترتيب هذا اتفاقي هكذا. ما الصعب فيهم؟ الصعب في المسبعات. لماذا؟ لارتباطها بزمن حاد. ما هو الزمن الحاد؟ هو فيما بعد الفجر إلى الشروق وفيما بعد العصر إلى الغروب، فهذه هي المشكلة الخاصة بها. حسناً، والأساس من الفجر للعصر؟ حسناً، والوظيفة من الفجر للعصر في أي وقت أنت
تعيش فيه. حسناً، أنا صليت الفجر وذهبت وقلت المسبعات. ونمت ثم جئت الساعة العاشرة فقرأت الأساس، وفي الساعة الحادية عشرة قرأت الوظيفة، ولم يحدث شيء. ثم جئت وصليت العصر وقرأت المسبعات، وفي الساعة العاشرة ليلاً قرأت الأساس، وبعدها قرأت الوظيفة. قرأت الوظيفة ثم الأساس ولم يحدث شيء، أليس كذلك؟ إذن ما المقيد؟ المسبعة جاءت هكذا، أشار إليها الإمام الغزالي ورواها عن الخضر. عليه السلام فهي آتية هكذا وكلها محفوظة: الفاتحة، الناس،
الفلق، الإخلاص، الكافرون، آية الكرسي، وبعد ذلك التي نسميها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، الباقيات الصالحات محفوظة، والصلاة على النبي الإبراهيمية محفوظة، ودعاءان محفوظان، وكل واحدة نقولها سبع مرات، ويقول لك قال. إنك لو داومت على ذلك فلك الجنة، ولأن عبارة "فلك الجنة" هذه لا نعرف كيف نتصرف حيالها. فلك الجنة، حسناً يا رب، وبما أن الوعد هكذا بأنه في الجنة، يعني الإشاعة هكذا، إذاً ما دام لك الجنة نلتزم بها وانتهى الأمر. ونحن ندعو ربنا بالجنة من غيرها، أتفهم؟ لكنها فرصة نادرة. فرصة
يعني اوكازيون بالفرنسية، ماذا تعني فرصة وأنت عربي ولست فرنسياً؟ فرصة تعني أن نستغلها، لا يحدث شيء. قال: إذا كان الترتيب غير وارد، وهذه هي الأزمان الخاصة بها، أي عجب! أنتم تنكسون القرآن. قلنا له: والله أنت مثل الماحي في جميع النواحي، كيف ننكس القرآن؟ قال: الفاتحة ثم الناس. ثم اذهب لتقرأ سورة الفلق، فهذا هو التنكيس. لقد قالوا إن من تحدث عن التنكيس إنما تحدث عنه في الصلاة وليس في التلاوة، ولذلك تجد كل مشايخنا عندما يبدأون مع الأطفال يبدأون بآية عامة، فهل هذا
يُعتبر تنكيساً؟ لم ينكس شيئاً. هذه نقطة أولى. والتنكيس المنهي عنه هو أن تتلو. الألفاظ بعكسها، بسم الله الرحمن الرحيم، تقول: الرحيم الرحمن الله بسم. كان هناك أناس من شدة حفظهم يقرؤون القرآن بالمعكوس هكذا، فقالوا هذا حرام. ما الذي يُعد حراماً؟ ليس أن تقرأ سورة قبل سورة، وإنما كونك تقرأ الكلمات بالعكس. وهناك أيضاً من كان يتحدى بعكس الحروف، أي يقرأ "بسم" كـ "مثب". يقرأها من أي جهة؟ من الشمال إلى اليمين، يعني أهذا حرام؟ ماذا يعني مسب؟ لا يوجد شيء اسمه مسب، فحرموا التنكيس، من حرموه؟ يعني هكذا. أما
الثاني الذي هو قراءة سورة قبل سورة فهذا جائز، لا يوجد فيه شيء، وجائز في الصلاة، لكن حتى من كرهه في الصلاة لم يكرهه في... في الخارج، في الخارج، اقرأ كما شئت، لكن لا تعكس الآيات، ولا تعكس الكلمات، ولا تعكس الحروف. هذا هو التنكيس المحرم. ولماذا يفعل ذلك؟ من أجل فكرة الحال المرتحل، يعني القرآن واحد، تمشي فيه هكذا، تمشي فيه هكذا. هو كتاب مقدس من عند الله، ففكرة الحال المرتاح هي التي تجعل الإنسان أرق. قلبه يسأل ويقول: حسناً،
أنا عملت مرة وأيضاً المرة ليست كافية، عمل البيت كثير، وعملت أساس مائة استغفار ومائة صلاة ومائة لا إله إلا الله، وأيضاً ما استطعت. سيدنا الشيخ زكي الدين إبراهيم كان يقول: حسناً، اجعلهم عشرة عشرة، إنه لن يتركك، لن يتركك إن شاء الله، حتى اجعلهم. عشرة، أنتَ أصبح عندك قدرة أن تأتي بهم مئة. إياك أن تلتفت لمن ضيَّق الله عليه وجعله يأتي بهم عشرة عشرة. احمد الله أنت وافرح، لا تنتهزها فرصة. حسناً والله نحضرهم الذين عشرة عشرة. لا، افرح افرح بأن الله مكَّنك
من الزيادة. يقول: طيب، حسناً أنا أعمل خمسين في الصباح وخمسين في الليل، أعمل ما... ما دامت هذه حالتك وأنت غير قادر، نحن نريد لسانك أن يلهج بذكر الذي أعطى هذا. ما هي غاية المراد من رب العباد؟ فنحن نقول الشيء الكامل، وبعد ذلك من يستطيع أن يفعل فليفعل. لم أستطع أن أستمر على الأوراد، لأني إذا أتممت ورد الليل ضاع مني ورد النهار، وإذا أتممت ورد النهار ضاع مني ورد. الليل استمر، فأحب الأعمال إلى الله أدومها، وانقلب وسيأتي لك اليوم الذي تعمل فيه الاثنين، فاستمر كما أنت هكذا، إياك أن تترك الذكر.
نسيت آية الكرسي وأنا أقرأ المسبعات لمدة أسبوع لأنني أقرؤها من الحفظ، فهو يقرأ من الحفظ سقطت منه آية الكرسي. استمر وأحضر آية الكرسي في المرة القادمة. واستمر، احذر أن تدع شيئاً يوقفك، استمر لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله". من أصول الطريق أن نجلس ثلاثين يوماً متتالية لكي نتعود ولكي نبني على أساس. لست قادراً على تحقيقه،
فكلما أصل إلى اليوم الثاني والعشرين أو الثالث والعشرين يسقط مني يوم، فنعيد مرة أخرى، نعيد العد مرة أخرى. ما نحن نذكر، أين ذهبنا؟ ما نحن نذكر معًا هنا، نسأل الله أن يجعلنا من الذاكرين. اشتغل مرة أخرى يسأل عما فصّلناه من المُسبعات وما إلى ذلك، وانتظم أكثر من شهر على الوظيفة والأساس والمُسبعات وكل شيء، وبعد ذلك، بعدما انتظم الشهر الذي نتحدث عنه، بدأت أيام تسقط. منه استمر، خلاص أنت أديت الذي عليك بالثلاثين يوماً. الآية المتصل بعد ذلك أي شيء عوارض تمنعك، أنت خلاص بنيت الأساس وانطلق.
جلست الشهر الثلاثين يوماً، لكن لم أكن أعرف ما المسبعات. هات شهراً ثانياً لأننا في هذا الشهر نبني أساس البيت الذي سنخرج به. نريد أن نخرج مائة، هؤلاء لم... اختارت الطريقة الأساس من السنة، ولذلك البطاقة الصغيرة هذه البيضاء التي نوزعها مكتوب كل شيء فيها ما أساسه. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مائة مرة". ها هي مائة مرة، ها هي. فذهبنا نأتي بالحديث هذا "هو من صلى علي
مائة صلى الله". عليه بها ألف. ها نحن أخذنا هذا الحديث ووضعناه: "خير ما قلتُ وقال النبيون من قبلي: لا إله إلا الله. من قال في اليوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، كان كعدل عتق رقبة من". بنو إسماعيل من نسل سيدنا إسماعيل بن إبراهيم، يا لها من رقبة غالية جداً. في هذه الأمور كلها قمنا بجمعها وجعلناها الأساس، لنقدم لك برنامجاً. ليس من الضروري أن نقول لك: قال، قال، قال، وأنت لا. كل هذا موجود في الكتاب
وفي السنة، والمسبعات أغلبها قرآن: الفاتحة قرآن، والناس قرآن، والإخلاص قرآن، والكافرون قرآن، وآيات. آية الكرسي من القرآن، والباقيات الصالحات، وعن سيدنا الرسول كثيرٌ من الأحاديث، والصلاة الإبراهيمية على النبي موجودة في الحديث هنا، والدعاء موجود ومستنبط من القرآن. هذه مسألة جميلة جداً، فإذا كان طريقنا هذا مقيداً بالكتاب والسنة، فلا يوجد أي أمرٍ إلا مقيد بالكتاب والسنة. حسناً، الورد كله من أذكار السنة، ولذلك أيضاً. عملنا لها مرجعية يقول لك أخرجه أبو داود، أخرجه الترمذي، أخرجه
فلان، أخرجه أحمد، مرجعية لكل جزء. وما الذي نزينه ثانياً؟ هل أنت منتبه؟ ولو كانت من دعاء، فليكن هو الشيخ نفسه، ومنعناه أن يكون هو الشيخ ويتصرف كما يشاء ويجعلني أسير على هواه وهوى من أنجبوه. أول شيء في الطريق هي... هذه
ليست أنهم يريدونك أن تتصرف على هواك، تماماً مثل المدني عندما يدخل الجيش. يقولون له: "قف في الصف!"، أنت تحفر هنا. فيقول: "لماذا أحفر هنا؟". فيردون: "لا شأن لك". وبعد أن يحفر، يقولون له: "اطمرها"، فيتساءل: "أأطمرها؟ هل هناك جنون هنا أم ماذا؟". فيجيبون: "لا، لأنك ستأتي في المعركة وستضرب". "أضرب من؟". "اضرب!" لماذا أضرب بكف؟ ليس خسارة في الذخيرة. نعم، بينما تفعل هكذا يكون صادقاً ويكون الهدف قد تحرك فننهزم. الصفاء والانتباه هما اللذان سيجعلاننا لا نفعل هكذا. فالتربية هذه أن تتربى على قهر النفس، وتتربى على الاستفادة من الكبير، وتتربى على
أنه ليس بهواك وإنما بهوى الشرع. هل أخذت بالك من هذا؟ مهمة جداً في التربية الفرق بيننا وبين النابتة هو هذا. النابتة تسير متسيبة على هواها، كل واحد فيهم مجتهد، ولكن الرسول قال: "إنما الإمام ليُؤتَم به"، فأنا أقتدي بإمامي، لن آذن لك بذكر كذا بالهاتف. ربما يقول: أخذت هذا الكلام من أحد
المندوبين الذين لديك، ربما، حسناً، جميل، انطلق لأن... نحن مأذونون إذناً عاماً من سيد الخلق، فهل يجوز لنا في فترة هذا الشهر استقبال القبلة والوضوء وقراءة الأوراد والأساس والوظيفة والمسبعات؟ نعم، افعل ذلك، توضأ، توضأ والبس أبيض واستقبل القبلة إلى آخره. فتاة تقول: طيب أثناء الحيض ماذا أفعل؟ كان يذكر الله على كل حال، كان يذكر الله على. كل حال سواء كان جنباً أو كان متهيئاً للصلاة وكان
لا يقرأ القرآن وهو جنب لكن القرآن لا. طيب، أليست المسبعات قرآناً؟ ولكن حينئذٍ تكون ذِكراً. قال الإمام الزركشي: "القرآن لا يكون قرآناً إلا بالقصد". يعني عندما تقول: "الحمد لله رب العالمين"، أليس هذا قرآناً؟ لا، ولكن أنا... قلتها أي بحمد ربنا أو أنا قلت "قل أعوذ برب الفلق"، فقط تعويذ ربنا، لست أقولها على أنها قرآن. فالفتاة تفعل هكذا، تتوضأ، وهذا مذهب المالكية. نصحوا الفتيات، حتى لا تغيب إحداهن عن مواقيت الصلاة، أن تتوضأ عند كل فرض. انظر إلى هذا الأمر، أذنوا الظهر فقمت ووجدت الفتاة ذاهبة. أتتوضأ يا
