السيرة النبوية - الحلقة الحادية والخمسون

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار السيرة النبوية الشريفة نعيش هذه اللحظات مع حياة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم. وصلنا في معية النبي المصطفى والحبيب المجتبى إلى شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، السابع
عشر من رمضان. حدثت وقعة بدر الكبرى، وفيها نصر الله المسلمين كما ذكرنا نصراً عزيزاً مؤزراً. مات من المشركين سبعون، واستشهد من المسلمين اثنا عشر شهيداً. ذكرنا أن هذا النصر المبين أرجع المشركين وهم في حالة انكسار، ومات أكابر المجرمين أبو جهل وإخوانه السبعة الذين كانوا معه. خففت هذه
الحادثة على لم يبقَ في مكة من المسلمين إلا صفوان بن أمية وأبو سفيان بن حرب. هؤلاء الناس لا يعرفون كيف يفكرون مثل أبي جهل ومثل عتبة وعتيبة وأميمة وأم وكل هذه المصائب التي ماتت. الحمد لله، يهيئ الله لرسوله ويمهد الطريق. أتذكرون ما حدث بين الأوس والخزرج؟ كان اليهود لا يحبون ذلك. الوفاق بين الأوس والخزرج، وكانوا يُطلق عليهم بنو قيلة، لا يبقى إلا على الاختلاف. يعني
أن هؤلاء الأوس والخزرج لابد أن يختلفوا، ولا عيش لنا إلا بذلك، وهي سياسة "فرِّق تسُد" المعروفة منذ القدم. فكانوا يُثيرون الفتنة بينهما، فأشعلوا بينهما حرباً. العربي في طبيعته عزيز ولديه شهامة، لكن لديه عناد وطيب. فيضحكون عليه، ثم قامت حرب تسمى حرب البسوس، استمرت لا أعلم أربعين سنة بين قبيلتي عبس وذبيان. لماذا؟ بسبب فرسين قتلهما أحدهم أو سرقهما، شيء من هذا القبيل،
أي شيء يذكر. فتندلع حرب، وتكاد قبيلتا عبس وذبيان، اللتان كانتا عظيمتين جداً، ألا يبقى منهما أحد، حتى جاء زهير بن أبي سلمى. ماذا قال؟ قال: تداركتما عَبْساً وذُبْيان بعدما تفانوا، أي كاد كل واحد منهم أن يُفني الآخر، وفاح بينهم عطر منشم. منشم هذه امرأة تُعطي العطر للذين يذهبون للحرب، تأخذ العطر من هنا فيموت من هنا، نعم يعني شؤم. لكن كل هذا على ماذا؟ على حصان، فرس داحس والغبراء، هذا أم ماذا؟ داحس والغبراء. ليس لنا تدخل إلا أن الأوس
والخزرج قاموا على بعض وكادوا أن يفني أحدهم الآخر واليهود جالسة تتفرج وهي مسرورة. هذا القتال الداخلي مصيبة، لكنه كان تهيئة لسيدنا من عندهم هم. سيدنا لم يفعل شيئاً، وإنما مات كبار مجرميها من هنا ومن هناك، فلما عرض النبي عليهم الإسلام وجدوا. شيء جميل سيحل المشكلة وهم قادمون إلى مكة لكي يأخذوا منها حلفاً، فوجدوها حلفاً، فدخلوا في دين الله أفواجاً، فأصبحوا إخوة. فغزا هذا اليهود، لا يهم.
المهم أنه في السابع عشر من رمضان وقعت معركة بدر، وفي هذه المعركة نصر الله المسلمين نصراً مؤزراً، وكانت بداية الخير، واستولى المسلمون على العتاد. وسلاح كثير من المعركة، وفُقِد المفكرون الكبار الذين كانوا ضد الدعوة على يد المسلمين. وعندما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر، كان قد ترك في المدينة سيدنا عثمان. كان سيدنا عثمان متزوجاً من رقية بنت النبي، وكانت
رقية مريضة، فقال له: "والله ابقَ يا عثمان واجلس بجانب البنت لكي تعتني بها لأنها..." لا تستطيع أن تجلس معتدلة، هكذا هي. رحمها الله. فقال سيدنا عثمان: "حاضر"، وجلس بجوار رقية. وأثناء عودتهم، حدثت المعركة في اليوم السابع عشر، وبدر هذه -كما ذكرنا- تقع جنوب المدينة بمائة وستين كيلومتراً، أي مسافة يوم آخر. بعد ذلك استراحوا يوم الثامن عشر، وفي يوم التاسع عشر جمعوا أنفسهم وما إلى ذلك. كانت الحكاية بالفعل أنه عندما وصلوا إلى المدينة، وصلوا في اليوم الذي توفيت فيه السيدة رقية ابنة سيدنا عثمان. ولأن إكرام الميت دفنه،
بادر بتجهيزها، فغُسِّلت وكُفِّنت وصُلِّي عليها ودُفِنت في المقبرة. وعندما كان عثمان عائداً من المقبرة، وجد الجيش الإسلامي عائداً من بدر ومعه البشرى، فكان هناك سيدنا عثمان. يوجد حزن على زوجته وفرح بالنصر. سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام، هذا شيء آخر، شيء آخر. تعال يا عثمان، ماذا فعلت البنت؟ قال له: تعيش هنا. انتقلت عليه الصلاة والسلام، فضرب لعثمان بسهم في بدر.
كانوا هم يعيِّرون بعد ذلك سيدنا عثمان، يقولون له: إنك لم تحضر بدراً. ولا حضرت الحديبية ولا حضرت كذا وكذا، قال يعيّرونه، يعني النبي عليه الصلاة والسلام نبي وربنا كشف له أشياء، فذهب وشارك في بدر حتى لا يُقال أنه من المتخلفين، لأنه جلس بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يؤدي واجباً مكلفاً به، ليس تخلفاً أو جبناً أو بخلاً، لا هذا. يؤدي واجبًا عسكريًا وهو يطيع، فضُرب بسهم في بدر. وغنائم بدر كانت تُوزع لأنه في ذلك الوقت كان المرء يقوم بنفسه، فأنا الذي
أشتري الدرع وأشتري الدروع وأشتري الخوذة وأشتري السيف وأشتري الرمح وأشتري غير ذلك، كل شخص على حسابه، وإذا كان هناك خيل أو غيرها. يكون لديّ يعني لم تكن هناك جيوش نظامية تُنفق على الجيش وتُسلحهم. الآن لا يصلح أن أشتري دبابة وأشتري طائرة وهذا يكون لديه دفاع جوي، لا، لا يصلح هذا الكلام. تغيرت المنظومة فأصبح هناك جيش نظامي، وسنرى ما الذي تم بعد بدر. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله.
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. رمضان من الشهور الطيبة التي نصر الله فيها المسلمين عبر التاريخ. بعد ذلك في العشرين من رمضان تم فتح مكة وانتصر المسلمون ودخل الناس في دين الله أفواجاً في يوم عشرين رمضان لكن سنة ثمانية، أي بعد بدر بست سنوات. في رمضان نصر الله ناصر صلاح الدين وأدخله القدس، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يرد علينا القدس ويحررها من أيدي الغصبة
المغتصبين. المسجد عندما دخله الصليبيون حولوه إلى مرابط للخيل لأنهم لا يعتقدون أن هذه أرض مقدسة أو شيء مهم، نحن الذين نقول عنها أرض مقدسة "سبحان الذي أسرى بعبده". ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، وهذا المسجد الأقصى بنيناه، والمكان الذي انطلقت منه البراق بسيدنا النبي، الذي هو الصخرة، بنينا عليها قبة. هذه القبة من الألمنيوم الأصفر، والألمنيوم الأصفر هذا يتلألأ في الشمس كأنه ذهب، لكنه في حقيقته ألمنيوم أصفر هكذا وتحته...
الصخرة مستقرة وحولها منطقة محوطة من الأماكن المقدسة عندنا. نحن عندما دخلوا لم يحولوها إلى كنيسة مثلاً، لماذا؟ لأنها ليست مقدسة عندهم. والمسيحيون ورثوا بني إسرائيل، فبنو إسرائيل منهم السيد المسيح، وبعد ذلك من تنصر منهم ودخل المسيحية، أصبح مسيحياً. فهم يعرفون هذه القصة وليس لهم شأن بها. يقول لك: لا. لن أكون هنا حتى سنة ثمانية وعشرين، وجدناهم يتحججون وهم يرسمون الآن العودة إلى فلسطين ويختلقون الحجج. كل آثارهم تقول إن هيكل سليمان لم يكن هنا، وفجأة أصبح موجوداً
هنا. إنه كالمثل الشائع عندنا في مصر الذي يقول: "شكل للبيع"، أي يريد أن يخدعك، يريد شخصاً قال له: أنا. متداول أن الرجل كان غاضباً جداً من زوجته. قال له صديقه: "حسناً، ابحث عن عذر للخلاف معها". سأله: "كيف أجد عذراً للخلاف معها؟ فهي لا تفعل شيئاً إلا ما هو حسن". فقال له صديقه: "ادخل وقل لها: السلام عليكم، ستقول لك: وعليكم السلام، فتقول لها: أتردين علي؟!" ثم تذهب وتضربها. هي بالفعل ترد عليه أم لا؟ نعم، هي ترد عليه، لكنها مجرد ترد. عليه في أي شيء في السلام. هم فعلوا هكذا مع المسلمين تصرفنا. فعلوا هكذا مع المسلمين.
السلام عليكم وعليكم السلام. ذهبوا ضاربينا ثمانية وعشرين. هذا الحائط خاصنا الذي هو حائط البراق. الحائط الذي رُبط فيه البراق فسمّوه حائط البراق. حائط بطول ثلاثين متراً والمسجد فوق في المنطقة العلوية. هذا خاصنا. هذا هو حائط المبكى ويستمرون في خداعنا حتى إعلامنا عندما يقولون عنه حائط المبكى. احذر أيها الإعلامي أن تذكر أنه حائط المبكى، هذا هو حائط البراق. ما يسمى بحائط المبكى هو وهم اخترعوه سنة ثمانية وعشرين، وصنعوا لنا شكلاً للبيع قبل الاحتلال بعشرين سنة. إنه تدبير من أول القرن عرضوا. عُرض على السلطان عبد الحميد رضي الله تعالى عنه أن
يبيع فلسطين فرفض. المهم في سنة ثمانية وعشرين استمروا في التضييق على المسلمين، فالحاج أمين الحسيني رحمه الله مفتي القدس عقد مؤتمراً عالمياً جمع فيه العلماء وأهل الفكر من المسلمين من كل مكان، من الجزائر ومن مصر ومن الهند ومن تركيا وغيرها. إلى آخره لإثبات ملكية هذا الحائط لنا ورفعنا قضية دولية قائلين: "يا جماعة الحقوا، هؤلاء الناس يريدون سرقة ممتلكاتهم". فتشكلت لجنة دولية من الإنجليز والفرنسيين ومن هؤلاء وأولئك لكي تبحث لمن ينتمي هذا الحائط، وأصدروا حكمهم بأنه ملك للمسلمين خالصاً
لهم دون هؤلاء الناس، هذه اللجنة. كانوا مسلمين، لا تقل كانوا أناساً قضاةً ولينين لا علاقة لهم إلا بالمستندات والحجج وهكذا إلى آخره، والتاريخ عندما تذهب إلى القدس اليوم تجدهم قد استولوا على هذا المكان في الأسفل وقسموه نصفين، نصف للنساء ونصف للرجال. فسألت قائلاً لهم: يا جماعة، أريد أن أنزل لأرى أيضاً هذا الحائط. قال: لا. ما هذا بالنسبة لليهود هكذا بالضبط. قلت لهم: كيف لليهود؟ أنا أريد أن أنزل. قال: أنت تُحرج اليهود جداً بهذا. حسناً، لماذا لا تُحرجونهم يا معشر المسلمين؟ لماذا
لا تُحرجونهم؟ لأنه لا يوجد أحد يذهب إلى القدس، تاركينها تتمزق وتتفكك. لماذا؟ لأنهم اغتصبوها منا. عندما يغتصب أحدهم ابنتك، ألا تذهب لزيارتها؟ أتكون هي التي تستحق الحرق أم سيادتك الذي يستحق الحرق؟ تترك ابنتك ولا تذهب لزيارة الفتاة عند المغتصب؟ هل تسلم عليها على الأقل؟ هل تأخذ بخاطرها؟ انظروا إلى الجريمة التي تُحاك ويحاولون أن يُلقفوننا لبعضهم. أريد أن أدخل هنا الآن، أنا سائح وأريد الدخول إلى هنا. أضع خدي على الحائط الذي كان عليه
البراء الحقيقي وليس الوهم. لماذا تمنعني؟ لا أحد تقيّأ، فلا أحد طلب. منذ احتلال القدس الشرقية سنة سبعة وستين وحتى اليوم، لا أحد طلب، لا أحد فكر أن يفعل هكذا. حسناً، لماذا؟ هذا هو السؤال المحير. لماذا؟ لماذا؟ لماذا نترك حاجتنا؟ عند المحتلة بأي دعوى هذه أو بأي عقلية هذه أمام العالم! أصبحنا نقول إننا فعلنا شيئاً، وأننا ذاهبون كسياح ونريد أن نصلي هنا، فلماذا تمنعوننا؟ هيا نحرجهم أمام العالم. حتى هذا الأمر لا
نفعله. ولذلك أمر مضحك جداً ما يجري، إنه أمر مضحك جداً لأنه يصب في النهاية لمصلحة المحتلة. سيدنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم ببركته أكسبنا النصر في رمضان في معركة القادسية، وانتصرنا في رمضان في العاشر من رمضان، واستطعنا أن نهزم العدو ونقضي عليه ونستعيد أرضنا. لا تزال أراضٍ غيرنا حتى يومنا هذا محتلة. والغريب أن يأتي شخصٌ أو جهةٌ ما ويقول لك: لا، هذه لم تكن معركة حقيقية. ألم تكن حقيقة وأنت تعمل لصالح اليهود أم ماذا؟ ما هذه الهزيمة الكبيرة التي تعرضوا لها؟ ما معنى ذلك
كله؟ وعندما حررنا أرضنا، ماذا كان؟ إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.