السيرة النبوية - الحلقة التاسعة والعشرون

السيرة النبوية - الحلقة التاسعة والعشرون - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار الحبيب المصطفى والشفيع المجتبى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات مع سيرة العقاب والأقوال التي تحتاج منا إلى دراسة واعية نقف فيها عند مواقفه ونرى كيف كان يعامل هذا. الكون يعامل الإنسان ويعامل قبله الرحمن سبحانه وتعالى. السيرة كنز لا يفنى،
عسى أن تنال بركته في الدنيا وشفاعته في الآخرة صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. في السنة الحادية عشرة من النبوة عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام على القبائل، والإمام الزهري يعدد هذه القبائل. التي عرض عليها الإسلام وهي كثيرة وأغلبها لم يصدق برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من هذه القبائل بنو حنيفة وكانوا أشد الناس سوءاً في الرد على رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وبنو حنيفة ذهب إليهم في منازلهم وكان أيضاً من القبائل التي عرض عليها الإسلام بني كان في قبيلة عامر بن صعصعة ولد ذكي اسمه بحيرة بن فراس. عندما سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تفكيره مبنياً على المصلحة لا المبادئ ولا العقيدة ولا الحقيقة، فقال له: "والله يا
محمد، لو اتبعناك لأكلتنا بك العرب". هذا هو منطق المصلحة: "لو اتبعناك لأكلتنا بك العرب"، الأمر من بعدك لنا، أي يعني مفاوضة سياسية راقية. دائرة السياسة ودائرة الدين، أنا آتٍ لأدعوك إلى الله حتى أخرجك من ضيق الشرك إلى سعة التوحيد، ومن ظلم الدنيا وظلمتها إلى نور الآخرة. أملك بعدي أم ليس بعدي؟ فقال له سيدنا صلى الله عليه وسلم: "ماذا يقولون؟" فتجعل لنا. الأمر بعدك يكون
الأمر لنا بعدك. فقال له: الأمر لله. لِمَ الخلط بين دائرة السياسة ودائرة الدين؟ السياسة مكانها سياسة، ونتعامل فيها بسياسة جيدة، ونرى ما الأمر، ونتفاوض. لكنني لم آتِ إليكم الآن للسياسة، أنا أتيتكم للدين. أنت على حال وأريد أن أجعلك على حال آخر. فقال له: إذاً... لا حاجة لنا بك، نقاتل معك ونمكّن لك، ثم تجعل الأمر من بعدك لغيرنا. هذا لا ينفع في المصالح، لا ينفع. صحيح هكذا سياسياً، لا ينفع. يجب عليّ أن أعطي وآخذ،
والمصالح أخذ ورد، العدل هكذا. عندما نفعل شيئاً مع أمريكا نعطيها ونأخذ منها، لكن أن نعطيك ولا نأخذ شيئاً، هكذا الدين فيه أنك تعطي ولا تريد منه جزاءً ولا شكوراً، لا تسأله عن ذلك أجراً، تعطي فقط، حب في حب، هكذا. أما إذا كنت تريد أن تعطي وتأخذ فحسن، لكن هذه دائرة أخرى. فنحن ماذا نفعل الآن؟ لا تختلطوا، هذه دائرة وتلك دائرة أخرى. فقالوا له: لا حاجة لنا صحيح هكذا، أي أنه لن يقول إنه لا إله إلا الله ومحمد رسول الله لأن هذا هو الحق، بل سيقوله لكي يُطعم به العرب ثم يُطعم به العالم، بشرط أن يكون الأمر سياسة، وهو ليس يلعب
السياسة صلى الله عليه وسلم، بل يُبلِّغ ديناً. نعم، فالرجل الذي اسمه... بحيرة ابن فراس هذا كشف لنا عن شيء مهم جداً وهو دائرة السياسة الحزبية هذه والملك وما شابه ولا أعرف ماذا والنقابات وما بين الدين الذي هو في "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وفيه أحكام وفيه عطاء تعطي حتى لا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك، قم. تكون من أهل ظل عرش الرحمن. حسناً، عندما رجعوا إلى كبيرهم، ذهبوا إلى قبيلتهم بني عمرو بن ضماد. عندما وصلوا، ذهبوا إلى
