السيرة النبوية - الحلقة التاسعة

السيرة النبوية - الحلقة التاسعة - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات. كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وُلِدَ في مكة المكرمة، وعرفنا أنه وُلِدَ بعد الفجر وقبل شروق يوم الاثنين، وكان العاشر من ربيع الأول ويوافق العشرين من أبريل سنة خمسمائة واثنين وسبعين من الميلاد، وبعد نحو
ستين يوماً من قدوم الفيل وحصره في وادي المحصر ما بين مزدلفة وبين مكة، حصر هنالك الفيل في الثاني عشر من المحرم، وهذا الثاني عشر من ربيع، فبينهما ستون يوماً، وعرفنا أنه عاش. في مكة وعاش في مكة إلى سن الثالثة والخمسين، إذاً هناك ثلاثة وخمسون سنة قضاها في مكة، وكان يحب مكة حباً عظيماً أولاً لأنها وطنه،
ومن هنا أخذ العلماء القاعدة الشائعة وإن لم تكن حديثاً "حب الوطن من الإيمان" لأنهم لما رأوا سيدنا صلى الله عليه وسلم أحب وطنه. رأوا أن هذا من الكمالات فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الله له الكمالات وقال وهو يخاطبها: "ألا إنك أحب أرض الله، أنظر إلى أرض الله، يعني أرض الله مستوية متساوية، لكن أنتِ أحب إليّ، أنتِ أحب أرض الله إليّ، ولولا أن أهلكِ أخرجوني ما خرجت". منك ولما نزل الوحي وذهبت به السيدة خديجة عليها
السلام، وقلنا قبل ذلك عليها السلام لأن الله بلّغها عن طريق جبريل السلام فقالت عليك وعليه السلام، فينبغي دائماً أن نقول خديجة عليها السلام، فلما ذهبت به إلى ورقة بن نوفل قال يا ليتني كنت فيها جذعاً إذ أخرجوك من مكة. قال عليه الصلاة والسلام: "أمخرجيّ هم؟" سيخرجونني من بلدة أحبها وتربيت فيها وذكرياتي فيها ومال أبي وجدي فيها. صلى الله عليه وسلم. والأمر الثاني أنها محل نظر الله، لأن الكعبة هذه محل نظر الله،
فمكة هي أم القرى، فتجد فيها روحانية لا تجدها في غيرها، وهي على صورة قمع محاطة بها هكذا والكعبة في رأس القمع هذا، ولذلك عندما تنزل السيول تغرق الكعبة. والكعبة عندما نزلت فيها سيول مرة هدمتها، ومرة كان السيل ثلاثة أمتار. الكعبة ارتفاعها حالياً سبعة وعشرون ذراعاً، أي ثلاثة عشر متراً تقريباً، فثلاثة أمتار هذه عملية صعبة، فطاف ابن الزبير حولها عائماً من خصائص. سيدنا عبد الله بن الزبير هكذا أنه طاف حول الكعبة سابحًا، أخذ السبعة أشواط فقط
سِباحةً، لأن المياه لو أنك جلست على القاع ستكون أمامك، يعني غارقًا، فطاف حولها سابحًا. يصنعون أشياء ومسارب وما شابه ذلك لكي لا تتكرر هذه الحكاية، لكنها تتكرر عندما يكون السيل شديدًا أكثر من اللازم. المسارات التي صنعوها أولاً لأنها وطنه وثانياً لأنها محل نظر الله، فيكون إذن حب الوطن صحيحاً من الإيمان لأنه من الكمالات التي أجراها الله على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم تأتي وتقول له: يا أخي، إن حب الوطن من الإيمان، فيقول لك: لا، هذا حديث. موضوع، طيب افترض أنه حديث موضوع،
