السيرة النبوية - الحلقة الخامسة والأربعون

السيرة النبوية - الحلقة الخامسة والأربعون - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع الأنوار المحمدية نعيش هذه اللحظات، نطلب هدايته ونقف عند فعله وقوله صلى الله عليه وسلم، ونرى كيف كان يبني الأمم. سيدنا صلى الله عليه وسلم دخل
المدينة في ربيع الأول من السنة الأولى. التي أسميناها بالهجرة فكانت هذه هي السنة الأولى، وفي السنة الأولى كان صلى الله عليه وسلم يستطلع ما حوله. لما دخل المدينة من قبل قباء دخلها من الجنوب، وفي مرة من المرات كان على سفر فدخلها من ثنية الوداع، فاستقبله أهل المدينة "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع"، ووجب الشكر. علينا ما دعا لله داعٍ، أيها المبعوث فينا، جئت بالأمر المطاع، جئت
شرفت المدينة، مرحباً يا خير داعٍ. والمسلمون يذكرونها في الهجرة، وهي في الحقيقة كانت في ثنيات الوداع. وثنيات الوداع ليست في الجنوب من المدينة، فقد دخل من قِبَل قباء من مضارب عمرو بن عوف، وليس من ثنيات الوداع. ولذلك ثنيات الوداعة هذه كانت في رحلة أخرى لم تُذكر، فوضعوها مكان الهجرة "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع". فالنبي صلى الله عليه وسلم كانت له رحلات أيضاً يذهب إلى هناك، وذلك من أجل أن يعقد المعاهدات مع قبيلة جهينة ومع قبيلة مدلج وغيرها، فكانت له سفريات.
أخرى غير الدخول، فكان عندما دخل في مرة من المرات وجد اليهود يصومون في يوم العاشر في أول تشري، الذي كان العاشر من المحرم الذي هو عاشوراء، فقال: "ما هذا؟" يعني ما هذا الشأن؟ قالوا: "هذا يوم نجّى الله فيه موسى". قال: "نحن أولى بموسى منكم"، فصامه وأمر أصحابه بصيامه وصاموه على سبيل الفرض، وبعد ذلك
ويبدو أن هذا كان في محرم في السنة الثانية، جاء رمضان في السنة الثانية وأنزل الله فيه فرض الصيام، وأنزل الله فيه كيفية التعامل مع هذا الفرض: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ. لَقَدْ فُرِضَ رَمَضَانُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَعِنْدَمَا
رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهِلَالَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، صَامَ فَرْضًا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة، صام تسع سنوات قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى، يعني تسع رمضانات. وورد أن أغلب التسعة صامها ناقصة، يعني سبعة أو ستة من التسعة كانوا تسعة وعشرين يوماً في رمضان،
وأنه مرتين أو ربما ثلاثة على الأكثر صامهم كاملة، لكن أغلب رمضانات التي عليه الصلاة والسلام، التي هي التسع سنين هذه من اثنين إلى عشرة، تسع سنين كانت ناقصة تسعة وعشرين يوماً. الخلق هكذا يعني، هذا شيء خاص بتربيتنا لأن السنة الهجرية هذه أو السنة القمرية إما أن تكون ثلاثمائة وواحد وخمسين يوماً، ثلاثمائة وثلاثة وخمسين يوماً، أو ثلاثمائة وأربعة. وخمسين يوماً أو ثلاثمائة خمسة وخمسين يوماً تختلف، ولها دورة مثمنة كل ثماني
سنوات تأتي دورة هكذا وتدور، يعني خمسة وخمسين يوماً أو أربعة وخمسين أو ثلاثة وخمسين. ثلاثة وخمسين تأتي مرة واحدة في كل ثماني سنوات، فإذا كان يصوم رمضان صام رمضان على هذه الهيئة لما جاءه. رمضان من السنة الثانية للهجرة بدأ هنا حيث بدأ المسلمون بالصيام، فنُسخ فرض عاشوراء. يعني عندما فُرض عليهم في محرم من السنة الثانية أن يصوموا عاشوراء وصاموه فرضاً، أي لا يمكن لأحد أن يتركه، جاء رمضان فنسخه. ثم
جاء محرم سنة ثلاث فأصبح صوم عاشوراء نافلة وسنة، وكانت الصحابة حريصة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من وسَّع على عياله يوم عاشوراء، وسَّع الله عليه سائر سنته". فكان الناس يحتفلون بعاشوراء، وقال ابن المبارك: "جربناه ستين سنة فكان صحيحاً". جربناه كيف؟ أي وسَّع على العيال في يوم عاشوراء فتوسعت عليه، ثم جاء في سنة ونسي، نسي أن يُوسِّع، فضاقت عليه. التجربة هكذا أنه في السنة القادمة قال: لا، سنوسع الآن لكي يوسع الله علينا، والتوسعة من غير إسراف.
كان المصريون يصنعون حلوى تسمى عاشوراء مثل المهلبية تقريباً لكي يوزعوا هذه التوسعة. أو مثلاً تقول للفلاح: أنت لماذا تحتفظ بذكر البط هذا؟ فيقول لك: لأجل الموسم لذبحه. في ماذا يوجد في يوم عاشوراء؟ توسعة للأطفال ليأكلوا البط في هذا اليوم وأشياء حلوة كهذه، نتذكر فيها أيام الله. "وذكرهم بأيام الله". فالنبي عليه الصلاة والسلام في محرم من السنة الثانية أمرهم بعاشوراء، ونزل فرض الصيام في رمضان في السنة الثانية، وهي السنة التي حاربوا فيها في بدر. نرى الذي حدث استعداداً
في أرض بدر بعد الفاصل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في بدر عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الموضع جنوب المدينة بمائة وستين كيلومتراً، وهو الآن مدينة يعيش فيها الناس وقبور. أهل بدر موجودون بارزون مشهورون حفظهم الله، وهم الشهداء الذين استشهدوا في بدر. وأهل بدر
كانوا ثلاثمائة واثني عشر مع سيدنا الرسول، وقد ذكرنا خلافات في العدد في الحلقة الماضية. حُفِظَتْ أسماء هؤلاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم فضَّلهم على سائر المسلمين، وأصبحت مراتب التفضيل: العشرة المبشَّرون بالجنة. سادة العالم وسادة المسلمين وهم الذين في المرتبة العليا، وذلك أن النبي كان معهم. قيل كانوا عشرة وهو الحادي عشر، وقيل كانوا تسعة وهو عاشرهم. فاهتز جبل أحد هزة أرضية، فقال:
"اثبت يا أحد، فإن عليك نبي وصديق وشهيد". يا له من موقف، ومن الذين معك؟ والنبي صلى الله عليه عن عشرة هم مبشرون بالجنة، يعني هؤلاء غير بعض المبشرين الآخرين. بشّر خديجة بالجنة وقال إن جبريل يرسل إليك سلام ربك ويقول بشرها ببيت من قصب في الجنة، من قصب لا وصب فيه ولا صخب، ليس فيه تعب وليس فيه ضوضاء. فقالت: عليك وعليه السلام، عليك وعلى...
جبريل عليه السلام، وأخذ المسلمون منهجه. إذا أتاك شخص وقال لك: "فلان يُسلّم عليك"، تقوم وتقول له: "عليك وعليه السلام". من أين أخذوا هذا؟ من كلام السيدة خديجة عليها السلام. فالنبي عليه الصلاة والسلام، الثلاثمائة وثلاثة عشر هؤلاء هم القمم، وأهمهم ماذا؟ العشرة، المبشرون بالجنة، منهم سيدنا أبو بكر، سيدنا عمر، سيدنا عثمان، سيدنا علي، والنبي بشرهم، لكنهم أيضاً الذين تولوا الخلافة بهذا الترتيب، ومنهم عبد الرحمن بن عوف، ومنهم سعد بن أبي وقاص، ومنهم أبو عبيدة بن الجراح، ومنهم نعم، الزبير بن العوام، ومنهم
طلحة، ومنهم سعيد. فهؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة أولاً، وهناك أشخاص آخرون مبشرون بالجنة السيدة خديجة منهم. عكاشة قال: "يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة". قال: "إنك من أهل الجنة". فشخص آخر يحب طبعاً ألا يترك الفرصة، قال: "وأنا يا رسول الله؟" قال: "سبقك بها عكاشة". لن نجلس ونقول: "وأنا وأنا"، لا، سبقك بها. يعني فضل الله يؤتيه من يشاء، والحمد لله. وبشر النبي صلى الله عليه وسلم بشر الحسن والحسين بأنهم من أهل الجنة، بشر السيدة فاطمة بأنها من أهل الجنة، وهكذا.
إذاً، فالمبشرون بالجنة غير العشرة كثيرون، ولكن العشرة هم أهمهم. من ضمن المبشرين بالجنة أهل بدر الثلاثمائة والاثني عشر، وكان دأب المسلمين عبر التاريخ أنهم ينظمون قصيدة ويأتون. فيها أسماء الثلاثمائة واثني عشر ويسمونها جالية الكدر، وعندما يكون هناك دعاء نريد أن ندعو به إلى الله سبحانه وتعالى ونتوسل بالصالحين، وهناك صالحون أكثر من ذلك من هؤلاء الذين حموا الإسلام ونشروا الدعوة وصدوا الشرك وأهله ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزروه، نأتي بالقصيدة ونتلوها ثم ندعو. يا ربِّ بحقِّ
هؤلاءِ وما أكرمتَهم وما إلى آخره. يا ربِّ نتوسلُ إليك. ولذلك الناسُ المسكينةُ الذين يقولون لكَ إنَّ التوسلَ شركٌ، يعني اتَّهمونا بالشرك بثلاثمائةٍ واثني عشرَ. كلامٌ لا علاقةَ له بالواقع، كلامٌ كذب. هذا ليس شركاً ولا شيء، فنحنُ عند ذكرِ الصالحين تتنزَّلُ الرحمات، فنحنُ نتوسلُ إلى... الله سبحانه وتعالى يقول لك التوسل شرك؟ كيف يكون شركاً إذا كان ثابتاً في الكتاب والسنة؟ فنحن إذاً أمام هجمة شرسة على ما فهمه المسلمون من الإسلام، يريدون تغييره وفقاً لأهوائهم. هم، على رأيهم، لن يعرفوا لأن لديهم علماء ولديهم تحقيق. الحمد لله
لا يوجد علم. ولا تقوى فيصبح إذاً ماذا سيتبقى؟ ظاهر هكذا فقط. الحمد لله أن المسلمين كانوا على غير ذلك، وقاموا بذكر الثلاثمائة واثني عشر بأسمائهم. فعندما وجدوها أسماء هكذا متتابعة، نقول: سيدنا أبو بكر الصديق وسيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا عثمان بن عفان وسيدنا علي بن أبي طالب. وسيدنا الحارث وسيدنا فلان وسيدنا كذا، حسناً بعد ذلك هم نظموها قصيدة لكي تكون سهلة ولكي يحفظها الأولاد، وصنعوا منها لوحات لكي يعلقوها، ثقافة
حضارة، حوّلوا هذه المعاني إلى حضارة، ولكي يتوسلوا إلى الله سبحانه وتعالى بأفعال هؤلاء الصالحين. سيدنا النبي علّمنا أن ثلاثة أشخاص دخلوا غاراً، واسمه حديث الغار دخلوا غاراً فوقعت صخرة عظيمة سدّت الغار، فأصبحوا في ورطة وهم داخل الغار، وأوشكوا على الهلاك. فتوسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة، فقال الأول: "يا رب، إني كان عندي أجير فلم يأخذ أجرته، وعندما لم يأخذ أجرته، أخذت أجرته واستثمرتها له، فجاء فوجد قطيعاً كبيراً من
الغنم والبقر نتيجة لذلك." بعد عشر أو عشرين سنة، فقال له: "أنا كان لي عندك خمسة وعشرون قرشاً". قال له: "نعم، واستثمرتها لك وأصبحت هذا المبلغ". قال له: "والله دعك، لا تسخر مني، أعطني الخمسة والعشرين قرشاً وأنا سأذهب". فقال له: "والله أبداً، كل هذا لك". فأخذه ومشى، فانفرجت الصخرة. فلما انفرجت الصخرة، لم يخرج الثاني متوسلاً والثالث متوسلاً فبدأت، فيصبح كل واحد مستفيداً بفعل أخيه. فاللهم يا رب لأجل هؤلاء الناس الذين فعلوا في بدر كذا وكذا، اغفر لنا. هل سينفع هذا؟ ها هو
حديث البخاري. وهكذا تشويش وتخليط. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اشتركوا في
    السيرة النبوية - الحلقة الخامسة والأربعون | نور الدين والدنيا