السيرة النبوية - الحلقة الثامنة والثلاثون

صلّى الله عليه وسلم. في سيرته العطرة نفقهها ونقف عند مشاهدها ونتبرك بذكرها، فعند ذكرها تتنزل الرحمات. رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل إلى مكان قباء في يوم الاثنين في التاسع من ربيع الأول الأنور على تمام عمره ثلاث وخمسين سنة، يعني في يوم مولده الشريف. الله. في التاسع من ربيع الأول نحن نحتفل به، وفي الثاني عشر لا يحدث شيء كما قيل، لكنه في التاسع
من ربيع الأول في هذه السنة أتم ثلاثاً وخمسين سنة، وصل إلى قباء ونزل عند ابن الهدم، رجل هناك اسمه ابن الهدم. كان سيدنا علي عندما خرج النبي جلس ثلاث ليالٍ يرد الودائع التي كانت عند المصطفى صلى الله عليه وسلم لأصحابها. النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل إنهم آذوني وآذوا أصحابي وأخذوا أموالنا. تذكروا صهيباً حين منعوه أن يأخذ ماله، وكانوا يُخرجون الشخص هكذا من غير مال. أخذ ودائعهم هذه مقابل تلك. وانتبه إلى أن المشركين... يضعون ودائعهم عنده،
الله هو الأمين، نعم، هو الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم. ويجعل سيدنا علي، وهو من هو سيدنا علي ابن عمه وأول من أسلم، يبقى ويعرضه للخطر في سبيل رد الأمانات للناس. بعض إخواننا في بلاد الغرب يستحلون أموال الناس ويصورون أن هذا هو الإسلام، كذبوا. وخسئوا، الإسلام أمانة في أمانة. شخص منحك جنسية بلده وأمّنك واعتنى بك، ثم تذهب وتسرقه! ويركب الحافلة ولا يرضى أن يدفع التذكرة، ويتهرب من الدفع ويعتبر ذلك شجاعة! هذه دناءة لا علاقة
للإسلام بها. الإسلام أمانة في شيء شيء عالية قوي أما أن يختبئ كل لص أو فاسد وراء الإسلام فيسيء لصورة الإسلام مرتكباً آثاماً منها أكل أموال الناس بالباطل ولو كانوا كفاراً، فالكافر هذا يخص ربنا، لكن هنا نرد الأمانات للناس. وخرج على قدميه، إذ ليس لديه فرس ولا شيء من هذا القبيل. وكان سيدنا علي قوي البنية معروفاً بذلك، فلحق بهم في قباء ونزل عند ابن الهدم الذي نزل عنده سيدنا صلى الله
عليه وسلم ثم خرج بعدهم بثلاثة أيام. هم معهم رواحل لكنه كان على قدميه، فلم يمشِ كما مشوا هم طريقاً طويلاً. نزلوا حتى اليمن وذهبوا غرباً ثم صعدوا قرب الساحل حتى لا ينتبه الناس إليهم كما ذكرنا، لكنه ذهب خارجاً من كداء. ما عندنا كداء فوق مكة وكدي في أسفل مكة وذهب صاعداً من كداء إلى المدينة مباشرة وفر حوالي ثلاثة أيام التي تأخروها هم. أما هم فقد مكثوا في قباء لفترة، يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم ساروا إلى المدينة يوم الجمعة. الأيام الأربعة التي قضوها في قباء أسس لهم أول. المسجد
