السيرة النبوية - أنوار النبي بتاريخ 26/07/2013

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات، نهتدي بهديه ونسير على مساره الشريف. وصلنا في سرد السيرة النبوية الشريفة إلى السنة الثالثة من الهجرة وتكلمنا فيما تكلمنا عن...
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبني الإنسان ويؤسس له في المدينة، فمنذ أن أتى صلى الله عليه وسلم المدينة وقد وجدها على أنواع شتى، فمنهم اليهود ومنهم المشركون ومنهم المسلمون ومنهم المنافقون أيضاً، يعني من دخل الإسلام وأظهره ولكنه استبطن الكفر والعياذ بالله تعالى، النبي صلى الله عليه. وسلّم لمّا رأى هذا التنوع أحدث لنا نموذجاً جلس - يا بنيَّ - منذ السنة الأولى للهجرة
وفي السنة الثانية وفي السنة الثالثة. هذا النموذج هو نموذج أرض التعدد. النموذج الأول كان في مكة وهي أرض شرك، كل من فيها يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحارب الإسلام، لا يريده وهذا الجديد. يختلف مع عقائدهم التي توارثوها عن آبائهم، ويختلف مع مبادئهم في إهانة المرأة، وفي عدم الاهتمام بالطفولة، وفي عاداتهم حتى في الأكل والشرب، من أكل الميتة وشرب الدم والظلم البيّن الذي كانوا يتظالمون فيما بينهم، يأكلون الحقوق ولا يؤدون كثيراً
من الأمانات. وكان عندهم جوانب أخرى إيجابية من الشهامة والمواقف. والعصبية المحمودة في كثير من الأحيان نموذج يعيش فيه المسلم غريباً وحيداً في دولة تحاربه، أما النموذج الثاني فقد رأيناه قبل ذلك في الحبشة، وفي الحبشة هاجر المسلمون إلى ملكٍ لا يُظلم عنده أحد، فعاشوا بشعور الأقلية ولكن المحترمة التي لا تحاربها الدولة ولا يحاربها النظام، بل إنه يحميهم ويرعاهم. وهكذا وهناك في الحبشة رأينا مواقف للصحابة يغفل عنها الكثير، منها
أنه عندما جاء العدو من أجل محاربة النجاشي الذي حماهم وآواهم ولم يدخل بعد في الإسلام، لكنه لم يعترض عليه وترك حرية للعقائد ولم يطع مستشاريه في أن يطرد هؤلاء الغرباء، فعندما حدثت الحرب في المرة الأولى عرضوا عليه. أن يحاربوا معه فأبى ورفض، إذاً المسلم الذي يعيش في وطن، هذا الوطن يحترمه ويعطيه المواطنة ويحميه، فإنه لا بأس في أن يدافع عن هذا الوطن حتى تحت راية غير المسلم، نموذج الحبشة. وفي المرة الثانية
رضي بحربهم معه لأنه يبدو أنه وجدهم أولاً مخلصين، ثانياً احتاج إليهم فحاربوا. مع النجاشي ضد العدو، هذه المواقف يغفل عنها الكثيرون باعتبار أننا نرى الأمر الأخير أبداً. كل حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم نستفيد منها، وقد ترك لنا نماذج متعددة لأن هذه الدعوة دعوة عالمية. سنرى المسلم الذي يعيش في بلاد تحترم الإسلام ولا تحاربه، وسنرى المسلم الذي يعيش في بلاد تحارب الإسلام وتعاديه بل وتفرض عليه عدم إظهار عقائده ولا شعائره، وسنرى المسلم في وطن تتعدد
فيه الأديان والمذاهب والفرق، وسنرى المسلم في وطن ليس فيه إلا المسلمون. هذه النماذج الأربعة هي التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وصل المدينة وجدها على حالة التعدد وهو. النموذج الثالث: مكة كلهم مشركون كلهم يحاربون. بعدما قضى نحو ثلاثة عشرة سنة أو أربعة عشر سنة، فإنه لم يخرج إلا بمائتي رجل، مائتي إنسان فقط، لكنه في المدينة وبعد عشر سنوات أو تسع، أصبح في حجة الوداع من رآه مؤمناً به يحج معه مائة وأربعة عشر ألفاً. ألف واحد لماذا
جاءت الأموال، فالمال عصب الحياة، ليس كل شيء في الحياة، لكن لا، لا، إنه مهم، المال هذا مهم، يعني لا نحتقره ولا نقول لا توكل على الله، لا يوجد مال، لا، يوجد مال، المال مهم لكنه ليس كل شيء، ليس هو كل شيء في الحياة، لكنه مهم. وجاءت الدولة واستقرت فلم يعد هناك عوائق للإيمان ولا صد مقصود عن سبيل الله، ذهب إلى المدينة وفي هذه [المرحلة] اتصل بكل الطوائف: باليهود ويجلس معهم،
بالمشركين، بالمحيطين بالمدينة من الأعراب والقبائل، ويتفاهم معهم ويتفاوض بحثاً عن المشترك. أين المشترك الذي بيننا؟ حتى كتب صحيفة المدينة، لم يكتبها فجأة وإنما كتبها... لأقوام متعددين راعى فيما نسميه بلغة العصر المواطنة الحقوق والواجبات، فمن الحقوق الدفاع عن هذا المكان لأن الدولة لا تقوم إلا بمكان، ومن الحقوق المشاركة في البنيان، ولذلك فرض عليهم أن يمدوه بالمال إذا
ما حدث خلل في الاجتماع البشري في هذا المكان، والمتأمل في صحيفة المدينة يخرج منها. كيف يُبنى الدستور مع أقوام متعددين؟ كيف يُبنى بالاتصال لمدة ثمانية أشهر بالاتفاق على المشترك؟ لم يُقصِ أحداً من أهل المدينة، لم يُقصِ المشركين، ولم يُقصِ اليهود، ولم يُقصِ المنافقين وهم أولى الناس بالإقصاء، ولم يُقصِ المسلمين وهم قلة في ذلك الحين. لم تُسلم المدينة كلها حينئذ، بل إنه بحث. معهم وكل على انفراد، ثم بعد ذلك أنشأ هذه الصحيفة التي هي محل اتفاق
وإجماع بين الكافة. هذه هي الطريقة الصحيحة لبناء الدستور، لبناء صحيفة المدينة، أن يوافق عليها الفرقاء. هم فرقاء في العقيدة وفرقاء في المصالح وفرقاء في الغايات، لكنهم لا بد أن يبحثوا عن المشترك الذي يؤسس لهذه. الدولة الجديدة فلا يعتدي أحدهم على الآخر. بعد ذلك بدأ النبي في تطبيق هذه الصحيفة في السنة الثانية وفي السنة الثالثة التي نحن
في مستهلها، وندخل فيها بعد الفاصل. نتكلم في استمرار كيفية بنائه. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم الصحابة الكرام وذكرنا في حلقة سابقة أنه قال لهم صلوا كما رأيتموني أصلي، وذكرنا حينئذ أنه علمهم دقائق الصلاة وأن الصلاة هي خير موضوع، والنبي صلى الله عليه وسلم ربط الصحابة بالمسجد وجعل الجماعة سنة أكدها في أقل ما يمكن أن نفهمه من النصوص التي تركها لنا صلى الله. عليه وآله
وسلم والجماعة قيل إنها فرض عين وقيل إنها فرض كفاية وقيل إنها سنة مؤكدة عند الفقهاء وذهب بعض العلماء وإن كانوا قلة منهم الشيخ ابن تيمية إلى أنها شرط في الصلاة يعني الجماعة مثل بالضبط الوضوء وستر العورة يعني لا بد منها جداً والجماعة ربطت المسلمين بالمسجد وربطت المسلمون بعضهم مع بعض لأنهم تعودوا أن يلتقوا بإخوانهم، وفي هذا التعود نيات كثيرة ذكرها ابن الحاج في كتابه المدخل، فزادت على خمسين فائدة للجماعة، منها
أن يراك أخوك، ومنها أنك إذا كنت غنياً سألوك، وإذا كنت فقيراً أعطوك، ومنها أنها تساعد على صلاة السنة، فالجماعة تساعد على الصلاة. السنة تعني أنه عندما تصلي الظهر بمفردك وأنت مشغول فلا تصلي السنة، أما عندما تدخل المسجد وتجدهم لم يقيموا الصلاة بعد، فقم وصلِّ السنة. فهذا فيه خير وثواب أكثر، ومن فوائدها أنها تنظم أوقات الإنسان، ومنها خمسون غرضًا ذكرهم الشيخ ابن الحاج في كتابه "المدخل في تصحيح النيات". علم النبي. صلى الله عليه وسلم الصحابة وقال لهم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وذكرنا
أنه كان إذا قام من الركوع أرسل يديه حتى تعود كل عظمة إلى موضعها، ونقل المسلمون عنه هذا باتفاق من مشارق الأرض ومغاربها عند كل المذاهب أن الإنسان إذا رفع من الركوع فإنه يرسل يديه بجواره هكذا قبل. الركوع فيه خلاف، فالجمهور على القبض، والمالكية بعضهم ذهب إلى الإرسال. هذا قبل الركوع، قبل الركوع نقبض أم نرسل؟ حسناً، ما معنى هذا؟ ما أهميته؟ ماذا يعني أن نقبض أو نرسل أو غير ذلك؟ قال: "لا، صلوا كما رأيتموني أصلي". ففيها رابطة بين المسلمين وبين
قائدهم صلى الله عليه وسلم، وهو قائد. الغر المحجلين إنما لم يقل أحد إن الإنسان يضع يده على يده بعد الركوع، هذا ما لم نره، لكننا رأيناه في العصر الحديث. الشخص يقول: سمع الله لمن حمده، وإذا به يُشبِّك يديه. حسناً، من أين أتوا بهذا؟ جلسنا نبحث من أين أتوا بها، هذه غير موجودة، لم يقل بها أحد في العالمين. لا من الأمام ولا من الخلف لم نجدها، بحثنا فلم نجد شيئاً، وبعد ذلك قالوا لنا: لا، يوجد شخص طيب من العلماء. كيف يكون من العلماء؟ لو كان حقاً من العلماء لما قال هكذا. قالوا: لا، إنه من العلماء وأكثر، والله قال هكذا، شخص من عصرنا الحديث هذا الذي نعيش فيه. النكد بالله، حسناً،
وما الغرض من ذلك؟ ما الغرض منه؟ أن يجعل هذه الفتنة وهذه البدعة تنتشر. المهم، في الواقع، نحن لم ننتبه، فوجدنا أن الرجل لا يفهم الفرق بين المطلق والمقيد وبين العام والخاص. حسناً، هناك كثير من الناس لا تفهم. نعم، لكنه يتظاهر بأنه عالم، فالأذى يكمن في هذا. لكن هي هذه السبب؟ قال: نعم، هذه هي السبب. ما الحكاية العامة يا إخواننا؟ يعني شيء عام هكذا، يعني تقول: أكرم من جاءك اليوم، فالجميع سيأكل إن شاء الله، وسنقدم للجميع وجبة الغداء. ثم تأتي وتقول لي: لماذا قدمت لهذا؟ هذا أنا
لم أكن أريد أن أعطيه. يقول: لا، ما أنت تكلمت كلامًا عامًا، قلت من جاءك أعطه. وعندما جاء أعطيته. إذا أكرمت المسلمين فهذا يعني كل المسلمين، وإذا أكرمت طلاب جامعة القاهرة فهذا يعني كل الطلاب الذين في جامعة القاهرة، وعددهم يصل إلى مئتين وخمسين ألفًا أو ثلاثمائة ألف. إن الذي يأخذ كل شيء يجب أن يأخذ منه الإكرامية. هذه تكون إذا طلاب الجامعة من المسلمين، هذا نسميه ماذا؟ عام، ماذا يعني عام؟ يعني يجب على كل واحد، كل واحد، كل واحد منهم أن يأخذ هذا. العام المطلق إذن. أقول لك: نادِ لي رجلاً لكي يحمل معي هذا الكرسي، نادِ
لي ماذا؟ رجلاً. قُم واذهب وانظر أي رجل تناديه، لو أحضرت لي. مصري يصلح، سوداني يصلح، من القاهرة يصلح، من الذي ليس من القاهرة يصلح، ما دام رجلاً فليكن هنا، هذا مطلق، المطلق عموماً بديلي، حسناً، جاء رجل، الرجل عندما رأى الكرسي قال لي: لا، أنا لن أستطيع حمله، فأنا مصاب بانزلاق غضروفي. قلنا له: حسناً، أحضر رجلاً آخر، فجاء الرجل الثاني لأجل ذلك. يحمله المطلق يتحقق بفرد واحد فقط، فيكون الفرق بين العام والمطلق أن المطلق يتحقق بأي واحد، والعام يجب أن يعمّ الجميع. كان النبي يضع يده اليمنى
على اليسرى في الصلاة، هذا من قبيل العام وهو قائم في الصلاة، أهو من قبيل العام أم من قبيل المطلق؟ فهو... يا عيني، فَهِمَ خطأً أنه من قبيل العام، فلزم أن يضع هكذا قبل الركوع ويضع هكذا بعد الركوع. أخذت بالك؟ قلنا له: لا، لست منتبهاً، أنت لا تفهم شيئاً. هذه من قبيل المطلق، ولذلك الأولى خلاص وكفت، الحمد لله، ليست من قبيل العام ولا شيء. هذا من قبيل المطلق، أنت لم تنتبه لي. حسناً، إذا كانت من قبيل المطلق، فبعد الصلاة، بعد الركوع، بعد الركوع، لماذا تضع يديك بجانبك؟
لأنه فعل هكذا. كيف؟ لأنه قال: "حتى تعود كل سلامى إلى موضعها". إذاً نحن نفذنا السنة الأولى التي هي أن أضع... يدي اليمنى على الشمال قبل الركوع، ونفذنا الثانية التي هي أننا نضع أيدينا بجانبينا بعد الركوع. طيب، يعني عندما يضع الإنسان يده هكذا متجاهلاً، ليس لدينا شيء اسمه تجاهل. لماذا؟ لأنه انظر إلى الفرق: السادة المالكية عندما قالوا ضعوا أيديكم قبل الركوع بجانبكم أو هكذا، ورد هذا وورد هذا. هذا وردٌ وهذا وردٌ، لكن هذه لم تَرِد. هذا فهمٌ جديدٌ ناتجٌ عن خطأٍ وعدم تفريقٍ بين العام
والمطلق. حسناً، وهذا يؤدي بنا إلى ماذا؟ إلى أن أي شخصٍ يجلس ليفهم القرآن فهماً جديداً على مزاجه وهو لا يعرف معنى المطلق، فيخرج لنا بمصائب. هذا ما نحذّر منه. ونجعلها قضية ونحن غاضبون والناس تقول: ما الذي يغضبكم؟ إنها مسألة بسيطة. نعم، هي بسيطة في ذاتها لكنها ليست بسيطة في منهجها. احذر، هي بسيطة في ذاتها تماماً، شخص نسي ووضع يديه هكذا، ولن يحدث شيء. لا تفعل ذلك مرة أخرى وانتهى الأمر، لكن المنهج الذي وراءها الذي لم يفرق بين العام والخاص ولم يفرق ما بين الوارد
وغير الوارد وخالف جماهير المسلمين، هذه هي الخطورة. ماذا سيحدث؟ يعني سيحدث أن يأتي شخص ويقول لي إن الخمر حلال. سيحدث أن يأتي إلي شخص ويقول لي: أتعلم أن الوضوء هذا بعد الصلاة وليس قبل الصلاة. ستحدث مصائب ونظل نقتل في... نكفر بعضنا البعض، أهذا ما نريده في النهاية؟ إن هذا أمر خطير، إن هذا خطأ، إن هذه المسألة بدعة منكرة. لماذا هي منكرة؟ لأن وراءها منهجاً منكراً، لأن وراءها منهجاً يؤدي إلى الهلاك. ولذلك نؤكد أنه "صلوا كما رأيتموني أصلي". إن المسألة بسيطة جداً هكذا، وإذا بها معقدة. جداً هكذا نعم
القصة هي هكذا وسبب كثير من الفوضى التي نعيش فيها هذا التفكير المنحرف بمنهج منحرف إلى لقاء آخر استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته