الرفق | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صاحب المعجزة إذا وضع الحصى في يديه سبح وسمع الصحابة تسبيح الحصى في يديه حتى يوقنوا بهذه المعاني ونقلوا لنا هذا عبر الأجيال إذن فالرحمة والرفق تبدآن بالجماد والنبات فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث لهذه الأكوان رحمة وكان يقول إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة، كان صلى الله عليه وسلم يرحم الخلائق ما وجد منها وما لم يوجد، ولذلك عندما
ذهب إلى الطائف حتى يكلم ثقيفا في شأن الإسلام بعد البيعة، وكان قد لاقى من المشركين أشد يوم عليه، رفضوه ونبذوه وتكبروا عليه صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى فظهر له ملك الجبال وقال له يا محمد إن الله قد أرسلني إليك فإن أردت أن أطبق عليهم الأخشبين يعني جبل كذا وجبل كذا لفعلته قل لي فحسب أطبق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي بعث رحمة وبالرفق لا فإني أرجو أن يخرج منهم من يوحد الله وبعد يبقى إذا فرسول الله
صلى الله عليه وسلم في حكمته العالية يرى أن ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا جاءتكم الساعة يوم القيامة وقد قامت وكانت في يد أحدكم فسيلة، تعني شجرة نبتة صغيرة جذر صغير يمكن أن نضعه ليعمر الأرض وينبت فيها ولكن الساعة قادمة وأنا أرى بعيني أن الدمار قد أتى وهو قادم علي فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها أي جعل غرس الفسيلة له ثواب قد ينجيني يوم القيامة
والنبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عمن زرع زراعة فلا يأكل منها طائر أو حيوان أو إنسان إلا كتبت له بها صدقة وكأنه تصدق بهذا، في الزمن القديم كنا إذا مشينا بجانب المزروعات وطلبنا من صاحبها شيئا أطعمنا منها، في الزمن القديم كان هناك في مسجد محمد بك أبو الذهب بجانب الأزهر إذا رأينا المئذنة فوق وجدنا صوامع حبوب أربعة بجانب المئذنة كان مشايخنا يقولون إنه كان يضع في هذه الصوامع القمح لكي تأكل طيور السماء،
طيور السماء كانت تأتي وتأكل من هذا لله رب العالمين أو رحمة بالطيور أو رحمة بالحيوان أو رحمة بالنبات، ويقول دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ويقول في المقابل دخلت امرأة بغي من بني إسرائيل الجنة في كلب وجدته عطشان فسقته فأدخلها الله به الجنة بغي ولكن لما جاءت الرحمة وغلبت غلب الله سبحانه وتعالى الحسنة على السيئة وسلط الحسنات على السيئات فأذهبتها إن الحسنات يذهبن السيئات وليست السيئات هي التي تذهب الحسنات هذا الرفق أجدر بالمسلمين أن يفعلوه فليفعلوا
الرفق بالحيوان والرفق بالإنسان والرفق بالنبات والرفق بالجماد ولذلك لما جاءت قضية كرامة الإنسان وحقوق الإنسان والإنسان يعيش كإنسان وافق المسلمون على كل المبادئ التي تحمي للإنسان حريته وتحمي للإنسان ماله وتحمي الإنسان عرضه وتحمي الإنسان نفسه وحياته وتحمي الإنسان رفاهيته في هذه الحياة الدنيا فإن هذا هو أصل دين الإسلام أنه جاء من أجل ذلك الإنسان الذي كرمه الله الذي قال فيه وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون هذا الإنسان المكلف الذي حمل الأمانة وقام بها إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين
أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا الإنسان يجب عليه أن يخرج من الظلم والجهل بامتثال التكليف، وليعلم أن امتثاله للتكليف هو له تشريف، وأن تشريفه بالإنسانية هو أيضا وجه آخر من وجوه التكليف. النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، وكان إذا دخل إليها أو خرج منها لا يدفع الباب دفعا، سيدنا رسول الله قال إن هذا الباب يسبح ولذلك ينبغي أن
يعامل برفق. إذا كان هذا الرفق والرحمة شيئا موجودا في الداخل، فإذا وجدنا الطبيب لا يعامل المريض على أنه إنسان، وإذا وجدنا المعلم لا يعامل تلاميذه على أنهم بشر، وإذا جاره على أنه إنسان، وإذا وجدنا الزوج لا يعامل زوجته على أنها إنسان، وإذا وجدنا المرأة لا تعامل زوجها على أنه إنسان، وإذا وجدنا الأب يتعامل مع أبنائه وكأنه قد امتلكهم من بقية تركة أبيه، وإذا وجدنا الأبناء يعاملون الآباء وكأنهم قد امتلكوهم وامتلكوا مستقبلهم ويريدون أن يتسلطوا على ثروتهم في حياتهم وأن يمنعوهم من التصرف في حياتهم إذا وجدنا هذه الأمور فهي عكس الرفق وعكس الرحمة
وعكس ما ربانا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد مرارا وتكرارا ثلاث مرات كلامه حتى يفهمه الناس مرة بعد مرة كان رسول إن الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر أصحابه أيضا بالهدوء وبأن يدعوا للناس الدعوة الصحيحة، فكان الطفيل بن عمرو الدوسي قد أتاه وقال: يا رسول الله، إن دوسا قد عصت وأبت، فادع الله عليهم، فاستقبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه، والناس يقولون: هلكت دوس، فقال عليهم فقال اللهم اهد دوسا وائت بهم جميعا فأسلم الدوس إلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته