الديمومة | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجال الصحيحين مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا. الشهر الكريم، رسول
الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن العمل ينبغي أن يكون دائماً متصلاً يومياً لا ننفك عنه، وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تصفه بأن عمله كان ديماً أي دائماً، وكان يقول: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"، وهذا أمر ينبغي علينا أن نفقهه وأن علينا أن ندرك أن العمل الدائم هو العمل الأحب إلى الله، وأن العمل الدائم هو العمل الذي يؤثر في الإنسان ويؤتي
ثماره ويؤتي فائدته. ولذلك ترى أن الذي يصلي ويقطع الصلاة لا يتمتع بأثر الصلاة. إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. الذي يصلي للصلاة ونأمره بأن يداوم على الصلاة حتى يرى أثرها على نفسه وأنها لابد وأن تمنعه من الخطأ ومن الخطيئة. الصلاة لابد فيها من الخشوع، فإذا أديتها من غير خشوع وكلما دخلت في الصلاة أتتك مشاغل الدنيا كلها وتراكمت عندك، وهذا من
فعل الشيطان، هذا خطأ ويجب عليك أن تخشع في صلاتك حتى تتمتع بفوائد الصلاة. يجب عليك أن تصفي صيامك من السباب والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور، وتصفيه من كل ما يؤدي إلى الفاحشة في اللسان أو في العين أو في السلوك. تجعل صيامك صافياً لله فتجد له أثراً طيباً في نفسك. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمنا أن الخير والمعروف واجب يومي على المسلم، عن أبي موسى رضي
الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل مسلم صدقة". المسلم منه القادر وغير القادر، منه الغني وغير الغني، أبداً الكل عليه صدقة، حتى الفقير، حتى الفقير عليه صدقة. إذا توقفنا عند هذا الحد. يشق هذا على الناس لأن كثيراً جداً من الناس أصلاً ليس معه ما يتصدق به. قال: أرأيت إن لم يجد يا رسول الله؟ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ذلك لا بد أنه يقول من أجل توسيع المفاهيم كما سنرى سوياً في حلقة قادمة إن شاء الله. أن
رسول الله جاء ووسّع المفاهيم. الصدقة أول ما تُذكَر، يفهم الناس أنها أموال تُعطى للمسكين. قال: "يعمل بيديه"، فالإنسان عندما يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. إذاً الإنسان مأمور بتنمية قدراته حتى يصل إلى هذه الصدقة المعتادة، يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق. قال: "أرأيت إن لم يستطع؟" ما معه الصنارة التي يستطيع أن يذهب فيصيد بها السمكة، أول شيء أنه ينبغي عليه
أن يأخذ الصنارة ويذهب ليحاول يعمل وينتج ويصبح شخصاً منتجاً في المجتمع. مفهوم التنمية البشرية، إذا لم يستطع، يده مقطوعة، لا يقدر، عاجز، كبير في السن، غير متدرب، أخرق، يعني ما فيه صُنع. أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يعين ذا الحاجة والملهوف، يساعد في حاجة". يعني يريد أن يتحرك، وكان الحراك هو أصل الحياة، ولذلك لا بد أن تفهم أن هذا الحراك وإعانة المحتاج فيها صدقة. قال: "أرأيت إن لم يستطع؟" قال:
"يأمر بالمعروف أو الخير"، دائماً يعلم الناس الخير هكذا، الطيبة. قال... أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة. هذا توسيع للمفاهيم الآن. أنت الآن ستتصدق، فإن لم يكن معك مال، فاعمل حتى تتصدق، فإن اليد العليا خير من اليد السفلى. وإن لم تستطع أن تعمل، فعليك أن تعين وأن تساعد من تستطيع، فإنها لك صدقة. وإذا لم تستطع، عن المنكر وكن داعية للخير، فإذا لم تكن كذلك فأمسك شرك عن الناس، فأنت لا تفعل شيئاً، فأمسك شرك عن الناس، فإذا أمسكت شرك عن الناس فهي لك صدقة. رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل سلامة. من الناس عليه صدقة، والصدقة هي للعظام والمفاصل، والإنسان فيه ثلاثمائة وستون مفصلاً، فنحن نحتاج أن نُخرِج ثلاثمائة وستين صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس. حسناً، من أين أحصل على ثلاثمائة وستين شيئاً أتصدق بها حتى أُخرِج صدقة عن كل عظمة؟ وهذه الثلاثمائة والستون ليست مرة في... هذه الحياة، كل يوم تشرق
فيه الشمس، قال إن تصلح بين اثنين صدقة. مفهوم الصدقة واسع: تصلح بين اثنين صدقة، وتساعد الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة. يعني في الزمن الماضي عندما كان أحدهم يملك معطفاً ويريد أن يحمله على رأسه، فأنت بمساعدتك له أنت ستخلع المعطف هكذا وتضعه على كتف الرجل أو على رأسه، وهذا يعتبر صدقة. طبعاً هذه الصور ليست مقصودة في ذاتها، بل معناها أي نوع من أنواع المساعدة. وأنت واقف في البنك وشخص يقول لك: "لو سمحت، قلم"، فأخرجت
قلماً من جيبك وأعطيته الطالب، هذه صدقة. أنت تتصدق على من؟ هذا رجل غني وسيسحب شيكاً الآن، نعم، لكنها صدقة. صنع المعروف هذا فيه معونة وفيها صدقة. قال: "تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته صدقة، أو ترفع له متاعه عليها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة". الكلمة الحسنة هكذا يعني، حتى لا تتكلم كلاماً سيئاً يؤذي الناس، بل تكلم كلاماً حسناً. أي هذه صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، كل خطوة. يعني لو كان بينك وبين المسجد مائة خطوة، فهذه بمائة صدقة، وأنت راجع مائة أخرى، فتصبح مائتي صدقة.
وفي خمس صلوات تصبح ألف صدقة. فستكون أنت في النهاية الرابح، لأن كل شيء انوِ فيه الخير. الله، فستتسع مفاهيمه وتزيل الأذى عن الطريق صدقةً. انظر إلى هذا الجزء: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن طريق الناس". إماطة الأذى هذه فعل إيجابي. إذا وجدت قشرة موزة ملقاة فتزيلها حتى لا يُصاب أحد بأذى منها. حسناً، إماطة الأذى هذه من قبيل لو أنك امتنعت عن إلقاء القاذورات في الشارع. من الذي رمى قشرة الموزة هذه؟ إنه شخص ارتكب معصية، فأنت عندما ترميها
هكذا ارتكبت معصية. كف الشر يا أخي. أحدهم يقول لي: "أنا ليس عندي شر" وهو يأكل الموزة من السيارة ويرمي القشر، وعندما يرميها يقول: "أنا..." ليس لدي شر، أنا لا أفعل شراً. لا، أنت هكذا فعلت شراً. ما فعلته أفسدت به البيئة، وما فعلته عرضت فيه الناس للخطر. ما فعلته هو شر لأنه إماطة الأذى عن طريق الناس. إذاً، علينا أن نعرف أن إماطة الأذى عن طريق الناس صدقة، ولكن... في نفس الوقت عدم إلقاء الأذى هو أجود وأحسن. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.