السيرة النبوية - الحلقة الخمسون

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيرة المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم نعيش مع أنواره الكريمة الشريفة هذه اللحظات، نستهدي هدايته ونتمتع بأنواره صلى الله عليه وسلم. من سيرته الشريفة ما حدث يوم بدر عندما
نزل النبي صلى. الله عليه وسلم في بدر ذهب يستطلع هو وأبو بكر ما حول المنطقة ووجد بعيراً واستدل به على أن هذا من علف قريش، وهنا يظهر مدى أهمية العلم، بل والعلم الموسوعي. العلم قوة وسلطة، فمن يمتلك العلم والمعلومات هو الأقوى. أدرك أن هذا من علف
قريش، إذاً قريش قريبة هنا. لكن لم تظهر بعد، ووجد ناراً فعدَّها وسأل الأعرابي الذي في المنطقة عن أخبارهم: "هل كان هنا عدد من الأشخاص؟ كيف كان شكلهم؟ كان كذا"... إلى آخره، والأعرابي يجيب. ثم انصرف النبي، فقال الأعرابي: "سألتني فأجبتك، من أين أنت؟" فالأعرابي يحب الكلام ويحب أن يعرف من أين هذا الشخص وقادم أين لكي أيضاً يقول لغيره فقال أنا من ماء وانطلق
والأعرابي في ذهول قليلاً هكذا ويقول والله لا أدري أمن ماء مصر أم من ماء العراق، الماء عنده يعني النهر، وسيدنا النبي قالها على قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي، شيء هكذا يعني أنا من ماء يعني هكذا. بهذا المعنى، لكن الأعرابي فهمها أنه هذا نهر. النهر موجود أين؟ في مصر نهر النيل، وفي العراق نهر الفرات. قال: "والله لا أدري أمن ماء العراق أم من ماء مصر". لكنه شبّههم هكذا: ليسوا من هنا ولا من هنا، هؤلاء من إخواننا الذين حولنا. ما هذه القصة؟ يُؤخذ من... هذا أن النبي كان لا يكذب لكنه كان لا يفشي الأسرار، وأن ما قد لا يُعَدُّ
سراً في وقتٍ ما، يُعَدُّ سراً في وقت الحرب. "من أنت؟" "أنا محمد" "ومن هذا؟" "أبو بكر" "وماذا تفعلون هنا؟" "قادمون لنقاتل المشركين" "الله!" "حسناً، إذاً انكشف الحال هكذا" "يكفي أن يقول محمد" وأبو بكر انتهى الأمر، فما يُعَدُّ سراً في وقت الحرب قد لا يكون سراً في غير وقت الحرب. يقول لك: "ممنوع الاقتراب والتصوير"، حسناً، في وقت الحرب هكذا، حتى لو صورنا، وحتى لو كانت لدي صورة لها قبل الحرب أُخفيها لأن هذا سر وطني. فالنبي عليه الصلاة والسلام علمنا. أنه ينبغي أن يكون لدينا سر لكي تنجح الأشياء،
وذكرنا أن بعضهم وهو الحباب بن المنذر قال له: "يا رسول الله، اجعل الماء خلفنا"، فجعله خلفه وذهبوا هناك، فوجدوا تلة كبيرة هكذا، فبنوا عليها عريشاً، والعريش يعني شيئاً كالمظلة، لكي يشرف سيدنا صلى الله عليه وسلم على المعركة. الجميع ويرى ما هو قادم من هنا وما هو قادم من هنا وما هو قادم من هنا، وهذا العريش جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم بدر، لكنه بُني له في ساحة المعركة. هكذا ثلاثمائة واثنا عشر رجلاً يمشون، فوجد صبياً يبلغ من
العمر خمسة عشر عاماً. ستة عشر سنة، يبدو أنه كان من المرافقين لجيش قريش، فقُبِضَ عليه. نعم، هكذا حدث، لقد دخل في المنطقة العسكرية، فيجب أن يُقبَض عليه، ويُقبَض عليه لأننا في زمن حرب. إذاً زمن الحرب له خصوصية، ينبغي أن يكون كذلك. الخيانة، بئست البطانة، لكنها في زمن... الحرب تصل بالعقوبة إلى الإعدام لأنها فيها ضياع للدين والدنيا والمستقبل، ليس الدين والدنيا فقط، بل المستقبل أيضاً. قبضوا على هذا الغلام
وحققوا معه. قالوا له: كم لديهم من الجنود؟ قال: لا أعرف، لا أعرف كم لديهم. طيب، كم شخصاً هم؟ قال: لا أعرف. فضربه أحدهم على فمه. فالنبي عليه والسلام قال له: "لكنّ الولد صادق، إنه لا يعرف طبعاً، هل هم كثيرون؟ هو جالس يعدّهم لكنه لا يعرف. هو يقول لك لا أعرف، انظر في عينيه، وانظر إن كان صادقاً أم كاذباً، فالعيون تفضح. لا تضربه ولا أي شيء. تعال يا حبيبي، هل هم ذبحوا؟ هل يأكلون ويشربون؟" قال جمل قال
له عشرة، قال القوم بين التسعمائة والألف عشرة، لأنه شد العشرة وأخذهم وعدّهم عدّ عشرة، لكنه ليس عادًّا ألفًا، فهو فعلاً لا يعرف. فيوجد فن للوصول إلى المعلومة، وهو ليس بالضرب ولا بالإهانة ولا بالتعذيب ولا بغير ذلك، إنه بإعمال العقل. اسأل السؤال المناسب إذا كنت... قادر أنك تستنبط الاستنباط المناسب مع هذا، فقال له: "كم ذبحتم من جمل يا بني؟" قال له: "ذبحنا عشرة". قال: "القوم بين تسعمائة إلى ألف، يزيدون أو ينقصون شيئاً بسيطاً، ألف أو ألف وخمسين أو
ألف وسبعين، لا يحدث شيء مهم". فإذا الذكاء والعلم تأخذ من هذا الوقوف عند العلم. وأنّ من يمتلك المعلومات فهو الأقوى. بعد الفاصل نكمل ما كان من سيدنا قبل المعركة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. المسلمون ثلاثمائة واثنا عشر مع سيدنا القائد الأعلى، والمشركون أضعاف
ذلك ثلاث مرات تقريباً وقد يزيد. المسلمون لا... هؤلاء ثلاثة، حسناً، سبعون، دعنا نجعلهم معنا خمسة وثلاثين، لا، هؤلاء اثنان من الفرسان، إذاً إذا كنا نتخيل أولاً قوة غير متوازنة، ما هي ميزة المسلمين؟
أولاً: الإيمان، ثانياً: الموقع، فهم قادمون صحيح من مسافة مئة كيلومتر، لكنهم قادمون مرتاحين ومتدربين، لقد جعلوها تدريباً، والآخرون قادمون من ثلاثمئة كيلومتر. متعبون، الماء معنا لكنه ليس معهم، إذن هذه أسباب القوة الظاهرة. هذه بلادنا لكنها ليست بلاده. أنا إذا مت سأدخل الجنة، هو لا يعرف أين سيذهب أصلاً إذا مات، لأنه ليس لديه
جنة ولا نار. هو يعتقد أنه سيفقد حياته. لماذا سيفقد حياته؟ لا توجد قضية. ليس لها معنى لأن الكرامة والعزة تعني انتحاراً أو ما يشبه الانتحار. أنت تهنئ، حسناً، سأقتل نفسي بشيء كهذا. أما الثاني فهو يقاتل لكي يدخل الجنة. صاحبنا الثاني هذا لا يتخيل الجنة ولا يتخيل أن هناك ناراً ولا يتخيل أن هناك يوم قيامة، فالموت عنده... العدم ليس حياة، والموت عند صاحبنا هذا حياة، "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند
ربهم يرزقون". إذاً هم أحياء، هو هنا يبدأ حياة جديدة بهذه المعركة، وهذا لا ينهي الحياة. فإذاً المعاني مختلفة، وهذا يختلف كثيراً جداً. هذه الوضعية كانت هي مراكز القوة. عند المسلمين الموقع والإيمان هما القضية، والماء إذا صح التعبير. الآخرون قوتهم في العدد وفي السلاح، وضعفهم في المسافة وفي الغربة، غربة المكان وما إلى ذلك، وفي قلة الماء. بدأت المعركة باسم الله.
قبل المعركة كان النبي في العريش، والجيوش قديماً كانت خمسة أقسام: الميمنة والميسرة والمقدمة والقلب والمؤخرة - وسط وفي ورا الوسط هذا قلب وورا القلب هذا مؤخرة تحمي الجيش من نهايته أو من مؤخرته، ولذلك كان الجيش يُطلق عليه "الخميس". الخميس يعني ماذا؟ يعني الجيش. وسمّوا الجيش "الخميس" لماذا؟ لأنه مُخمَّس، لأنه خمسة أقسام. خميس، كل
جزء من الخميس، كل جزء منه له لواء. كان اللواء الخاص الجيش كله أبيض خاصته هكذا، هو أبيض، لكن كل واحد يرفع راية خاصة به حتى يعرف أن هؤلاء تابعون له. النبي عليه الصلاة والسلام كان في الحروب وبدأها في بدر أن يجعل الأصحاب مع بعضهم، فيجب أن تُنشئ علاقة إنسانية بين المقاتلين، لا تحضر المقاتل وهو يقاتل هكذا. لا أعرف زميلي هذا ولا أعرف زميلي هذا. لا، هذا ينظر هنا. والله إني أعرفك، هذا ابن عمي، هذا ابن خالتي، هذا أخي، هذا جاري. فيحدث تثبيت للفؤاد وإننا ندافع
عن شيء ليس غريباً، فنحن نعرف بعضنا. وكان يجعل لكل جزء من الخميس عنواناً هكذا أو شعار يا بني عبد الله، من هم بنو عبد الله هؤلاء؟ لا يوجد، هو الشعار هكذا: يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الغفور، يا بني... وهكذا شعارات لكل مكان في الجيش، ويجعلهم أقارب بعضهم. فهو في العريش في الأعلى يراقب تقسيم الجيش بشكل صحيح، كل قسم، كل كتيبة هذه يكون لها قائد، القائد واقف في مكانه، والناس نشيطة،
وهو يراقب من فوق، ولا يوجد أحد يريد أن يهرب أو يريد أن يجري أبداً. ولذلك أهل بدر هؤلاء يعني فعلوا شيئاً عجيباً جداً بإذن الله وبنصرة الله، لأنه أمدهم من عنده بالملائكة تقاتل، لأن ميزان القوة المادية مختل، فنزلت ما زالت تنزل تنصر المؤمنين، فسيدنا في العريش يراقب الحال، وهو في العريش يراقب الحال أخذ يدعو ربه، وكان من دعائه: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض".
كل الأرض كانت على الشرك أو على مشارف الشرك. "اللهم إن تهلك هذه العصابة"، كلمة العصابة معناها مجموعة الناس، العصبة القوة في العصبة معناها مجموعة الناس (العصابة)، وليس معناها كما هو "عصابة" يقول لك "تشكيل عصابي". تشكيل عصابي يعني هم مشتركون مع بعضهم، أي في العصابة. وتُطلق على الأتقياء الأنقياء، وتُطلق على الأشرار أيضاً. فلو كان هناك مجموعة من الأشرار دبّروا جريمةً سوياً، نسميهم عصابة أيضاً. تُطلق على هذا، تُطلق. فقال على هذا: "اللهم إن تهلك
هذه العصابة لن تُعبد في الأرض أبداً"، ورفع يديه حتى ظهر بياض إبطيه، ووقعت العباءة من على كتفه، فقال له أبو بكر: "يا رسول الله، كفاك مناشدتك لربك فإنه ناصرك"، يعني كلام الصديقين: "فإنه ناصرك". وبدأت المعركة وفاز المسلمون بإذن الله. إلى لقاء آخر. أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته