السيرة النبوية - الحلقة الخامسة

السيرة النبوية - الحلقة الخامسة - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته وأحواله الكريمة الشريفة نعيش هذه اللحظات، وعند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تتنزل الرحمات. تكلمنا عن اسمه الشريف وأنه محمد بن عبد. الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
وأن هذه الخمسة تُحفظ وتُعلَّم لأولادنا وتُحدثنا عن مولده الشريف وأن أمه عليها السلام قد حملته فلم تشعر به لا في حملها ولا في ولادته وأنه ولد في مكة على بعد خطوات من المروة في مكان معروف يسمى بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت فيه السيدة آمنة ومعها مجموعة من النساء، كانت فاطمة أم عثمان بن أبي العاص والشفاء أم عبد الرحمن بن عوف وثويبة جارية أبي لهب وأم
أيمن بركة، وكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم، تركها أبوه في التركة فكانت ملك رسول الله. صلى الله عليه وسلم وعرفنا أن تلك النساء مع آمنة احتضنَّه أي وضعنه في حضنهن فتبركن به ويُضاف إليهن حليمة وابنتها الشيماء، إذاً سبعة من حواضن النبي صلى الله عليه وسلم: أمه وتلك النساء التي وُلِد في حضرتهن وحليمة وابنتها، وكانت ابنتها كبيرة بنحو ثلاثة عشر أو أربعة عشر سنة تحمله
مع أخيها عبد الله وعرفنا أنه ليس له أخ ولا أخت أشقاء وإنما له في الرضاع مسروح ابن ثويبة وحمزة ابن عبد المطلب رضع معه على ثويبة والشيماء وعبد الله من حليمة وأسامة بن زيد من أم أيمن بركة لأنه زوَّجها لزيد بن حارثة فأتت له بأسامة وعرفنا أنه لا خالة له ولا خال، عندما يسألك أحدهم قائلاً: من خال النبي الشقيق؟ تجيبه بأنه لا يوجد، لأن آمنة كانت وحيدة. إنما أخواله بنو زهرة، أي أخواله البعيدون، أي القبيلة التي ينتمي إليها، وهم بنو زهرة، وهؤلاء هم أخواله وخالاته
لأنهم من بطن آمنة بنت وهب. وعرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلِدَ مسروراً مختوناً، أي أن سُرَّته كانت سليمة مقطوعة من الحبل السري، وكذلك كان مختوناً صلى الله عليه وسلم، وهذه شريعة أبيه إبراهيم. لكن ولادة الأولاد مختونين تحدث في ندرة شديدة، فكان من كرم الله عليه أن وُلِدَ مختوناً ومسروراً، وأن حليمة أخذته النقي في مضارب بني ساعدة فتربى هناك وحدث له هناك حادث
رآه وشاهده عبد الله أخوه من الرضاعة ابن حليمة، وذلك أنه رأى أن رجالاً أتوا وأخذوه فشقوا صدره الشريف وملؤوه بشيء كان في طست - الطست هو إناء هكذا مثل الطست - ففر الولد عبد الله وذهب. إلى أبيه وأمه حليمة وزوجها وقال لهما: أُخِذَ أخي، أي إن هناك أناساً خطفوه. خافت حليمة لأنه أمانة عندها ومسؤولية، فذهبت فوجدته منتقع اللون، أي أنه مصاب بفزع شديد مما حدث له، ووجدته على حاله
وكان الناس قد ذهبوا، وهؤلاء الناس كان جبريل، وكانت هذه حادثة شق الصدر، وفي شق... تكرَّر شق الصدر بعد ذلك مرتين، مرة قبل الإسراء ومرة أخرى. ويتحدث علماء المسلمين عن شق الصدر بأنه تهيئة لهذا الطفل الوليد ليتحمل الجهد البليغ الذي سيقوم به، لأنه كان أمراً غريباً، أي في غار حراء في قيام الليل، وكان قيام الليل فرضاً عليه لا بدَّ أن
يقوم به وليس هو في حقنا في الصيام الذي كان يصومه حتى أنه كان يصل بين يومين ويقول: "إنما أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني". في رحلة الإسراء والمعراج، رحلة الإسراء والمعراج هذه مجهدة للغاية لأن طبقات الجو فيها ضغط، وهذا المفروض أن الجسم البشري لا يتحمله هكذا، فكيف يتحمل هذا ثم في الوحي. فكان إذا نزل عليه الوحي وهو على دابة، جمل قوي، ينيخ الجمل مما يحدث في جسده من تلقي الوحي. إذ هذه عملية مجهدة للغاية، ولذلك كان شق الصدر في بعض الروايات أن شق الصدر هذا كان يهدف إلى
نزع نصيب الشيطان من قلبه، والناس تفهم هذه العبارة على... يبدو ظاهرياً أنه كان في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء مثلما هو موجود عندنا، أي أن يستمع للشيطان أو ما شابه ذلك إلى آخره، لكن أهل الله قالوا لا، ليس هذا معناها، فقلبه كله رحمة، وهذا هو الجزء من الرحمة الذي كان يخص الشيطان، يعني لو لم هل سيرحم الشيطان وقد كان في أمتنا من أولياء الله من رحم
الشيطان والعياذ بالله تعالى؟ تعال أنت يا ولي، ماذا تفعل؟ قال: إنني أرحم كل المخلوقات بما فيهم إبليس. قلنا له: انظر إلى السذاجة، هذه هي السذاجة. أنت نعم ولي وطيب وكل شيء، في أمانة الله. بالله! لكن هذا خطأ لأن الولي ليس معصوماً. الولي هذا رجل يتقي الله، ومن تقواه لله ظن أن رحمة الشيطان من ضمن الخطأ الذي يقع فيه. لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، وأخرج الله من قلبه الرحمة لمن لم يرحمه هو سبحانه وتعالى، لأن الله الحكيم لم إبليس بعد كل طغيانه هذا، وفي التراث الإسلامي أشياء تفهمك هذا المعنى، هل يمكن لأحد
أن يرحم إبليس؟ ويقال إن سيدنا موسى ظهر له إبليس وقال له: يا موسى، أنت كليم الله، ألن ننتهي من هذه المسألة؟ أنا في النار وخالد فيها أبدًا وأظل أوسوس للخلق يعني... ربنا يعفو عني ونخلص الآن فلا يبقى هناك شيطان ولا شيء. قال له: والله فكرة، وذهب يناجي ربه وقال له: يا رب، يعني إبليس، أنت تعفو عن الجميع، فاعفُ عن إبليس ولا يحدث شيء، ولله الحجة البالغة. قال له: لا مانع، الرواية هكذا، الأثر هكذا، لا مانع. يا موسى، هل طردناه من الحضرة القدسية ومن كذا وكذا لأنه لم يسجد لآدم؟ حسناً، فليذهب ويسجد لقبره. قبره في
المكان الفلاني، فليذهب ويسجد له وينتهي الأمر، وأنا أعفو عنه. فرجع موسى فرحاً إلى إبليس وقال له: لقد جاءك الفرج، ربنا سبحانه وتعالى عرَّفني مكان قبر آدم. فقال: لن أذهب. أسجد فيُعفى عنك وننتهي من القصة كما قلت بالضبط. قال له: يا أخي، انظر إلى العناد، أنا لم أسجد له وهو حي، فكيف سأسجد له وهو ميت؟ لا فائدة، "إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين". قد يفكر الإنسان أن إبليس هذا سيتبع سيدنا. النبي بقلبه الرحيم كان من الممكن أن يحدث هكذا، فأزالوا له نصيب رحمة رحمته للإبليس، فأزالوها فلم يبق رحيماً بكل
قلبه، فقلبه كله رحمة لكن ليس فيه بند للإبليس، فكان كاملاً مكملاً. وشق الصدر له فوائد كثيرة منها طهارته صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، فكان طاهراً بكله، عرقه طاهر كلنا الحمد لله جعلنا مسلمين.
سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم نشأ في مكة وعاش هناك، وكان هادئ النفس، حكيماً، منيراً. حتى أنه في شبابه، عندما هُدمت الكعبة، أرادوا بناءها. كانت الكعبة سبعة وعشرين ذراعاً، والذراع تقريباً اثنين وأربعين سنتيمتراً، فعندما تضرب اثنين وأربعين سنتيمتراً يكون مثل نصف متر تقريباً. ثلاثة عشر ونصف، وفعلاً ارتفاع الكعبة الآن ثلاثة عشر، ثلاثة عشر إلا
شيئاً مثل ذلك. وأضلاع الكعبة كذلك هي متفاوتة، يعني أضلاع الكعبة فيها ضلع ثلاثة عشر، وضلع أحد عشر ونصف، وضلع اثني عشر وقليل، وضلع ثلاثة عشر أيضاً، وهكذا. إنها ليست مستوية، وارتفاعها أيضاً في هذه الحدود سبعة وعشرون في أيام الجاهلية كان طول الكعبة تسعة أذرع فقط، وكانت تمثل ثلث مساحتها الأصلية، فلم تكن كاملة هكذا، بل كانت على الثلث. وهذا الثلث تقريباً يصل إلى حدود الباب. وعندما تهدمت وأرادوا إعادة بنائها، زادوا تسعة
أذرع أخرى وأنشأوا الباب، فأصبح المجموع تسعة وتسعة، أي ثمانية عشر ذراعاً. ثم نفدت إسماعيل منها، يعني هي أولاً، البناء الأول كان تسعة أذرع، وكان حِجْرُ إسماعيل داخلاً، وبعد ذلك خرج حِجْرُ إسماعيل، وارتفعت هي تسعة أذرع أخرى، ثم في أيام ابن الزبير عندما أعاد بناءها، رفع ارتفاعها إلى سبعة وعشرين ذراعاً، وهو الارتفاع الموجود عليه اليوم. تنازع المسلمون فيما بينهم حول من الذي يقولون هكذا الأسعد والأسود لأن لونه أسود، وعندما حللوه وجدوه كأنه من نيزك، كأنه قادم
من السماء، فهو قادم من السماء. سألوا من الذي سيضعه، فقالوا نحن نحكم أول شخص يخرج علينا. فدخل عليهم سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا في الجاهلية قبل البعثة. أي أنه لم يصبح نبياً بعد، ولم يأته جبريل في غار حراء بعد. كان لا يزال شاباً، ودخل فقالوا له: "ماذا نفعل في هذه المشكلة؟ كل واحد يريد أن يأخذ شرف الحظ". فقال: "الأمر بسيط، أحضروا عباءة وسأضع لكم الحجر فيها، وارفعوا العباءة مربعة واشتركوا جميعاً في حملها، فيكون الجميع ثم عندما أزالوها وأوصلوها، ماذا أخذ ووضعه؟ رزقٌ يرزق مَن يشاء، فوضع بيده الشريفة هذا الحجر
الكريم، وكان يقول عنه: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض"، أي أنه سبب لغفران الذنوب ولأن تكون محل نظر الله سبحانه وتعالى، إلى آخره. سيدنا النبي عمل برعاية الغنم، رعاية. الغنم تسبب الصبر والسماحة، ولذلك كان يحب الغنم ويصفها بالسماحة، وهي كذلك، الغنم سمحة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى قوة وبأسًا وهيجانًا في الإبل، لكن في الغنم كان يرى فيها السماحة والوداعة، وقال: "ما من نبي قبلي إلا رعى
الغنم". كان الله يدربهم على شيء من. الصبر وسعة الصدر والسماحة وهكذا، وهذا عُرف في العالم كله، فأصبح حتى أهل الأديان يمسكون شيئاً هكذا يُسمى عصا الراعي. عصا الراعي لأن الرعي كان فيه نوع من أنواع التدريب والتربية والسماحة. هذا عند كل العالم وليس عند المسلمين فقط، يسمونها عصا الراعي. النبي صلى الله عليه وسلم عمل أيضاً. بالتجارة والبيع والشراء فكان أميناً صادقاً، وهذه عملية
صعبة في التجارة. انظر إلى قول: "التاجر الصدوق ليس له جزاء إلا الجنة". هذه عملية صعبة، يبدو أن يكون المرء تاجراً ويكون صادقاً في الوقت ذاته. فعلى التجار جميعاً أن يصدقوا، فإن الله سيبارك في صحتهم وفي أولادهم وفي أموالهم. وانظروا وجربوا الله، أما التاجر المخادع فستجده يدور حول نفسه غير راضٍ ولا قادر على الخروج من النطاق الذي يمكر فيه، لكن بحكمة الله يفتح عليه. قال: "التجار هم الفجار إلا من بَرَّ وصدق واتقى"، ولذلك فالتجارة أيضاً يعاني فيها الإنسان من الناس، فإذا
صبر على هذا فإنه... يكون سمحاً، ولذلك قال: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا تقاضى". كونوا سمحين هكذا، ولا تنسوا الفضل بينكم. لقد قال هذا في الزواج، فلتبتعدوا عن المناقبة وكونوا متسامحين. أعطِ يعطيك الله. النبي عليه الصلاة والسلام عندما بلغ الخامسة والعشرين من عمره تزوج السيدة خديجة عليها السلام، وظلت نحو ربع قرن، نحو خمسة وعشرين سنة تقريباً، أربعة وعشرين هكذا، لأنها
توفيت في عام الحزن الذي توفي فيه أبو طالب وتوفيت فيه السيدة خديجة ورده أهل الطائف، فكان عاماً شديداً، فكتب الله له الهجرة بعدها من مكة وقال: "إنكِ أحب أرض الله إلي، ولولا أن أهلكِ أخرجوني منكِ". ما خرجت وطنية حبًا للبلاد التي هو فيها. النبي كان يحب بلده، وكل واحد ينبغي أن يحب بلده. سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة خديجة بنت خويلد وهي أنجبت هندًا بن أبي هالة، فهند بن أبي هالة تربى في بيت النبي، نسميه ربيب النبي،
يعني النبي هو... الذي رباه، ولذلك أوصاف سيدنا المصطفى واردة عن سيدنا هند بن أبي هالة. وكانت السيدة خديجة أول من أسلم من البشر رجالاً ونساءً، فكانت أول من أسلم. وكوّن النبي صلى الله عليه وسلم معها أسرة، يعني أنجب منها أربع بنات وولدين: عبد الله والطاهر، والبنات. وهؤلاء ماتوا وهم صغيرون. والبنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وهؤلاء جميعهم توفوا، الثلاثة في حياته: زينب ورقية وأم كلثوم، ثم إن السيدة فاطمة توفيت بعد ستة أشهر من وفاته، وكان
قد بشرها بذلك وقال: "ألا تحبين أن تكوني أسرع أهلي بي لحاقاً؟"، فضحكت لأنها ستموت وتلحق به، وقد كان ذلك مع أنوار النبي صلى الله عليه وسلم، نعيش به ومنه نأخذ الزاد والغذاء. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.