السيرة النبوية - أنوار النبي بتاريخ 02/08/2013

السيرة النبوية - أنوار النبي بتاريخ 02/08/2013 - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات في هديه الشريف الكريم المنيف، عسى أن يبعثنا الله تحت لوائه يوم القيامة وأن ينفعنا به في الدنيا والآخرة، فاللهم. صلِّ وسلم عليه في الأولين والآخرين والعالمين وفي كل وقت
وحين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه بإحسان يا أرحم الراحمين. دخلنا في السنة الثالثة ورأينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما زال يبني الإنسان، يبني الإنسان في دائرة المسلمين ويبني الإنسان في داخلها أيضاً في دوائر متداخلة هكذا. أما داخل المسجد فقد بنى علاقتنا مع المسجد على الصلاة وهي صلة بين العبد وربه، فأمر بالجماعة واستمر في الجمعة، وأول من جمع في المدينة كما ذكرنا مصعب بن عمير عندما أرسله مع النقباء،
فأقام في أربعين رجلاً، ولذلك الجمعة، ولذلك نرى الشافعية يرون أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين. منهم الإمام وذلك أنهم رأوا خلافًا لمذاهب أخرى أن الأربعين التي أقام بها مصعب شرطًا هي - رأوا أنها شرط في الجمعة - غيرهم قالوا لا، الجمعة مشتقة من الجماعة، والجماعة يكفي فيها اثنا عشر، يكفي اثنان، وهكذا. ولكن الفكر الذي جاء للفقيه الشافعي جاءه من مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه. عنه ورضي الله عنه لأنه جمع في المدينة أول ما جمع في أربعين رجلاً ولا بد أن
يكونوا من أهل الجمعة، فقد خفَّف النبي صلى الله عليه وسلم على النساء لأنها قد تكون مشغولة بشأن بيتها وأولادها، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، وخفَّف على العبيد فإنهم قد يكونون يعملون بأوامر أسيادهم في تسيير الأعمال، وخفف عن الصبيان، وخفف عن أصحاب الأعذار كالضرير الذي لا يجد قائداً يقوده، أو كمن لا يسمع، أو كالمريض، أو السمين الذي يصعب أن ينتقل من مكانه إلى الجمعة. هذا سِمَن مفرط، ثلاثمائة وأربعمائة كيلو، أي شيء
هذا، يعني يُعَدُّ مرضاً حتى. أيضاً هذه السمنة الشديدة، فإذا خفف رسول الله عن هذه الحالة وغير ذلك من الأعذار، كل ذلك يربط المسلم بالمسجد. وفرض عليه وجوباً واضحاً شديداً صلاة الجمعة، فإذا تخلف بلا عذر، فإنه لو تخلف ثلاث جمع متتالية كان ذلك من علامات النفاق، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد. في مسلمٍ قال: "وددتُ لو أنني أقمتُ الصلاة ثم ذهبتُ لهذه البيوت التي فيها رجالٌ لم يذهبوا بعد إلى صلاة الجمعة، فأحرقتُها عليهم". حتى أن بعضهم فهم
الحديث على أنه يخص صلاة الجماعات وليس صلاة الجمعة، وبعض العلماء يقول: "لا، إنه يخص صلاة الجمعة وليس صلاة الجماعات". بناء الإنسان جُعِلَ له مركزاً، وزاول النبي. صلى الله عليه وسلم، العلم علَّم الناس العلم. الوارد عن سيدنا صلى الله عليه وسلم نحو ستين ألف حديث. هذه الأحاديث منها ألفا حديث في كل الفقه من أوله إلى آخره: عبادات ومعاملات وقضاء وشهادات، ألفا حديث. والثمانية والخمسون ألفاً في الأخلاق المرتبطة بالعقيدة. والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. والله
لا يؤمن، ما هذا؟ هذه مسألة عقيدة. من بات شبعاناً وجاره جائع، ما هذا؟ هكذا أخلاق مرتبطة بعقيدة. "من غشنا فليس منا". إلى آخر ما تجلس وتنظر إلى الأخلاق، ستجدها كلها مرتبطة بكونك عبداً لله. الأخلاق المرتبطة بالعقيدة أننا نمارس هذه الأخلاق من أجل حُسن السمعة أم لأنها تعمر البلاد؟ والعباد لا نفعل هذه الأخلاق إلا لأن الله يرضى بها عنا، فهذه نقطة مهمة وهي ربط الأخلاق بالعقيدة. ولذلك إذا سأل سائل يقول: عندكم محور
تُبنى عليه الأخلاق؟ قام العلماء بالبحث عن محور تُبنى عليه الأخلاق الإسلامية، فوجدوا شيئاً غريباً جداً، وهو أسماء الله الحسنى، فهي العمود الذي تُبنى عليه. الأخلاق هي أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والواردة في السنة. إذاً خمسة وتسعون في المائة من تعليم سيدنا الرسول كان في الأخلاق المرتبطة بالعقيدة. عمود الأخلاق هو العقيدة، هو أسماء الله الحسنى التي هي كلمة أسماء الله الحسنى. فإذاً سنذهب إلى أين مباشرة؟ نذهب إلى العقيدة. جلس النبي. صلى الله عليه وسلم طوال السنة الثالثة وهو يعلم الناس في هذه الدوائر الثلاث ويربي
فيهم حب السلام وحب المعرفة وحب العمارة، ويربي فيهم أن يعيشوا سوياً مع من حولهم من أهل المدينة. مرة يأتي رجل يفعل الذنوب، فيقول: "اتركني يا رسول الله أقتل هذا المنافق"، فيقول: "لا، إنه يحب". الله ورسوله يغيّران المقاييس، فالمقاييس ليست أنه أذنب أو أخطأ أو ما شابه ذلك، بل يغير المعايير، ومن هذا الكثير. يأتي رجل فيمسك بخناق النبي هكذا، أي يخنقه صلى الله عليه وسلم، فالنبي عليه
الصلاة والسلام يقول له: "سيخرج من ضئضئ هذا أقوام يحسنون القيل ويسيئون الفعل، طوبى لمن". قتلهم وقتلوه، حسناً، فلتقتلوا! قال: لا، ليست القضية أنهم هم الذين سيقتلون، بل هم الذين سيُقتَلون. هم الذين سيُقتَلون، فندافع عن أنفسنا فقتلناهم. فيقول: لا تحزن عليهم، وإلا لكان قتله. فقالوا: هل نحمل لك رأسه يا رسول الله؟ قال: لا، لا تحملوه، لئلا يُقال إن محمداً يقتل أصحابه. الله. هذا يراعي أيضاً الدعاية والنظرة الدولية حتى لا يُقال إن محمداً يقتل أصحابه. وهذا الكلام يعني أنه كان خائفاً من العالم؟ لا، إنه يعلّمنا
نحن ماذا؟ هذه تُسمى الآن في الدعاية صناعة الصورة. أحياناً أنت تصنع صورة سيئة لك. فصناعة الصورة هذه يعلمنا كيف نصنع الصورة، لكن صورة [صحيحة]. حسنة صورة جعلت علقمة يمدحه لدى كسرى عندما يُذكر عنده أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا في الوقت الذي كانت قريش تدبر
في مكة للأمر وبعد الفاصل نواصل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الثالثة للهجرة في المدينة وهو يبني الإنسان، والمشركون بعد هزيمتهم النكراء في بدر يرتبون لتدمير هذا الإنسان ومن معه. لما رجعوا، رجعوا بعير كثيرة، وهذه العير - العير تعني الجمل - فيها بضاعة كان أبو سفيان قد استطاع أن ينجيها من المسلمين ورجع
بها إلى مكة. هذه البضاعة عبارة عن عبارة عن أن كل شخص في مكة يريد أن يتاجر لكي يكسب لكي يأكل، فيدفع للقافلة ليذهبوا ويتاجروا بها، فيجلبون بضاعة من الشام، ويأخذ المكي منها بعضًا، والباقي يذهب إلى اليمن ليعيدوا تصديره إلى اليمن، ويجلبون بضاعة من اليمن، ويأخذ المكي منها بعضًا، والباقي يرسلونه إلى الشام، فيكونون هم الصلة بين. الشام واليمن، القافلة تحتاج أموالاً كثيرة، هذه الأموال الكثيرة خمسون ألف دينار. الدينار أربعة جرام وربع، والدينار عندما تزنه موجود حتى الآن في
المتاحف العالمية، الدينار الذي كان يتعامل به سيدنا النبي. فقال أبو سفيان لهم: "يا جماعة، لقد تعرضنا لضربة قاسية جداً في بدر وهُزِمنا وتشتتنا، فأنا من" رأيي والرأي لكم أن تتبرعوا برأس مالكم الذي كان في القافلة التي وجهها الله لنا. قالوا له: حسناً، إذن سنأخذ منها ما كنا نسميه المجهود الحربي. كان لدينا هنا ضريبة اسمها المجهود الحربي. المجهود الحربي هذا عبارة عن أن يقدم كل شخص شيئاً من أجل... فليذهب الجيش لينتقم لنا من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليعوضنا عما حدث في بدر عندما كان
أبو سفيان يبيع في تلك القافلة. حقاً، ما هذه العاطفة! يأتي ليبيع لك شيئاً بدينار ثم يقول لك: "لكن هذا للمجهود الحربي"، فتدفع ديناراً ونصف أو دينارين، لماذا؟ إنها مثل المزادات. الذي يفعلونه في هذه الأيام أو الحفلات أو لعب الكرة، يلعبون كرة ثم يجعلون الجائزة لكذا جمع خمسين ألف دينار. قلنا كم الدينار؟ أربعة جرامات. اضرب خمسين في أربعة تصبح مائتين. اضرب المائتين في ثلاثمائة وخمسين جنيهاً الآن، تصبح خمسة وسبعين مليوناً، فتكون القافلة. التي تُدعى نجد، باعها
أبو سفيان بخمسة وسبعين مليوناً. خمسة وسبعين مليوناً يُجهَّز بها خمسة وسبعين مليوناً بسعر اليوم، أي بسعر الذهب الذي نتعامل به الآن في سنة ألفين وثلاثة عشر. فبخمسة وسبعين مليوناً نجهز ونشتري سلاحاً تماماً، ونشتري عيراً وغير ذلك إلى آخره، فذهب وأحضر ثلاثاً. أما بخصوص الأمور اللوجستية - اللوجستية تعني النقل - كيفية نقل هذا الجيش من مكة إلى المدينة، فقد تطلبت هذه الأمور اللوجستية ثلاثة آلاف ناقة. ما هذا؟ ثلاثة آلاف ناقة! يعني كل ناقة معها شخص واحد، وهذا يعني أنهم ثلاثة آلاف شخص قادمين، ومعهم سبع مئة فارس بخيولهم،
ومعهم أيضاً... أعلم وهكذا كان القائد العام لهذه القصة هو أبو سفيان نفسه. أبو سفيان هو القائد العام لأنه طبعاً أصبح بعد وفاة أبي جهل وأمية ووفاة صناديد قريش الذين قُتلوا في بدر. سبعون رجلاً من الكبار قُتلوا في بدر، فتولى أبو سفيان منصب القائد العام للقوات المسلحة لجيوش المشركين، القائد الأعلى والفرسان هؤلاء. من فارس الفرسان خالد بن الوليد الذي أسلم بعد ذلك، إنما كان قائد الفرسان، وهؤلاء الفرسان عليهم معول كبير، بل وسيكونون السبب في الهزيمة
الثانية للمسلمين، لأن المسلمين انتصروا أولاً في أُحُد ثم انهزموا، وهذه الهزيمة كان سببها سيدنا خالد، الذي أصبح بعد ذلك سيدنا وأصبح سيف الله المسلول. وربنا سبحانه وتعالى منّ عليه بالإسلام، خالد معه ماذا إذاً؟ معه السبعمائة نفر الذين هم الفرسان، قائد الفرسان، قائد سلاح الفرسان. ساروا في الطريق الغربي، وهذا الطريق الغربي طريق ممهد، والمدينة مما يمر عليها في تجارة الشام، يعني ليست بعيدة هنا ولا هنا، لا. وبعد ذلك قالوا: يا جماعة. العربي يحب حماية نسائه، ولذلك نُخرج أيضاً
العنصر النسائي معنا حتى يكون ذلك حافزاً للجيش كي يقاتل بشكل صحيح ويقاتل بقوة ويقاتل باستماتة، يعني إما أن ينتصر أو يموت ولا مفر من ذلك. وهذا بالطبع يولّد أموراً في الجسم والنفس وحتى إفرازات تساعد على الصبر على الألم والشدة وما إلى ذلك. لا مانع، خذوا خمسة عشر امرأة معهم. انتبه، خمسة عشر فقط. كانت امرأة واحدة تكفي، لأن العرب هكذا؛ سيقاتل الجيش كله حتى الموت لحماية هذه المرأة، لأن قضية العِرض هذه يتعامل معها العربي بحساسية شديدة جداً.
مَن التي صممت على الخروج معهم؟ إنها هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان. خرجتُ وكان معنا آنذاك شخصٌ اسمه وحشي، عبدٌ قويٌ جداً، وهو في الوقت نفسه من الحبشة، وكان أيضاً رقيقاً عند ربما صفوان بن أمية أو شخص آخر. وقالت له: "انتبه جيداً، إذا قتلتَ لي حمزة فأنا لا شأن لي بكل هذه المعركة، سواء انهزمنا أم انتصرنا، فأنا لا يهمني". دعوة؟ أنا أريدك أن تقتل حمزة. قال له: حسناً، أنت حر. كان ذلك الرجل ما ميزته؟ كانت ميزته أنه متدرب على الحرب بشكل جيد جداً،
ولا يخطئ أبداً. يضرب الحربة في المكان المحدد مئة في المئة، مئة ضربة تصيب مئة. هؤلاء نسميهم ماذا؟ هؤلاء عندنا اليوم في... أيضاً بلغة العصر، لكي تتصوروا، نحن نسمي القناصة "القناصة". يقول لك: "ما الذي جعلك تعرف أن هؤلاء الناس قناصة؟ ربما يكونون أناساً عاديين هكذا". فيرد عليه: "لا يا حبيبي، هؤلاء لا يخطئون، لا لا يخطئون. ضربة... نعم، إذاً هؤلاء قناصة، هؤلاء متدربون. ضربة بواحد، ضربة بواحد، ضربة بواحد. نعم، ليست محض صدفة". هكذا ظن أنه لا يصلح، قال ربما دعا الله أو شيء ما. لا يصلح ذلك لأنه لابد من التدريب، لابد من السبب. الذي دعا الله هذا يصيب واحداً ليس عليه شيء. ما هذا؟ يجلس يضرب يميناً
وشمالاً هكذا! هذا ليس من الدعاء، هذا من التدريب، فيكون قناصاً وحشياً. وقد أسلم بعد ذلك ومنّ الله عليه بالإسلام، ومنّ الله عليه أيضاً بعد مقتل حمزة بأمرٍ يكرمه به، وهو أنه قتل مسيلمة، وقال: "هذه بتلك، لقد عوّضت، فقد قتلت أسد الله، ولكن هذا كذاب بن كذاب". يعني: لقد أنهيت الأمر. سيدنا عمر لم يُحِبَّ هذه المقارنة وقال: "لا والله". وورد في بعض الروايات، وهناك من يضاعف هذه الروايات، أن وحشياً كان
مدمناً للخمر في آخر حياته وأنه لم يستطع أن يترك هذه المعصية، فمات وهو على تلك الحال. فقال عمر: هكذا الظن بقاتل حمزة. لكن انظر، انظر إلى عظمة الإسلام، لم يُكَفّروه ولا شيء. هذا ما حدث، يعني أمرنا إلى الله وهو الأول. عندما أسلم النبي، حدث أمر كبير جداً، وانصرف هؤلاء الناس. هذه المصيبة التي نأخذ منها أيضاً أشياء جميلة في نفس الوقت، وهي مصيبة. عندما وصلوا إلى مكان يسمى الأبواء، قامت هند وقالت لهم: "يا جماعة، لدي اقتراح". فقالوا: "ما هو اقتراحك يا هند؟" قالت: "لننبش قبر آمنة أم...".
محمد، ننبشه ونخرجها هكذا؟ هل هم عقلاء قريش؟ عقلاء من؟ عقلاء المشركين؟ عقلاء المشركين - يا جماعة المسلمين - قالوا له: لا، إنك ستفتح علينا شراً لا يُغلق إلى يوم القيامة. والله إنك ستهيج علينا العرب. والله أتنبش القبر؟ انظر إلى الاحترام! من هؤلاء؟ هؤلاء هم المشركون الجاهلون. حسناً، فما بال الذين يفعلون؟ هكذا مع أولياء الله، هؤلاء ما وضعهم عند الله؟ يعني هذه الأمور لا يسعك إلا أن تقول فيها: "حسبنا الله ونعم الوكيل". لقد رفضوا أن ينبشوا قبر آمنة وقالوا إنه شر
مستطير. المشركون يا جماعة، هؤلاء ليسوا مسلمين، هؤلاء مشركون، قالوا إنه شر مستطير. أتعلم ماذا ستقول النابتة عندما تسمعني الآن؟ نعم، ما... أهؤلاء هم المشركون؟! المشرك يكون أفضل من المسلم؟! لا إله إلا الله! أيقولون هكذا؟ نعم، هم هؤلاء المشركون هم الذين قالوا، كما أنت تقول الآن. حسبنا الله ونعم الوكيل. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.