بنت، أليس لديك الدورة الشهرية الآن؟ الدورة الشهرية تعني فترة. حسناً، أنت تعرفين الإنجليزية جيداً. قالت: نعم، لدي، نعم، لكنني لا أريد أن أنسى، لا أريد أن أستكين هكذا وأسجد. فتتوضأ لكل صلاة حتى تتدرب على أنها عندما تذهب هذه الفترة، ماذا؟ تكون قد اعتادت عليها، انتهى الأمر. لا يوجد نسيان لمدة ثلاثة أيام وخمسة أيام وسبعة أيام وما شابه ذلك، فكثير من الفتيات يشككن أنه بعد انتهاء هذه الفترة نكون قد نسينا وتعودنا على عدم الصلاة، فالمالكية قالوا نصاً في كتبهم منها "أسهل المدارك إلى فقه إمام الأئمة مالك"
قالوا بالنص هكذا: وتتوضأ عند كل أذان لأجل هذه المسألة. هل يجوز أن نقضي الأذكار؟ لا، لا يجوز. ليس عندنا الآن - انتبهوا يعني - شخص فاتته المسبعات صباحًا، ويريد الآن أن يقولها. ستقولها، لكن هذه ليست من الشرط. دعنا نبقى في الشرط. قلها، لا يحدث شيء، تعبدًا هكذا، لكن لا يوجد شيء اسمه قضاء مرتبط بالزمن. من الصباح حتى العصر، ذلك من الفجر حتى العصر، فاتني وِردي، فهل يمكنني أن أقوله بالليل وأقول معه أيضاً بالليل؟ لا، الليل
له أيضاً وِرده، فلا تفعل ذلك. يسأل ما معنى السير بالأسماء الحسنى والسير بالأنفس السبعة؟ الإمام عبد القادر الجيلاني كان من كبار أولياء الأمة رضي الله عنه. تعالى عنه وأرضاه، تدبر وتأمل أسماء الله الواردة في القرآن وفي السنة، وقال إن مردها في معناها ومآلها يعود إلى سبعة، سبعة أسماء سُميت بعد ذلك بالأسماء
الأصول، ولما درس الأولياء من تجاربهم ألحقوا بها ستة سُميت بالستة الفروع. يبقى سيدي عبد القادر فعل ماذا؟ اختار السبعة ثم... زاد المشايخ في هذا في الترتيب ثم اختلفوا في بعض الأسماء دخولاً وخروجاً، فأصبحت عندنا خبرة السنين في هذه الأسماء التي سُمِّيت بالأصول والفروع. خيار طريقتنا، ويختلف عن طرق أخرى في الترتيب وفي بعض الأسماء، أننا نبدأ بلا إله إلا الله، ثم بلفظ
الجلالة الله، ثم هو، وهو الضمير الدال. عليه عند الإطلاق حي قيوم حق قهار، هؤلاء السبعة، واحد عزيز مهيمن وهاب باسط ودود، هؤلاء الستة. فمن قدم عزيز على واحد، ومن قدم ودود على باسط، ومن جعل بعض هذه من الأصول وغير الأصول إلى الفروع وهكذا. يعني عندما تجد ترتيبات أخرى لا تنكر علي لأن هذا من... فعل المجربين من السائرين في طريق الله إنما الذي اختيارنا له هو كما قلت هكذا: لا
إله إلا الله، الله هو حي قيوم حق قهار ثم واحد عزيز مهيمن وهاب باسط ودود. وجدوا أيضاً غالباً وليس دائماً أثراً بهذه الأذكار مع الصفات الموصوفة لكل نفس، ونحن عندنا النفس لها. درجاتٌ كلُّ درجةٍ لها صفاتٌ في كمالها، فهناك النفسُ الأمارةُ بالسوء "وما أُبرِّئُ نفسي إنَّ النفسَ لأمَّارةٌ بالسوء"، وهناك نفسٌ لوَّامةٌ، وهناك
نفسٌ مُلهَمةٌ "ونفسٍ وما سوَّاها فألهمها"، فتبقى مُلهَمةً، وهناك نفسٌ راضيةٌ مرضيَّةٌ مطمئنَّةٌ "يا أيَّتُها النفسُ المطمئنَّةُ ارجعي إلى ربِّكِ راضيةً مرضيَّةً"، وهناك نفسٌ كاملةٌ، فيُسمُّونهم النفوسَ السبع. كل واحدة من النفوس السبع لها صفات ودرجات، ألف فيها سيدنا الشيخ عبد الخالق الشبراوي مراتب النفس وجمع
ما تفرق في الكتب من وصف هذه الأنفس السبعة. تجربة تقول إن لا إله إلا الله تغير النفس الأمارة وتتعامل معها بنحو سبعين ألف مرة، يعني عندما تقول لا إله إلا الله. سبعين ألف مرة قم تجد نفسك الأمارة بدأت ماذا؟ تهدأ وتنهار هكذا وينبت مكانها نفس تلومك. ألا تستحي؟ أليس هذا كافياً؟ أليس هذا أمانة "للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" هكذا يعني.
وبعد ذلك عندما تتعامل مع النفس اللوامة هذه، نريدها أن تصبح مستقرة، أن تصبح واضحة، أن تصبح... هكذا قام الله بتشغيل فيه حوالي ستين ألف، ثم حصل هكذا، واستمر هذا الكلام حتى كانت كل درجة لها رقم. وحتى أوائل القرن فوجئنا بالمشايخ وقالوا دعنا منها. كان آخرنا الشيخ عليه والشيخ عبد الحافظ علي العدوي، آخرنا هكذا، الذي كان فيه أرقام كهذه، وبعد ذلك قالوا جميعاً: "لا، اجعلها مائة". دعك من السبعين ودعك من الستين ودعك من الثلاثين، واجعلها كلها ماذا؟ مائة. لماذا؟ لأن العصر فسد، العصر لم يعد كما كان. هناك أناس
طيبون هكذا وجيدون، يعني الأمور فسدت قليلاً فجعلوها على ماذا؟ على مائة. ليلطف الله بنا ولا نجعلها مائة وخمسين، ليلطف الله بنا. نعم والله، فأصبح الجميع مائة، تقول لا. لا إله إلا الله مائة مائة ألف وبعد ذلك كذا إلى آخره. كان سيدنا الشيخ القاضي يقول خمسة آلاف في اليوم وإلا لن تكون تابعاً لنا. بدأ الناس يذكرون. أغلب الذين يأتون بخمسة آلاف في اليوم هن النساء. كان قديماً الرجال، أما اليوم فالنساء. لماذا؟ تحتاج إلى دراسات سوسيولوجية. لا نعرف ما الذي يجعل النساء. سابقين للرجال، لا نعرف هل يُطرد ضعف في الرجال، أم لأن
المرأة أصبحت فارغة، فلا تعجن ولا تخبز ولا تصنع الملابس ولا تفعل أي شيء في أي مجال، الممحاة في جميع النواحي، أو ما هي القصة؟ لا نعرف! أو ربما فتح الله عليهم في آخر الزمان، ربما! كل هذا محتمل، لا نستطيع النفي. على الله، إنما الحاصل هكذا أن النساء سبقن الرجال في الاتزان، فيأتي ليقول لي: "لست قادراً على خمسة، لست قادراً، إنني أنام في الوسط". طبعاً ونحن نقول النساء يعني أغلب النساء وليس كلهن، وعندما نقول الرجال أيضاً أغلب الرجال وليس كلهم. هناك رجال يعني أفراد في الذكر. لا ذخيرة يعني، إنما النسبة نسبة السيدات أكبر بكثير من نسبة
الملتزمات، أكبر بكثير من نسبة الرجال الملتزمين. قديماً كان العكس. حسناً، لا عليه، الأمر الذي لا نفهمه نتعامل معه كما هو، فاستخرنا وعملنا وما إلى ذلك، وقلنا حسناً فلتكن من ثلاثة إلى خمسة، فقال لي أحدهم ثلاثة. خمسة؟ لماذا؟ أنا أجلب سبعة في اليوم. أأنت سترجعنا في الورق؟ أم ما حكايتك؟ فرجعنا للمشايخ فقالوا لنا: لا يزيد عن عشرة. إذاً يمكننا القول: كل يوم من خمسة إلى عشرة، لا نزيد عن عشرة، حتى يكون هناك تركيز وحضور للذهن وللقلب وأنا أسبح وأقول: لا. إله إلا الله أو الله أو حي أو قيوم أو أي شيء
من خمسة إلى عشرة، هذا الذي نعمل عليه. حسناً، إن لم تستطع، فأحضر ثلاثة. حسناً، إن لم تستطع، فأنا بالكاد أحصل على خمسمائة كل يوم، فأحضر خمسمائة. ها، ولكن ما هذا العمل؟ أي عمل؟ إنه عمل المسامحات. هذا إنما نحن نقول الشيء الذي يُحدث أثراً وما إلى ذلك، والباقي يكون مسامحات، ولا نتوقف. احذر أن تتوقف، احذر أن تتوقف. بعد أن أكملت الثلاثين يوماً وبدأت يومين، حدثت مشاكل في البيت واضطربت الأمور، فلم أذكر ولم أعمل، وجلست ثلاثة أيام هكذا. وأريد أن أعود،
ماذا أفعل؟ عُد، عُد بسرعة، لا شيء عليك. شيءٌ ما، لا يوجد شيء، لكن ارجع وردد في السنة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. فما هذا التركيب؟ سبحان الله يعني أنزهك يا ربنا عن كل نقص وعن كل شبه، لا مثيل لك، كامل في ذاتك، في صفاتك، في أفعالك، لا إله إلا أنت. هذا معنى سبحان الله، سبحان الله يعني... ليس لك مثيل، ليس كمثلك
شيء، هكذا هو. سبحان الله، نصل إلى هذا التنزيه بأن الحمد كله لك. سبحان الله وبحمده يعني بواسطة الحمد نسبحك. يعني "سبحان الله وبحمده" معناها بسبب الحمد وصلنا إلى تنزيهك لأننا نحمدك على كل شيء، على النعم المتتالية، البصر، السمع، القوة. على الغنى، على الصحة، على العلم، على كل شيء، على أنه ليس هناك بلاء، على أنه يوجد بلاء، وهنا كأننا نقر لك بالحكمة والعلم والعدل وكذلك الذي
هو قمة التنزيل، ويصبح المعنى أنزهك يا ربي بواسطة حمدي لك، هذا معنى سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه. وزنة عرشه ومداد كلماته، فهل ورد وعدد معلوماته أو عدد علمه في دعاء الصالحين؟ ورد "وعدد علمه". طيب، وهل لعلم الله عدد؟ كان سيدنا الشيخ عبد الله الغماري يأبى هذا ويقول: علم الله لا نهاية له فلا يجوز "وعدد علمه". هذا،
إنما غيره من المشايخ قالوا: لا، وعدد. علمه يعني عدد متعلقات علمه، ومتعلقات علمه لها نهاية التي هي المخلوقات، يعني التي يمكن أن تحصيها فتكون عدد خلقه. فإذاً هذا خلاف بين الأكابر: هل يجوز أن نقول عدد علمه أم لا يجوز؟ حسناً، وجدنا شخصاً يجيز ذلك، فالأمر منتهٍ. لقد حصل فيها خلاف فلا ننكرها، لكن شيخنا كان ينكرها. يقول إن الصباح والمساء الآن أصبحا مشغولين، فأين القرآن؟ اقرأ ولو
صفحة واحدة مع ورد الصباح، ولو صفحة واحدة مع ورد المساء، تستقيم الحال. وعلى فكرة، كلما تذكر وتستمر في الذكر، فإن هذه القصة كلها لن تزيد عن اثني عشر دقيقة، بالرغم من أنك في البداية كنت تؤديها في خمس دقائق. وأربعين تفضل تثقل تثقل تثقل حتى اثنتي عشرة دقيقة والاثنتا عشرة الثانية يقرأ القرآن فقط يعني العملية لا تعني أن تضع العقدة في المنشار هكذا، حسناً هو الذكر أو لا أو القرآن الذكر لقوله تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر، رقم اثنين القرآن من الذكر إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون، إذن القرآن ذكر، وإذا كان ذكر الله أكبر من كل شيء حتى من الصلاة، لأنها على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.