السعادة والمرح | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

السعادة والمرح | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة - مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في حلقة من حلقات مجالس الطيبين في شهر رمضان المعظم الكريم كل عام وأنتم بخير ورسولنا الكريم علمنا كيف نسعد وكيف نمرح، علمنا هذا في إطار من الالتزام والمسؤولية وفي إطار من التواضع والمحبة والمودة وفي إطار من الشريعة والعقيدة، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يكون
أحدنا مضطربا ولذلك نهانا عن الغضب وعن الغيظ وعن أن نفعل أفعالا غير محسوبة، قال لا تغضب ولك الجنة السعادة والمرح قيمة في ذاتها عن أنس رضي الله تعالى عنه فيما أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأدب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ أنس كان له أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه فطيما يعني ولد صغير لا يزال مفطوما إذا جاء قال يا أبا عمير ما فعل النغير، نغر
كان يلعب به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح يعني بالماء ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا صلى الله عليه وسلم "يا أبا عمير ما فعل النغير" يعني كأنه يدخل السعادة على الطفل الذي يلعب بالنغر وهذا النغر نوع من أنواع الطيور الصغيرة كالعصفور الصغير ويدخل السعادة عليهم، لم يكن كئيبا ولم يكن متشددا ولم يكن له مشرب الاعتزال، لكنه صلى الله عليه وسلم كان لطيفا حلوا جميلا، وكان صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نمرح وكيف
نسعد، فعن أم خالد بنت خالد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال من ترون أن نكسو هذه الخميصة أي ثوب نوع من أنواع الملابس فقال ما رأيكم أن نعطيها لمن من الذي تنفعه هذه فسكت القوم قال ائتوني بأم خالد التي هي راوية الحديث فأتي بها تحمل فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال: "ابلي واخلقي". أم خالد كانت صغيرة وأتى أحد يحملها لأنها
طفلة صغيرة، فأحضر هذا القميص الذي هو الفستان وألبسه لها بيديه وقال: "ابلي واخلقي"، يعني أطال الله عمرك وأدامك في عافية. "ابلي واخلقي" معناها أدامك الله في عافية، وكان فيه علم أخضر أو أصفر فقال يا أم خالد هذا سناه وحسن بالحبشية حسن فهذا يرد على لسان رسول الله ليعلمنا نحن هذه البساطة وهذه السعادة وكيفية المرح وأننا نداعب الأطفال ونخصهم بالملابس الجديدة التي تدخل الفرح على قلوبهم إلى آخره وعن أنس بن مالك أن رجلا استحمل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني حاملك على ولد الناقة، رجل جاء وقال يا رسول الله إنني أريد أن أصل إلى بلدي أو كذا إلى آخره، فانظر لي مركبا أركبه، فقال له حسنا سأجعلك تركب ابن الناقة. كلمة ابن الناقة بداهة هكذا معناها الجمل الصغير الذي لا يتحمل الركوب، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقصد أن كل جمل هو ابن ناقة، ما هو صحيح أنه جاء من ناقة، كل الجمال جاءت من ناقة، ولد الناقة لا يبقى بالضرورة صغيرا لأن كل الجمال هي أولاد الناقة، يمزح مع الرجل ويداعبه ويمرح معه، فقال: يا رسول الله ماذا أصنع؟
بولد الناقة أنا أريدك أن تعطيني شيئا جيدا فقال رسول الله وهل تلد الإبل إلا النوق يعني هي الإبل آتية إلا من النوق فبعض الناس لا يمزحون لا يعرفون المزاح لا يمزحون أبدا ولكن رسول الله يعلمنا السعادة ويعلمنا المرح والعيد قادم علينا وفي العيد كان يعلمهم المرح ويعلمهم ويتركهم في الغناء ولذلك دخل مرة أبو بكر فوجد جاريتين تغنيان بغناء بعاث يوم نصر الله فيه الأنصار في الجاهلية أيام الجاهلية ورسول الله صلى الله عليه وسلم مغطى وجهه وظن أبو بكر أن سيدنا رسول الله نائم وأنهما يسببان إزعاجا فنهاهما قائلا اسكتا يا فتاتان لا تقلقوا رسول الله فكشف عن وجهه وقال دعهما