افترض أنه ليس حديثًا على الإطلاق، من الذي قال لك أنه حديث؟ لا، إنه حديث موضوع، طيب ماذا نفعل إذن؟ هل يجب علينا أن نكره الأوطان؟ هل يجب أن نسب وطننا؟ هل يجب أن ننتقده ونقول إنه بلد سيء؟ هل هذا كلام يرضي الله؟ الأوطان يا أخي من الكمالات، إن حب الأوطان من الذي أجراه الله على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم. لم الله... ما هذا؟ لكن العقلية المنحرفة هكذا. لقد سمعت أن "حب الوطن من الإيمان" هذا حديث موضوع، هو ليس حديثاً أصلاً. حسناً، ماذا يترتب على ذلك؟ ماذا يترتب على ذلك؟ أننا يجب أن نخالفه. الله، يعني عندما يأتي شخص ويقول لك: "قال رسول الله: قل لا إله إلا الله"، وهو لم يقل "قل لا إله إلا الله"، هذا الحديث فقط هكذا يعني، وهذا الحديث ليس حديثاً،
فلا تقل هيا الآن نقول أنه ليس هناك إله، أو ماذا يعني؟ أيضاً فعلوا جماعة النابتة يقولون لك: نعم، ذكر السبحة هذا حديث ضعيف. ويقولون لك: هذا الحديث موضوع. حسناً، إذا كان موضوعاً فتكون السبحة بدعة. ما هذه المصيبة؟ لذا يجب علينا أن ننتبه أن التفكير المستقيم ليس هكذا، التفكير المستقيم ليس بهذه الطريقة. أحياناً تكون هناك حقائق، وعندما يجدها بعض الناس حقائق، ينسبونها هذه هي الحقائق، عندما يقول لك مثلاً إنّ المعدة بيت الداء. المعدة بيت الداء هذا كلام جالينوس، قالوا إنّ رسول الله قال: المعدة بيت الداء. لم يقل فقط المعدة بيت
الداء، هي أول الداء، هي المعدة، وإنما النبي قال ماذا؟ بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، أهذا ما قاله هكذا؟ يقول لك: يوم صومكم يوم نحركم، يوم سنتكم الجديدة هذه قاعدة فلكية. يقول: قال رسول الله... لا، لم يقل رسول الله هذا، لكن هذه قاعدة إذا طبقتها هكذا ستجدها صحيحة في الغالب، أي أنها الأغلبية، فإذن ليس كل... شيء نسمعه ويكون بالفعل ليس حديثاً، فلا نفتري ونقول: قال رسول الله، ولا أيضاً نرد الحقائق. سيدنا رسول الله مكث في مكة ثلاثة وخمسين عاماً فأحبها حباً شديداً.
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرَ البحر في حياته قط، نعم لم يرَ البحر في حياته قط، ولذلك... تعجب العلماء من وصف البحر في القرآن الكريم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يركب البحر قط ولم يشاهده. الطريق إلى الشام لم تكن تمر عبر البحر، فطريق البحر كان طريقاً مخيفاً، وكان الطريق إلى الشام يبتعد عن البحر بحوالي ستين أو سبعين كيلومتراً. ادّعى بعضهم أن البحر يُرى من عندما تصعد إلى غار حراء وتنظر للأسفل، من المفترض أن ترى البحر أمامك هكذا، فذهبت وصعدت ونظرت
فلم أجد لا بحراً ولا شيئاً مما ذُكر. إذن هذا الكلام غير صحيح، ولا يوجد بحر ولا يُرى البحر من هنا. الإنسان يستطيع أن يرى لمسافة خمسة وثلاثين كيلومتراً، أما البحر فيبعد سبعين فسيرون كيف أن الأرض قد تلفت بالفعل، أما الذين يقولون إن الأرض ليست كروية، فربما هم الذين يروجون لهذه الكذبة. فالنبي عليه الصلاة والسلام، كما ورد في كتب الأقدمين، لم يرَ البحر في حياته قط صلى الله عليه وسلم. سيدنا الرسول جلس نحو عشر سنوات في المدينة، ثلاثة وخمسين سنة. في مكة عشر سنوات، وفي المدينة ثلاثاً وخمسين سنة. أُوحي إليه على رأس الأربعين، بعدما أتم أربعين سنة بدأ الوحي. فبقي ثلاثة عشر عاماً في مكة، وعشرة في المدينة. مجموع
الوحي وهو نبي ثلاثة وعشرين سنة، لأنه صلى الله عليه وسلم كانت وفاته عليه الصلاة والسلام وهو. ابن اثنين وستين وقليل، يعني نقول ثلاثة وستين سنة والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم، عندما جلس سيدنا صلى الله عليه وسلم أربعين سنة في مكة من غير وحي، كان مثالاً للطهر والعفاف والصدق والأمانة
والذكاء، وكان يحب مكارم الأخلاق، وكان صلى الله عليه وسلم تميل نفسه إلى شيء. من العزلة والتفكر والتدبر، ولذلك كان أهل مكة يرونه قد استوفى صفات الملك، أي أنه يصلح ليكون ملكاً، لأنه كريم، ولأنه ذكي، ولأنه هادئ النفس، ولأنه لا يؤذي أحداً، ولأنه أمين. وكانوا يودعون عنده الودائع، فكل واحد منهم يودِع
ودائعه عند الشرفاء الكبار، فيضيعونها عند أبي لهب وعند أبي جهل. وتأتي لتطالبه أن يلعب معك، حسناً، مُرَّ عليَّ غداً، الأمر أن مفتاح الخزانة ضائع، وأنا لديَّ موعد الآن. أما محمد فكان يُسلِّم الشيء كما هو، بربطته، مُقفلاً كما هو، فوثق فيه الناس، وثق الناس فيه جداً، حتى أنه كان مخصصاً مكاناً للودائع. حتى عندما جاء وقت هجرته، انظر بعد... هذا الأذى كله الذي رآه من المشركين، أقام علي بن أبي طالب مكانه حتى يرد الودائع إلى أهلها، فهو لا يعرف الخيانة صلى الله عليه وسلم. صفات كهذه جعلت
السيدة خديجة حين علمت بأمانته وبركته أن توكله على تجارتها، فحقق لها أرباحاً غير معتادة. فإذا كانت تحقق ألفاً، حقق لها كذلك في المرة القادمة أصبحت الألف عشرة، وكان هناك شخص اسمه ميسرة، خادم السيدة خديجة، وكانت قد أرسلته مع النبي ليساعده. قالت له: أخبرني عن هذا الرجل، كيف هو؟ فقال: لم أرَ مثله قط، إنه شيء مختلف تماماً. أخلاقه، وما أدراك ما أمانته، وما أدراك ما سماحته، وما أدراك ما الصلاة والسلام، فتعلقت به فخطبت
لنفسها، والنبي عليه السلام بتوفيق الله رضي بذلك، وهي متزوجة قبل ذلك ومنجبة وعمرها أربعون سنة وهو عمره خمسة وعشرون. ولكن هذه السيدة التي سلّم الله عليها، أأنت منتبه أم ماذا؟ فكل ذلك بتوفيق الله صلى الله عليه وسلم، وقد استعانت بمالها إذ كانت من والنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن من الأغنياء، وكان يرعى الغنم، ورعايته للغنم علمته الصبر. فصلى الله عليه وسلم جلس أربعين سنة على هذه الحالة، ثم حُبِّب
إليه الخلاء، فأصبح يجلس في غار حراء، ومكث في غار حراء مدة سنتين أو ثلاثة أو أربعة يتعبد، وبعد ذلك عندما بلغ. بدأت في الأربعين تظهر عليه علامات يسميها العلماء إرهاصات. ما معنى هذه الإرهاصات؟ معناها تمهيد، أي الأشياء التي تسبق الحدث الكبير. سموها إرهاصات. عندما تجد اضطرابًا هنا واضطرابًا هناك واعتراضًا هنا، تقول هذه إرهاصات الثورة. الإرهاصات تعني علامات تشير إلى أن شيئًا ما سيحدث. هذه هي الإرهاصات في اللغة العربية، ستحدث فحبّب إليه الخلاء هذه نمرة واحد نمرة اثنين بدأت
كائنات وجمادات يسمع صوتها يسمع صوتها حجر إني أعرف حجراً بمكة كان يسلم على النبي عليه الصلاة والسلام ربنا يهيئه حتى لا يفزع لأن مسألة الوحي هذه صعبة جداً حتى يرفع الحاجز الذي بين الحياة الدنيا وبين ما وراء المنظور عند الله فما لا يُؤخَذ ولا تحدث له أزمة قلبية أبداً. المرة الأولى كانت شق الصدر عند حليمة، وهذا حجر يُسلِّم ويَنظر هكذا. حجر يرى شخصاً يكون مختبئاً أو شيئاً ما. أيقول فيه نكتاً أو غيرها؟ لا يوجد حجر
يمشي وهو عائد يُسلِّم عليه مرة أخرى. الله، يعني هو الذي مختبئ منذ ذلك الوقت، وهكذا فهو يعطي لله ما يشبه التهيئة والإرهاصات. ذهب وجلس ستة أشهر، ستة في ثلاثين، بكم؟ بمائة وثمانين. أخصم منها ثلاثة لأن الشهر أحياناً يكون تسعة وعشرين، وأحياناً هكذا يكون مائة وكم؟ مائة وسبعة وسبعين. كل يوم على الله أن يرى في المنام شريطاً لما سيحدث ماذا سيحدث لي؟ سأقوم لأصلي الفجر، ثم سأذهب إلى العمل - لا أدري بالضبط، ثم سأعود، ثم سألتقي مع فلان وعلان وتِرْكان وسَلان، ثم سأفعل كذا، ثم سأنام، وسآكل
كذا، وسأشرب كذا، إلى آخره. ثم يرى هذا الكلام في المنام، فيستيقظ ليجده كما هو. ما هذا؟! لقد رأيت هذا الشيء ماذا عن ذلك؟ فقد يقول شخص ما "أظن أنني رأيتك من قبل" أو "أظن أن هذا الحدث وقع من قبل". ويقولون إن في الدماغ فصين، فص يدرك قبل الفص الثاني، فتحدث لك هذه الحالة. لكن إذا حدثت مرة أو مرتين أو عشر مرات، نقول إن هذا الفص وذاك الفص... هذا وهكذا لكن مائة سبعة وسبعين مرة وكلها تأتي بالضبط، نعم، لا، هذه مسألة أخرى. هذه أعداد، ولذلك كان يقول: "الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من
النبوة". انتبه إلى هذا الكلام، إنه كلام لا يمكن أن يصدر إلا من شخص أوحى الله إليه، جزء من ستة وأربعين. جزء من النبوة، ما العجب في ذلك! يعني لماذا ستة وأربعون؟ لِمَ لم تكن خمسة وأربعين؟ ولماذا لم تكن ثمانية وأربعين؟ لأن النبي مكث ثلاثة وعشرين سنة، والثلاثة وعشرون سنة فيها كم نصف سنة؟ أليست الستة أشهر نصف سنة؟ حسناً، الثلاثة وعشرون سنة فيها كم نصف سنة؟ ستة وأربعون. وهل سيجلس ثلاثة وعشرين، فهو ليس له علاقة، إنه الله الذي يقول له ذلك. ستظل تفكر هل كان يعلم أم لا يعلم؟ حرر نفسك وسلّم روحك لسيدنا. سلّم روحك لسيدنا لأن المسألة ليس لها حل. إنه نبي، أي نبي الله صلى الله عليه وسلم. من
الذي قال لك أنه ستة وأربعون؟ جزء من النبوة، فلماذا لا يكون خمسة وأربعين؟ هل تعلم أنك ستجلس ثلاثة؟ لا والله ما هو عالم، هذا أمر بإرادة الله، ولكن القضية أن هذا "وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى"، هكذا تسير الأمور معنا إذا... سنة وهو جالس يرى رؤى كل يوم حتى أصبح مسلماً، فقال: حسناً، أنا اليوم سأعرف في الليل أثناء النوم ما سيحدث غداً. وبدأ الوحي بالرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت واضحة كفلق الصبح. فبعض الناس يقول لك: ماذا رأى؟ لقد رأى ما
سيحدث، وليس رؤية معينة. يعني مثل السبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف. لا، إنه رأى ما الذي سيحدث غداً لمدة ستة أشهر. نعم، ثم بعد ذلك جاءه الوحي وهو في غار حراء. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.