السيرة النبوية - الحلقة التاسعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم نعيش معاً هذه اللحظات. تحدثنا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه، وفي الكتب يقولون عند بلوغه الأربعين وعند بلوغه الأربعين وهو. قد وُلِدَ في ربيع الأول، ويكون الوحي بدأ في ربيع الأول وهو على رأس الأربعين، لكن العرب عندها عادة لجبر الكسر.
وتكلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بدأه الوحي بالرؤية الصادقة، حتى قال معلماً لأمته بعد ذلك: "الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة"، فالرؤيا الصادقة... كانت ستة أشهر، فلو قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم قد وُلِدَ في ربيع، في الثامن أو في الثاني عشر كما نحتفل به، فهي مسألة سهلة. فبدأ بالرؤية الصالحة في ربيع الأول، وظلت الرؤيا الصادقة يراها بالليل فيقوم
فتكون كفلق الصبح. ربيع الأول، ربيع الثاني (الآخر)، جمادى جمادى الاخر ورمضان هما ستة أشهر مهمة، لأنه عندما تقول هكذا من الثاني عشر ربيع إلى ربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجب وشعبان، فهذه اثنا عشر شهراً ثم رمضان، فتكون هذه ستة أشهر. وكما ورد في الحديث أن القرآن قد نزل في ليلة الرابع والعشرين، وهي ليلة تقع بين الوتر في الوتر كما قال: "التمسوها في العشر الأواخر
من رمضان"، ثم رجع فقال: "التمسوها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"، لأنها في كل سنة تأتي في وقت مختلف. وكان عمر يقول: "صاحب الحاجة يقوم العشرة"، أي يجتهد في العشرة هكذا حتى يستجيب الله دعاءه فيصيبها قطعاً لأنه قام. العشرة يكون قام ليلة القدر ودعا في ليلة القدر. الحاصل أن هناك ستة أشهر قبل نزول الملك، وهذه الستة الأشهر بدأت في ربيع الأول وانتهت في رمضان، وتحسبها تجدها ستة أشهر فعلاً. ثم بعد ذلك وفي ليلة من ليالي رمضان نزل جبريل، وكان أول ما نزل به "اقرأ باسم ربك". الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. قُلْنَا إِنَّ الدَّعْوَةَ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَنَةً تَقْرِيبًا فِي مَكَّةَ، وَعَشْرُ سِنِينَ تَمَامًا كَمُلَتْ فِي الْمَدِينَةِ. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ سَنَةً فِي مَكَّةَ مُقَسَّمَةٌ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: ثَلَاثَةٌ وَسَبْعَةٌ وَثَلَاثَةٌ. الثلاثة الأوائل هؤلاء حدث فيهم الآتي: كانت الدعوة سرية، أي لا نستطيع أن نخطب في المسجد الحرام ولا نستطيع أن نواجه الناس بأنني قد دخلت الإسلام. فيدخل أحدهم الإسلام سراً
ولا يجهر ولا يقول ولا يتكلم، وعندما يجتمعون سراً، وعندما يتعلمون وعندما يؤدون شعائرهم يفعلون ذلك سراً، والظاهر أن... الصلاة نزلت مبكرة، يعني ارتبط الدين بالصلاة مبكراً جداً، وذلك لأمور منها حديث عفيف رضي الله تعالى عنه، وكانت له تجارة مع العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. قال عفيف: جئت مكة وكانت لي تجارة مع العباس بن عبد المطلب، فرأيت شيئاً أنكرته، أي استغربته. يسأل نفسه:
ما هذا؟ شيء غريب! يعني أمر عجيب. رأيت رجلاً يخرج من خباء - الخباء يعني خيمة - خرج منه، ثم رأيت امرأة تخرج فتقف خلفه، ثم رأيت صبياً يخرج من الخباء فيقف عن يمينه. فقلت للعباس: ما هذا؟ من هؤلاء؟ يعني ما هذه القصة؟ لماذا يقفون هكذا؟ لسنا معتادين أن نفعل هكذا، من هذا؟ ما الحكاية؟ ما هذا يعني، ما هذا الحال؟ يعني فقال: هذا ابن أخي محمد يدَّعي أنه قد أُوحي إليه، وهذا ابن أخي علي
بن أبي طالب يدَّعي أنه قد أسلم معه، يعني أسلم له القيادة، يعني، وهذه خديجة بنت خويلد زوج... تابعتُ محمداً على ما يقول، قال عفيف: "فوددت لو أنني أسلمت ذلك اليوم فأكون أول من أسلم". يبدو الكلام هنا كأنه يعني أن أبا بكر لم يُسلم بعد، أو ماذا؟ عفيف هو الذي يقول هكذا. من الممكن أن يكون مبلغ علم سيدنا عفيف لم يكن ينتبه إلى أبي بكر، أو أي يكون أسلم أبو العباقرة (ما هو) الأمر إذاً؟ لا أعلم غيرهما قد اتبعاه. أي كذلك هذه تؤكد أن سيدنا أبو بكر لم يُسلِم بعد. يا الله! أكان هذا أول يوم أم ثاني يوم أم ثالث؟
يعني شيء قريب جداً. فاستنتج العلماء من هذا أن الصلاة قد فُرِضَت مبكراً مع فرضت الصلاة وهذا معقول لأن الدين لا بد فيه من صلاة، ولما جاء وفد ثقيف وقالوا له بعد ذلك: "يا رسول الله، دع عنا الصلاة، احذف هذه الصلاة"، فقال: "لا خير في دين لا صلاة فيه"، يعني كانت الصلاة فعلاً هي ذروة سنام الأمر والصلاة. هي الصلة التي بين العبد وربه، والصلاة هي التي ميزت المسلمين عن غيرهم. لا يوجد على وجه الأرض الآن أحد يسجد لله كهذا السجود. لا وجود على وجه الأرض سوى المسلمين، هم الذين يسجدون لله أكثر من أربعة وثلاثين سجدة على الأقل
في الفروض، وأضف إليهم مثلهم سبعة عشر ركعة. أيضاً فيها أربعة وثلاثون سجدة، فيصبح المجموع ثمانية وستين سجدة كل يوم. الكبير والصغير، المرأة والرجل، البنت والولد. والله، ما من أحد على وجه الأرض إلا وقد سجد له مرة في عمره أو مرتين، لا بأس بذلك. من الممكن أن يسجد العباد من الأديان المختلفة، يعني السجود ليس ممنوعاً عندهم ستون مرة لكل الأمة، يعني كل الناس، وأيضاً أربعة وثلاثون منهم مفروضة علينا. لا، ليس هكذا. هذا متميز بالآية. كما يقولون بلغة العصر: بالضربة القاضية. يعني لا توجد مقارنة. أربعة وثلاثون كل يوم مقابل واحدة في العمر أو اثنتين أو ثلاثة أو عشرة. حتى أنا من الناس المتقين الأولياء الكبار لدينا، سيدنا علي
زين العابدين سُمي بالسجاد لأنه كان يسجد في اليوم ألف سجدة، والنبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد قال: "أعني على نفسك بكثرة السجود"، ودلّ على أن السجود هذا موطن استجابة الدعاء، فقال صلى الله عليه وسلم: "تحرَّ السجود". وأنت ساجد فمن المرجح أن يُستجاب لك، المرجح يعني حري أن يُستجاب لك، ولذلك المرء في السجود يدعو الله. سبحان الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. نزل الوحي على سيدنا
في رمضان في ليلة القدر بنص القرآن: "إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر من ألف شهر، فنزل شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، بالنص: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يُفرق كل أمر حكيم، أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين، رحمة من ربك". إذ نزل القرآن بداية بـ"اقرأ" في غار حراء، وفي الحديث... أنه كان في الرابع والعشرين وبعد النزول مباشرة كُلِّفوا بالصلاة كما ذكرنا، بعد
ذلك أخبر النبي بالإسلام في الفترة السرية فرضًا ليس هناك جهر، فالسرية هنا معناها أن الخبر يكون واحدًا لواحد، فأسلم أبو بكر فكان أول من أسلم من الرجال، وأسلم عبد الرحمن بن عوف وأسلم. مجموعة كانوا يسمونهم أنهم من الأولين السابقين، نعم وأسلم عبد الله بن مسعود، وأسلم عثمان بن عفان، فيكون أبو بكر وعثمان وعلي أسلموا في البدايات تماماً، وكل ذلك واحداً تلو
الآخر، إما النبي يجلس معه أو أبو بكر أو عثمان، وكان عثمان تاجراً غنياً شديد الغنى لديه. ملايين مُمَلِّين، سيدنا عثمان ترك هذه الملايين وسافر إلى الحبشة. في سنة خمسة سنرى، نحن الآن في سنة واحد من الوحي، نعم من النبوة. بعد ذلك في سنة خمسة تزوج السيدة رقية بعد أن طلقها - والحمد لله - عتبة ابن أبي لهب، والحمد لله أنه لم يدخل بها، بل وبعد ذلك قال أبو لهب له: "انهِها حتى نشغل محمداً ببناته". فتزوجها المليونير عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه،
وتزوج بعد وفاتها بأم كلثوم، فسُمي بذي النورين لأن معه النورين: رقية وأم كلثوم، فقد تزوج الاثنتين: رقية وأم كلثوم. وقال: "والله لو كانت عندي ثالثة لزوجتكها"، أي أنه ماتت البنت وماتت البنت وأختها عنده فيتشاءم منه، لا، هذا من الصالحين الكبار ومن الأولياء العظام الفخام. سيدنا عثمان هذا مرة من الملايين التي يملكها جهّز جيشاً اسمه جيش العُسرة. ماذا يعني ذلك؟ تخيل أنت شخصاً مليونيراً أو ملياردير عندنا هنا، وبعد ذلك ذهب وأعطى وجهّز جيشنا هكذا. ما هذا؟ لا يوجد هكذا، ما يوجد الغنى هذا الذي يقدر أن يجهز الجيش، لا، إنه جهز
الجيش. فلما رأى النبي النفقة يعني شيئاً زائداً، أي أن الدنيا في يده وليست في قلبه، قال: "ما ضر ابن عفان ما فعل بعد اليوم". فما زاده ذلك إلا تقوى، ما هذا! ومات وهو يقرأ يعني عندما يقول له لم يضر ابن فلان ما فعل بعد اليوم، افعل ما تريد، انتهى الأمر. ففعل الصلاة والذكر والصيام وتقوى الله وقراءة القرآن، وازدادت الصلة لأنه يرى ربنا. "اعبد الله كأنك تراه"، فقد كان يرى الله في كل حال. المهم أننا في السنوات الثلاث... الأولى اتسعت وابتدأت صارت فتاة اسمها زبيرة. سيدنا بلال كانوا
يعذبونه عندما عرفوا أنه يقول "صبأ" يعني كفر أي خرج عن ملة آبائه. فسيدنا أبو بكر اشتراه وأعتقه. وعندما أعتق عامر بن فهيرة وبلال وزبيرة وفلانة وعلانة، أي عندما أعتقهم هكذا، فعل ذلك لوجه الله. قوم يكون ماذا؟ لا يوجد أحد يستطيع تعذيبهم ولا هم يصارعونك. نعم، كنت ماذا؟ كنت أسيراً، كنت عبداً، لكن اليوم أصبحت حراً. نظام كهذا كان موجوداً وربنا خلصنا منه. المهم أن عمر بن الخطاب كان يقول ماذا؟ سيدنا أعتق سيدنا، الذي هو من؟ أبو بكر أعتق سيدنا الذي... مَن هو بلال؟ نعم، سيدنا
(أبو بكر) أعتق سيدنا بلال. سمعتُ مرة في إحدى القنوات شخصاً يقول: "سين بلال أفضل من شينه" أو "شين بلال أفضل من سينه". يقول إنه كان يقول "اسهدوا" بدلاً من "اشهدوا". هذا حديث موضوع، وقد نص الحفاظ على أنه موضوع باطل. سيدنا بلال كان يتكلم مؤذناً بعد ذلك لأنه كان أندى صوتاً في الصحابة، وسيدنا بلال ظل يؤذن حتى انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى. فلما انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى، لم يستطع أن يؤذن ولم يرضَ بذلك. قال: "خلاص، كنت أؤذن ورسول الله بيننا، وأما الآن فاتركوني وشأني". لم يستطع الاستمرار
وذهب إلى الشام بعيداً وعاد مرةً فألحّوا عليه بالأذان فأذّن، فبكى أهل المدينة كلها، كلهم تذكروا أيام النبي وأخذوا يبكون من صوت بلال، أعادهم إلى الجو القديم الذي كان في عهد سيدنا رسول الله. وفي السنوات الثلاث الأولى من الوحي، كان الإيمان ينتقل من شخص إلى شخص، ولكن مع ذلك فالثمانية الأوائل تبعهم أربعة وعشرون، فالحكاية أصبحت ماذا؟ يعني بتزيد، وعندما تزيد، كان هناك شخص اسمه جميل الجمحي،
هذا كان نمّاماً، نمّام قريش. ما معنى "نمّام"؟ يعني لا تتكلم أمامه بأسرار. ماذا يعني؟ يعني تقول له السر من هنا، تقول له: "جميل تعال، سأخبرك بسر"، فيقول لك: "نعم، أخبرني وقُل". هو يخرج ويفضح الأمر ويصيح بالخبر الذي أخبرته إياه على أنه سري، كان معروفاً عنه هكذا جميل الجمحي هذا. سيدنا عمر بعد ذلك عندما أسلم - سأحكي لكم حكاية جميلة - سيدنا عمر عندما أسلم أراد أن يُعلِم قريشاً، فذهب إلى جميل وقال له: "يا جميل، أريد أن أخبرك بسر"، ما شأني في هذا؟ قال له: لقد أسلمتُ. فخرج جميل وهو يرفع صوته عالياً: لقد
صبأ عمر بن الخطاب! صبأ ابن الخطاب! وهو يجري وراءه قائلاً: كذبتَ، بل أسلمتُ! كذبتَ، بل أسلمتُ! هل هناك أحد يريد مواجهة عمر الذي كان طوله ثلاثة أمتار؟ هنيئاً لنا على هذه الحكاية، فإذا بالجو لا يعرف السر مائة في المائة، لكن لا يوجد أحد يصلي في الظاهر، لا يوجد أحد يدعو في الظاهر، لا يقوم بالخطابة، لا يوجد هكذا. هذه هي المرحلة السرية. في نفس الوقت فَتَرَ الوحي، فَتَرَ الوحي يعني تأخر، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يذهب إلى غار حراء، ويتلفت في السماء في الله! طيب، أنا الآن ماذا أفعل؟ هل ما حدث لي صحيح أم ما حدث لي خطأ؟ ماذا أفعل يعني؟ أنا
الآن كل هذا ممَّ يأتي؟ إنه يربيه، ربنا يربيه. نجلس سويًا في هذه السنوات الثلاث الأولى، وفي حلقة قادمة نستكمل ما هنالك مما حول نور النبي صلى الله عليه. وسلم، فإلى لقاء، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.