الأول في الإسلام الذي هو مسجد قباء، وجعل من صلى العصر فيه يوم السبت له أجر عمرة. ولذلك عندما تذهب إلى المدينة ويوافقك يوم السبت، تصلي العصر أين؟ تصلي العصر في قباء لكي يُكتب لك أجر عمرة، ولكي تتبرك بالمكان الذي نزل فيه النبي، وبأول مسجد أُسس في الإسلام المكان الخاص بقباء هذا هو مكان قبيلة من قبائل المدينة اسمها عمرو بن عوف. فقد نزل على قبيلة عمرو بن عوف عند ابن الهدم. وكان ابن الهدم مضيفه وكل شيء في أمان الله، وقد أسلم ابن الهدم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد
أُوتي صمتاً يعني... هو هكذا جالس صامتاً، وأبو بكر واقف للناس حتى لا يتعبوا. نعم، كما يحدث في العزاء عندنا، تجد بعض الناس واقفين يستقبلون المعزين وما إلى ذلك. أحياناً يكون صاحب العزاء متعباً، فيقوم أبناء إخوته أو أقاربه مكانه لاستقبال الناس كي يرتاح. فسيدنا جالس وأبو بكر واقف يستقبل الناس. مَن لم يَرَ النبي من أهل المدينة ظنَّ أبا بكرٍ هو النبي. "أبو بكرٍ هذا هو محمد" لأنه هو الذي كان واقفاً يستقبل الناس. وبعد
ذلك أخذت الشمس تشتد، فحينما تستيقظ في الصباح تكون الشمس هادئة ثم تبدأ بالاشتداد شيئاً فشيئاً. فلما اشتدت الشمس خلع أبو بكرٍ عباءته وظلل بها. رسول الله، فعرف الناس أنه محمد. ما هذه الحركة، لا يفعلها إلا للعظيم. فقال: هذا هو النبي. فهجم عليه الناس هجوماً، الذين كانوا يظنون أنه أبو بكر. سلّم عليه وجلس، سلّم عليه وجلس، سلّم عليه وجلس. الله! هذا هو النبي. فقاموا يتبركون به صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك جلسوا أصبح اثنين وثلاثاء وأربعاء وخميس، وشرعوا مع صباح يوم الجمعة في السير
إلى المدينة المنورة. متى تُؤذَّن صلاة الجمعة؟ تُؤذَّن صلاة الجمعة مع صلاة الظهر، أي في الساعة الثانية عشرة. الساعة الثانية عشرة وهم في مضارب سالم بن عوف. أين نزلوا هناك؟ في قباء عند مَن؟ عند عمرو بن عوف، ما بين قباء والمدينة مسافة حوالي عشرة كيلومترات أو ثمانية كيلومترات أو شيء من هذا القبيل. فدخلوا في مضارب سالم بن عوف، ويبدو أنه أخو عمرو، فهذا ابن عوف وذاك ابن عوف، والاثنان بجانب بعضهما. فتكون هذه قطعة الأرض التي تخص عمرو، والقطعة المجاورة لها، أي الأرض المجاورة لها، تخص فنزل في سالم بن عوف فجمع بهم وكانوا
مائة، الجمعة وجبت. فنزل، وكان عددهم كم؟ الذين حوله أصبحوا الذين يأتون ليسلموا وما إلى ذلك، ويؤدوا يعني واجب الاستقبال. كانوا مائة، صلى بهم الجمعة هو بنفسه، فكانت هذه أول جمعة أُقيمت في المدينة، حيث إننا نعتبر قباء من ضواحي المدينة. وسالم بن عوف هذه هي يعني قريبة أقرب أيضاً. لقد مشوا ساعة تقريباً حتى وصلوا إلى سالم بن عوف. سالم بن عوف على حدود يثرب مباشرةً بجانبها من الملحقات. صلى فيه ودخل المدينة. كان يريد النزول عند أخواله بني النجار الذين منهم آمنة. من أين
أخواله؟ فآمنة هي منهم. كانت آمنة وحيدةً لا أخ لها ولا أخت، فالأخوال هنا معناها عائلتها. بعد الفاصل نواصل... بسم الله الرحمن الرحيم، دخل النبي صلى الله عليه وسلم من جهة قباء، وقباء في جنوب المدينة. عندما دخل كان يركب ناقته، فبادره الناس وخرجوا في ذلك
الوقت، ولم يكونوا أغنياء جداً، والغني منهم... قليل، خمسة ستة يعني، والحالة ضيقة في المدينة، وبالرغم من ذلك كلهم يريدون أن يضيفوا النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون الكرم هذا شيئاً من الداخل. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "اتركوها فإنها مأمورة". دعوا الناقة، لا تمنعوها لأنها مأمورة. في ماذا؟ في أنها ستختار له المكان الذي النبوي بعد ذلك فدخلت إلى المكان المعروف
الآن بالمسجد النبوي وباركته، وبعد قليل قامت والتفتت يميناً ويساراً، ثم أخذت نفسها ومشت، تشممت هكذا، ثم عادت مرة أخرى إلى النقطة الأولى. يبدو أنها مأمورة، فعندما جاءت إلى هذه النقطة اختلط عليها أمرٌ ما، فذهبت لتنظر، فلما وجدت... لا، عدتُ مرة أخرى إلى النقطة الأولى. عندما بركت في النقطة الأولى التي فيها الآن الروضة الشريفة، ذهب أبو أيوب زكي الأنصاري وأخذ حقيبة النبي، التي هي المتاع، يعني الأغراض التي تحتوي على بعض الملابس وبعض الأشياء. أخذها
وأمسكها، وذهب سعد بن زرارة. أين توجد هذه الحقيبة الآن؟ المتاع أو الصرة أو الحزمة موجودة خلف فخذ أبي أيوب الأنصاري وأمام أسعد بن زرارة. ذهب وأخذ الآية، الناقة نفسها أصبحا اثنين والباقي عندنا. يا رسول الله انزل عندنا، يا رسول الله. فقال: "أي البيوت أقرب؟" قال أبو أيوب: "بيتي يا رسول الله، ها هي بوابته". قال الرجل مع رحله. مع حقيبته، الرجل مع رحلته التي هي ماذا؟ الرحلة التي هي الحقيبة، يعني الصُرّة أو الحزمة، قل أي شيء بدلاً من أن يقول لي أحدهم هل كانت الحقائب موجودة في
زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ كن رجلاً شهماً، أي متاعه، يعني الشيء الذي فيه متاعه الذي هو الآن. أصبحت الحقيبة ليست مثل تلك الصناديق أو ما شابه، أو كان يكون صندوقاً مثلاً شيء كهذا، لكن هذه الحقيبة خاصتنا نحن، يعني نريد أن نُصوَّر. قال الرجل مع رحلته وليس مع ناقته، فسينزل عند أبي أيوب وليس عند أسعد بن زرارة، وبقيت الناقة عند أسعد، فالناقة محتاجة. أكلٌ وشربٌ ومأوى لأنها حياة وليست حياة حيوان، فلابد أن تكون هكذا. فسعد من تولى هذه المسألة، وانتقلت الحقيبة إلى أبي أيوب الأنصاري. طبعاً فرحت زوجته كثيراً، فقد جاء سيدنا
الذي فيه البركة كلها، جاء هو وأبو بكر. فقال أبو أيوب: "تفضل يا سيدي، المكان الذي في الأسفل، الطابق الأول، فقال له: "أهلاً وسهلاً"، ثم قال له: "طيب، اصعد إلى الأعلى للسيدة". فقالت له: "ماذا فعلت؟ سنكون نحن فوق رسول الله؟ هذا غير مؤدب! لا يليق أن نكون فوقه هكذا. دعنا نبقى نحن في الأسفل وهو يكون فوق رأسنا، لكن لا يصح أن نكون نحن فوقه هكذا". هذا هو الأدب. لا يصح أن تكون أنت وصاحبك في الأعلى بينما نحن سنجلس في الأسفل.
قال له: هذا أهون علينا، فالناس ستأتي لزيارتنا، تدخل إلى الأسفل ثم تخرج. أما إذا أتى الناس لزيارتنا وخرجتم أنتم خارج البيت ودخل الناس، ثم صعدوا إليّ في الأعلى، فماذا نسمي هذا في الإدارة الحديثة عندنا الآن؟ ما وظيفة الاستقبال؟ ينبغي أن تكون بالسهولة لأن هذه وظيفته: الاستقبال. فينبغي أن يكون لدي أفضل شيء تحت يدي. العالي الأدب الرفيع هذا؟ نشكرك يا سيدي، نشكرك. حسناً، ستُؤجَر عليه، لكن الخصائص الوظيفية العالي على الأدب الرفيع، لأن
الخصائص الوظيفية ستحقق مصالح وستحقق سهولة. إذاً النبي يعلمنا كيف نفكر، في حكاية الأدب، مطلوب وعليه ثواب، وعندما أُصبنا بقلة الأدب فقدنا الشيء الكثير. فالأدب ليس يعني شيئاً سيئاً، لا، ولكن الأدب هنا وُضع في الميزان أمام ماذا؟ الخصائص الوظيفية أن أجلس في الأسفل حتى عندما يأتي الناس يكون سهلاً عليهم الدخول، سهلاً عليهم الخروج. أم أيوب في الأعلى شاي وتنزلها لا يحدث شيء أيضاً. قد يقول لي أحدهم: هل كان الشاي موجوداً في عهد رسول الله؟ لا، أنا أقصد التحية. ظهر الشاي في
القرن السابع الهجري والثامن الهجري، عندما صنعوا الكافيين والبن وغير ذلك. كل هذا ظهر في القرن السابع والثامن الهجري. ففي أيام النبي لم يكن هناك كان هناك شراب ماء بعسل، وكان هناك ماء بارد، وكان كل هذا ضيافة، أي لا يحدث شيء. كان هناك تمر تقدمه أم أيوب للضيوف، وكانوا لا ينصرفون إلا بعد أن يتذوقوا شيئاً. لابد أن تعطي شيئاً لضيفك كرماً منك، شيكولاتة مثلاً. ولكن هل كانت هناك شيكولاتة في زمن النبي؟ لا، كيف تستفيد من السنة، تعطيه شوكولاتة، تعطيه تمرة، تعطيه بعض الماء، يعني كان من الضروري أن يذوقوا شيئاً ما، هذه عادات وتقاليد وبروتوكول
وإتيكيت وأدب. فسيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم اختار الطابق الأرضي للخصائص الوظيفية وشكر أبا أيوب على الأدب الذي لا بد منه. سيدنا صلى الله عليه وسلم المكان الذي بركت فيه الناقة ما هو؟ قالوا له: هذا ملك لولدين يتيمين من بني النجار، وكانت قديماً مقبرة للمدينة. قال: حسناً، أريد أن أشتريها. فاشتراها من اليتيمين، مع أنهم عرضوا عليه أن يأخذها دون مقابل، لكنه رفض وقال: لا، ما داما يتيمين فلْيستفيدا من المال.
فاشتراها ونظَّفها وهيَّأها. جيدة هكذا مناسبة للمسجدية وبنى فيها مسجده الشريف، مسجد كان لا يسع أكثر من ثلاثمائة، لا يسع أكثر من ثلاثمائة، وبنى بجواره بيوته لنسائه. عبد الله بن أبي بكر علي لحق بهم، سدد الديون والودائع وما إلى آخره، ورد الودائع لأهلها. عبد الله بن أبي بكر ذهب وأحضر المرأة. أبو بكر والسيدة عائشة وأم كلثوم ورقية وزينب حبسها زوجها، وقال لها: "لا، ابقي معي فأنا أحتاجك"، فاحتجزها زوجها أبو العاص. هاجرت بعد غزوة بدر، وبقيت في مكة
عند زوجها. رقية وأم كلثوم وعائشة وهؤلاء جميعهم، من الذي جمعهم؟ سيدنا عبد الله بن أبي بكر، ورحل بهم إلى المدينة، فوصل مع سودة بنت زمعة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاءٍ آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.