الدروس الشاذلية | حـ 36 | أ.د علي جمعة

الدروس الشاذلية | حـ 36 | أ.د علي جمعة - الصديقية الشاذلية, تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يسأل بعضهم أنه ما دام الذكر عبادة وذلك بنص الكتاب والسنة: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ"، "وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ"، "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"، "وَاذْكُرِ اللَّهَ"، هذه أوامر، فلِمَ نلتزم في الطريقة؟ بأذكار معينة
ولما لا نأخذ كل الأذكار، الطريقة مبناها الشرع والتجربة. الشرع واسع جاءنا بأذكار كثيرة، وبالتجربة والتأمل والتدبر وُضِع برنامج. كل شيخ وضعه لنفسه بعد ما جرّبه فوجد أن هذا البرنامج مقدور عليه، وأن هذا البرنامج مؤثر يترقى به الإنسان، وأن
هذا البرنامج يحقق نصيحة رسول الله صلى الله. عليه وآله وسلم حيث أمرنا أن يكون عملنا ديمة أي دائماً فقال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"، وأمرنا ألا يكلف أحدنا نفسه إلا طاقتها فقال: "فليعبد أحدكم ربه طاقته فإن الله لا يمل حتى تملوا"، ونهى أن نفعل شيئاً أعلى وأكثر من المثال النبوي الرباني المعتبر وقال
إلا إني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، ومن رغب عن سنتي فليس مني. يعني الزيادة على ما كان يفعل صلى الله عليه وآله وسلم فوق الطاقة مرفوض، ويؤدي بالإنسان إلى نزول في طريق الله لا صعود، لأن المثال الأتم هو سيدنا صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أمر بحدود الطاقة. وبالديمومة لكل هذه الأسباب رأى أهل الله أن يلتزموا بمنهج سيدنا صلى الله عليه وسلم فاختاروا
مما كان يقول ما يحقق كل ذلك طبقاً لبرنامج الشخص اليومي، فكان لكل شيخ طريقة، لكنهم كلهم من رسول الله ملتمسو غرف من البحر أو رشفاً من الديم، وواقفون لديه عند حدهم من نقطة. العلم أو من شكله الحكم فهو الذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسم إذا فأسوتنا والذي نتبعه رضا لله هو رسول الله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم
الآخر وذكر الله كثيراً رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، تركنا وترك لنا برنامجًا كاملًا شاملًا، وأمرنا في منهجه بأمور لا بد أن نراعيها وأن نلتزم بها، كالديمومة وإن قل العمل، وكأننا لا نكلف أنفسنا فوق ما نطيق، وكأننا نعلم أن الله لا يمل حتى نمل، وكأننا نتخذ رسولنا أسوة حسنة صلى. الله عليه وآله وسلم ونحوها من القواعد التزموا
بهذا وأصبح ما تركه لنا سيدنا صلى الله عليه وسلم مثل صيدلية الدواء، لا يجوز أن تدخل صيدلية الدواء فتأخذ كل الدواء، هذا ليس من الحكمة في شيء، لكن تأخذ من هذا الدواء ما يناسبك، والحمد لله من الله على البشرية فعلمها. علّم الإنسان ما لم يعلم. كل هذا الدواء لكن بجرعات محددة وبأوضاع وشروط محددة مثل هذه الشروط التي ذكرناها.
إذًا فما دام الأمر في الكتاب والسنة فهو معتمد، لكن ليس كل دواء معتمد تأخذه هكذا بدون شروطه، بل بشروطه. ومن هنا كان عدد الطرائق على أنفاس الخلائق، يعني كل واحد. له طريقٌ إلى الله، وكان الجميع يقفون في دائرة مقصود، الكل فيها في المركز هو الله، والطريق إلى الله واحد، والخلاف من جهلة المريدين، فالطريق من محيط الدائرة إلى مركزها واحد، نصف القطر متساوٍ، ولكن كل
شيخ له طريقة، وليس من الحكمة أن نجمع بين الطرق، ومن هنا ينبغي على من سلك على طريقةٍ معينةٍ، ولأن الطريقة ليست ثقافةً بل وليست علماً أيضاً نتكاثر به أمام أنفسنا أو أمام الناس، بل الطريق عبادةٌ لله رب العالمين، تريد أن تصل بنا إلى القلوب الضارعة، تريد أن نترقى في السعي في طريق الله. ليس المقصود هو كثرة المعلومات ولا المقصود هو التعلم. من غير عمل، بل المقصود هو أن نصل إلى القلوب الضارعة، ولذلك
خاصة لمن كان في أول الطريق عليه أن يلتزم بتلك الطريقة. كبار المشايخ جمعوا بين طرق كثيرة بعد أن اتسعت قدراتهم على أن يفعلوا هذا، ولكن قبل ذلك يكونون سيئين، ولذلك كان النبي وهو العبد الرباني يقوم الليل. حتى تتورم قدماه ساعته، هكذا قادر على هذا، فتقول له عائشة: "أتفعل هذا وقد غفر الله ما
تقدم لك من ذنبك وما تأخر؟" قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً؟" لكن لما دخل على أم المؤمنين عليها السلام زينب بنت جحش، فوجدها تضع حبلاً حتى تستند إليه عندما تتعب وتدوخ من كثرة. العبادة قال لها فليعبد أحدكم ربه طاقته فإن الله لا يمل حتى تملوا يبقى سنة ربانية في الكون من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه لو قطفت الثمر
قبل النضج فإنك ستراها مرة ولا لذة فيها ولا فائدة لكن لو قطفت الثمر بعد ما نضج إذًا فستأخذ حلاوتها وفائدتها فتنبه فإن الله سبحانه وتعالى يشير بخلقه إلى كيفية معاملته، إذاً يجب علينا أن نسير إلى الله خاصة في البدايات بالتأني ملتزمين بما علمنا الله ورسوله في الكتاب والسنة، مداومين على الفعل. إذاً
فبرنامج طريقتك لا يجعلك تلتفت إلى طرق أخرى، فلا يجوز لك أن تتناول كل الدواء، بل يجب عليك أن تتناول دواءً واحداً حتى يتم الشفاء من التخلص من الدنيا فتكون في أيدينا لا في قلوبنا، فنصل إلى مرحلة التخلي والتحلي فالتجلي، وتكون الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا، فنصل إلى مرحلة القلوب الضارعة. فافهم فإنه يشكل على كثير من الناس، وقضية أن نأخذ من أي مصدر ومن أي مكان. تحت عنوان الخير متاحة لمن لم يسلك الطريق، لكن الذي سلك الطريق. يحدث
أن يفعل بعض المريدين في البدايات أنهم يستمعون إلى كل أحد فيقول لكم: تضعون مقدمين للطريق، وكل مقدم له مشرب. نعم، كل مقدم له مشرب وليست له طريقة أو برنامج مستقل، فتسمع من هذا غير ما تسمع من ذاك وتجد. قلبك عند هذا ولا تجده عند هذا، هذا لا بأس به لأن هذا هو التعدد في الوحدة مثل المكعب، له ستة أوجه لكنه مكعب واحد. وهذا شأن الكعبة، حيث ما
استقبلتها من أي طرف كان فأنت على الخير وأنت قد أديت مرادك. إذاً فالتعجل ليس سديداً وينبغي عليك أن تَدَعُ تَحويلَ نَفسِكَ في الترقِّي إلى اللهِ. بعضُ الناسِ يُريدُ خلاصاً، انتَهى الأمرُ، فَيُصبِحُ هو عبدَ القادرِ الجيلانيّ. لا، أنتَ لستَ عبدَ القادرِ الجيلانيّ، ولا أنتَ أصلاً شيءٌ. كُنْ متواضعاً هكذا، وابتعدْ عن الذاتِ العاليةِ التي أنتَ فيها، وابتعدْ عن التعالي على نفسِكَ وعلى الخلقِ.
لا، ابقَ هنا هكذا أنا. تراب بن تراب، هكذا علمنا مشايخنا بعد ما رأيناهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه، حتى أن الله أجرى على أيديهم الكرامات وكأنها شيء عادي. فظننا أنهم عرفوا هذا في أنفسهم فافتخروا بها. يقول: "أنا تراب بن تراب"، فماذا أكون أنا إذاً؟ حسناً، إذا كنت أنت تراباً بن تراب يا... مولانا أنا أبي عدم هكذا يبدو ويقص الناس قصصاً لا يحبها هؤلاء الذين أغلق الله عليهم وأغلقوا على أنفسهم، المشايخ قالوا إذا
أردت أن تساعد نفسك في السعي إلى الله وفي الشعور بلذة العبادة فعليك بالقلة في الطعام والمنام والكلام والأنام، أربعة واستدلوا على كل واحدة منها من سنة سيدنا صلى الله عليه وسلم فهو الذي أمرنا بالصمت حتى أن ابن أبي الدنيا ألّف كتاباً كبيراً طُبع في الصمت وفي فوائد الصمت، نهانا عن اللغو ونهانا عن كثرة الكلام ونهانا
عن الهذر، حتى قال: "إذا رأيتم الرجل قد أوتي صمتاً فإنه يُلقّن الحكمة"، شخص هكذا صامت وعليه سمت. الصالحون تعرف أنهم يُؤتَون الحكمة لماذا؟ لأن التفكير يسبق النشاط، دائماً يفكر قبل أن ينشط، قبل أن يعمل العمل يفكر في عواقب هذا العمل، هل هو صحيح أم قبيح. أزمة العصر الذي نعيش فيه أنهم قدموا النشاط على الفكر، يريد المرء دائماً أن يعمل
وليس أن يفكر، وكأن الفكرة صارت. قبيحًا هذه أزمة العصر الذي نعيش فيه، بدأت من القرن التاسع عشر مع التنويريين أنه يجب علينا أن ننشط حتى ولو لم نفكر، افعل ما شئت، وهو ما نسميه بالتفلت. أبو السعود الإبياري رحمه الله تعالى كان مؤلفًا مسرحيًا وغير ذلك، وكان يعمل مع نجيب الريحاني ومع ليلى مراد وهكذا عندما الأغنية تقول: اضحك كركر، احذر أن تفكر، اضحك كركر،
احذر أن تفكر. انظر كيف لا إله إلا الله، اضحك كركر، احذر أن تفكر. أصبحنا ندعو الناس إلى التفكير، فقام حضرته وحضرتها. لا أعتقد أنها كانت تفهم بهذا العمق، لكنه ربما يكون فاهماً. لماذا أصبحت بقية الأغنية هكذا؟ أتفهم؟ هو يعرف ماذا يقول. اضحك "كر كر". احذر أن تفكر. ارقص "هنكر". ماذا يعني ذلك؟ أفعل ما تريده. ما معنى "هنكر"؟ لا يوجد في اللغة العربية كلمة "هانكر" هذه. ماذا تعني "هانكر"؟ تعني الاشتياق إلى الشيء بالإنجليزية "hanker". "هانكر" تعني شوقاً شديداً إلى الشيء.
اشتياق. فارقص وتوق، انظر. ما شأنك؟ أنت منتبه. افعل ما تريد ولا تهتم. عندما تجلس لتقرأ الأغنية ستتعجب: هل هذا الشخص فيلسوف؟ نعم فيلسوف، ولكن بالمعكوس. فيلسوف بالمعكوس وارقص! "هانكر"، حسناً أمامها. انظر كيف أدخل كلمة إنجليزية في سياق عربي: "هانكر"، "هانكر". هل هذه الكلمة ما زالت موجودة عندكم حتى الآن أم اختفت أم ماذا؟ موجودة، موجودة. هي في الإنجليزية حتى اليوم، لكن انظر أين صنعها أبو السعود
قبل تسعة وأربعين، قبل تسعة وأربعين، أي أنها قصة قديمة. كل هذا من تراث القرن التاسع عشر. لكن انظر إلى العمق، أناس قارئون، أناس فاهمون، ماذا تفعل وإلى ماذا تدعو ضدنا، ولكنهم فاهمون ما الذي... الفاهم أفضل من الذي لا يفهم، فيجب علينا أيضاً أن نفهم حتى نستطيع أن نرى ما هذه المسألة. الفكر لا بد أن يسبق النشاط. من الذي لاحظ هذه المسألة؟ رينيه جينو. أزمة العصر أن النشاط قد سبق الفكر. أسلم وسمى نفسه عبد الواحد
يحيى، وحسُن إسلامه ومات مسلماً. أسلم سنة اثنتي عشرة. مات سنة خمسين، الذي واعٍ فهم ما هي القصة. ارقص هانجر، نعم، لكي تصبح القصة ماذا؟ افعل ما تشاء. حسناً، إذاً طريقنا هو أن نفكر قبل أن ننشط، وعليه فلا نتعجل لأن العجلة [من الشيطان]. افعل ما تريد وافعل بسرعة، دعنا ننتهي. لا، فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة. نعم. ها هو النبي صلى الله عليه وسلم يقول
لأشج عبد القيس: "فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة". يبقى الطيش والعجلة لا يحبهما الله ورسوله أيضاً. مما ورد من أسئلة: جلد الذات وحساب النفس يصل في بعض الأحيان إلى ما يشبه الوسواس، والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا في القرآن: "قل أعوذ برب الناس ملك". الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس
في صدور الناس من الجنة والناس سواء كان الذي يوسوس من الجن أو سواء كان الذي يوسوس من الناس، فأمرنا بالاستعاذة برب العالمين من الوسواس، فيأتي شخص ويصل إلى الوسواس يعني وأنت تفكر، فكر بهدوء، فكر ببساطة، فكر بتجاوز، لا تقف. عند كل كلمة وكل حركة وسكنة وتسرح معها حتى تصل إلى الوسواس، ليس هذا المقصود من الفكر. إذا كان جلد الذات
وعدم الثقة بالنفس وعدم احترام النفس والتعمق والوقوف عند الذنوب، فكل هذه الأشياء بخلاف طريق الله. لا طريق الله. يا عائشة، إذا لقيت ليلة القدر فقولي: "اللهم إنك عفو تحب". العفو فاعفُ عنه إذا طلب العفو. العفو ما معناه؟ عفا الشيء أي تركته كما هو أو أزلته كله، ولذلك
يقول لك أعفوا اللحى يعني اتركوها ليس لكم شأن بها. عفا الآثار يعني لا يوجد أي شيء موجود. فعفا من الأضداد، كلمة واحدة لها معنيان متضادان. فعفا معناها لا تترك شيئاً. وهذا هو المقصود من طلب العفو من رب العالمين؛ ألا يترك لي ذنباً. الصفحة بيضاء، أو عفا بمعنى ترك ولم يمس. فيكون هنا العفو الذي نطلبه هو أن يزيل الله كل الذنوب حتى لا يبقى ذنب، كما نسأله في المرض شفاءً لا يغادر
سقماً، أي يعفو عن كل الآثام وكل الأسقام. ويبقى الإنسان نظيفاً من الذنوب، نظيفاً من الأسقام الظاهرة والباطنة، شفاء لا يغادر. وهذا هو العفو، إذاً يجب عليك ألا تتمادى في الوقوف عند الذنب وبحثه. لقد قلنا إذا ما أصاب الإنسان ذنباً فإنه يجب عليه أن يقلع عن الذنب وأن يستغفر على ذلك الذنب وأن يندم على ما فعل، وإذا
كان الذنب متعلقاً بحقوق الناس فيرد الحق لأصحابه، ثم بعد ذلك تمام التوبة نسيان الذنب. هكذا إذن، أندم في البداية لأن الندم يساعدني على الإقلاع عن الذنب، ثم نسيان الذنب من فضل الله سبحانه وتعالى وثقة في أن الله قد غفر لنا، ولذلك. في حديث أورده ابن حجر في عموم المغفرة للحجاج أن من حج البيت ثم اعتقد أن عليه ذنباً فقد كفر، يعني ينبغي عليك بعد الحج، وطبعاً الحج يشمل
العمرة، أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن الله قد غفر لك تصديقاً بموعود الله. ستأتي وتقول: لكن ربما لم يغفر لي، فاحذر. بأن ذلك من كفران النعمة، هو ليس سيكفر بمعنى أنه سيخرج عن الملة، إنما قد كفر بمعنى كفر نعمة الله عليه. ربنا يعطيك فرصة ويقول لك: "أنا غفرت لك خلاص، أكمل". إنك أنت ذهبت هناك في البيت الحرام وهكذا وفعلت ما يلزم، فتقول: "الحمد لله قابلنا البشرى"، لا أن تقول فقط: "ربما". لكن ربما نكون قد دخلنا فيما يشبه قلة الأدب مع الله، نعوذ بالله من قلة الأدب والحياء مع الله. إذا
كان في البداية ندم يحفزني للإقلاع وترك المعصية، وفي النهاية نسيان الذنب كأن لم يحدث. "هل فعلت شيئاً؟ لم أفعل. أنت لم تفعل، لست متذكراً". أتتغابى؟ يعني... أأتغابى على الله؟ حسناً. ماذا أفعل؟ طبعاً لست متذكراً. أنا لا أقلق. أي ذنب ارتكبت؟ صفحة بيضاء والحمد لله. لا يوجد أفضل من ذلك، فهذا يعطيك ثقة في نفسك. دع عنك جلد الذات واجعل ثقتك بنفسك هي الأساس. يقول الإمام الزهراوي في كتابه في الطب أن كثيراً من
رواد التكايا - وهي أماكن للعبادة والخلوة - وكذا مصاب. السوداوي يعني تجد الشخص من هؤلاء قادماً ليدخل الطريقة ولكن ليس لفهم القضية، لأن الطريقة فيها تخلية من القبيح وتحلية بالصحيح، لأن الطريقة فيها قلوب ضارعة وترقٍ في السعي لمقصود الكل وهو الله، لأن الطريقة عبادة وطاعة، بل هو دخل الطريقة هرباً من الاكتئاب الذي أصابه، وكيف يُعالج هذا الاكتئاب؟ فقال عنه السوداوي الزهراوي سُمِّي الاكتئاب السوداوي، فقال إن كثيراً من رواد التكايا
مصاب بالسوداوي، يبقى جاء ليس عبادة وطاعة وفهماً وسعياً، لا، بل جاء هرباً من المرض الذي هو فيه. هذا يجب أن يُعالَج عند الطبيب، هو داخل يظن أن الطريق سيعالجه، وأنه بلمسة سحرية سيقرأ أذكاراً فيذوب ما عنده. من سوداوي، هذا الكلام لا يرضي الله ولا يرضي عنه ولا يرضي رسول الله. لا، بل أنت يجب أن تتعالج لأنك تحتاج إلى معونة طبية. لكن الترقي مع الله شأن آخر، والعبادة تشعرك بالسعادة وتشعرك بالراحة وبالأمن،
وليست هي من أجل أن تكون بديلاً عن الطب. الطب له أساليبه وأدويته والطريق. لها أذكارها وأحوالها. نكتفي اليوم بهذا القدر على أمل أن نلتقي مرة أخرى في الأسبوع القادم إن شاء الله. فاللهم يا ربنا اغفر لنا ذنوبنا ويسِّر لنا أمورنا وغَيبَنا وأجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة. نوِّر قلوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ورُدَّ غائبنا يا رب العالمين. اللهم اهدنا في من. هديت وعافنا في من عافيت وتولنا في من توليت. أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا
وحزننا ونور أبصارنا وصدورنا، واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة، واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب. عقاب ولا عتاب اللهم كن لنا ولا تكن علينا فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا فنحن في حاجة إلى رحمتك وعفوك وهدايتك ولست في حاجة إلى مؤاخذتنا فاعف عنا بعفوك وارض عنا برضاك ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنة الخلد يا أرحم الراحمين