يا أبا بكر إنهما في يوم عيد وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها فيما أخرجه البخاري في كتاب العيدين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد كان سيدنا رسول الله يأتي في المسجد يجعل الأحباش يلعب بعضهم مع بعض كأنهم يمارسون لعبة التحطيب التي لدينا في الصعيد كأنها المبارزة بالسيف ولكن تكون بالعصي أو بشيء من هذا القبيل كأنها لعبة المبارزة هكذا كان يقوم بها الأحباش فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوهم يا بني أرفدة أي اتركوهم يطمئنوا لا
تخافوا من عمر ومن زجرهم، أنتم تلعبون أمام رسول الله، يعني هذا السؤال الخاص بسيدنا عمر، فقال لهم لا العبوا لا يهمكم وأنتم في أمان ولا يهمكم كلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، كل ذلك كانوا يفعلونه حبا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل على راحتهم، ولكنه كان يعلمهم الصواب ويعلمهم الصحيح. وعن عائشة أيضا قالت كما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه قالت: والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى
أكون أنا التي انصرف فصبر هكذا وتركها تنظر من وراء كتفه إليهم حتى أخذت إرادتها في النظر إلى هذا اللعب وبعد ذلك دخلت إلى داخل البيت فاعتبروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب صلاة العيدين رضي الله تعالى عن الصديقة العظمى الصديقة الكبيرة عائشة رضي الله تعالى عنها بنت الصديق وعنها أيضا قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي. كانت البنات لما تدخل على السيدة عائشة، كان القوم يتركونها تلعب مع صويحباتها بالبنات. هذا يعني العرائس التي مصنوعة من القطن وما إلى ذلك فكان يسمح لها بأن تلعب مع أقرانها وعن عائشة رضي الله عنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ‌ ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن دمى لعائشة لعب أي الدمى
هذه عبارة عن ألعاب أي دمية أو عروسة أو ما شابه ذلك من القطن تسمى البنات لأنها كانت تصنع لذلك فهي مخبأة خلفها في كوة، أي فتحة أو شيء كهذا مثل ما عندنا في الريف التي كانت توضع فيها المصباح أو غير ذلك إلى آخره، شيء يشبه النافذة لكنها فجأة هبت الريح ورفعت هذه الستارة فظهر من ورائها لعب السيدة عائشة فقال ما هذا يا عائشة يداعبها قالت بناتي ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع فقال
ما هذا الذي أرى وسطهن ما هذا الفرس قالت فرس قال وما هذا الذي عليه قالت جناحان قال فرس له جناحان قالت أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة فقالت فضحك حتى رأيت نواجذه صلى الله عليه وسلم والنواجذ هي أضراس العقل وبعد ذلك وهي تكلمه وتكلمه بهذا كأنها رفعت التكليف بينها وبين سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهو يقبل هذا ويقبله منها والله ألست تعرف أن سليمان له هذه الأجنحة كان عنده خيل لها أجنحة تطير هكذا في الأساطير ولكنه يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبل ذلك منها حدثنا
سلمة فيما أخرجه البخاري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم قبيلة اسمها أسلم وهم يتناضلون بالسوق يضربون يتمرنون على السيف يتناضلون يعني يعملون لعبة السيوف هذه فقال ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ويتناضلون أيضا معناها أنهم يأتون بالسهم ويصوبون على هدف ويشكلون فريقين يلعبان مع بعضهما البعض وأنا مع بني فلان لأحد الفريقين فأمسكوا أيديهم قالوا اللهم طيب أنت مع بني فلان إذن نحن سنخسر فقال ما لهم قالوا وكيف مع بني فلان قال ارموا وأنا معكم جميعا فهو يشجع الفريقين معا حتى لا يتوقفوا،
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي في سفر قالت فسابقته جريا معا وبعد ذلك هي سبقت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حملت اللحم كبرت قليلا في السن سابقته فسبقني فقال هذه تلك السابقة يا عائشة، كل عام وأنتم بخير، افرحوا واسعدوا فإن السعادة والفرح من أخلاق الإسلام، وإلى أن نلتقي على خير، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.