السيرة النبوية - الحلقة الثانية والثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات، عسى أن يكرمنا الله سبحانه وتعالى بمحبته صلى الله عليه وسلم، وأن يبين لنا من سيرته وأفعاله ما يرشدنا ويهدينا به إلى. سبحانه وقفنا في السيرة عند العقبة الثانية وقد تمت في موسم حج السنة الثالثة عشرة
من النبوة، أي في ذي الحجة من السنة الثالثة عشرة. وفي هذه السنة وفي الحج، وبعدما انتهى الحجاج، كانت قضية العقبة الثانية الكبيرة، وأسلم فيها نحو سبعين رجلاً واثنتي عشرة امرأة من المدينة من الأوس. والخزرج، وتسامعت قريش بهذا فخافوا أيما خوف، فإن الدعوة بدأت تمتد إلى خارج مكة. في مكة هم أهله، فيبقى
قانوناً داخلياً خاصاً. خرجنا إلى المدينة أصبحنا في القانون الدولي، ومعنى وجود طرف خارجي أن العلاقات الدبلوماسية والتجارية والمصالح سوف تتأثر، لأنه لم يكن هناك وحدة. كانت مكة كياناً لوحده وكانت... المدينة كيان آخر يحكمها أمر آخر. المدينة هي التي تحمي تجارة مكة إلى الشام من قطاع الطريق، من الاعتداء عليها، من الدخول في مشكلات قانونية. يأتي فيأخذ منه البضاعة ولا يسدد له ويقول له: "والله، حسناً لنتحاسب، حسناً
لنذهب إلى المحكمين"، ويطيل عليه الأمد فيخسر التاجر مصالح كثيرة. الطريق ومن الاستيلاء ومن المضايقة، حيث كانت هناك مضايقة، نعم، فمن الذي كان يحميهم؟ الأوس والخزرج. إذاً كانت هناك مصلحة متبادلة بين أهل مكة وأهل المدينة، وذلك لأن المدينة تقع في الطريق إلى الشام. ولماذا لا يتحولون ويسلكون طريقاً خارج المدينة؟ قال: سيضلون الطريق، فقد كانت هناك طرق محددة بين المدينة وما بين المدينة وما بين الشام كانت مُنشأة طرق وهذه الطرق عليها محطات للأكل وللشرب وللنوم
وتجد فيها مكاناً تنام فيه ومكاناً تستريح وتُطعم إبلنا في أمان الله، لكن لو سلكتَ هذا الطريق في الصحراء الذي هو هنا، فستضيع. هذا أولاً، وثانياً لا توجد محطات. سآكل وأشرب من أين، وكم سأحمل معي؟ هذه مشكلة ثانية. المشكلة الثالثة أنني قد أدخل دون أن أدري في الرمال الناعمة وأغرق، أو يخرج لي شاب من لصوص العرب ويسرق القافلة بأكملها. إذا كانت المسألة مخيفة، فكان لابد أن تكون هذه المدينة مهمة. بحثوا عن شخص موجود فوجدوا كبير المدينة. موجودٌ معه مَن كبير المدينة في ذلك الوقت عبد
الله بن أبي، وعبد الله بن أبي كانت أمه اسمها سلول، وكانوا ينادونه بأمه، فكان اسمه عبد الله بن أبي بن سلول، يعني ينادونه بأبيه وأمه. فعندما تأتي أنت لتكتبها تقول عبد الله بن، أي تحذف الألف وتقول عبد الله. في الخط فقط، ولكن عندما تنطق تقول "عبد الله بن" وتحذفها، فيما يكون ذلك في الكتابة فقط. في الإملاء "ابن أبي ابن سلول" تضع فيها الألف، لماذا؟ قال لك: الأصل أن سلول هذه أمه، نحن نحذف الألف بين الإنسان وبين أبيه أو جده، لكن
ليس بين الإنسان وبين أمه. سيدنا الصلاة والسلام على نبينا. تريد أن تقول "عيسى ابن مريم"، تُثبت الألف، فنقول "عيسى ابن مريم" لأن السيدة عليها السلام هي أمه، فيكون "عيسى ابن مريم". تقول "يونس ابن متى"، لماذا تضع فيها الألف؟ قال: ليست "متة" هي أمه، بل "متى" هذا لم يكن أباه، بل كانت والدته. "ابن علية"، أُمُّهُ واحدٌ من المُحَدِّثين الشيخ أحمد يَعرِفُه، فَتُوضَع الألِف (آه)، فيكون "إذا"، في ساعاتٍ نَضَع الألِف. لكن عندما يكون الاسمُ الذي بَعدَه ليس أباه تكون أُمُّه، كأنَّه في خَبَرٍ. يعني
عبد الله بن أبي هو ابن سلول، ابن أمِّه التي كان اسمها سلول. وجدوا عبد الله بن أبي بن سلول. عندما تأتي للقراءة ستجد فيها ألف على سلول، وإذا لم تجدها فهذا خطأ، يكون كاتبها مخطئاً لا يعرف هذه المعلومة. حسناً، إذا وجدناها فقد فهمناها، وإذا لم نجدها فهذا خطأ لأن سلول هي أمه. ثم ذهب الكبار الذين يحقدون كثيراً على النبي، مثل أبي جهل وأمية بن خلف. أُبي بن خلف، لست أعلم من هم، الذين عاشوا وماتوا وهم حاقدون على النبي حقداً شديداً. جاؤوا إلى عبد الله بن أبي ابن سلول
وقالوا: أنت كبيرهم. قال: نعم. قالوا: هناك أناس أسلموا من قومك. قال: لا، هذا لم يحدث، كيف يُسلمون؟ كيف يتبعون محمداً؟ هذا لم يحدث، فأنا كبيرهم أمرٌ لا يكون إلا وعندي منه خبر، ليس من الممكن أن أولادي ورعيتي والناس الذين يتبعونني يفعلون فيه هكذا. قالوا له: هناك أناس أسلموا، لدينا خبر بأن أناساً جاؤوا وقالوا كان هناك أناس عند العقبة وقابلوا محمداً وغير ذلك. قال: هذا الكلام كذب. اهدؤوا قليلاً. مرَّ موسم الحج وهداهم الله المخطئون الذين يتبعون عبد الله بن أبي ابن سلول الذي لم يكن يعلم شيئاً وكانوا
يجهزونه ليبايعوه ملكاً. ولذلك كان يقول: "أنا كبيرهم"، فقد كانوا سيجلسونه على عرش مثل كسرى ويجعلونه ملك المدينة. ولهذا السبب كان يكره سيدنا كثيراً من أجل الدنيا، وكان يشعر في داخله أن سيدنا هذا... عبد الله، رجل صالح تابع لله، يشعر في داخله أنه رجل بركة، ويشعر من داخله ومن الأمور التي يراها أن له مكانة عند الله. الحسد والحقد هو الذي أظهر أمر الله فيه هكذا. مسكين! ولذلك عندما جاءته الوفاة، أرسل إلى سيدنا
النبي قائلاً: "أرسل لي عباءتك لكي يكفنوني بها." فيها الله عباءة! ماذا؟ أنت ألست تقول أنه ليس نبياً؟ لا، ليس ضرورياً، يمكن أن يقول أنه نبي لكنني غاضب منه. كما يقول بعض الجهلة هكذا: "أنا غاضب من نبي". كيف ذلك؟ هذا النبي الخاص بك! الله يهدم بيتك! كيف تغضب منه؟ أي حماقة! نعم، يمكن أن يحدث في الإنسان معدود من كبار المنافقين، بعد قليل نكمل قصة عبد الله بن أبي بن سلول. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. ذهب المشركون بقادتهم أبو جهل وأبي وأخوه وغيرهم إلى عبد الله بن أبي بن سلول وسألوه إذا ما... كان قد أسلم من قومه رجال ونساء، ولخطورة ذلك فأكد لهم أنه لم يحدث، واطمأن المشركون بذلك أياماً، فانصرف الحجيج. نحن الآن في الخامس عشر أو العشرين من ذي الحجة، وقد بدأ الناس يعودون بعد الحج إلى بلادهم، بمن فيهم الوفد المدني. وكانت في ذلك الوقت لا تُسمى المدينة، بل فكانوا يقولون اليثربيون:
انصرف اليثربيون من يثرب، يعني يثرب التي أصبحت فيما بعد بحلول سيدنا فيها سُميت بمدينة رسول الله، ثم اختُصر الاسم إلى المدينة. صارت اسمها المدينة وأصبحت عَلَماً، فعندما تقول: أنا ذاهب إلى المدينة، يعني ذاهب إلى مدينة سيدنا صلى الله عليه وسلم. وأهل النحو يقولون ماذا؟ والصرف، الألف واللام عوض عن مضاف إليه. مدينة رسول الله (رسول الله)، وضعنا بدلاً منها الألف واللام، فتصبح المدينة. مثل ابن الصلاح، يعني صلاح الدين، حذفنا كلمة الدين، ووضعنا الألف واللام. أم ماذا؟ نعم، يقال لك: عوض عن مضاف إليه. حسناً،
مشى اليثربيون. عَرَفَ وتأكد، وجاء شخص وقال لهم: يا... جماعة، إنني سمعتهم بأذني وهم يشهدون الشهادتين، وكان فيهم فلان وعلان وتركان وسلان. قالوا له: "أمتأكد؟" قال: "نعم متأكد". واحد من المشركين كان مختبئاً خلف حجرة، خلف شيء ما بالليل، يعني لم يره. قال له: "أنا أعرف مائة في المائة، الخبر مؤكد". فغضبوا وجروا وراء اليثربيين، جروا وراءهم في الطريق ما بين مكة والمدينة في الطريق المرصوف أو الذي لم يكن مرصوفاً، إذ
لم يكن هناك إسفلت وقتها، كانت هناك مسارات في الطريق الممهد الذي ينزلون فيه للذهاب للتجارة وغيرها، والذي نقول عنه إن فيه محطات وغيرها، كان حوالي أربعمائة وثمانين كيلومتراً تقريباً. أربعمائة وثمانين كيلومتراً يمكن أن تقطعها سيراً على قدميك فتصل في حوالي عشرة أيام، ويمكن أن تقطعها بالإبل وتستريح وتفعل وما إلى ذلك، فتصل في حوالي سبعة أيام أو ستة أيام، ويمكن أن تصل إليها بالحصان مباشرة هكذا، فتتحول الستة أيام إلى ثلاثة. فانتبه إلى أن هذه المسافة
كانت تُقطع كانت طرق الانتقال مختلفة، فالمشركون جروا وراء اليثربيين ليقبضوا عليهم. ماذا يفعلون بهم؟ ما حدث أنهم جُنّوا ولم يعرفوا ماذا يفعلون. لاحقوا واحداً واثنين، وهؤلاء الواحد والاثنان جروا في أواخر القافلة. قبضوا على سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو سيد كبير من سادة المدينة ومن أثريائها، سعد. قبضوا على ابن عبادة وأخذوا يضربونه ضرباً مبرحاً وقيدوه بالحبال وأدخلوه
مكة بهذه الصورة. إنه رجل مثل ماذا؟ لو كان عبد الله بن أبي - وهو ابن سلول - كان سيصبح ملكاً، وكان هذا سيصبح وزيره. إنه رجل ذو وجاهة، أدخلوه وضربوه ضرباً شديداً في مكة، وكانوا عندما يريدون... يفعلون هكذا، كان هناك فسحة كبيرة حول الكعبة. فقاموا بإحضارهم لأن دار الندوة كانت موجودة أيضاً بجوار الكعبة، وهي بمثابة البرلمان أو مجلس الشعب الخاص بهؤلاء الوثنيين. أحضروه كساحة للعقاب وما شابه، وجعلوه جالساً بجوار الكعبة. المطعم بن عدي وجالس
