السيرة النبوية - الحلقة الثالثة والثلاثون

السيرة النبوية - الحلقة الثالثة والثلاثون - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات، عسى أن يشفعه الله فينا يوم القيامة، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يسقينا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً وأن يدخلنا ببركة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب وأن نكون في رفقته صلى الله عليه وسلم عند مليك مقتدر. وصلنا في
سرد السيرة النبوية الشريفة إلى العقبة الثانية في سنة ثلاث عشرة من بدء النبوة في مكة وقلنا إنه بعد انصراف الحجيج عرفت مكة بخبر هذه البيعة، فسألوا عبد الله بن أبي عنها فأنكرها، إذ لم يكن يعرف. وكانوا سيُعيِّنونه ملكًا في المدينة وكان كبيرهم، إلا أنه لم يكن على علم بها. وبعد أن انصرف اليثربيون - أهل المدينة من الأوس والخزرج - تأكدوا من صحة الخبر، فتبعوهم وقبضوا مكة فأنقذه من أيديهم المُطعِم بن عدي والحارث
بن حرب بن أمية أخو أبي سفيان، وسافر سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه إلى المدينة. وكان سعد يحمل في نفسه هذه الأذية التي آذاه بها أهل مكة من غير سبب ومن غير حق، وكان سعد من أقوياء العرب متيناً. هكذا مثل سيدنا عمر، وكان سعد بن عبادة له ابن اسمه قيس بن سعد أخذ من أبيه قوة الجسد وزاده الله بسطة في الجسم أيضاً، فكان
إذا ركب الفرس خطّت قدماه في الأرض، يعني عندما يركب الفرس هكذا رجلاه تصلان إلى الأرض. كيف هذا؟ إنه طويل جداً هكذا، يعني مائتان اسم قيس بن سعد بن عبادة، ومن قوة جسده جعله النبي صلى الله عليه وسلم على شرطته، أي قائد الشرطة في المدينة الذي هو الأمن الداخلي. قيس بن سعد بن عبادة. مؤهلات القوة حينئذ كان لها أهمية كبيرة جداً في الجسد، أي الجسم
الكبير. هذا قويُّ الجسد، هذا يعني أيضاً أنه في الأمور العسكرية ونحوها له السلطة. سنرى لاحقاً هناك في فتح مكة ماذا فعل سعد بن عبادة وماذا فعل قيس بن عبادة بن سعد بن عبادة، لأن سعداً وهو غاضب من أهل مكة نظر إليهم هكذا وقال لهم: "ها، ما رأيكم؟" ها نحن قد أتينا، اليوم هو يوم الملحمة، اليوم هو يوم الملحمة. أبو سفيان سمع هذه الكلمة أو أن شخصاً نقلها إليه، فذهب مسرعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "سعد يقول اليوم يوم الملحمة، يعني سيصل
الدم إلى الركب أم ماذا؟" فقال: "كذب سعد، أخطأ". "كذب" يومُ الرحمةِ، عليه الصلاة والسلام، عالجَ الأمورَ وأنهاها في لحظة. لم يقل: هيا ندخل في نزاعٍ وفي حسابٍ وغير ذلك، أنت مخطئ، لا لستُ مخطئاً أبداً. قال: "اليومَ ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم؟" قالوا: "أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم". قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". حلَّ المسألة، فدخلوا في دين الله أفواجاً جديدة، من عرف هذا الدرس؟ مانديلا. ما هو مانديلا؟ إنه من عرف هذا الدرس،
فعندما قام بالثورة في جنوب أفريقيا قال: هذا أمر بسيط، المصارحة والمصالحة، المصارحة والمصالحة. الله! إنه يقرأ سيرة هذا أم ماذا؟ كأنه يقرأ سيرة، نعم. إذاً ماذا؟ المرء يحزن أن أصحاب الكنوز لا يستفيدون منها، ولكن. يفرح من جهة أخرى أنه صلى الله عليه وسلم كان رحمة للعالمين يستفيد منه كل أحد. المصارحة والمصالحة قد أجراها مع أهل مكة وانتهينا. المهم أن نعود إلى موضوعنا لأن الوثنيين من أهل مكة رأوا هؤلاء الناس وقبضوا على سعد ثم
أطلقوه، ومشى سعد بعدما ضربوه ضرباً شديداً لا داعي بعد ذلك أصبحنا في أي وقت الآن؟ قيمة عشرين الحجة. قل خمسة وعشرين الحجة. في سنة ثلاث عشرة بدأ الصحابة يهاجرون. رأوا شخصاً يخرج مع أولاده، وماذا حدث؟ إلى أين هم ذاهبون؟ رأى شخصاً آخر، ثم شخصاً ثالثاً. بدأت القصة تزداد، فبدأ الصحابة في الهجرة مع ذراريهم. ما معنى الذرية؟ الصغيرة وبأموالهم قبل ذلك بسنة. نحن الآن نقول الحِجة سنة كم؟ ثلاث عشرة، ثلاث عشرة
من النبوة، من بدء النبوة. نحن لم نصل إلى الهجرة بعد، فهي قبل ذلك بسنة. أعطيكم أمثلة: كان سيدنا أبو سلمة الذي هاجر مع زوجته أم سلمة - أم المؤمنين فيما بعد - كان متزوجاً المدينة تعني الهجرة، بدأت بعد العقبة الأولى، والنبي عليه الصلاة والسلام أرسل معهم مصعب بن عمير، وأبو سلمة أخذ بعضه. أبو سلمة عندما همّ بالمسير، جاءت قبيلة أم سلمة وقالوا: "إلى أين أنت ذاهب؟ وأنت في كل حين تُخرج ابنتنا وتذهب بها في الدنيا هكذا؟" قال لهم: "إنها زوجتي وهي
لا، نحن لا نعرف هذا الكلام. دع زوجتك يا أخي وارحل أنت. قال لهم: الأمر لله. سأرحل. فأخذ متاعه وشرع في الرحيل. فغضبت عائلته من العائلة التي صاهروها، من عائلة أم سلمة. عائلتان: عائلة أبي سلمة وعائلة أم سلمة. أبو سلمة وأم سلمة متزوجان ولديهما أولاد وهما مسلمان كلاهما، سَلَمَة أبو سَلَمَة يُهاجر إلى المدينة. عائلة أم سَلَمَة قالت له: "لا، اترك ابنتنا، لا تَذهب بها معك في البلاد هكذا وتُتعبها، قد يهاجمكم لصوص أو قُطَّاع طرق، ليس لنا تدخل". غضبت عائلة أبي سَلَمَة وقالت: "حسناً، الولد من حقنا إذن، الولد صغير". فانتزعوه
من أيديهم للإغاظة، جاهلية مثل الجاهلية تحدث الآن مع الرجل فقط فرقاً كبيراً. سيدنا أبو سلمة وسيدتنا أم سلمة كانا متفقين في أمانة الله جيداً، لكن الآن الرجل يطلق زوجته ويستخدمون الأطفال في التراشق. ما ذنب الأطفال؟ سافر أبو سلمة وأم سلمة فقدت زوجها بهذا الشكل، ذهب وفقدت ابنها الذي أخذه أهله الذين هم أهل أبي الفاصل. نواصل فيما كان من أخبار الطيبين. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة
والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قبل سنة من العقبة الثانية هاجر أبو سلمة وترك زوجته أم سلمة ونزع منها ابنها، فأصبحت قد افتقدت الولد والزوج، حالة صعبة جداً. المرأة تحب ابنها وترعاه. وهكذا إلى آخره. لا، هذه فقدت الزوج وفقدت الابن. وبعد ذلك، كانت أم سلمة تخرج إلى مكان يُسمى الأبطح في مكة المكرمة وتبكي، تصعد على تلّة هكذا وتنظر -يا عيني- إلى الطريق القادم
من المدينة. فمكة لها شمال وجنوب، بحري وقِبلي. الطريق البحري يقول لك: افتح وادخل واخرج واضمم. الذي فوق اسمه كَدا بفتح الكاف، والذي تحت اسمه كِدي. كَدا الذي فوق بالهمزة كَداء، وكِدي الذي تحت بالألف المقصورة مثل مصطفى. افتح وادخل واخرج واضمم لكي تتذكر أيهما الذي كَدا وأيهما الذي كِدي. الذي فوق كَدا لأنك تفتح وأنت قادم من المدينة، افتح وادخل مكة، والذي تحت ستخرج منه. منها على اليمن فيجب أن أخرج وأغلق الباب،
أُغلق الباب وراءك لكي تتذكر أين الفتح وأين الضيق. ففي الأبطح جلستُ عيناي تنظران من جهة الشمال هكذا لماذا؟ لعلّ أحداً يظهر. ولمدة سنة حتى قال أحد من أهل زوجها لهم: أتتركون هذه المسكينة تبكي زوجها وابنها؟ أليس لديكم؟ عقل، فردوا إليها ابنها، أخذته. ها هي أخذته وسمحوا لها بالمغادرة. أخذته في حضنها وجرت إلى أي شيء؟ إلى المدينة. مشت ثلاثة أو أربعة كيلومترات هكذا بمفردها. ومن هنا استنبط الفقهاء
جواز سفر المرأة إذا كان الطريق غير مُخيف وحدها. مشت بمفردها ثلاثة أو أربعة كيلومترات. قابلها شخص اسمه عثمان أين؟ قالت له: أنا ذاهبة إلى المدينة لأن أبا سلمة هناك. فقال: الله أتعرفين كم تبعد المدينة؟ إن بيننا وبينها مسافة تبلغ نحو أربعمائة وخمسين كيلومتراً الآن. ماذا لو اعترض طريقك ذئب أو لص أو أي شيء آخر؟ كيف ستسافرين بمفردك؟ قالت له: لا يكون إلا ذلك، هي
الحياة لها طعم من دون أبي سلمة والولد معي، انتهى الأمر أذهب. كانت تحبه كثيراً، أم سلمة كانت تحب زوجها أبا سلمة حباً شديداً. عندما مات حزنت وبكت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعل الله أن يبدلك خيراً منه". فقالت: "لا خير بعد أبي سلمة، من هذا الذي منه خرج سيدنا رسول الله، لا أبو سلمة أصبح ولا أبو سلمة هذا، خرج سيدنا صلى الله عليه وسلم، فيكون فعلاً لعل الله سبحانه وتعالى يبدلك بخير منه. المهم، الحاصل أن سيدتنا أم سلمة،
وعثمان بن طلحة هذا هو رجل شهم، ليس مسلماً ولكنه شهم، قال لها: "لا يكون ذلك يا للعجب، إن الناس الطيبين الذين كانوا معنا في الماضي من الرجال الشجعان، كانوا يعتبرون أن هذه فتاة من منطقتنا ويدافعون عنها ولا يتحرشون بها، بل يقولون: "هذه فتاة من منطقتنا، فيجب أن أدافع عنها وأحميها". هذا كلام جميل، لكنه مشرك. ماذا حدث؟ لقد سافر معها عثمان إلى قباء، وقباء يُعتبر قباء كأننا وصلنا إلى مدينة، حتى أنها تُرى من مكان مرتفع في المدينة. يعني عندما تنظر
من فوق نخلة أو نحو ذلك، ستشاهد قباء أمامك. نعم، لأنها تقع على حدود المدينة وهي مرئية بالعين من داخل المدينة. عندما وصل إليها قال لها: "انتبهي، هذه المنطقة هي بساتين وما شابه، وقال عليها المدينة زوجك في هذه المدينة، السلام عليكم، فذهب راجعاً يعني تعب لكن لا، هذه ابنة بلدي لا أتركها. أوصلها عثمان بن طلحة إلى المدينة. هذه صورة من الصور، نقول لكم صورة أخرى من الناس الذين كانوا يهاجرون، هذا صهيب. كان صهيب
من الروم، أبيض هكذا وعيناه. خضار وأمور وأشياء جميلة هكذا، جاء إلى مكة واشتغل فيها، والروم ماهرون في التجارة وماهر في هذه الأمور، فاغتنى وأسلم. هذا صهيب الرومي ليس من مكة، ليس من العائلات ولا القبائل، لكنه وافد أجنبي، وبعدها أراد أن يهاجر، فقالوا له: "لا يا شيخ، أنت أجنبي وجئت إلينا وتأخذ..." أموالنا وتأخذ نفسك وترحل. يجب علينا أن نصادر أموالك. قال لهم: يا سلام!
جئتم في المكان المناسب، خذوا أموالي ها هي واتركوني أرحل. أنا لا أريدكم ولا أريد الأموال التي حصلت عليها بعرق جبيني ومجهودي وبنصيحتي وبمهارتي، وقد رزقني الله إياها. لست بحاجة إليها، خذوها ها هي. فوصل الخبر إلى موقفٌ لا يُفعَلُ مثله. قال لهم: "الأموال ها هي"، وأخذ بعضها ومضى. قال: "ربِحَ صُهَيبٌ، ربِحَ صُهَيبٌ، ربِحَ صُهَيبٌ". اللهُ! هل تريد شيئاً آخر؟ لقد اشترى الجنة. هل هناك من يشتري الجنة؟ إنه صُهَيبٌ اشترى الجنة. خلاص، ربِحَ صُهَيبٌ، انتهى الأمر. وسافر صُهَيبٌ إلى المدينة.
إلى لقاءٍ آخر، أستودعكم الله، ورحمة الله وبركاته