السيرة النبوية - الحلقة الرابعة

السيرة النبوية - الحلقة الرابعة - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ومع المعلومات التي أحاطت به في نسبه الشريف وفي ناسه ومن حوله في عالم الأشياء والأشخاص مما أحاط به صلى الله عليه وسلم، نعلم أنه هو والذي سماه بذلك جده عبد المطلب، كان جالساً عند الكعبة فجاءه الخبر، فقال: "أسميه محمداً". قال له أهل قريش: "ولِمَ تسميه اسماً ليس كأسماء آبائك؟ كلمة
محمد غريبة، لا أحد يسمي محمداً". قال: "حتى يحمده أهل الأرض وأهل السماء". الرجل واعٍ، عبد المطلب وعيه ظهر في حادثة الفيل عندما جاء. أبرهة أخذ مائتين من الإبل من عبد المطلب، فذهب عبد المطلب إليه ودخل فوجد أبرهة عليه ملامح الوجهاء والكبراء، كان وجهه أبيض أزهر، وكان جميل الهيئة ومهيباً. فدخل على أبرهة، فوقع في قلب أبرهة خوف من هيبة عبد المطلب، فجلس يفكر كيف يتعامل مع هذا الرجل
لو قال له انسحب نفسه أن ينسحب فدخل عبد المطلب. العقل! عقل! نعم والله. قال له: "ماذا تريد؟" قال له: "أريد إبلي، رُدَّ الإبل التي تبلغ المائتين هذه، أَعِدْها." قال له: "لقد ظننتك عاقلاً مهاباً، ولما دخلت عليَّ ظننت أنك ستأمرني أن أنسحب عن البيت." قال: "لا آمرك أن تنسحب، أنا أمرت أهلي أن..." يخرجوا إلى الشعاب والجبال وأن يحتموا بها، ودونك البيت، الإبل إبلي، وإن للبيت رباً
يحميه. نحن سنلعب، هل أنت تظن البيت هكذا؟ يعني هذا بيت محل نظر الله، الله! إن للبيت رباً يحميه. اذهب يا أخي وانظر، انزل هكذا عليه وانظر، ما شأني أنا؟ هل هو بيتي؟ هل كنا نحن؟ ورثناه من آبائنا، هذا البيت هذا ملك ربنا. ألست منتبهاً أنت أم ماذا يا أبرهة؟ أعطني فقط الإبل الخاصة بي. قال: ردوا عليه إبله، ردوا عليه إبله. حمى الإبل وحفظها وكل شيء، وانتظروا. نزلت الطير الأبابيل على رأس أبرهة والجيش الخاص به، وقضت عليهم في وادي محسر. وكان اسم الفيل. محمود ظهر أنه ليس محموداً ولا مذموماً، وأضاع الدنيا، ورأت
عائشة قائد الفيل وهو يتسول ضريراً في مكة، مما يعني أنه لم يعد إلى بلده، فقد أعماه الله واضطره إلى السؤال. ورأت عائشة وهي صغيرة ذلك الرجل الذي كان قائد الفيل. فعبد المطلب كان عاقلاً وله رؤية، ومن رؤيته أنه اسم المفعول من "حمّد" الرباعي "حمّد" يتكون من أربعة أحرف: حاء وميم ثانية مشددة والدال. "حمّد" عندما يكون رباعياً، ما هو اسم المفعول منه؟ "محمَّد". أما "حَمِدَ" فاسم المفعول منه يكون "محمود". وعندما نأخذ صيغة "أفعل" من
الحمد تكون "أحمد". وكانت العرب إذا أحبت شيئاً أكثرت من أسمائه، ولذلك المسلمون قد أكثروا من أسماء سيدنا النبي، وجاء شخص من العلماء اسمه ابن دحية ألّف "الروضة المنيفة في الأسماء الشريفة" ووصل بها إلى أكثر من مائتين وخمسين اسماً. وقالوا إن النبي له عند المسلمين ألف اسم، كلها صفات قائمة به صلى الله عليه وسلم، فهو محمد وهو محمود وهو أحمد. وهو مصطفى وهو المتوكل على الله وهو العاقب وهو الشافي وهو الكافي وهو صاحب السيف وهو صاحب الوحيين وهو وهكذا، وعندما تذهب إلى
المدينة المنورة - كتب الله لنا زيارة الحبيب - وتدخل المسجد تجد الأتراك قد كتبوا أسماءه على محيط المسجد هكذا، وقد جمع السيوطي بعد ابن دحية أيضاً صلى الله عليه وسلم وذكر المسلمون أن من هذه الأسماء ما تأوّلوه من القرآن مثل طه وياسين. بعض العلماء يقولون لك إن هذه حروف مقطعة مثل ألم والر وليست أسماءً، وبعض الناس أيضاً يقولون لك لا، لأنه قال له "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"، كأنه يخاطبه، نعم فطه. وياسين من الأسماء التي سُمي بها النبي عند المسلمين، وتجد الناس تُكثر من التسمية بطه وياسين
تيمنًا بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم. حب النبي المصطفى ركن إيمان، فكلما أحببته وتعلقت بحبه فهذا مقياس إيمانك، والله لا تؤمن حتى أكون أحب إليك من نفسك ومالك والناس أجمعين، فلا بد... تحبه هكذا حباً عاطفياً، وليس الحب المقصود. فأنا أحب النبي، لكن ليس هذا الحب المطلوب، بل الحب القائم على الاتباع. "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله". أتعصي الإله وأنت تُظهر حبه؟ هذا لعمري في القياس بديع. لو كنت حقاً تحبه لأطعته، إن المحب لمن يحب مطيع.
فربنا يجعلنا للنبي المصطفى في مناهجه وأوامره وأحكامه وحكمته صلى الله عليه وسلم، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً. فنسب النبي عرفناه أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وعبد المطلب ابن هاشم، وهاشم كان ابن عبد مناف. عبدُ منافٍ أنجب هاشماً والمطلب. هاشمٌ والمطلبُ أنجبا عبدَ المطلب الذي كان اسمُه شيبةَ الحمد
(الشيبة المحمودة). كان المطلبُ في الشام ثم دخل مكة راكباً فرسَه أو إبلَه أو راحلتَه، وخلفَه شيبةُ الحمد الذي هو ابنُ أخيه، فالمطلبُ عمُّه، لأن المطلبَ أخو هاشم. وشيبة ابن هاشم جاء الولد مع من؟ مع عمه. فأهل مكة اعتقدوا أنه جاء بعبد من الشام اشتراه من هناك، فسموه عبد المطلب. وأُطلق عليه هذا اللقب وهو ليس عبداً ولا شيء، إنما هو ابن عمه ودخل به المدينة.
فظن الناس هكذا، وأُطلق عليه اسم عبد المطلب، عبد المطلب. وهو تكون قد خجلت الآن، هذا عمه. نعم، أنا خادمك، أي أنني في خدمتك يا عم. العم هو بمنزلة الوالد فسكت ولم يقل لهم: "لا، أنا لست عبده، أنا لست..." لا أعرف ماذا. لم يسب. انظر إلى السماحة، انظر إلى الطيبة، انظر إلى العلاقة. نزّل العم منزلة الأب. هاشم، عبد المطلب عبد مناف، عبد مناف هذا هو ابن من؟ ابن قصي، وقصي ابن كلاب. ابن من إذاً؟ ابن مرة، ومرة ابن غالب، ابن كعب، ابن لؤي، ابن غالب، ابن فهر. هذا هو قريش،
فهر هذا ينتسب إليه كل قريش، ولذلك تحفظ أن من هو قريش؟ هو فهر. أحياناً يقول قريش الأوسط، لكن لا بأس، فهو فهر الذي هو قريش، والسبب أن كل قريش تنتمي إليه. نسب النبي نسبٌ فيه الأكابر، انسكب عليه من شمس الضحى نور، كان عليه من شمس الضحى نورًا ومن فلق الصباح عمودًا. ما فيه إلا سيد عن سيد، أو من سيد حاز المكارم. والتقى والجود والنسب كله منوّر، ولذلك كان يقول صلى الله عليه
وسلم: "وُلِدت من نكاح، ولم أولد من سفاح، ولم يمسسني سفاح الجاهلية الأولى من لدن آدم إلى هذا". فالنبي عليه السلام شريف بن شريف بن شريف بن شريف بن شريف ابن شريف إلى غاية آدم، وقال: "لعل الله اطلع الأمم فاختار منها العرب ثم اطلع على العرب فاختار منها مضر ثم اطلع على مضر فاختار منها كنانة ثم اطلع على كنانة فاختار منها قريشاً ثم اطلع على قريش فاختار منها بني هاشم ثم اطلع عليهم فاختارني منهم فأنا خيار من خيار من خيار. الدوائر كلها آية منوّرة فهو محمد. بن عبد الله بن عبد
المطلب ابن هاشم ابن عبد مناف بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. والنبي صلى الله عليه وسلم مع نسبه الشريف كان ذكياً فطناً صادقاً أميناً، وهذه صفات المرسلين. لم تجرب عليه قريش ولم يجرب عليه قومه خيانة قط، ولم يكشف. عورته أبداً ولم يرَ عورته أحد قط، ولم يكذب أبداً منذ أن كان صغيراً حتى كَبُرَ وتوفي، انتقل إلى رحمة الله إلى الرفيق الأعلى. لم يكذب
وعرف الناس عنه هذا فسمّوه بالصادق الأمين، وهذه أيضاً من أسماء وصفات سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. نشأ وحفظ أنساب العرب. وحفظ الأنساب كان غرضه صلة الرحم كما سنرى في سيرته كثيراً. تكلمنا عن أنه كان يسأل عن مسروح ابن ثويبة، هذه أَمَة وهذا عبد، فوجده قد مات. يعني لماذا اهتم به؟ إنه للصلة بالأرحام. أمه في الرضاع، أمه حليمة،
جاءته في غزوة حنين فخلع عباءته الشريفة وفردها وأجلسها عليها، أي حليمة مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم. بر النبي مرة كان قادماً من المدينة فمر على قبر أمه بالأبواء. أمه توفيت عند أهلها من بني زهرة وبني النجار في المدينة فدفنت بالأبواء، والأبواء على مقربة هكذا، فشد الرحال لزيارة أمه صلى الله عليه وسلم. بر الناس الآن يدعوننا إلى... عدم البر ونحن ندعوهم إلى البر وسيظل هكذا شياطين الإنس والجن يدعوننا إلى
عدم البر وسنظل إن شاء الله ندعوهم إلى البر لأن السيد المصطفى دعانا إلى البر. لن نترك ما دعانا إليه سيدنا المصطفى من أجل زيد وعبيد ومتسلقي الجدران، لن نترك، لن نترك أبداً. النبي دعانا إلى الوفاء والبر والعدل. وفعل هذا يا أخي مع المشركين، فوضعوا عنده أماناتهم وأعطاها لعلي حتى يرد الأمانات إليهم عند الهجرة. لم يخنهم، لم يأخذها، لم يفعل. قابلوه بالأذى، ولما رجع في فتح مكة - هو غادر المدينة يوم العاشر من رمضان الذي نصرنا الله
فيه - هذا العاشر من رمضان انطلق من المدينة إلى مكة في فتح مكة ووصل إلى مكة في العشرين من رمضان، فمتى حدث الفتح إذن؟ في العشرين من رمضان. أما العشرة من رمضان فماذا حدث فيها؟ تحركت الجيوش من المدينة. وبما أنهم كانوا يسيرون على أقدامهم، فقد استغرقوا عشرة أيام لقطع مسافة ثلاثمائة وخمسين أو أربعمائة ويرتاحوا وما إلى ذلك في الوسط وهكذا، أخذوا عشرة أيام، خرج في اليوم العاشر، فتح مكة كان يوم العشرين من رمضان. فسيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة قالوا له: "ألن تذهب إلى بيتكم؟ ألست كنت في مكة؟" قال: "وهل ترك
لنا عقيل من رباع؟" عقيل ابن أبي عمه باع البيوت وباع الأرض وباع الحقل وكل شيء، لم يغضب ولم يسأل ولم يقل هيا الآن نحكم عليه ولا نفعل كذا أبداً، تركه. قالوا: وهل ترك لنا ربيع من عقيل من ديار؟ هل عقيل ترك لنا شيئاً؟ فهو ابن عمه وكأنه وكيله جالس يبيع ويبيع في... ممتلكات سيدنا النبي كان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم صاحب نسب عالٍ، فكان يشعر بأنه شريف عزيز، وكان صادقاً، وكان أميناً، وكان ذكياً، وكان فطناً، وكان كيّساً،
وكان رحيماً، وهذه صفات الأنبياء. وعندما نذهب لنقول ما الذي يجب في حق الأنبياء، فهي هذه الأمور، أن... يكون من أعالي الأهل لأنه لو كان من الناس الضعفاء، والضعفاء هؤلاء أهل الجنة أيضاً، يعني الناس تكذبه وتقول له: يعني من أنت؟ كيف تخاطبني؟ أنت لا شيء. بل هو أيضاً من أعالي القوم، فعندما يأتي من أعالي القوم ليس لديهم حجة إلا الكفر، إلا أنه غير مصدق أو يريد. يكذب فكان النبي صلى الله عليه وسلم عنده أي في هذا الموضع نسب عالٍ. نسبه العالي هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب
بن لؤي ابن غالب ابن فهر، وفهر هو قريش ابن مالك فيكون مالك. اسم هذا من أسماء السلسلة الشريفة ابن النضر ابن كنانة، ولذلك قال: "أنا من كنانة". لكن كنانة هذه فيها قريش وفيها غير قريش، لكن من كنانة هو ابن كنانة ابن خزيمة ابن مدركة ابن إلياس. قليل جداً من يقول "إلياس"، لكن هذا خطأ، إنما هو إلياس. خزيمة ابن مدركة ابن ابنُ مُضَر، ومُضَر ابنُ نِزار، ونِزارُ بنُ مَعَدّ، ومَعَدّ
بنُ عَدنان، وعَدنانُ مِن أبناءِ إسماعيل. بينَهُ وبينَ إسماعيلَ أربعون رجلاً، أربعون اسماً. ولذلك كانَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يقول: "كَذَبَ النَّسَّابُونَ فوقَ عَدنان". فالكلامُ الذي يَقولونَهُ فوقَ عَدنان ليسَ دقيقاً، أحياناً يَعُدُّونَ خمسةً، وأحياناً يَعُدُّونَ ثلاثةً، وأحياناً يَعُدُّون. اثنان لا ليس صحيحاً، ولكن حتى عدنان صحيح. إلى عدنان عندما تحسب سيدنا النبي وتحسب عدنان يكون لديك الذين في الوسط تسعة عشر اسماً. تسعة عشر اسماً مع سيدنا النبي ومع عدنان يصبحون واحداً وعشرين، يصبحون واحداً وعشرين. لكن الأجيال
التي بين النبي وبين عدنان تسعة عشر جيلاً. لو... كل جيل قلنا إنه أربعون سنة، فكأنها ثمانمائة سنة، عشرين في أربعين تساوي ثمانمائة. كانت الحالة أيام معد هذه حالة صعبة جداً، لم يكن هناك فرن ولا خبز ولا أي شيء آخر. فكانت العرب تقول: "تمعددوا"، أي كونوا مثل أيام معد، يعني اصبروا وتحملوا. تشددوا قليلاً، اخشوشنوا، اشتدوا، صلبوا، أي كن مثل الخشبة هكذا، مثل المسمار، تصلبوا، فإن النعمة لا تدوم. لماذا تحديداً معد؟ لأن معد كانت أيامه صعبة، فعلينا جميعاً أيضاً أن نتصلب هكذا
لكي نعبر ببلدنا مما يقال لك إنه علتنا: الاستهلاك، والترف. هيا لنتصلب هكذا. نجتاز ببلدنا إلى الخير وإلى لقاءٍ آخر. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.