حكيمهم وهو رجل كبير في السن، لم تذكر الكتب اسمه، فعرضوا عليه الحال وقالوا له: "ماذا نفعل؟" فقال لهم: "لا شيء، كان ينبغي أن تُسلِموا، فهذا لا يُعَوَّض". وقصة "بعدك" و"ليس بعدك" تأتي لاحقاً، فهو أيضاً كان يمارس السياسة لكن بشكل دقيق نوعاً ما. كان يمارس السياسة أيضاً وقال لهم: الله، انتظروا، ادخلوا الإسلام وكل شيء، وكُلْ مع العرب، وبعد ذلك سيحلها الله. وتأسف كثيراً عليهم لأنهم لم يدخلوا الإسلام، لكن أيضاً أنت عندما تقرأ السيرة يجب أن بعمق انظر كيف أن هؤلاء الناس يمارسون السياسة، وسيدنا يقول إن الدين لا يُلعب به. هذا لعب،
وإذا أردت أن تمارس السياسة فمارسها ولكن بقواعدها، ولا تقحم الدين فيها. نعم، سيدنا أيضاً في السنة الحادية عشرة أخبرنا أنه دعا القبائل ودعا الأفراد، فمن ضمن الأفراد كان رجل اسمه ضماد، وهذا ضِمَادُ الأَزْدِيُّ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ. فَضِمَادٌ لَمَّا جَاءَ مَكَّةَ سَمِعَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: "نُحَذِّرُكَ". فَقَالَ لَهُمْ: "تُحَذِّرُونَنِي مِنْ مَاذَا؟" قَالُوا لَهُ: "إِنَّ هُنَاكَ رَجُلًا ظَهَرَ بَيْنَنَا مَجْنُونًا يُدْعَى مُحَمَّدًا، يَدْعُو إِلَى شَيْءٍ، وَيَقُولُ إِنَّهُ
نَبِيٌّ وَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، لَا نَدْرِي مَاذَا، فَعَلَيْكَ أَنْ تَحْذَرَ مِنْهُ". قَالَ لَهُمْ: طيبٌ، حاضرٌ، خلاصٌ. لقد حذَّرنا من شخصٍ اسمه محمد، تقول عنه أنه مجنون. قال: "نعم، إنه مجنون". سنرى الآن ما هي قصة ضماد مع سيدنا النبي بعد قليلٍ. والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. ضماد الأزدي عندما جاء وقالوا له: "هذا النبي" طبيب
يعالج من الجنون، يجلس المرء أمامه ويأتي ليراه ويعالجه لأنه طبيب. الطبيب دائماً، الطبيب الأصيل يعني، يكون محباً لتقديم خدمته للناس. فقال: "الله، إنه مجنون، فلنجلس معه ونقدم له بعض الأشياء التي أعرفها، عسى الله أن يعفو عنه ويخلصه من هذا الجنون". فذهب واحتك به بسيدنا وقال. له يا محمد، يعني سمعت أنك بصحة جيدة قليلاً هكذا، فلماذا لا تأتي وأنا عندي علاج؟ قال له: حسناً، اجلس، نعم اجلس. إن الحمد لله نحمده
ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال له: نعم، أعد علي ما قلت. فأعادها عليه. فقال: نعم، أعد علي ما قلت. فأعادها عليه ثلاثاً. قال: يا محمد، سمعت كلام الكهان وهذا ليس بكلام الكهان، وكلام المشعوذين والسحر، وهذا ليس بكلام المشعوذين والسحر، واعلم الهذيان. من صحيح الكلام وهذا ليس بهذيان يا محمد، إن هذا كلام
فصيح، من أين أتيت به؟ فتلا عليه القرآن، فقال له ضماض: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. وعرف أنه ليس لديه رقية النملة التي معه ولا غيرها، وأنه ليس فيه سحر ولا شيء. كانوا يسمون المجنون نُخرِج الريح، هذه الريح التي يُسمّونها الآن الكيميائيات التي في المخ، أي أن المخ يحتوي على كيمياء، هذه الكيمياء نُعالج هذا الاضطراب فيها فيعود الشخص مرة أخرى سليماً لا يصيبه شيء. وقد كانوا يسمونها في ذلك الوقت "الريح"، فقال: "أردتُ أن أُخرِج الريح منه"، واتضح أنه عاقل وأنه نبي وأنه إن عالم الطب الذي يُسلم فهذا أسلم له.
ولماذا هو أسلم؟ لأنه عالم. والله ما هو يعرف... إنهم يعرفون مثل ماذا؟ مثل السحرة الذين كانوا مع موسى. لماذا أسلموا مع موسى؟ لأنهم علماء، قالوا هذا ليس سحراً. نحن العلماء أكثر دراية بالعلم في العالم وفي السحر، وهذا ليس سحراً، وأيضاً بالسحر تفعل هكذا فهذا من عند الله، فذهبوا وأسلموا. فالحكاية أن العالِم أقرب الناس إلى الإيمان إذا أراد، وأغمض عينيه لما أراد. ولأنه دخل بنية ليس فيها تحدٍ ولا صدام ولا ما شابه ذلك، وإنما دخل بنية للإصلاح، ولأنه يعالج من ظنه
كذلك. قوم أسلموا لأن الله هداهم، فنحن نحتاج النية الصالحة. أسأل الله أن يهديك دائماً. شخص ألّف ثلاث مجلدات، والطب محراب الإيمان. نعم، لماذا كل الجسم البشري بأكمله يشهد أن لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. من ضمن الأشخاص الذين تحدث إليهم سيدنا في هذا الوقت وهذه السنة الحادية عشرة، ونحن ما زلنا في الحادية عشرة، كان عمرو الدوسي من كبار النقاد والأدباء، وكان من أشهر النقاد الذين كانوا يُستدعون إلى الأسواق ليحكم بين الناس في الكلام. كان ناقداً فنياً وشاعراً وأديباً وخطيباً
وسيد قومه. وداوس هذه منطقة قريبة من اليمن. فأول ما دخل مكة، وحسب العادة، ذهبوا إليه وقالوا له هذا. لدينا شخص مجنون ساحر وما إلى ذلك، لا أعرف ماذا، احذر من الاستماع إليه لئلا يكون كذا وكذا، فوضعت في أذنيَّ القطن، الذي هو مثل هذا القطن، وضعته في أذني هكذا حتى لا أسمع، وذهبت إلى الكعبة وجلست، فأراد الله لي أن أسمع بالرغم من أن القطن - أتعجب أو هذا القطن ضَعْهُ في ماذا؟ في أذني، بعض الألياف هكذا. كيف أسمع؟ من المفترض أنني لا أسمع. فجاء النبي ودخل في الصلاة،
سمعَ. والنبي لم يكن يرفع صوته على فكرة، نعم، ولكن مَن يريد الله له خيراً وهداية، يوفقه. فالمهم، الحاصل أن سيدنا النبي دخل وصلى، ولم يكن يجهر. بصلاته ويصرخ وهكذا وصاحبنا جالس هكذا واضعاً أذنه في ماذا في أي شيء، فسمع شيئاً فأراد الاستزادة قال: ما هذا؟ والناقد يمسك النص ويحلله، جاء ليحلله فوجده أكبر منه. وهكذا يقول صادق الرافعي: يقول إن القرآن عجيب جداً، عندما تأتي لتتكلم ونكتب كلامك، قم أنت وستجد نفسك تريد أن تضيف. شيءٌ آخر، فدائماً أنت تكون
أكبر من كلامك، كلنا هكذا، ولذلك تقول ماذا تعني وأنت تتحدث، فتقول له: "أقصد يعني"، وتجلس تفسر نفسك وتعيد وتزيد. القرآن مختلف عن ذلك، القرآن عكس كلام البشر، فإنه أكبر مما يخطر في بالك، هل أنت منتبه؟ هو وحده هكذا، ولو قرأناه جميعاً، كل واحد شيء آخر وكله صحيح، كيف ذلك؟ فمصطفى صادق الرافعي رحمه الله قال: هذا هو، هذا هو الأساس لإثبات أن هذا كلام الله وليس كلام البشر، أنه أكبر مما في النفس، وكل يوم يتضح لك معنى جديد، وكلما قرأت تجد الرازي يقول شيئاً آخر والقرطبي.
يقول شيئاً ثالثاً، وابن عطية رابعاً، والثاني طاهر بن عاشور خامساً، والشيخ محمد عبده سابعاً، وهكذا. ما هذا؟ لماذا هكذا؟ قال: هذا عكس كلام البشر، كلام البشر يكون أقل من هذا. اذهب معه إلى البيت وقال له: تعال الآن، لقد نهوني عنك لكنني أريد أن أسمع منك. وجلس يحلل القرآن نقديا فأسلم الطفيل بن عمرو الدوسي، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعاني في الدعوة إلى الله، فاللهم صلِّ عليه. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله