السيرة النبوية - الحلقة التاسعة والأربعون

السيرة النبوية - الحلقة التاسعة والأربعون - السيرة, سيدنا محمد
سيرة الحبيب المصطفى والنبي المجتبى وأنوار تلك السيرة نعيش فيها ونلتمس منها ونقتبس. نعيش هذه اللحظات مع سيرة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم، فعند ذكر سيرته المشرفة تتنزل الرحمات ونكون في نظر الله سبحانه وتعالى وفي نوره سبحانه وتعالى. وقفنا فيما بعد بدر ورأينا كيف دبر بعض قريش صفوان. ابن أمية وعمير بن وهب لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أسلم عمير وحسُن إسلامه لما رجع إلى
مكة من المدينة. وعندما عرف صفوان بن أمية بإسلامه قال: "والله لا أفيده أبداً". ويبدو والله أعلم أن عميراً جلس يدعو إلى الإسلام في مكة، وأسلم على يديه قوم وهم ما زالوا في مكة لا يعرفون كيف يسافرون، وظلت الصداقة بينه وبين صفوان أيضاً قائمة، وعمير على الإسلام وصفوان على غير الإسلام. وذلك أنه بعد ذلك بسنين، في سنة ثمانية، عندما حصل
الفتح، ظن صفوان أن النبي سيقتله من شدة الأذى والتدبير الذي كان يفعله ضد النبي صلى الله عليه إلى جدة، التي نسميها اليوم ماذا؟ جادة جدة، لماذا؟ لأنها ساحل البحر، الساحل الخاص بالبحر. يعني من الممكن أن جدة هذه التي فرّ إليها لا تكون هي جدة التي لدينا الآن، كانت جنوباً قليلاً، يبدو هكذا، جنوباً بحوالي أربعين أو خمسين كيلومتراً هكذا من جدة التي لدينا الآن، لكن ففر إلى جدة، البحر يعني الساحل، ليذهب إلى الحبشة. يريد أن يركب مركبًا ويهرب إلى الحبشة
لأنه قدّر هكذا في ذهنه اجتهادًا أن النبي سيقتله. مع أن النبي لم يضعه ضمن الأشخاص الذين حُكم عليهم بالإعدام ولا شيء من هذا القبيل، لكن هذا كان تقديره. قال: "أمعقول بعد كل سيتركني ويهرب، فجاء عمير، أسلم سنة اثنتين بعد بدر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "يا رسول الله، هب لي صفوان". يعني عندما يقول له: "هب لي" واحداً مشركاً، لماذا؟ الأخوة والصداقة هكذا يا أخي. إذاً الإسلام يحب الشهامة والرجولة والأخوة والجوار أم لا يحبها؟
يقول... ابقَ هكذا مثل البَرص تجلس تنفخ فيمن حولك. لا، هذا يحب الشهامة والرجولة. مرة أعطى سيدنا النبي لعمر ثوباً من الحرير جميلاً، فذهب عمر وارتداه تأنقاً وشيئاً جميلاً. فرآه النبي وقال له: "ما هذا يا عمر، أترتدي الحرير؟" فقال له: "ألست أنت يا رسول الله الذي أهديتني إياه؟" قال له: "أهديتك" ولم أقل لك "البسه"، أي أنني أعطيتك إياه هدية. فأهداه عمر لأخيه المشرك، حيث كان لدى عمر أخ مشرك، فقال له: "خذ هذا الثوب هدية لك". نعم، كانت هناك علاقات بينه وبين المشرك، كانت هناك علاقات، وكانت هذه
العلاقات مهمة وقائمة ويقرها الإسلام. والحاصل أن الإسلام فعل هكذا، جاءه عمير قائلاً: يا سيدي يا رسول الله، هب لي صفوان وأمِّنه. فقال: أمَّنتُه. كان بسهولة هكذا، لا يوجد أخذ ورد ولا انتقام ولا أعرف ماذا. هذا هو الذي بنى الدنيا: التسامح والمحبة والانفتاح والعفو والتجاوز. "فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على قدير وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، هذا ما عليكم أن تفعلوه، وما تُقدّموا لأنفسكم من خير. افعلوا الخير لعلكم تفلحون. لا تجلس لتحاسب الناس على أمور أنت لا
تعرفها، ونقول هكذا يغضب. لا، نريد الانتقام. انتقام ممن؟ افعل مثلما فعل سيدنا: "ماذا تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا: أخ كريم وابن. أخ كريم قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وانتهت القصة وبدأنا عصراً جديداً من كلمة "هب لي صفوان يا رسول الله"، فوهبته لك، "أمِّنه"، فأمَّنتُه، وخلع عمامته الشريفة وأعطاها لعمير حتى إذا ما لاقى صفوان يعرفها. كانت علامة هكذا عند العرب أنك عندما تأتي بعمامته فهذا يعني أنه في أمان لا يُمس. سيفعل لي شيئًا، فأخذها عمير وجرى بالمهمة وراء
مَن؟ صفوان، قبل أن يصل إلى جدة لكي يركب السفينة. طبعًا هذه السفينة يعني سينتظر في جدة يومين أو ثلاثة أو أربعة، فيكون ماذا؟ عمير وصيده وصلا وقال له النبي: "آمنتك". قال له: "أمعقول؟ قل كلامًا آخر". قال: "والله والعمامة التي له هذه عمامته الصحيحة المعروفة، كانت عمامة النبي سبعة أمتار، تبدو أقرب ما تكون إلى عمامة إخواننا السودانيين، تجدها ذات لفات عديدة هكذا، وأقرب شيء إلى عمامة سيدنا النبي هي عمامة الأفغان. انتبهوا إلى عمامة الأفغان، فهذه كانت عمامة سيدنا النبي، نعم، تجدها بالفعل مدخلة. في خمسة ستة سبعة متر
ويرتديها كبيرة هكذا ويجعل العذبة إلى نصف ظهره تقريباً. الأفغان حتى اليوم يصنعون العذبة، أما السودانيون فلا يصنعون هذه الهيئة التي للعمامة. هذه العمامة هي التي للنبي. خلع النبي عمامته، ما هذه الحلاوة! حسناً، افترض أنه أضاعها، فلنحضر عمامة أخرى يا أخي، لكن المهم اجعل حسناً، افترض أنه لم يسلم، لم يسلم، لم يسلم. ها نحن قد فعلنا معه خيراً وسنخرجه من بلده هكذا. إذاً ما الفرق بيننا وبينه؟ دعنا نجد له حلاً هنا أو نفعل شيئاً. هذا هو ما جعل الناس تدخل الإسلام، وهو سماحة سيدنا النبي. بعد الفاصل
نرى ما الذي حدث مع... بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، ذهب صفوان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام، قال: يا محمد، دعني شهرين أتدبر وأتفكر في الإسلام، فالحياة ليست مبتلعة من حلقي، أي انظر كيف وانظر الآن، فقال: أربعة [أشهر] يا صفوان، نحن لسنا مستعجلين على شيء، أنت تريد.
شهرين أو أربعة أو خذ ما تريده، أربعة يا صفوان. فأسلم صفوان، ولم يتأخر هكذا في التفكير ولا أربعة أشهر ولا غير ذلك، بل أسلم على الفور. أسلم صفوان وحسُن إسلامه. الاثنان اللذان كانا في ظل الكعبة يدبران لرسول الله الاغتيال، هذان الاثنان أسلما، وربما كان هناك شخص آخر فعل كان يريد أن يغتال النبي وغير ذلك إلى آخره، كان اسمه فضالة. وفضالة هذا والنبي يطوف بالبيت، جاء ليتموضع بجانبه هكذا ومعه سيف يريد أن يضرب النبي. فنظر إليه النبي وقال له: "كيف حالك يا فضالة؟" فقال له: "أهلاً وسهلاً". فوضع
يده على صدره فقال: "أشهد أن لا إله إلا قال الله له: "أتريد أن تقتلني يا فضالة؟" فقبل النبي صلى الله عليه وسلم مؤيداً بعد نصر بدر في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية. دبرت قريش عن طريق عمير بن وهب اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الوقت دبرت بنو قينقاع فتنة، فكان هناك شخص اسمه شاس بن قيس هذا يهودي من بني قينقاع، وبعد ذلك مرّ على الأوس والخزرج وهم فرحون جالسون يضحكون
ويتذكرون يوم بدر وما حدث فيه وكيف نصرنا الله، وهكذا كانوا يتحدثون معاً. فاغتاظ وقال: "ما هذا؟ لا، هكذا لا بقاء لنا في المدينة"، وأحضر شاباً يهودياً وقال له: "اذهب واجلس معهم". تخاصم الأوس والخزرج خصومة شديدة في السابق، وكادوا أن يفنوا بعضهم بعضًا. ثم أصلح بينهم عبد الله بن أبي بن سلول الذي كان سيصبح ملكهم. وعندما جاء النبي، غضب عبد الله، وصار من المنافقين حتى هلك ومات. أما سيدنا النبي فقد وحّد بين قلوبهم، فأصبحوا إخوانًا على سرر متقابلين. الحمد لله فقال
لهم الله: "هل في أحد منكم يتذكر الشعر الذي قاله إخواننا الأوس يا جماعة؟ ماذا كنتم تقولون؟" ويذكر لهم بيتاً يشتمون فيه الخزرج، ثم يقول: "لكنكم لم تسكتوا، أنتم أيضاً رددتم. ماذا كنتم تقولون؟" فقالوا: "كنا نقول كذا وكذا وكذا". قال: "لكنكم رددتم عليهم". الحقيقة، يجب أنتم! أنتم أهنتموهم فقالوا: نعم، لقد قلنا كذا. قالوا: كان بينكم شخص يقول هكذا الكلام، يا سلام! قال كذا. فقالوا: نعم، لكننا رددنا كذا. قالوا: أنت تشتمني وتشتم أبي. فقال له: لا، أنت الذي تشتم أبي. فثار الأوس والخزرج مع بعضهم مرة أخرى. يهود. كان بنو قينقاع يفعلون هذا الأمر منذ وصول النبي، فيأتون إليه
قائلين: "أين الدين الذي عليك؟"، فيرد عليهم: "نعم، لقد حان موعده، وسنؤديه بعد ثلاثة أشهر في موسم البلح أو في موسم القمح أو موسم..."، فيقول له: "لا، أريده الآن"، فيجيبه: "حسناً، لكن..." عليك، حسناً أعطني فرصة فقط، نحن غير متفقين لكنني أريد الآن. جاء إليه في اليوم التالي يقول له: أنا حضرت، فقال له: لا، إنني أقول لك ليس معي. فقال له: لا، لكنني أريد الآن. حسناً، أقول لك: أعطني ولداً من أولادك وأعطيك ولداً من أولادي، ما هذا الرهن؟ عندي يا أخي، تقول له: "لا، هذا عار أن أعطيك واحداً من أبنائي وأنا مستدين منك، يعني هذا لا يصح يا أخي". ثم
يأتي في اليوم التالي أو اليوم الثالث: "حسناً، أعطني واحدة من نسائك، أختك أو زوجتك أو أمك". فيقول له: "يا أخي، هذا عيب، لا يصح، هذا استفزاز! لي دَيْنٌ عند يهودي، فذهبت إليه وقلت: "لو سمحت، الدَّيْنُ حَلَّ". فقال: "أيُّ دَيْن حَلَّ يا سيدي؟ أنا أعطيتُكَ إياه وأنتَ كنتَ تعبدُ الأوثان، أما اليوم فأنتَ تعبدُ الله الواحد القهار. ليس لك عندي شيء، لقد غيَّرتَ دينك. ذاك كان فلانٌ الوثني، وأنتَ لستَ فلاناً الوثني، فكيف أعطيك الدَّيْنَ إذن؟" يا إخواننا فقط احضروا يا جماعة، تعال يا هود، تعالوا اشهدوا،
إنه يريد أن يأخذ مني الدين الذي في ذمتي بالرغم من أنه أسلم. أهذا كلام يرضي ربنا؟ استفزاز طوال الليل والنهار، والنبي صابر، والمسلمون صابرون ومطيلون بالهم وموسعون صدورهم ومتحملون هذا البلاء. استفزاز! يمشون هكذا فيجدون النبي جالساً مع... اثنان أو ثلاثة من أصحابه أقسموا عليك يا محمد، ويشير لهم بيده هكذا، قسم عليك يعني الهلاك عليك يا محمد. فيقوم النبي ويقول لهم: "وعليكم" - عليه الصلاة والسلام - ويصبر ويطيل باله. كل يوم
انتبهوا، نحن مهاجرون متى؟ في ربيع الثاني عشر. ربيع وصل سيدنا. ها هي سنة وربيع وشعبان الذي تحولت فيه القبلة، إنها ثمانية عشر شهراً، لقد أصبحنا في التسعة عشر شهراً، كل يوم في هذه التسعة عشر شهراً كان نكداً، فقط لكي يفهم الناس عندما تقرأ الحادثة أن النبي طرد بني قينقاع. ماذا يعني هذا؟ أهذا جبار؟ لا، ليس جباراً، لا، ليس جباراً، إنه حبيبي، إنه تسعة عشر شهراً كل يوم يضايقونك أنت وأتباعك وأنت تضبط الذين معك وتقول لهم لا يهم،
حسناً فلنوسع صدورنا، حسناً فلنصبر، حسناً لا يهم هذه المرة، حسناً لا يهم هذه المرة. ضاق بهم الحق يا إخواننا. اقرأ السيرة، اقرأ السيرة، هذه السيرة فيها أشياء عجيبة في سورة آل عمران يا... ذكر المفسرون مضايقات كثيرة جداً، وسأعطيك مثالاً واحداً فقط لضيق الوقت. عشرات من المضايقات ضايقت المسلمين حتى خنقتهم وجاءت هذه الفتنة. فقام النبي عليه الصلاة والسلام وحل المشكلة وقال لهم: "يا جماعة، أتظنون أن الله يفعل هذا وأنا بينكم؟ فكفوا ولا تفعلوا هكذا، أتريدونها؟" جاهلية يعني جاهلية. احذروا أن تفعلوه هكذا دائماً. التفوا واحتضنوا بعضكم بعضاً وانتهت الفتنة التي أثارها
شاس اليهودي. شاس هذا هو ابن قيس. النبي عليه الصلاة والسلام قال هكذا: لا يجوز أن تصل الأمور إلى أن نحمل السلاح على بعضنا. لا، يجوز هكذا. أنتم بهذا خالفتم صحيفة المدينة، أليس مرةً أو مرتين، أو خطأ أو خطأين، هذا أصبح خطة. لا يوجد فيها عهد ولا ذمة ولا أدب ولا أي شيء. ولذلك حرك الجيش إلى حي بني قينقاع. هؤلاء كانوا أخطر اليهود لأن عندهم سلاحاً أكثر من غيرهم.
عندهم سبعمائة مقاتل وهم موجودون في قلب المدينة، مما يعني فتنة داخلك ليس هناك. ذهب وحاصرهم وحاصر القلعة التي له خمسة عشر يوماً. متى فعل ذلك؟ في يوم الخامس عشر من شوال، أي بعدما رجع بحوالي أسبوعين أو ثلاثة. بعدما رجع من ماذا؟ من بدر بأسبوعين أو ثلاثة. حرّك الجيش وأحاط بهم وعرف أن هناك اتفاقات أولاً لاغتياله وثانياً للفتنة. بين المسلمين فبادر بمحاصرة بني قينقاع، فاستسلموا،
وأخذ سلاحهم وأموالهم وطردهم خارج المدينة، فذهبوا إلى قرية في الشام اسمها أذرعات. التي يذكرونها في النحو، فأذرعات هذه، نعم، أذرعات قرية، هي التي ذكرها ابن مالك، وهي التي نزل فيها بنو قينقاع، وبذلك انتهت فتنة بني قينقاع هؤلاء. وانتهينا منها، وهجرتهم إلى الشام بحكم قضائي. بحكم قضائي يعني أن هذا حكم قضائي وليس افتراءً على خلق الله، إنه مخالفة للقانون والدستور وأمن البلاد مما جعلهم يستحقون هذا الحكم. حكم مثل حكم النفي. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.