بجوار الكعبة، والحارث بن حرب، هذا الحارث بن حرب يكون... أخو أبي سفيان بن حرب بن أمية أخوه، ومن المطعم بن عدي؟ هذا رجل عمره كم سنة في هذا الوقت؟ تسعين، تسعة وثمانين، تسعين تقريباً، يعني رجل كبير وحكيم. انظر يا حارث، أليس هذا سعد بن عبادة الذي من المدينة؟ قال له: نعم. قال له: حسناً، ماذا؟ لماذا يضربونه؟ أهم هؤلاء مغفلون أم ماذا؟ وأسرع بالجري هو والحارث. لكن يا هذا، أنت وهو اتركا الرجل. قالوا له: كيف نتركه وقد أسلم؟ قال: فليسلم أو يفعل ما يشاء، أتريدون أن توقعوا مكة في مصيبة؟
أتريدون أن تدمروا مكة وتجارتها؟ إنها مصالح، خوف على المصلحة. قالوا: لكنه أسلم. قال: فليسلم. هو والمدينة كلها هؤلاء يحموننا ونحن ذاهبون ونحن قادمون، والذي يحمينا سعد هذا. ماذا تظنون؟ دعه يا فتى أنت وهو. السيد سعد بن عبادة هذا رجل محترم، ورجل يُسلم أو لا يُسلم هو حر، لأن مصالحنا عنده. فدعوه. الحارث بن حرب بن أمية، وكان معه من إذاً؟ المطعم بن عدي. في معركة بدر، قال سيدنا (صلى الله عليه وسلم): "والله لو أن المطعم بن عدي كان حياً وكلَّمني في هؤلاء النتنى
لأعطيتهم له". كان يحبه، رغم أنه مات مشركاً، لكنه كان عاقلاً. كان النبي يحب العاقل ويحلف قائلاً: "والله لو أن المطعم كان حياً وقال لي: اترك هؤلاء القوم الذين هؤلاء وأسرنا منهم سبعين شخصاً لكنت أرسلتهم إليه لأنه قدم مواقف نبيلة كثيرة مع المسلمين، لماذا؟ لأنه كان عاقلاً. المهم أنهم أطلقوا سراح سعد بن عبادة. هذا يوضح لك ماذا في المجتمع المكي؟ أن هؤلاء الناس يطيعون الكبار، وأن الكبار عندما ينصحون بالصواب، فالكبير ليس كاذباً. ليس كاذباً، وهذا لا
يصلح، والصغير يستمع إلى كلام الكبير الذي ليس كاذباً. أما إذا كان الكبير كاذباً، فالصغير لا يستمع إلى كلامه لأن الأمر لن يكون مناسباً، لن ينفع. منذ البداية عندما تكون أنت أيها الكبير كاذباً، وأنت أيها الصغير تتحجج وتقول: "ها هو الكبير كاذب، أأطيعه؟" قلت له: هو كاذب يفكك المجتمع. انظروا إلى المكيين الذين هم المشركون، أي الوثنيون، فهم عقلاء. إن الاجتماع البشري مبني على أن يكون الكبير صادقاً مخلصاً في النصيحة كالمطعم بن عدي والحارث بن حرب، وأن الآخرين يطيعون فوراً. هكذا، مثلما تقول،
لأنه يتحدث من قلبه ويقول الحق وليس كاذباً. خرج سيدنا سعد بن عبادة وذهب ليلحق بأصحابه عند قباء. ذلك المكان الذي يُسمى قباء، والذي يوجد فيه الآن مسجد قباء، لم يكن المسجد قد بُني بعد. وصل إليهم. كيف وصل إليهم؟ عندما قبضوا عليه وعادوا به. نعم، هناك فرق في وسائل التنقل، فربما ركب فرساً. قم ليلحق بهم، وهذا غني يستطيع شراء الفرس وهو جالس، ويستطيع أن يؤجره لأن له وجاهة. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة