السيرة النبوية - الحلقة الحادية والثلاثون

السيرة النبوية - الحلقة الحادية والثلاثون - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات، نلتمس فيها من نوره ونقتبس من أنواره صلى الله عليه وسلم. وصلنا إلى السنة الثالثة عشرة من النبوة، العَقَبة الثانية. جاءت في نهاية هذه السنة ويبدو والله أعلم أن الإسراء حدث
في هذه السنة، قيل إنه حدث في محرم وقيل إنه حدث في رجب وعليه جمهور الناس، في السابع والعشرين من رجب نحتفل بالإسراء والمعراج، وقيل إنه حدث في رمضان، يعني هناك كلام كثير في الإسراء والمعراج، لكن الحقيقة أنه لا بد أن يكون قد حدث بعد وفاة السيدة خديجة لأن السيدة خديجة لم تعاين فرضية الصلاة، وفُرِضت الصلاة على هذه الهيئة التي نصلي بها، هذه الهيئة المُخمّسة: الفجر، الظهر، العصر، المغرب، العشاء، بهذه الكيفية في ليلة الإسراء والمعراج باتفاق، فهي بعد السنة التي توفيت فيها السيدة خديجة في سنة عام الحزن. بعدها ويبدو
أنها بين العقبتين، والعقبة الأولى كانت سنة اثني عشر، والعقبة الثانية كانت سنة ثلاثة عشر، والهجرة كانت في أربعة عشر في ربيع. إذاً فنحن سننسبها إلى سنة ثلاثة عشر. هذه النسبة قابلة للبحث والرد والكلام وغيره، لا يضر شيء. ولكن هناك ربما تسعة أقوال متى. تمَّ الإسراء والمعراج، لكن عندما حدث الإسراء والمعراج، جرت مرة أخرى تهيئة لسيدنا النبي لهذا الحدث الجلل، لأنه سيخترق السماء، واختراق السماء لا
يتناسب مع الجسد البشري، فلا بد من إعداد خاص. وسيرقى إلى سدرة المنتهى ثم إلى البيت المعمور ثم إلى العرش، يعني هذا شيء كبير. أيضاً لا يتحمله البشر المعتاد قبل التهيئة، فكان لا بد من تهيئة ذلك الجسد الشريف لهذا الحدث الجلل، فحدث حادث آخر لشق الصدر، فجاءت الملائكة وشقت صدره الشريف وملأته، وهكذا مثل ما حدث وهو صغير، تهيئة لتنزل الوحي وللنبوة. الناس الماديون إذا كانوا يريدون أن يعرفوا، لا أحد يستطيع
أن يرقى. في مراقي ومعارج السماء بالجسم هذا، لابد من ارتداء شيء يقيه من الضغط. وهناك مرض يسمى "مرض الصندوق"، وهو أن تتعرق دماً، ويحدث هذا عندما تصعد في السماء بدون تهيئة أو بدون ارتداء الملابس المناسبة، فيحدث مرض الصندوق ويسيل الدم. لذلك كان لا بد أن يتهيأ هذا الجسم الشريف والجسد المنيف لهذه الرحلة العجيبة. التي تحتاج إلى مزيد من الاستعداد، فشُقَّ الصدر الشريف لهذه التهيئة. في هذه السنة حدث أن أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن جبريل جاء إلى النبي وهو نائم
في فراشه، فأخذه وذهب به إلى الكعبة. وكان البراق، وهو دابة تصل إلى حيث ما تكون نهاية بصره - نهاية البصر المعتاد - يُحضِر. ثلاثون كيلومتراً، ثلاثون كيلومتراً، يعني أنت عندما تقف هكذا ترى قبة السماء نزلت على الأرض، ها هي ثلاثون كيلومتراً، علّم عليها هكذا ثلاثين أو أربعين كيلومتراً، هو ربما يرى أكثر، ربما يرى ستين لأنه مرتفع، كلما ارتفعت كلما زادت مساحة الدائرة، فيأتي فوراً، فوراً هذه تعني ماذا؟ تعني أقل من. ثانية أقل من ثانية يكون حيث ما يكون نهاية بصره، ومعنى هذا أننا في المدينة سينتقل بسيدنا إلى بيت المقدس. هذه
المسافة لا تزيد عن ألف وثمانمائة كيلو إلى ألفي كيلو من مكة. من مكة، نحن ما زلنا في مكة، من مكة لبيت المقدس ألفي كيلو، ألفين وثلاثمائة عندما تقسمهم على ستين فيصبح فيها أربعون ثانية. إذا قلت أنه أقل من ثانية النظر هذه، هذا النظر يصبحون كأنهم عشرون ثانية. ماذا يعني هذا؟ يعني أنه قطع مائة وعشرين كيلومتراً في الثانية. مائة وعشرون كيلومتراً في الثانية، نعم، يعني أقل من سرعة الضوء، ها. فإذاً ليس هناك يعني أقل. من سرعة الصوت أيضاً، أو بأقل من سرعة الصوت. عندما نصل هكذا في هذه الثواني القليلة هذه المسافة،
وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وربط البراق. "اعقل وتوكل"، ربط البراق في حلقة في الجدار الذي يُسمى الآن بحائط البراق في المسجد الأقصى. المسجد الأقصى عبارة عن مسجد متوجه. إلى الكعبة، والكعبة هذه جنوبًا، فأمام الجنوب هكذا يكون الغرب هنا والشرق هنا. الحائط، حائط البراق على يدك اليمنى الغربية، وهو على تلة مرتفعة ثلاثين متراً، وفي المصلى المرواني الذي يقولون إن النبي صلى فيه تحت وليس فوق. ربط البراق في حلقة
هي الآن باب المغاربة الذي يريدون. اليهود يكسرونه ويقضون عليه لكي لا تبقى لنا آثار، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. اليهود يريدون القضاء على آثارنا، وبعضهم قضوا على آثارنا فعلاً، فهدموا بيت النبي وهدموا المدينة كلها. والحمد لله رب العالمين الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه. بدلاً من أن نحافظ عليها، نحن نهدمها. اليهود لا يعرفون. يهدؤوا إلى الآن، وإن شاء الله ربنا يُشلّ أيدي الإسرائيليين عندما يُراد هدم المسجد الأقصى وهدم حارة المغاربة وهدم حائط البراق الذي يسمونه المبكى، ليس مبكى، هو حائط البراق
لأنهم يأتون يبكون عنده. لا بأس، ليس لنا شأن بهم. بعد قليل نواصل هذه الرحلة المباركة بسم الله الرحمن الرحيم مع... سيدنا صلى الله عليه وسلم وقد وصل إلى المسجد الأقصى لم يكن هناك هذه البناية، هذه البناية التي بناها فيما بعد عبد الملك بن مروان، ولا هذه القبة التي عليها الصخرة، ولكن كانت تلة وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك وربط البراق في الحائط الغربي إلى أن انتهى. من الصلاة بالأنبياء لما كان صلى الله عليه وسلم
يسير على البراق فإنه رأى قبر موسى عند الكثيب الأحمر على مرمى رمية حجر من القدس وهو يصلي، أخرجه البخاري. يعني رآه، فإذاً النبي عليه الصلاة والسلام كان في حالة انكشف فيها حجاب الغيب فأصبح ما وراء المنظور منظوراً عنده على البراق. الدب لا وجود لها في الأرض بل هي دب سماوية. سيدنا جبريل معه وهذه الأحداث وما سيكون لا تكون إلا من عند الله، فارتفع حائط الغيب. وحائط الغيب يمنع عنا النظر إلى ما وراء المنظور،
فشاهد موسى يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر. قال: "مررت على موسى وهو قائم يصلي". عند الكثيب الأحمر، ما زال اليهود يبحثون عن هذا القبر حتى يومنا هذا ولم يجدوه. أما المسلمون فقد بحثوا عنه منذ زمن بعيد ووجدوه عند الكثيب الأحمر، وبنوا عليه بناية وأسموه قبر موسى. واليهود ينكرون ذلك قائلين: "لا، ليس لنا علاقة بالموضوع، استمروا في البحث عنه إن شاء الله". لكن المسلمين بحثوا عنه فعلاً ووجدوه بالفعل عند الكثيب. أحمرَ وجدوه على مرمتِه حجرٌ ووجدوا كذا وبنَوْا عليه مقاماً وأسموه مسجد سيدنا موسى وهو باقٍ إلى الآن. النبي عليه الصلاة والسلام صلّى بالأنبياء، فإذاً
يجوز تجسُّد الأرواح لكي يصلي بهم، وقد صلّى بهم إماماً فهو إمام الحضرة القدسية عليه الصلاة والسلام. تطوُّر النبي والولي يعني تجسُّده، وهذا ما أخذوه. مِن حادثة الإسراء والمعراج بعد أن صلى بهم وبكل الأنبياء، ولذلك عندما سأله أبو ذر: "كم عدد الأنبياء؟"، قال له: "مائة وأربعة وعشرون ألفاً"، قال له: "كم الرسل منهم؟"، قال: "ثلاثمائة واثنا عشر". لقد رآهم، رآهم عليه الصلاة والسلام، فصلى بهم ثم خرج وركب البراق قليلاً هكذا في السماء. ثمَّ أخذهُ جبريلُ وفتحَ
لهُ أبوابَ السماءِ، انظُرْ إلى الكلمةِ: "فتحَ لهُ أبوابَ السماءِ"، سنعرفُها فيما بعد، نحنُ لا نعرفُها حتى الآنَ، ما معنى "فتحَ لهُ أبوابَ السماءِ"؟ لأنَّنا لم نصعدْ بعدُ، كانت هناكَ أشياءُ يجبُ أن تُفتحَ حتى تَعبُرَ الأجسامُ منها، فنظرَ إلى السماءِ الأولى فوجدَ فيها آدمَ، فسلّمَ عليهِ واعترفَ ببُنُوَّتِهِ. ونبوته أن هو من الأنبياء وناداه بالنبوة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. صعد إلى السماء الثانية فوجد فيها سيدنا يحيى وسيدنا عيسى اللذين هما ابنا خالة، حيث كانت
أمهاتهما أختين: أم سيدنا يحيى وأم سيدنا عيسى السيدة مريم الصديقة. فوجد ابني الخالة، وهما يحيى وعيسى. ثم صعد إلى السماء الثالثة. قام فوجد سيدنا يوسف الجميل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فسلم عليه وناداه بالنبوة أيضاً. صعد إلى السماء الرابعة فوجد سيدنا إدريس الذي هو أخنوخ أو هرمس الهرامسة أو حكيم الحكماء سيدنا إدريس. ويقال في التراث أن سيدنا إدريس حي باقٍ كسيدنا عيسى بجسده العنصري في
السماء الرابعة، يعني كان. سيدنا عيسى ليس وحده الذي رُفع، بل إن إدريس رُفع أيضاً. عندما ذهب إلى السماء الخامسة وجد سيدنا هارون. ثم صعد إلى السماء السادسة أيضاً فسلم عليه وناداه بالنبوة، كلهم هكذا. ثم وجد سيدنا موسى فسلم عليه وناداه بالنبوة. وبعد ذلك استمر في الصعود إلى السماء السابعة، وفي السابعة وجد سيدنا إبراهيم أباه، فصلى. بكى موسى وهو في السماء السادسة، وهي مكانة عالية جدًا، فلما بكى قالت له الملائكة: "لِمَ تبكي؟"، قال: "هذا غلام يأتي من بعدي يدخل من أمته أكثر
مما يدخل من أمتي الجنة". يعني كان حريصًا على أمته، لكن لما بدّلوا وحرّفوا وخرّفوا وأفسدوا، أُخذت منهم القيادة، أُخذت منهم القيادة. وأعطيت القيادة للمسلمين، ولذلك تجد سورة الإسراء فيها آية واحدة فقط تتحدث عن الإسراء والباقي عن بني إسرائيل الذين بعدها. لماذا؟ لأن هذه أمة قد خانت وانتهت، واستوجب من خيانتها أن نعطيها للأمناء. فحملناها، ستكونون هكذا ستعيدونها، ستكونون هكذا. المسألة ليست بحاجة إلى فلسفة، المسألة هي أن الأمة القائدة ينبغي. إلا
أن تخون، وإلا فإن القيادة لا تكون لها أبداً أبداً، والله غالب على أمره. يقول لي أحدهم: "حسناً، ألم يكن للملاحدة القيادة من قبل؟ لماذا سيعودون؟ لم يعودوا". ستُنتزع منهم القيادة، وستزول دول وأمم، وستذهب روسيا بشيوعيتها، وستذهب أمريكا بعنجهيتها، وهكذا. نحن فقط ننظر تحت أقدامنا ولا نرى أبعد من ذلك. ننظر إلى سنة الله في كونه، ولذلك الأمة القائدة لها صفات عسى أن نجلس عليها ونستنبط منها، لأن حادثة الإسراء والمعراج كانت في غاية الأهمية. ذهب النبي في العلوم إلى سدرة المنتهى، ثم صعد إلى البيت المعمور،
ثم صعد إلى العرش، فكان قاب قوسين أو أدنى، صلى الله عليه. وسلم. أما رؤية الله بالنظر بالبصر فقد أجمع المسلمون على أنها لم تحدث، وأنه لم يَرَ ربنا بعينيه، لم يحدث ذلك، "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار". أما رؤية الله بالفؤاد فقد حدث خلاف بين الصحابة هل وقعت أم لم تقع، والراجح أنها وقعت حتى حكى بعضهم فيها الإجماع، يعني قال لا. لا خلاف بأنه قد رآه بفؤاده وأيضاً لا خلاف أنه رآه ببصره، هو لم يره ببصره اتفاقاً ورآه، نحن نقول هو قد رآه بفؤاده صلى الله عليه
وسلم، ما كذب الفؤاد ما رأى. فُرضت الصلاة خمسين، فنزل فالتقاه موسى في السادسة، في السماء السادسة، قال له إني. بلوتُ الناس، قابِلْكَ اصعد إلى ربك واسأل التخفيف. فنظر إلى جبريل، فقال: إن نعم، إن شئت. فصعد ونزل إلى أن صاروا خمساً، وهم عند الله بخمسين، فصارت الحسنة بعشرة من أمثالها. فُرِضت الصلاة على هذه الهيئة، وفي هذا اليوم عُرِض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقال: اخترت لأمتك الفطرة. وفي... هذا اليوم رجع صلى الله عليه وسلم إلى فراشه فوجده ما زال دافئاً، يعني معناه أنه لم يمضِ أكثر من ربع ساعة، كيف؟ بالخلق لا
بالانتقال، "كن فيكون"، "كن" في السماء الأولى، "كن" في السماء الثانية، "كن" في السماء، "كن" في سدرة المنتهى، وتأتي الآن نظرية النسبية أن الأوقات قد تضيق. وقد تتسع بناء على ما اكتشفه بعض أهل الفيزياء إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.