السيرة النبوية - الحلقة الثامنة والعشرون

السيرة النبوية - الحلقة الثامنة والعشرون - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات عسى أن تنال بركته في الدنيا وشفاعته في الآخرة. وصلنا إلى السنة العاشرة وأتممناها ورأينا النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الطائف. يدعو ثقيفاً ولكنهم أبَوْا أن يدخلوا في دين الله ودخلوا بعد ذلك بمدة مديدة، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة. ودخلت
سنة إحدى عشرة، وفي سنة إحدى عشرة اتصل بالقبائل والتقى بالوفود، إذ قد سافر من مكة إلى مواطن القبائل المختلفة، منهم فزارة، ومنهم كندة، ومنهم غسان، ومنهم. عَبَس، ومنهم بنو حنيفة، وبنو حنيفة مضاربهم قريبة من الرياض والقصيم. إذن فقد سافر لأنه ذهب إلى بني حنيفة، إلى مضاربهم وإلى منازلهم. إذن، فرسول الله في هذه السنة سافر كثيرًا، ومنهم من التقى به في مكة، إما في موسم الحج أو في بعض الأسواق والممرات. التجارة إلى آخرها،
فكان لا يجد قبيلة إلا وجلس مع أهلها، وكان أشد الناس ردًا له بالرد القبيح هم بنو حنيفة قاتلهم الله حينئذ؛ لأنهم آذوا حبيبي صلى الله عليه وسلم. ولم يقتصر اللقاء مع القبائل في منازلها أو مع الوفود في مكة، بل أيضًا تكلم مع الأفراد من هؤلاء. الأفراد سويد بن صامت، وسويد بن صامت من يثرب، من المدينة فيما بعد.
وكان سويد بن صامت أديباً شاعراً نقاداً. وسويد رضي الله تعالى عنه جاء إلى مكة وجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه إلى الإسلام، وقرأ عليه القرآن، فقال: "والله إن هذا لخيرٌ، وإنها لدعوة خير"، وأسلم. سويد بن الصامت رجع إلى المدينة وقال لأهله إن نبياً قد ظهر في العرب، وإني قد آمنت به. سويد رضي الله تعالى عنه وأرضاه كان من أوائل من أسلم من المدينة المنورة فيما بعد، لكنه توفي في حرب بُعاث. وحرب بُعاث كانت
في السنة الثانية عشرة من النبوة، أي قبيل. الهجرة بسنة أو سنتين قبل وفاته، توفي سويد بن الصامت وهو يدافع عن وطنه، رضي الله تعالى عنه وأرضاه. ويؤخذ من ذلك فقه وهو أن الإنسان في بلد غير مسلم يجوز له أن يدافع عن وطنه، فإن سويد بن الصامت دافع عن وطنه وهو على الإسلام ومات في رضا الله. جاء شاب غلام حدث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من الأوس. وكانت الأوس أقل عدداً من الخزرج، إذ كان الخزرج
كثيرين والأوس قليلين. وهذا الشاب هو إياس بن أنس، وكان ضمن وفد قد أتى من الأوس إلى مكة حتى يصنع تحالفاً بين قريش وبين الخزرج. وهذا الغلام أسلم ثم رجع. مسلماً لكنه ما لبث أن مات أيضاً في آخر السنة أو شيء من هذا. سويد بن صامت وأنس بن معاذ أشاعوا خبر الإسلام. العرب حينئذٍ كانت عندهم عقائد حرية العقيدة، يعني لم يكن يهمهم أن تُسلم أو
تُشرك أو تتهود أو تتنصّر، ليس عندهم مانع. إنما هم حاربوا النبي. لأنه جاء يدعو إلى العدل والقسط وهذا يضيع أوضاعهم القانونية ومصالحهم المادية التجارية، فلم تكن حربهم حرباً على الدين ولا يهمهم الدين في شيء لا بالحق ولا بالباطل، كانت حرباً على المصالح الدنيوية، لكن وجود النبي ودعوته إلى العدل الاجتماعي ودعوته إلى العدل في القضاء ودعوته إلى حرية الإنسان وإلى التكافؤ والمكافأة وحرية وآدمية المرأة كل ذلك كان ضد مصالحهم لأنه يهدم هذه المصالح. سويد بن
صامت أشاع الخبر فوصل الخبر إلى قبيلة بجوار المدينة مرابضها بجوار المدينة المنورة وهي قبيلة غفار، ومن غفار سيدنا أبو ذر الغفاري. بعد ذلك كان أبو ذر مفكراً يتأمل، فلما وصله الخبر. الخبر أن نبيًّا قد خرج، أراد أن يعرف أن يتعلم، فأرسل أخاه إلى مكة. فجاءها والتقى النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه القرآن ودعوة الإسلام، وراقبه ورأى حاله. ورجع إلى أبي ذر يقول: "والله يا أخي، إنه رجل يدعو إلى الخير ويكره الشر، يدعو
إلى الخير ويكره الشر"، قال. له نعم وبعد ذلك، هناك كثير من الناس يدعون إلى الخير ويكرهون الشرع، فما المشكلة في ذلك؟ قال له: كيف يدعو إلى الخير وهو يكره الشرع؟ هذه طبيعته هكذا. قال له: لم تشفني. سيدنا أبو ذر قال: ماذا؟ لم تشفني؟ فأخذ متاعه وذهب كما ورد في البخاري إلى مكة ونزل وقال. أريد أن ألقاه سراً دون أن يعلم أحد، فترصدته عند البيت الحرام أربعين يوماً، وجلست بجوار بئر زمزم، وفي زمزم جلست أشرب أربعين يوماً لا آكل ولا أشرب سوى ماء زمزم. يقول: إلى
أن نحفت هكذا وأصبحت جيداً، أي أن جسمه أصبح صلباً، وزمزم طعام لمن استطعمه وشفاء لمن استشفى به. تعرف أن تقيس عليها لأنها يبدو أن فيها معادن تجعل هناك تلبية لحاجات الجسم وتجعلك تعيش الأربعين يوماً في أمان الله، ولذلك هناك الطب في الطب القديم يقول لك امتنع عن الطعام أربعين يوماً واشرب هذه المياه وسوف تُشفى من كثير من الأدواء. نعم، طعامه طعم وشفاؤه سقم، وبعض المحدثين عمل. هكذا قال فوجدتها قد ذهبت بكثير
من الأدواء ولم تذهب بأدواء أخرى يعني تنفع في بعض الأمور ولا تنفع في بعضها الآخر، الله أعلم. أبو ذر ترصّد لا أعرف من هو محمد، لكن ربنا أرسل له سيدنا علي بن أبي طالب. سيدنا علي يراقبه وسنرى مراقبة سيدنا علي بعد قليل والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، تحدثنا قبل الفاصل عن سيدنا علي وأنه كان يراقب أبا ذر، راقبه اليوم والاثنين والثلاثة وعرف أنه غريب وأنه كأنه يبحث عن شيء. وبما
عند سيدنا علي من شفافية، جاءه وقال له: "الرجل غريب؟" قال: "نعم". قال: "من أين؟" قال: "من غفار". قال: "اتبعني". وأخذه إلى البيت، عندما أخذه إلى البيت، نحن الآن سيدنا علي في هذا الوقت قارب العشرين، أخذه إلى البيت، استضافه وأنامه عنده، وفي اليوم التالي مشى أيضاً وذهب وجلس عند الكعبة، ولم يرضَ أن يقول له ما الأمر، فذهب إليه في اليوم التالي وقال: "أما أنا فأخبرنا عن منزلك"، يعني أنت. أريد أن أنهي منزلاً، يعني أنت حيران. قال: أقول لك
وتكتم خبري؟ قال: نعم، قل لي وأكتم خبرك. قال: جئت لرجل يدّعي أنه نبي. قال: إذا رشدت. يا ربنا، ما الذي أوقعك فيّ؟ أنا اتبعني، فإذا رأيت ما أكرهه لك ذهبت إلى الحائط وكأني أصلح نعلي. ما حركته؟ ما شأن الناس وهي تراقب؟ يأتي إلى الحائط ويضع رجله هكذا كأنه يربط الحذاء يعني أو كأنني أصلح نعليك فتمر أنت، فتكون أنت لست تابعاً لي ولا شيء، والرجل الذي أنا خائف عليك منه اتبعه على هذا،
فأوصله إلى النبي ولم يشعر به أحد، فسمع منه القرآن وسمع منه صلى الله عليه وسلم دعوة الإسلام فأسلم. مكانه يعني لم يذهب ولم يقل له أفكّر، ولا أخلاق. مفكر فعارف الكلام. أسلم مكانه رضي الله تعالى عنه. والنبي صلى الله عليه وسلم شفيق بأمته رحيم بأتباعه، فقال: "يا أبا ذر، اكتم هذا حتى إذا وصلت إلى قبيلتك فامكث حتى إذا سمعت بظهورنا فأتنا". الواحد لو كان ما... كان أبو ذر يظن أن النبي يأمره بذلك، لكن هؤلاء الناس كانت قلوبهم منيرة. نعم، لو أن
النبي قال لي كذلك لقلت له: حاضر. النبي الذي قال لي، ماذا سأفعل أنا؟ سأذعن وأقول له: حاضر. سيدنا أبو ذر لم يقل حاضر، بل قال له: والذي بعثك بالحق. لأصرخن بها بجوار بيت الله الحرام: يا أخانا، لمَ الدور؟ ارجع إلى بلدك واكتم الأمر، وعندما تظهر أنا سأظهر. تأتي بالقوة وهذا هو الأصل، لأن الناس نفسية تلك النفسية. سيدنا أبو ذر، ولذلك سموه الثائر الحق الذي هو سيدنا أبو ذر، كان ثائراً، لم يكن يقبل الضيم، وله قصة طويلة في حياته. حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ستعيش وحيداً وتموت وحيداً وتبعث يوم القيامة
وحيداً". هذا الوحيد أصبح مثل ماذا؟ مثل الشخص المهم جداً (VIP)، يعني حالة خاصة بمفرده، مثل الشخص شديد الأهمية. هذا الوحيد هو شخص مهم، أي أنه شيء عظيم جداً يوم القيامة، فهو... ما جعلَ له مقصورةً منفردةً هكذا، يموت وحيداً ويُبعث يوم القيامة وحيداً، ففعل عندما لم يُعطوا الخلافة لسيدنا علي، انحاز إلى سيدنا علي ضد معاوية. لم يُعجب معاوية ذلك، فذهب وتركه ومضى، ومات وحيداً في الصحراء حتى قيل: من هذا؟ قال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله. عليه وسلم فصدق فيه قول الرسول، لم ينحَز إلى الباطل أبداً، وكان وحيداً في حياته، وحيداً في مماته، حتى مات
في الصحراء وحيداً. إن شاء الله في قبول الله له يوم القيامة. سيدنا أبو ذر أسلم من مكانه وقال: "والله والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بجوار بيت الله". إذن نستنتج من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يقول لنا شيئاً على سبيل الرحمة بنا وليس على سبيل الإلزام، فيمكن حينئذٍ أن يخالفه المرء، لكن هنا المخالفة جاءت بزيادة التكليف ولم تأتِ بنقص التكليف، أي أنه يقول له: اذهب سراً، فقالوا: بل سأذهب علانية وسأتحمل. الذي حصل أنه خرج إلى الكعبة وقال: "يا معشر
قريش، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" بعلو صوته. قالوا: "ماذا يقول هذا الصابئ؟" قالوا: "إنه أسلم". قال: "قوموا إليه فاضربوه"، لأحسن الحكاية تصبح ماذا؟ ينفرط النظام العام لأهل الشرك. "قوموا له فاضربوه". فقاموا. قال: "فضربوني ضرباً". ضربًا مُبرحًا، أي يقصدون قتلي. فهناك نوع من الضرب للعقاب أو للمشاجرة، وهناك نوع آخر بهدف القتل، فضربوه ضربًا شديدًا. يبدو أن سيدنا عندما شرب من ماء زمزم تقوّى وأصبح قويًا وليس ضعيفًا، فقاومهم حتى جاء العباس
وألقى بنفسه عليه وقال: "يا معشر قريش، أين عقلكم؟ هذا من قبيلة غفار وهي تقع في طريقكم إلى الشام". والله لو قتلتموه ما تركوكم. آه، يكلمهم بماذا؟ بالمصالح، باللغة التي يستخدمها، بالمصالح وليس بالمبادئ. لِمَ تقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ لكن لا، هو ليس له علاقة بقول "ربي الله" ولا غيره، إنما له علاقة بلغة المصالح، أين المصالح؟ أنتم تعلمون لو قتلتم هذا الشخص فلن تكون هناك تجارة، خلاص، سيكون مصيركم الخراب. فتركوه على الفور فاهمين أين مصالحهم، ثم جاء في اليوم التالي ففعل مثلما فعل بالأمس. آه، ما هذا؟ إنه مصمم، يعني
لديه تصميم، فقاموا إليه فضربوه، لكن ليس ضرباً مميتاً، بل ضرباً خفيفاً. فجاء العباس ففعل مثلما فعل وقال لهم مثلما قال، فأجابوه بالمثل. لم يجيبوه، أي تركوه في حاله، وأبو ذر أخذ نفسه وذهب إلى غفارة ومكث بها إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فلحق به في المدينة وكان فيها على هذا الشأن. سيدنا أبو ذر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه إمارة، إمارة جيش، إمارة شيء ما. هكذا قال: يا أبا ذر إنك ضعيف عليها، لا تعرف كيف تتعامل مع الناس، ليس لديك سياسة. وأخذها
وردة هكذا في ثورة. إنك ضعيف، ليس ضعيفًا في نفسك، بل ضعيف عليها. نعم، إنك ضعيف عليها، وأن هذا الأمر لا نوليه لمن طلبه، وأن هذا الأمر لا نوليه لمن طلبه، وهذا هو. لم تصل الديمقراطيات الحديثة إلى هذا الأمر بعد، إذ أننا لا نوليه لمن يطلبه، لأن هذا الأمر إنما يكون بالكفاءة وليس بالتباهي، وليس بالصوت العالي. فهناك فرق بين الاختيار المبني على الكفاءة والانتخاب. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.