السيرة النبوية - أنوار النبي بتاريخ 05/07/2013

ذهبت بدر بنصرة المسلمين، ثم استطاع النبي صلى الله عليه وسلم بتوفيق الله له أن يُخرج من كان في قلب المدينة من اليهود، وهم بنو قينقاع، وذهبوا إلى الشام في أذرعات، وبقوا بها إلى أن فنوا عن بكرة أبيهم، فلا نسل لهم، ودخلنا بذلك. وقد كان ذلك في أواخر السنة. الثالثة الثانية من الهجرة فدخلنا في بدايات السنة الثالثة من الهجرة النبوية الشريفة. رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتب أصحابه ويعلمهم ويجعل أسرى بدر يعلمون الناس القراءة والكتابة ويعد الصحابة إعداداً جيداً مبنياً
على التعليم وينشئ في مسجده الحلقات التي يعلم بها الناس من كل فن، يعلمهم كل شيء. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرشدنا حينئذ إلى التفرغ والتخصص، أي يجعل الناس متفرغين لطلب العلم، وأنشأ لذلك ما أسماه بالصُّفَّة، وهي عريش يستظلون تحته ملحق بالمسجد، يجلس فيه طلبة العلم. وإذا أردنا تطوير هذا المفهوم فسيصبح كالمدينة الجامعية، ويُجري
عليهم الأرزاق، أي لا يذهبون للعمل، بل يجلسون للأكل هو لوحنا وبعد ذلك بالسنين انضم إليهم سيدنا أبو هريرة وتخصص في رواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم. يعلم الناس ويقول: "صلوا كما رأيتموني أصلي، صلوا كما رأيتموني أصلي". فبدأ الصحابة الكرام قولاً وفعلاً يأخذون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، والصلاة كما قال خير موضوع، والصلاة. كما قال عماد الدين وذروة سنامه، والصلاة كما
قال: الفرق الذي بيننا وبينهم الصلاة، والعهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر. فأكد جداً على الصلاة وجعلها عمود الأمر. عندما نأتي لنبني خيمة، نقيم عموداً في الوسط هو الذي تُبنى عليه الخيمة، هو هذا العمود، إذا هذه... الخيمة إذا كسرنا هذا العمود سقطت، ولم تبق. لو أقمنا هذا العمود أُقيمت الخيمة حتى لو كانت مطوية، لكنها قائمة، نفردها بعد ذلك ونستعملها. وبقدر ما تُطوى بقدر ما تكون مساحتها. هكذا الدين، بقدر ما ستعمل به، كلما التزمت به، كلما كانت الصلاة عمود
الأمر وذروة سنامه، يعني على شيء فيه الشهادتان وبعد ذلك إقامة الصلاة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الفترات وإن كانت في حروب لأننا ندخل على أحد ما بين بدر وأحد، فهو كان يعلم الناس ولم يكن ساكتاً منتظراً الحرب ولا هو قائم للحرب، فالحرب هذه تأتيه من كل مكان، بدر في المدينة وأحد. في المدينة، كان حفر الخندق في السنة الخامسة للهجرة. هناك، كل القتل في المعركة كان من جانب أولئك الذين جاءوا لمهاجمتنا وأولئك الذين جاءوا لاستئصالنا. ولكن ليس هذا هو الهدف الأساسي، بل الهدف هو بناء الإنسان، والإنسان لا يتكوّن إلا بالعلم. وقد أعطانا النبي المفتاح لذلك
فقال: "صلوا كما رأيتموني وصف الصلاة هي مسألة مهمة وردت أحاديث تصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بدقة وفي كل شيء، كيف كان يقوم، كيف كان يكبر، كيف كان يقرأ الافتتاح أو الاستفتاح، كيف كان يقرأ الفاتحة، كيف كان يقرأ السورة، كيف كانوا يؤمنون خلفه، كيف كان يرفع، كيف كان يسجد، كيف. كان وهكذا من التكبير إلى التسليم ثم كيف كان يفعل بعد ذلك أحاديث حاول كثير من الناس أن يجمعها وأن يرتبها، منها كتاب تعظيم
شأن الصلاة للمنذري، جمع فيه فأوعى لكنه لم يُحِط، لم يستطع أن يجمع كل ما ورد في الصلاة عن حديث رسول الله، إذ الصلاة احتلت. المكان العلي وعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنها وجلس يعلمهم سنين وهو يعلمهم في شأن الصلاة. نزلت أول الوحي، وهناك حديث عفيف رضي الله تعالى عنه وكانت له تجارة مع العباس عم النبي، فجاء مكة. فيقول عفيف: فلما جئت
وجدت شيئاً عجباً، وجدت رجلاً يستقبل البيت يخرج. من خبائه من خيمته، ثم وجدت صبياً يخرج بعده يقف عن يمينه، ثم وجدت امرأة تخرج من الخباء تقف خلفهما. فقلت: "يا عباس، ما هذا؟ ما هذا الشأن؟ هذا أمر لم نعتد عليه: رجل ووراءه طفل ثم وراءهم امرأة". قال: "هذا هو". سألوا عن الحال فأجابوا عن الأشخاص. قال: "هذا..." يزعم محمد أنه قد أوحي إليه، وهذا ابن أخي علي، بن أبي طالب ابن العباس، صدقه فيما يقول. كان سيدنا
النبي أخذ علياً عنده ليخفف من الأحد عشر ولداً الذين عند أبي طالب، رداً للجميل إذ أنه تربى في بيته، فأخذ علياً ليربيه، وبذلك أخذ واحداً منهم. وهذا هكذا لماذا؟ ليخففوا عن العبد قليلاً بعيداً عن البيت، فعالت ربه عند خديجة فهي في مقام أمه. قال عفيف: فوالله لوددت أني أسلمت حينئذ فأكون أول من أسلم. إذاً لو أسلم عفيف في ذلك اليوم لكان قبل سيدنا أبي بكر، حيث إن سيدنا أبا بكر لم يكن قد أسلم حينئذ وهذا حديث يدل على عظم قدر الصلاة وأنها قديمة بقدم الوحي وأنها كانت ثم بعد ذلك زيد فيها على ترتيب معين. نأخذه
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كنا تحدثنا عن كتاب عظيم جمعه المروزي وهو تعظيم قدر الصلاة، فاعلم أن طباعة هذا الكتاب كانت في مجلدين، وأن المروزي عندما جمع أحاديث الصلاة لم يستوعبها جميعاً رغم كثرة ما أورد. وكان النبي حريصاً كل الحرص على أن يعلّم أصحابه شأن الصلاة، ونبّه على عظم قدرها. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، أيضاً إذا كبّر، وهي
التكبيرة التي سماها المسلمون بتكبيرة الإحرام؛ لأنها تحرم على الإنسان أن يتكلم كلام الدنيا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الصلاة لا يصح فيها من كلام الناس، إنما هي للتهليل والتكبير والتحميد والتسبيح". قال تعالى: "وقوموا لله قانتين"، يعني لا تتكلموا في الصلاة، وعلّم النبي هذا. في عدة مواقف عندما كان يأتي أحدهم لا يعرف هذا فيُلقي السلام، فكانوا - ولأن السلام اسم من أسماء الله - يردّون السلام. يعني عندما يدخل شخص أثناء الصلاة ويقول: "السلام عليكم"، فالناس الواقفون يردّون: "وعليكم السلام". وبعد ذلك مُنع هذا، وقالوا: ولا حتى هذا كان
مسموحاً به، وكان يُعلّم على الهيئة التي نحن نفعلها إلى يوم الناس هذا، ثم يقرأ دعاء الاستفتاح فينوعه، وقد ورد في دعاء الاستفتاح عدة صيغ، ثم يقرأ الفاتحة، فمرة يبدأ بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، ومرة يبدأ بـ"الحمد لله رب العالمين"، ثم بعد أن ينتهي من الفاتحة يقول: "آمين"، أي اللهم استجب، وهي اسم فعل اللهم استجب، فكان صوت الصحابة خلفه يرج المسجد يقولون آمين بصوت مرتفع، وهناك أيضاً صور مروية أن التأمين كان بصوت منخفض، وورد وكان وهو قائم يضع يديه الشريفتين اليمنى على اليسرى
مرة بين صدره ومرة تحت صدره ومرة عند سرته، وهكذا أنواع مختلفة من هذا الوضع، وكان صلى الله وسلم إذا قام من الركوع فإنه يرسل يديه، وفي الحديث: "حتى تعود كل سلامة إلى موضعها"، حتى تعود كل سلامة إلى موضعها، كل عظم - يعني السلامة التي هي العظم - إلى موضعها الطبيعي. وقد اتفق على ذلك المسلمون شرقًا وغربًا، سلفًا وخلفًا، بكل مذاهبهم، أنهم إذا رفعوا من الركوع حتى جاء بعض الناس ففهموا
بعض مباحث أصول الفقه فهماً خاطئاً وخالفوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يقول صلوا كما رأيتموني أصلي، فوضعوا أيديهم بعد القيام من الركوع، تجد الشاب هكذا يقول: سمع الله لمن حمده، وبعد ذلك يضع يده مرة ثانية بعد الركوع، هل النبي لم يفعل هكذا، فالإمام النووي في كتاب المجموع روى ثمانية عشر مذهباً من مذاهب المسلمين، ولم يذكر هذه الصورة، ولم يذكرها أحد. هي هكذا بهذا الشكل، كما أن الصلاة نُقلت بالتواتر، يعني رأيت والدي ماذا يفعل، ووالدي رأى جدي، والجد وهكذا بالملايين في المساجد. فمن أين أتوا بهذه؟
فسألناه. يا أخانا، من أين أتيت بهذا؟ ونريد أن نتعلم، حتى لا نكون قد قلنا أن أحاديث الصلاة كثيرة. فحتى لا يكون، سبحان الله، قد صدر منا شيء لم نره، ومشايخنا لم يروه، وآباؤنا لم يروه، والعلماء جميعهم لم يروه، ما شاء الله. فأيضاً يجب على المرء أن يحتاط. من أين الصلاة والسلام كان يضع يديه اليمنى على اليسرى في الصلاة، فإذا كان ذلك قبل الركوع وبعد الركوع، ألم يقل في الصلاة هكذا؟ فيكون هذا من قبيل العام، والعام سيشمل أفراده. قلنا له: نعم، حسناً، الخطأ جاءك من هنا، يعني
بسيط، سنشرح حالاً. العام يشمل أفراده فعلاً. قاتلوا المشركين كل... مشرك نَفَر نقاتله. العام يشمل أفراده، هذا هو الكلام الصحيح. لكن ما رأيك أن هذا ليس عاماً؟ الغلطة هنا أنك أنت يا عزيزي ظننت أنه من قبيل الآية العامة، لكنه من قبيل ماذا؟ هذا من قبيل المطلق، وليس من قبيل العام. والمطلق يتحقق بفرد من أفراده. انظر إلى الفرق بين العام الذي لا بد فيه من أن يشمل حكمه أفراده كلهم وبين المطلق الذي يكفي واحد فقط لكي يتحقق
به. انظر كيف أنك مختلط الأمور. حسناً، الذي قال لكم هكذا، هل درس الفرق بين العام والمطلق؟ نحن عندنا العام ما يستغرق ما وضع له بوضع واحد، جميع ما وُضع له، لكنّ المطلق هو ما دلّ على الماهية بلا قيد زائد. الذي قال لكم هكذا، الذي خدعكم وقال لكم أن تضعوا أيديكم مخالفين سنة رسول الله، قد خلط بين العام والمطلق. ولذلك ترى أن المحدثين أنكروا بشدة ورود حديث يكون فيه قد وضع رسول الله. ولو لمرة واحدة يضع يده اليمنى على اليسرى بعد القيام، فهذا غير موجود ولا
وجود له، لا في الحديث الصحيح ولا في المفترى على رسول الله. فما هذه القضية؟ إنها قضية خطيرة جداً، قضية في منتهى الخطورة على بساطتها. هذا يفرق بين المسلمين ويصرفهم عن القضايا المهمة في موضوع وضع اليد في الصلاة، تقول لي: "ما هذا؟ توجد أمور كثيرة نختلف فيها في الصلاة ونتقبلها، لماذا؟ لأنها كلها وردت عن سيدنا، كلها عن سيدنا. لكن هذه المسألة بالذات يريدوننا أن نترك الدنيا ونتخاصم حول وضع أيدينا أو عدم وضعها. إذا لم تضع يدك،
فإنك تكون جديد في الدين يتيح لك أن تفعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير سلف صالح لك، استخدم عقلك، هكذا هو. وإذا اعترضت فإنك تعترض على شيء بسيط، هيئة من الهيئات، واعتراضك على هيئة من الهيئات يشغل بالك عن المهم والأهم. الله هو الذي صنع. هذه الأمور، أقصد هذه المصيبة، أنا لا أصدقها. ولذلك، فإذا رفعتم من الركوع لا تضعوا أيديكم هكذا، فإنها بدعة، بل وبدعة منكرة، لأنها تخفي وراءها ما تخفي. إلى لقاء آخر،
أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.