السيرة النبوية - الحلقة الخامسة والعشرون

السيرة النبوية - الحلقة الخامسة والعشرون - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نعيش هذه اللحظات مع سيدنا صلى الله عليه وسلم وأنواره، وكنا قد وقفنا عند السنة السابعة بعد يأس المشركين من أبي طالب وإرادتهم أن يسلم النبي صلى الله عليه وسلم لهم ليقتلوه فأبى وجمع. بنو هاشم وبنو المطلب ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم ووقفوا معه، لأنها عار
عند العرب أن يتركوا ابنهم وهو من أحسابهم وأنسابهم ومن علية القوم فيهم يُقتل. فقررت قريش قراراً عجيباً وهو المقاطعة، وجاؤوا بشخص كان يُسمى على الصحيح بغيض بن عامر، فكتب هذه الصحيفة الظالمة. الفاجرة وبغيض دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشُلَّتْ يده، اليد التي كتبت هذه الصحيفة البغضاء. والعجب العجاب أن اسمه بغيض، والده سماه بغيضاً، يعني كان الله سبحانه وتعالى ينصر
نبيه بالغيب. فمن الذي سماه بغيضاً؟ والده. ولكن عندما ظهر، تبين أن هذا الولد بغيض هو الذي كتب فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستُجيب له على حاله، كان دائماً إذا دعا فإنه يُستجاب له. دعا على مجموعة كما قال عبد الله بن مسعود عند الكعبة عند إيذائه والسخرية منه ومن دينه، فدعا عليهم فقال: والله لقد رأيتهم كلهم صرعى في بدر، كان منهم. كان منهم أبو جهل، وكان منهم الوليد بن عتبة، وكان منهم عتبة أبوه عتبة بن ربيعة، وعمه شيبة بن ربيعة، وكان منهم ممن دعا عليهم أمية بن خلف وأبيّ بن
خلف، وأصيب أبيّ بخدش بسيط في غزوة أحد فمات من جرح بسيط كان من الممكن أن يلتئم، فمات منه وقال: قال سأقتلك ولكن بهذا الشكل، ومنهم عتبة ابن أبي لهب، ومنهم عتيبة ابن أبي لهب، وكانوا هو وأبو لهب وأمه أمه جميل أروى وعتبة وعتيبة وأبو لهب وأمهم أسرة ما يعلم بها إلا ربنا، وآذوا رسول الله كثيراً، وعتبة هذا قُتل في الشام وهاجم عليه أسد فقال: قتلني محمد. وهو بمكة مِن الدعاء عليه، وعندما أراد أمية بن خلف أن يخرج، ضغط عليه أبو جهل ليخرج معهم في غزوة بدر، فقالت له زوجته: "أنسيت دعاء أخيك
اليثربي؟ أليس الرجل الذي من يثرب دعا عليك؟ ومع ذلك تخرج؟" فقال: "أعددت لها"، فأحضر ناقة سريعة للهروب حتى إذا اشتدت المعركة يهرب فيها تأييد، يعني هو هذا تأييد، فما دعا على أحد إلا واستُجيب له فيه، لأنه كان ظالماً. نعم، فبغيض هذا كتب الصحيفة وذكر فيها أننا لا نتزوج ولا نشتري ولا نبيع ولا نتكلم ولا نجاور ولا نُسلِّم ونحن سائرون على أحد من بني هاشم ولا بني المطلب حتى يُسلِموا. سلموا محمداً للقتل
إذا أردتم فك الحصار. كل بني هاشم وبني المطلب دخلوا الشِّعب وعانوا بأولادهم ونسائهم جميعاً، ما عدا أبا لهب فقد وقف مع المقاطعة ومع قريش. وقد علقوا هذه الصحيفة في جوف الكعبة. وجوف الكعبة يعني أنه ليس فيها طيور في الداخل، فهي مغلقة مثل خزانة حفظ، انتبه وتمامًا جيد، وكانوا هم يغسلون الكعبة ويهتمون بها ويعظمون شأنها، ليس أي بيت عادي هكذا. فالحاصل أنه في هذه السنوات السبع، بعض الناس من الشهامة
كانوا يأخذون قمحًا، يأخذون ماءً، يأخذون دقيقًا، ويذهبون به إلى الشِعب لكي يعطوه ليلًا، من ضمنهم حكيم بن حزام. حكيم بن حزام هذا هو تكون عمته السيدة خديجة، فهو ليس خديجة بنت خويلد، بل هو حكيم بن حزام بن خويلد، أي أن السيدة خديجة عمته بالتأكيد، يعني أنها أخت أبيه. فكان يتصرف سراً وهو ليس مسلماً في ذلك الوقت. فكان حكيم يمشي ليلاً ويذهب ليعطي القمح لعمته. اكتشفهم مَن؟ أبو جهل. كان أبو جهل المسالك فاكتشفه ومشى وراءه وقال له: "تعال هنا، أنت تخالف القانون. هذه الصحيفة أصبحت
قانون المشركين. تعال الآن لنفضحك ونوقع عليك العقاب وسأحولك." فتعرض له أبو البختري بن هشام، وكان عطوفاً على المسلمين أيضاً. هذا أبو البختري لم يسلم، فقد مات مشركاً، لكن كانت لديه شهامة. قال... له: "ألا تستحي يا أبا جهل؟ إن هذا دين لخديجة عليه". قال له: "إذا كان ديناً، فلا بأس، ماذا سيفعل بدين؟ هل سترد الدين أم ستأخذ الدين حتى تعيرك العرب؟ نرد". قال له: "حسناً، دعه، إن هذا دين لخديجة عليه، فماذا يفعل؟" فتركه واستحى. الله!
هل المشرك يستحي؟ نعم، عنده مبادئ أيضاً. ها "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا". يعني هو المشرك بين يوم وليلة يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، لكنه كان صاحب مبادئ يسير عليها. فحكيم بن حزام وأبو البختري وغيرهم كانت لديهم رأفة بالمسلمين، وكانوا يسربون لهم الطعام على سبيل التهريب. وكانوا يرون أن المقاطعة ظلم وأنها ضد الإنسانية وضد المبادئ السامية وضد الشهامة وضد القرابة وصلة الرحم. يبدو الأمر هكذا، ليس هكذا يكون العقاب
لما فعلوا بسيدنا صلى الله عليه وسلم. ووقف معه أناس كانوا يخرجون إلى مكة قبل دخول القوافل حتى يشتروا ويبيعوا. أبو لهب انتبه إلى أنهم يتسرب إليهم أشياء من الخارج، فهرع ليشتري بأعلى الأسعار أو ليمنعهم من الخروج أو يمنع القوافل من البيع. ما هذا؟ إنه حقد شديد! لكن كل هذا دفاعاً عن المصالح وعما كان عليه المشركون. اضطر المسلمون أن يأكلوا الجلود إذا أحضرها لهم أحد. شاة قوم يذبحونها يأكلون
اللحم ويأكلون الجلد أيضاً، واضطروا أن يأكلوا ورق الشجر، وكان كثيراً ما يبكي الصبيان وهم يحضرون لهم قليلاً من الماء ويضعون فيه ورق الشجر ويقولون إنه حتى ينام الأطفال. تعبوا ثلاث سنوات وهم يحاربونهم بهذه الطريقة القذرة، لم يفعل المسلمون هذا بأحد في العالمين. انظر إذاً. الفرق إذن وبعد الفاصل نتحدث كيف كان هذا. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة
والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. ذكرنا مقاطعة المشركين عن طريق التضييق على السلع الأساسية من مأكل ومشرب وملبس على المسلمين في الصحيفة الملعونة القاطعة الظالمة، وقلنا إن المسلمين لم يفعلوا هذا. أُوَحِّدُ في العالمين ولم يجعلوا منع الطعام ولا الحاجات الأساسية نوعاً من العقوبة، ما من عقوبة عندنا تُسمى حرماناً من الطعام، لا يوجد هذا. حتى إن الحروب الصليبية امتدت مائتي سنة لم يقطع المسلمون خط طريق الحرير الذي ينقل البضائع
من الهند ومن الصين إلى أوروبا وكانوا يستطيعون، كانوا يقدرون. يقطعون الطريق ولكن قال لك الله، ماذا علاقة الشعوب بالحكومات؟ الحكومة حركت الجيش لاحتلالي، ما ذنب الشعب الذي هناك حتى أقتله من الجوع؟ فكانت هذه يعني ومضة مضيئة في تاريخ المسلمين وفي فهمهم وفي عمقهم وفي إنسانيتهم. كثير من الناس لا يقولون هذا الكلام ولا يعرفونه. لقد حمينا أوروبا وهي هم يحتلوننا ونحن لدينا الإنسانية العارمة وبعد ذلك يشوهون صورتنا وصورة تاريخنا. لم يستعمل
المسلمون أبداً التجويع كوسيلة من وسائل الضغط ولا كوسيلة من وسائل العقوبة، وشهد تاريخهم بذلك، لا أثناء دخولهم البلاد المفتوحة ولا أثناء الحرب. "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا"، وما هو الأسير إلا ضدي وكافر شيء في أمان الله ولكنه يأكل ويشرب ويتعالج وكذا. ما هذا؟ هذا بنص القرآن. ولذلك كان المسلمون يفهمون دينهم فهماً سديداً صحيحاً. أما الآن فهناك تشويش، يقول لك: "الله ليس كافراً". نعم، أنا أعرف أنه كافر، لكن أنت تعامله معاملة الكافر أم تعامله معاملة المسلم؟ هذه هي القضية. ولذلك...
نقول إننا في نور النبي صلى الله عليه وسلم لأنه تصرف هكذا، لأنه هو الذي وقع عليه الظلم لكنه لم يظلم. فإذا وقع على الإنسان ظلم فلا ينبغي أن يصبح ظالماً، هذا غير مقبول. وقد كتب بغيض وثيقة المقاطعة وعلقها، وظلت ثلاث سنوات عانى فيها بنو هاشم وبنو المطلب، مسلمهم الشديد لكنهم كانوا رجالاً. جئنا ووصلنا إلى محرم سنة عشرة من النبوة من الوحي، فجاء واحد اسمه هشام بن عمرو، وكان أيضاً من الناس الذين يسربون البضائع هكذا ليأكلوا. لكن طبعاً بنو هاشم وبنو المطلب
كثيرون، لا يكفيهم كيس قمح ولا كيسان. فجلس هشام هكذا وقال: "يا ربي أنا آكل". وهؤلاء الناس محرومون وأنا آكل، وهؤلاء الناس عراة وأنا آكل، وهؤلاء الناس في ضيق وضنك، والله إنه لظلم. وذهب إلى شخص آخر يحدثه اسمه زهير، قال له: "يا زهير، أيعجبك هذا الذي يحدث في أبناء أخوالك؟" قال: "وماذا أصنع وأنا رجل وحيد؟" قال: "فإذا وجدت ثانياً؟" قال: "إذا وجدت ثانياً قال له: "قد وجدتُ ثانياً". قال له: "مَن؟" قال له: "أنا". قال
له: "ابحث عن ثالث، ابحث لنا عن شخص ثالث لكي نصبح جماعة، فأقل الجماعة ثلاثة، فلنكن ثلاثة". قال له: "حسناً". فذهبوا إلى أبي البختري: "يا أبا البختري، أيرضيك هذا؟" قال: "لا، ولم يرضني هذا قط، وأنا ما كنت..." حكيم بن حزام عندما كان يحمل شيئاً لعمته، اعترضته وقلت له: "لا تُدخل هذا الشيء"، ونهيت أبا جهل. قال له: "نحن معك". فقال له: "كيف تكونون معي؟ من أنتم؟" قال له: "أنا هشام وهذا زهير، وكن معنا الآن". فقال: "لكن أحضروا لنا شخصاً رابعاً حتى تكون المسألة مربعة، أي تكون نجد لك رابعاً فذهبوا إلى مطعم ابن عدي، وكان مسناً. مطعم ابن عدي
في هذا الوقت كان عنده - لأنه مات قبل بدر، فهكذا قبل أربع سنوات - كان عمره اثنين وتسعين سنة. في هذه السنة كان عمره اثنين وتسعين سنة. المطعم بن عدي لم يُسلم، وأبو البختري لم يُسلم يسلم الذي أسلم هشام وزهير بن أمية، لكن هذا أبو البختري وهشام صاحب هذا المطعم ابن عدي لم يسلموا، هو وأبو البختري لم يسلموا، ماتوا على الشرك، إنما كانوا يتمتعون بعطف ورحمة ونصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبو المطعم قال له: حسناً، أما ترى لنا خامساً ونأخذه.
انتبه، ذهبوا وأحضروا شخصاً خامساً، وقال لهم زهير: "أنا فصيح بعض الشيء وناصح في الكلام، دعوني أبدأ أنا". فقالوا له: "حسناً". فذهب إلى الكعبة، وقام زهير وتحدث بأن هذا ظلم وهذه قطيعة رحم، وما كنا نرضى بذلك. فقال له أبو جهل: "كذبت، نحن نأخذ الرأي والمشورة وكل شيء، كيف تقول الذي أنت تقول له ذلك ردَّ عليه المطعم وقال له بل أنت الكاذب، هو عنده حق. فقال هشام: نعم، هو عنده حق. فقال أبو البختري: صحيح والله، ما هي واضحة الحكاية! والله هذا أمر رُتِّب في الليل. أنتم ماذا تفعلون؟ متفقون
علينا في الليل هناك، هذا يقول وذاك يقول، ويوزعون يقوموا بصناعة رأي عام، وهذا الرأي العام مهم وضاغط على الناس. أبو طالب في ذلك الوقت كان معجزة للنبي. كان النبي قد قال له بالأمس: "على فكرة، الصحيفة لا وجود لها". فقالوا: "كيف؟ إنها داخل الكعبة ومقفل عليها". قال: "حسناً، لقد أكلتها الأرضة إلا 'بسمك اللهم'، هذه فقط هي الموجودة". محمد لا تفعل هكذا، فهذه خطيئة. قال له: أقول لك هكذا يا عم، الذي حصل هكذا، ربنا أوحى إلي بذلك. قال له: أهذا وحي؟ قال له: نعم. كأن أبا طالب في قلبه من الداخل يصدق سيدنا النبي والوحي صلى الله عليه وسلم،
فذهب أبو طالب وجلس صامتاً. بعيداً هكذا لم يشترك مع أي من أحداث وإنشاء الرأي العام الذي صنعه هشام وأبو البختري والمطعم وزهير بن أمية وغيرهم إلى آخره، لا لم يفعل هكذا، بل جلس بعيداً هو يراقب الأمر، فلما رأى الناس كلها لديها توجه قال لهم: تعالوا انتظروا، تعال يا أبا جهل أنت تقول عليهم. كاذبون وهم يقولون عليك كاذباً، أنا أريد أن ننهي هذه القصة. قال له: كيف؟ قال له: ابن أخي أخبرني أن الصحيفة ستفتحونها ولن تجدوها. قال: أين ذهبت؟ قال: أكلتها الأرضة ولم يبق منها إلا "بسمك اللهم"، فإن صدق فذاك، وإن
كذب فخذوه واقتلوه. إذاً ماذا يكون هذا؟ آه، هذا هو هذا مؤمن هكذا، نعم، هذا أبو طالب، إنه مؤمن نعم، وما كان ليُسلم ابن أخيه أبداً، ولكن الله يقول له، الله هو الذي يقول، هذا وحي، إذا صدق الوحي انتهى الأمر، وإذا لم يصدق خذوه واقتلوه، دعوها ننتهِ. ففتحوا فوجدوا الصحيفة على ما أخبر رسول الله صلى الله. عليه وسلم فانتهت وكبّر المؤمنون. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.