السيرة النبوية - الحلقة الثامنة والأربعون

السيرة النبوية - الحلقة الثامنة والأربعون - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار سيرة النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات، عسى الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا به صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يسقينا. من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم
آمين. وصلنا إلى السنة الثانية من هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. في هذه السنة وبعد بدر، حدث أن اجتمع صفوان بن أمية مع عمير بن وهب، وكانا صديقين حميمين في حجر الكعبة، حجر الكعبة الذي هو حجر سيدنا. إسماعيل الذي هو محاط بعلامة هكذا مثل حدوة الحصان من الرخام، نسميه حجر إسماعيل. في هذا الحجر كانوا
يجلسون في الظل. هذا الركن يسمى الركن اليماني لأنه باتجاه اليمن أي الجنوب، والركنان هذان اللذان يخصان الحجر يسميان الركنين الشاميين لأنهما في جهة الشام، يعني هذا هو بالضبط. على اليسار يكون هذا شرقاً قليلاً وهذا غرباً قليلاً، فعندما كانت الشمس بعد العصر قد نزلت نحو الغروب تصنع ظلاً للكعبة، فكانوا يجلسون في الحِجْر لأن الحِجْر يصنع ظلاً، يجلسون في المنطقة المظللة التابعة للكعبة
في الحِجْر. كلمة "حِجْر" هذه لها معانٍ كثيرة في اللغة، من ضمنها حِجْر سيدنا إسماعيل ومن ضمنها الحِجْر الخاص بالشخص، كأن يقول مثلاً أن المرأة وضعت ابنها في حِجْرها. الحِجْر هنا سُمِّيَ بالحِجْر لأنه يعني أن الولد لا يسقط، فيكون بمثابة المهد، فحجزنا عليه. وعندما حجزنا عليه أصبح حِجْراً. والحِجْر هو العقل، عقل الإنسان، لأنه يمنعه ويحجره من فعل الخطأ. والحِجْر
هو الفرس، سموه حِجْراً والحِجْر. الكذب أيضاً سمّوه حجراً، وهكذا يقول: ركبتُ حجراً وطفتُ البيت خلف الحجر، أُوتيتُ حجراً عظيماً، لا أقول الحجر لله، حجرٌ عليّ ما دخلتُ الحجر. الحجر الذي ينتمي إلى هود وعاد وثمود وهذه الأشياء. الحجر وهكذا له عدة معانٍ، صفواني هو وعميق. جالسون يسهرون بعد العصر. من أين أتى بكلمة "بعد العصر"؟ من أنّ... يأتي الظل في هذا المكان بعد العصر،
لأنك في الصباح قادم من الشرق، فهذه المنطقة مضيئة كلها بالشمس، وتكون الناحية الأخرى هي التي فيها الظل. لكن هذه المنطقة عند العصر تصبح هي التي فيها الظل. الخلاصة أنني أريدك وأنت تقرأ السيرة أن تُعمل فكرك قليلاً وترى ما هي هذه. الآية تصور كأنها صورة أمامك، وأفضل شيء هو أن صفوان كان يتسامر مع من؟ مع عمير بن وهب. قال له: "أنا منزعج من محمد هذا كثيراً، أتمنى أن أقتله، فقد قتل كبار رجالنا". أضف إلى ذلك أن وهب ابنه، اسمه وهب بن عمير بن وهب، أي
أنه سماه على اسم أبيه. وهب ابني من قصر بدر من السبعين الذين قُتلوا في بدر فكنت أتمنى أن أقتله. قال له: ما الذي يمنعك؟ قال له: لدي ديون وأخشى أن يأتي الدائنون إلى أولادي ويضايقوهم، والأطفال لن يعرفوا كيف يتصرفون. دائماً الأب يخاف هكذا ويقول: عندي أطفال، أين سيذهب هؤلاء؟ وكانوا في ذلك الوقت، لقلة العدد، ينجبون كثيراً. تجد... الواحد لديه إحدى عشرة، ولديه ثمانية عشر، وهكذا. فلديه ولد كبير، ولديه ولد ما زال يرضع، وولد عمره عشرون وثلاثون سنة، والولد الثاني ما زال يرضع. عاداتهم هكذا. قال: حسناً،
أنا أين أذهب بكل هذا الغموض؟ أين صفوان؟ وهو من أغنياء مكة ومتغاظ جداً من سيدنا النبي حينئذ، فقال له: بسيطة يا سيدي، أتيناك. سأسدده لك فوراً الآن. والله هذا صديقك، لماذا لم تسدده لي من البداية؟ والأطفال، الأطفال مع أولادي، أربيهم مع أولادي، وأوفر لهم بيتاً. قالوا: إذا كان الأمر كذلك، فاكتم شأني وشأنك، ولا تخبر أحداً حتى لا يعلم محمد بالأمر. وذهب فشحذ سيفه وسمّه. وعندما تأتي لشحذ السيف، يعني تسنّه. عندما يُسن السيف يخرج شرارًا، فتقوم هذه الشرارة بتسخين السكين أو
السيف أو قطعة الحديد التي تصنعها. ثم يضعونها على النار فتحمر، وعندما توضع على النار تتفتح مسامات الحديد. ويكونون قد جهزوا سمًا يغمسون فيه الحديد ويرشونه بهذا السم، وكانوا يستخرجون هذا السم من الأفاعي التي تحتوي عليه. توجد غدة في السم يستخرجونها من بعض النباتات البرية السامة التي عرفوا أنها سامة، فأدركوا أن هذه المنطقة سامة، فلا يرعون فيها ولا يأخذون إليها الأغنام، لأن الأغنام عندما تأكل منها تموت، فيعرفون أنها سامة. والبشر لو أكلوا من هذه المادة السامة مثل فطر عيش الغراب. الغراب فيه منه
سُمٌّ، فكانوا يعصرونه ويضعونه على سم الثعبان وعلى سم غيره إلى آخره، ويسقونه السيف. حسناً، عندما يسقونه السيف، ماذا يفعل هذا السيف؟ يعني ليس يجرح فقط بل يقتل حتى لو كان إنساناً. أليس فيه إلا جرحه هكذا؟ يعني لو ضُرِب أحدٌ في وجهه هكذا. إن زيادة الدهون في الدم هي حالة بسيطة يمكن علاجها. نعم، يمكن علاجها، لكن هذا سيموت، سيموت. هم لا يعلمون أن الله سبحانه وتعالى قد عصمه من الناس صلى الله عليه وسلم. هم لا يعلمون ما الذي حدث في بدر. سنكمل بقية الاتفاق
بعد الفاصل. لحظة بلحظة هنا العاصمة فقط. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. سيدنا النبي في بدر جاء أحدهم وقد قُطعت يده فوضعها وتفل عليها فردت كما كانت، معجزة. ما هو النبي يعني، هذه الأمور كيف
تكفرون وأنا فيكم؟ ليل نهار جالسون في هذا الأمر. النزيف توقف والاتصال عاد. حدث وهكذا استمر هذا الرجل في العيش حتى عهد عثمان، ذلك الذي قُطعت يده. هذا رجل كان يقاتل بالسيف، انكسر سيفه وتعب من القتال، فجاء وقال له: "يا رسول الله، أعطني سيفاً آخر". فقال له: "من أين آتيك بسيف آخر؟ ليس لدينا سيوف ولا سلاح ولا شيء من هذا، خذ هذه العصا قطعة". عصاً هكذا قال له: توكلنا على الله. انظر، انظر الإيمان، انظر التصديق، انظر العلاقة بينه وبين الرسول. وذهب يحارب بالعصا، فإذا بها تحولت إلى سيف. قاتل مع
رسول الله به بقية حياته. هذه معجزة، معجزة معناها أنها لا يمكن أن تتكرر هكذا، لكن هذا من تأييد الله لرسوله. لا بدّ أن يفعل هذا الرجل شيئاً في الكون، أقسم بالله عليه، هذا الرجل الذي أصبحت الحطبة سيفاً في يده. أقسم بالله عليك، هل سيكفر؟ هل سيعرف كيف يكفر؟ حسناً، افترض أن الشيطان جاءه وقال له: "يا أخي، لماذا لا تكفر يا أخي؟" لن يكفر، لن يعرف كيف يكفر أصلاً. صفوان بن أمية تواعد مع عمير بن وهب. في ظل الكعبة في حجر إسماعيل على اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، فشحذ عمير سيفه وسمّه. كان مصمماً على أن
يصيب النبي فقط، ولا يريد شيئاً آخر، يريد ضربه فقط، وليس من الضروري أن يقتله بالسيف، بل يُقتل من السم. فجاء سيدنا عمر بن الخطاب ووقف يتكلم. مع بعضهم رأى ذلك من بعيد. إنه عمير بن وهب من أشد أعداء رسول الله. قال: "ما الذي جاء بهذا الكلب هنا؟". سيدنا عمر كان شديداً وطويلاً كما ذكرنا، كان طوله مترين وثمانين سنتيمتراً، وكان أحول العينين، وأصلع ليس في رأسه شعر. كان منظراً مخيفاً بصراحة، أي شيء مخيف. مُخِيفةٌ.. سيدنا عمر رَزَقَهُ الله بَسْطَةً في
الجسم وقوة أيضاً، ليس بمعنى أنه ضخم بهذه الصورة المرعبة، وكان رضي الله تعالى عنه إذا ركب الفرس خَطَّتْ رجلاه في الأرض من طوله. قوة إذن، كان لدينا من هذا النوع عمرو بن معدي كرب، كان لدينا من هذا النوع قيس بن سعد. كان سعد بن عبادة من هذا النوع، كانت لدينا مجموعة مثله، لكن سيدنا عمر كان مشهوراً تعرفه فوراً. دخل إلى الرسول بسرعة، نعم يعني ليس تصرفاً من رأيه، لا، قال له: "يا رسول الله، عمير بن وهب قادم". قال له: "أحضره لي يا حبيبي يا رسول الله، أحضره لي"، وهو يعلم كل شيء. ربنا... كشف
لِمَ الكون هكذا، فماذا سيفعل الآن بهؤلاء الناس؟ فذهب عمر أمامه وهو غاضب، فأخذه وأمسكه من ثيابه، أي أمسكه من الحزام هكذا، ورفعه بيده. وعُمَيْر وهو محمول هكذا قال له: "أَنْعِمْ صباحًا يا عمر، أَنْعِمْ صباحًا يا عمر". قال له: "لا". صبَّحك الله بالخير وذهب داخلًا به إلى رسول الله وهو على يده، فقال له: "أرسِلْه يا عمر". يعني إذا كان هناك فرق بين سيدنا وبين أكابر الصحابة، فعمر هذا ولي. كان إن كان فيكم محدَّثون فعمر منهم. إنه من كبار الأولياء، من كبار المرضي عنهم، يعني هذا شيء كبير جدًا. لكن
أيضاً ليس مثل سيدنا، فسيدنا شيء آخر. قال له: أرسِلْه يا عمر، أنتَ تعلّقه لي فوق هذا؟ أرسله عمر، أي أطلقه. قال له: اجلس هنا يا عمير، والسيف معلّق في رقبته. فهي مثل ماذا؟ عملية انتحارية، يذهب ليقتل النبي فيقتلونه وانتهى الأمر، لكنه سيكون قد رأى ما يريد ثم بعد ذلك. ولادةٌ والديون ستُسدَّد، صفوان سيسددها، عملية انتحارية مثل الأطفال الإرهابيين عندما يقولون لهم افعلوا هكذا، اذهب واقتل. لماذا لا تقتل نفسك أنت؟ لماذا لا تذهب أنت يا صفوان؟ هل أنت منتبه؟ المهم، ما حدث أنه قال له: قل يا عمير، ما الذي أتى بك؟ قال: أنا جئت لأن ابني عندكم وكنت أريد. إنك تفرج عني، قال
له: "هو عندما يكون ابنك عندنا يا عمير، الشخص عندما يأتي في مشكلة مثل هذه ويسب ابني وما إلى ذلك، يتوشح بالسيف هكذا على استعداد..." فقال له: "يا رسول الله، إنه سيف للحماية فقط في الطريق وما شابه ذلك". فقال له: "يا عمير اصدقني"، قال: "نعم والله". ما هناك إلا هذا، أنا جئت لأهب ابني عندكم. قال له: أه، يعني كأنك يا عمير لم تجلس في ظل الكعبة أنت وصفوان بن أمية، وبعد ذلك قلت: أنا أريد أن أقتل محمداً، فصفوان قال لك: وما الذي يمنع؟ فأنت قلت له: عليّ دين لفلان وعلان، ومن أجل أولادي، أنا لا أعرف. أين سيذهبون من بعدي، فصفوان حمل
الدين وقال لك إن أطفالك بجانب أطفالي، وبعد ذلك أنت ذهبت وجهزت سلاحك وسميته بالاسم الفلاني. لم يحدث هذا يا عمير، قال له: نعم والله، لم يكن أحد معنا، والله إننا كنا نكذبك وأنت تخبرنا بأخبار السماء، فوالله إني أشهد أن لا إله. إلا الله وأنك رسول الله. عمير أسلم. والأروع من ذلك أنه ليس من الممكن أن يكون يقول ذلك نفاقاً ومن أجل التخلص من الموقف، أو أن يكون أحدهم قد أخبر النبي
أو شيء من هذا القبيل. الأروع من ذلك أن النبي عرف صدقه، والذي يعرف ما في القلوب هو الله، فالنبي قال للناس الواقفين بعيداً هكذا. تعالوا يا أبناء علّموا أخاكم القرآن والصلاة وفقّهوه في دينه. حسناً، وما الذي أعلمك يا محمد أن هذا الرجل صادق؟ والله إن سيدنا النبي مؤيد من عند الله، ربنا هو الذي قال له. لم يخطئ أبداً، لم يخطئ في أي مرة، إنه يعرف الصدق هكذا، هذا الرجل مؤيد. في حركاته وسكناته وأعطوه
ابنه وردّوا عليه. وُهِبَ من الأسر حاضراً، فأخذوه وهذبوه تماماً وعلّموه القرآن، فحفظ القرآن، وكانت لديه ذاكرة جيدة. وعلموه الصلاة والوضوء والذكر وغير ذلك، ثم ردّوا عليه ابنه. والسلام عليكم. وعليكم السلام. يعني لم يقولوا له يجب أن تمكث عندنا، فرجع إلى مكة، وعاد أحدهم إلى صفوان. بسرعة قال له: "يا صفوان، الحق! إن عُمَيْرَة قد أسلم". قال: "يا للمصيبة! عُمَيْرَة أسلم؟ كيف؟ يا للخبر السيء! كيف أسلم؟ كيف؟ والله لن أنفعه في شيء أبداً، لن أنفعه في
شيء أبداً. يعني لن أسدد دينه، فحتى الآن لم أسدده، وكان ينبغي أن يكون قد سدده، والله لا". أنفعه في شيء قط إلى لقاء آخر. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.