السيرة النبوية - الحلقة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع التعرف على أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم، ذكرنا أن مولده الشريف كان في صباح يوم الاثنين قبل شروق الشمس، وكان هذا في عام الفيل. والفيل حاول أن يهجم على مكة في الثالث عشر من محرم في ذات السنة التي وُلِدَ فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وَوُلِدَ
النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بنحو ستين يوماً، فكان ميلاده في الثاني عشر من ربيع الأول في هذا العام، وبالحساب اليولياني فهو خمسمائة واثنان وسبعون، مات كسرى أنوشروان. في سنة خمسمائة واثنين وسبعين، والنبي صلى الله عليه وسلم كان عمره ثماني سنوات. وكانوا يؤرخون بوفاة كسرى أنوشروان، وكانت العرب تؤرخ بعام الفيل. فقد وُلد النبي صلى الله عليه وسلم بعد ستين يوماً من عام الفيل. وُلد الهدى فالكائنات ضياء، وفم الزمان تبسم وثناء، فلما هلّت طلعته
الشريفة البهية. قبل طلوع شمس الدنيا فكان علامة فارقة إلى يوم الدين بين النور والهداية والكلمة الأخيرة من عند الله للبشر وبين الجاهلية والظلام الذي كان يعيش فيه الناس فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين وذكرنا أنه قد حضر الميلاد الشريف كل من الشفاء بنت عوف وهي أم عبد الرحمن بن عوف الذي أصبح حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وحضر الميلاد الشريف مع السيدة آمنة أيضًا فاطمة أم عثمان ابن أبي العاص وحضرت
الميلاد الشريف أم أيمن بركة وهي كانت جارية لأبيه صلى الله عليه وسلم وقد ورثها النبي صلى الله عليه وسلم لأن أباه مات وأمه أيضًا. السلام. حاملة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم والرابعة ممن حضرن الميلاد الشريف هي ثويبة. وكانت ثويبة جارية لأبي لهب اعتقها بعد ذلك. قيل إنه أعتقها لما بشرته، وقيل إنه أعتقها لما هاجر النبي إلى مكة. وعلى كل حال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم احتضنته أمه آمنة. فكان لها بذلك شرفٌ
ما بعده شرف، فكلُ أمٍّ لها مِنَّةٌ على أبنائها إلا سيد الخلق فهو له مِنَّةٌ على أمه وعلى أبيه وعلى العالم جميعاً، فالحمد لله أن جعلنا من أتباع ذلك النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم. حضنته آمنة أي ضمت جسده الشريف إليها فارتقت. بذلك في مراتب الشرف وأرضعته ثويبة. هذه التي حضرت مولده أرضعته فصارت أماً له. يجب أن نعرف أمهات النبي: السيدة آمنة هي أمه بالميلاد، وثويبة
أرضعته فأصبحت أمه من الرضاعة. وحتى نعرف إخوة النبي يجب أن نرى من هو ابن ثويبة لأنه سيكون أخاه صلى الله عليه وسلم من ثويبة كان اسمها مسروح، حيث كانت أسماء العبيد هكذا. وكانت البنت عندما تكون جارية وأنجبت، يكون مسروح هذا ملكاً لأبي لهب أيضاً، أي أن أبناءها يكونون ملكاً لسيدها. لقد تزوجت في أمانة الله وأنجبت مسروح، لكن مسروح هذا هو ابن مَن؟ ملك مَن؟ إنه ملك السيد، إلا إذا كان السيد أنجبت منه لا عليها، هذه تكون مشكلة عندهم مثل عنترة ابن أبي شداد كان من أبيه من سيد أمه فكانت مشكلة،
لكن تزوجت ثويبة وأنجبت مسروحًا، فيكون مسروح هذا أخا النبي. صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يبر هؤلاء الناس، يبر ثويبة، وسنرى من أيضًا فسأل. عندما تمكن في المدينة وجاءت الأموال وما إلى ذلك، سألوا أين مسروح؟ قالوا له: مات. إذاً فمسروح مات قديماً، ولذلك لا أحد يعرفه، إنما هو أخو النبي في الرضاعة كما ورد في الآية، لأنه ابن ثويبة. حسناً، فالسيدة آمنة
احتضنته، وثويبة أرضعته. من أرضعه أيضاً قبل أن يسلموه لحليمة السعدية؟ التي هي الجارية هذه فكان يقول أم أيمن أمي بعد أمي صلى الله عليه وسلم، إذن في ثلاثة لازم نحفظهم: السيدة آمنة عليها السلام التي هي حملت وولدت، وبعدين ثويبة أرضعته وابنها مسروح مات الذي هو يكون أخو سيدنا النبي لكن مات يعني هو يظهر صغيراً أو ما شابه ذلك. عنه فوجده قد مات، وأم أيمن بركة أرضعته فصارت أمًّا له في الرضاعة. بعد ذلك أم أيمن هذه زوّجها
سيدنا النبي لزيد بن حارثة، وكان يحبه كثيرًا. كان حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة كبيرًا. خطفوه وجاؤوا وباعوه في مكة وهو من العرب الخُلَّص، إنما أمر هكذا فاشتراه ووقع في يد النبي، كان النبي هو سيده فأعتقه وأسلم زيد، ومات في حياة النبي شهيداً وكان راضياً عنه. عندما تزوج زيد أم بركة، يعني أصبح زيد هذا زوج أم بركة، وأم بركة أم النبي لكن في الرضاعة. أنجب منها أسامة، بن زيد البطل المغوار. بعد ذلك
قاد الحروب وما إلى آخره، وكان يحب رسول الله، فهو ابن الحبيب، ما رأيك أن يكون أسامة أخاه في الرضاعة؟ لا أحد ينتبه لهذه الأمور. يجب عليك أن تعرف نبيك، يجب أن تعرف نبيك، فانظر كيف أنه عندما تزوجت أم أيمن زيداً وأنجبت أسامة، أنت تعلم... لو كان أسامة هذا بنتاً، لما كان يمكن للنبي أن يتزوجها، لماذا؟ لأنها أخته في الرضاع ولا يمكن أن يتزوجها. لكن الله رزقهم بأسامة، فأسامة هذا كان محبوباً جداً لدى النبي من عدة جهات: الجهة الأولى أمه، قال: "هذه أمي بعد أمي"، والجهة
الثانية أبوه الحبيب الغالي زيد بن حارثة. الذين كانوا يقولون عنه زيد بن محمد، والثالث الجهة الثالثة هذا أخوه من الرضاعة، والجهة الرابعة أن أسامة كان فارساً نبيلاً، وكان النبي يحب الفرسان النبلاء، كان يحترم أسامة بن زيد. إذاً، إذا كان النبي يحب أسامة هذا كثيراً، فلماذا؟ لأنه أخوه، ولأنه ابن الغالية وابن الغالي، ولأنه فارس نبيل. فإذا آمنة احتضنته، وثويبة أرضعته، وأم أيمن أرضعته أيضاً وهم
يحتضنونه. فجاءت حليمة وكانت ستعود بدون ولد لأنه نشأ يتيماً، وكانت المرضعات يردن أن يكون أبوه حياً ليمنحهن مالاً إضافياً إكراماً للمحافظة على الولد، وكذلك مكافأة الرضاعة وأجرها. ثم قالت: "لا، لن أرجع فارغة اليدين، فهذا ليس من عاداتي". قبيلتنا هكذا، يجب أن آخذ شخصاً ولم يبق إلا هذا اليتيم، فالله يدبر والله يرتب. جعل الناس تبتعد عنه لأنه لا يريدهم، ربنا لا يريدهم. إنه يريد حليمة، فهي التي ترضع وهي التي تبارك وهي التي تأخذ الشرف.
ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. بعد الفاصل نواصل في هذه الأنوار التي تموج بنا موج البحار، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، مع أنوار النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم. عرفنا أمهاته من الرضاعة: ثويبة وكان ابنها مسروح، وأم بركة أم أيمن. أم أيمن هي بركة وكان ابنها أسامة، فيكون
مسروح وأسامة إخوة النبي من ما لهُ أخٌ، هو وحيدٌ فريدٌ، ليس له أخٌ من أبيه وأمّه الثالثة حليمة السعدية من بني سعد. كانت قريش تحبّ بني سعد كثيراً، وبينهم وبين بعضهم اتصال. لماذا؟ لأن الهواء كان نقياً، أنقى هواء، وكانت ألسنتهم أفصح لسان. إنهم مهتمون باللغة لأن اللغة السليمة تؤدي إلى الفكر السليم. المستقيم ولذلك كانوا مصممين على بني ساعدة لماذا؟ لأن الطفل هناك يستنشق هواءً نظيفاً طازجاً كما يقولون، ولأنه يسمع
كلاماً صحيحاً فيصبح فصيحاً. وكان سيدنا أفصح العرب من قريش وتربى في بني سعد. لا يوجد شيء آخر، فهو أفصح العرب، كان أفصح العرب صلى الله عليه وسلم. كما أنه كان منوراً بل كان نوراً عليه الصلاة والسلام. ولكي نُعرّف بقية الإخوة نقول أن حليمة كان عندها اثنان: عبد الله والشيماء. كانت قوية البنية قليلاً، عمرها حوالي أحد عشر أو اثني عشر أو ثلاثة عشر عاماً، يعني كانت كبيرة قليلاً، فكانت تحتضنه صلى. الله عليه وسلم، وعندما تكون
حليمة مشغولة أو لديها أمر ما، فإنها تحمل الطفل المبارك عليه الصلاة والسلام فتحتضنه في حضنها. إذن، الحاضنات غير المرضعات، لكن المرضعة حاضنة، والحاضنة ممكن ألا تكون مرضعة. الحاضنات هن: آمنة، ثويبة، أم أيمن، بركة، حليمة، الشيماء. والله، ها نحن نزيد، فهؤلاء هن. الحواضن الشيماء لم تكن ترضع بعد، كانت صغيرة هكذا، ولكن حليمة كان عندها عبد الله وهو الذي رضع النبي معه، يعني يكون عبد الله والشيماء أخوان النبي من الرضاعة. عندما يسألك أحد:
كم عدد إخوة النبي؟ ستقول له: ليس له أخ. نعم صحيح، ليس له أخ شقيق. إنما إخوة النبي من الرضاعة يعني أربعة. إذاً الشيماء إذا دخلت، فلا يجوز أن يتزوجها لأنها أخته في الرضاعة. من هم إخوة النبي إذاً؟ مسروح، هذا واحد، وأسامة، هذان اثنان، وعبد الله، هؤلاء ثلاثة، والشيماء، هؤلاء أربعة. تم العدد، وهم أربعة إخوة للنبي عليه الصلاة والسلام. نعم. سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وُلد في هذا اليوم الأغر يوم الاثنين، ولما
وُلد في يوم الاثنين وتشرفت الدنيا به، حضنه خمسة أو ستة ممن ذكرناهم، وأرضعته ثلاث نساء، فهن أمهاته. سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد ذلك نريد أن نرى أعمامه. عندما وُلد كان جده عبد المطلب كان لدى المطلب أحد عشر ولدًا، فمن هم الذين أدركوا بعثة النبي عندما بلغ النبي عليه الصلاة والسلام الأربعين من عمره ونزل عليه الوحي وقال: "يا جماعة، لقد
نزل عليّ الوحي"؟ كان يعيش منهم أربعة - لا أريد أن أشتت انتباهكم - كان يعيش منهم أربعة، ولن نذكر الأحد عشر. عَشَرٌ إذًا لأنهم ماتوا في الجاهلية ومنهم عبد الله أبو النبي، ليس عليهم [حرج]. الأربعة الذين كانوا على قيد الحياة: أبو لهب - هذا واحد - كان يحب النبي كثيرًا. أبو لهب هذا هو، سبحان الله، أمره هكذا. وأبو طالب الذي تربى النبي في بيته، الذي دافع عنه. أبو طالب كفر الذي هو من؟ أبو
لهب. اثنان أسلما إسلاماً صريحاً مريحاً وهما سيدنا حمزة وسيدنا العباس، لا خلاف عليهما. اتفق الناس على إسلامهما وأحسنا إسلامهما وجاهدا في سبيل كل شيء. وواحد فيه كلام قيل وقال وهو أبو طالب. مذهبنا أن أبا طالب أسلم لحديث العباس: "يا محمد، إنه..." قال الكلمة التي أمرته بها، إنه قال الكلمة التي طلبت منه قولها، "لا إله إلا الله". فلما ابتعد النبي قليلاً، قال له العباس: "إنه قال الكلمة التي أمرته بها". العباس وقومه أناس عندهم شهامة وكرامة، لا يكذبون، هم أناس أصحاب
أصول، كان عندهم الكذب خيبة أبداً، فالنبي عليه. الصلاة والسلام، حسناً، ماذا أفعل؟ أنا قلت له قُلْ لا إله إلا الله. وقد ألّف الشيخ زيني دحلان كتاباً اسمه "أسنى المطالب في نجاة أبي طالب"، أورد فيه أدلة كثيرة على إسلام أبي طالب. وأنت عندما تقول بإسلام أبي طالب، هل ستنقص شيئاً؟ لن تنقص شيئاً. كان النبي في كفالة المطلب ويبقى إذا كان لدينا بهذا الشكل ماذا أصبح لدينا؟ أربعة أدركوا النبوة: واحد كفر وهو أبو لهب المذكور في القرآن، واثنان أسلما قطعاً وهما حمزة والعباس، وواحد
لدينا أنه أسلم، فيكونون ثلاثة. الأدلة قائمة على ذلك لدينا، لكن إذا جاء شخص وقال لك: لا، كان كافراً، فلا تجادله واتركه. لأنَّ فيها خلافًا وليست قضية، حسنًا، لقد ذكرنا إخوته الذين هم: ذكرنا مسروحًا، وذكرنا أسامة، وذكرنا عبد الله، وذكرنا الشيماء. لا ننساهم أبدًا. في جزئية آتية من مصدر آخر، أي بطريقة غير مباشرة هكذا، وهي أن ثويبة عندما أرضعت سيدنا النبي ومعها مسروح، أرضعت سيدنا حمزة أيضًا، أرضعت... سيدنا حمزة فأصبح حمزة أخا
النبي صلى الله عليه وسلم في الرضاعة، فأصبحنا خمسة، أي أن إخوة النبي خمسة: أربعة صبيان وبنت. لكن حمزة جاء بطريقة ملتوية قليلاً، حيث أن ثويبة أرضعت سيدنا النبي وأرضعت مسروحاً ابنها بالطبع، وأرضعت سيدنا حمزة، فصار حمزة أخا النبي في الرضاعة كذلك. مثل هكذا مثل ما حدث مع أسامة مثل ما حدث مع مسروح مثل ما حدث مع عبد الله والشيماء. إذاً هو هكذا، فأصبحنا خمسة: أربعة صبيان وبنت. هؤلاء الآية، الإخوة الأشقاء؟ لا، هؤلاء من الرضاعة. إذاً عرفنا الإخوة، وعرفنا الأعمام الذين أدركوا النبوة، والأعمام
كانوا إحدى. دعنا من أحد عشر الآن، ولنتحدث عن الأعمام الذين أدركوا النبوة، والذي تكفل به أبو طالب، وأسلم حمزة والعباس، وأما أبو لهب فإلى لقاء آخر مع أنوار سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. أنوار كأمواج البحر، يا رب أن يكون كل واحد منا غريقاً في النور. آمين أنوار النبي صلى
الله عليه وسلم. فاللهم صلِّ وسلم عليه. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.