السيرة النبوية - الحلقة الرابعة والأربعون

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. مع الأنوارِ المحمديةِ نعيشُ هذه اللحظاتِ عسى أن نتمتعَ بها وتملأَ قلوبَنا، فإننا نحتاجُ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وإلى سيرتِهِ العطرةِ حتى نسيرَ في هذه الحياةِ على هدىً، فتكلمنا
في شعبانَ وفي... النصف منه وفي تلك الليلة المباركة أن الله سبحانه وتعالى رأى تقلب وجه النبي صلى الله عليه وسلم في السماء "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها" فكان النبي يدعو في ليلة النصف من شعبان بعد ثمانية عشر شهراً من قدومه إلى المدينة وكان يصلي. في مكة فيجعل البيت الحرام الكعبة بينه وبين بيت المقدس فلم يكن هناك إشكال، فلما ذهب إلى المدينة وصار بيت المقدس شمالاً والكعبة جنوباً توجه إلى الشمال لأن قبلة الصلاة هي بيت المقدس، ولذلك نقول أولى القبلتين
وثالث الحرمين. أولى القبلتين لأنها هي القبلة الأولى التي ظل المسلمون يصلون إليها البعثة في السنة الثانية من الهجرة، شعبان من السنة الثانية من الهجرة. وفي صباح ذلك اليوم استجاب الله سبحانه وتعالى لنبيه الذي كان قد دعا الله أن يغير القبلة إلى الكعبة. تحولت القبلة يوم خمسة عشر شعبان في السنة الثانية. لو عددت من ربيع الأول حتى شعبان السنة التي بعدها. يمضي ثمانية عشر شهراً، فمن ربيع إلى ربيع اثنا عشر شهراً، ومن ربيع إلى شعبان ستة أشهر، فيكون المجموع ستة واثني عشر ثمانية عشر شهراً بالضبط.
وتحدثنا عن بداية الغزوات، كل ذلك تهيئة لرمضان في السنة الثانية. رمضان في السنة الثانية حدث فيه حدث كبير في اليوم السابع عشر منه، عشر من رمضان في هذا اليوم حدثت أول معركة بين المسلمين الذين تهيئوا وظهروا كدولة وأصبح لهم جيش وأصبح لهم مركز يعودون إليه بعد المعركة وأصبح للمعركة فائدة
وعائدة يُستفاد منها وتعود علينا بالمال بالمكاسب السياسية بالمكاسب الاقتصادية بالمكاسب النفسية. المعارك تُخاض من أجل تحقيق المصالح لأن المعركة أصلاً ضد... السلام هو خلاف الأصل، فالأصل أننا نعيش في سلام، كل واحد يعطي حقه للآخر. لا نلجأ إلى المعارك إلا لضياع المصالح. قريش بغت وطغت وارتكبت جرائم، من ضمن هذه الجرائم أولاً انتهاك حقوق الإنسان، إذ قبضت
على المسلمين ورمتهم في المعتقلات، وعندها صدت عن سبيل الله ولم ترضَ المسلمين. الذين أسلموا يهاجرون، وثانياً بعد انتهاك حقوق الإنسان، الاعتداء على أموال المسلمين. المسلمون الذين هاجروا صودرت أموالهم بغير حق، بغير حكم محكمة، هكذا بطريقة متجبرة وفقط. يا إخواننا، حسناً أعطونا شيئاً، حسناً أعطونا النصف وخذوا النصف، حسناً الثلث وخذوا الثلثين. هل نتفق؟ أبداً، سنأتي ونقتلكم. وشرحنا قبل ذلك كيف هدد أبو جهل المدينة وساكنها صلى الله عليه وسلم مع المسلمين بالقتال
والذبح والضياع وغير ذلك إلى آخره. إذ الدنيا الآن حدثت فيها أمور في المدينة استقرت لرسول الله، وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. في البداية كان هناك تسعون شخصاً من المهاجرين، ثم أصبح وصلوا إلى مائتين وخمسين، وكان هناك خمسة وأربعون شخصاً من الأنصار الذين أسلموا حديثاً. لقد بدأ الإسلام ينتشر وأخذ الناس في اعتناق الإسلام. منهم من يدخل الإسلام صادقاً من قلبه، ومنهم من يدخل ليتملق الحكومة الجديدة. فهناك أناس هكذا طبيعتهم دائماً أن يتملقوا الحكومة
الجديدة، وهناك أناس هكذا دائماً يقولون... لك أنا معارض، هو كان مع الحكومة الجديدة أمس، ثم انقلب إلى معارض اليوم. لماذا يا بني يقول هكذا؟ خُلِقتُ معارضاً، أنا أريد أن أعارض. هذا الكلام موجود في الخِلقة، وليس غريباً ولا شيئاً. فهناك أناس الذي يكون ضدهم يصير معهم فوراً، وهناك أناس هكذا، وهناك أناس صادقة، وهناك أناس... خاصة بالله وهناك أناس ليست خاصة بالله، ولذلك الخلق هكذا أنواع مختلفة. لا يوجد شيء غريب، لا توجد أشياء غريبة، وإنما يوجد شيء يُسمى صحيحاً وشيء غير صحيح. يجب عليك عندما تدخل أن تدخل لله، وليس لكي تُجامل أو تنافق، فنشأت طبقة من
المنافقين. وقد حذَّر الله منهم وقال إن في الدرك الأسفل من النار، وكان على رأس هؤلاء عبد الله بن أبي بن سلول، لكنه لم يكن وحده، بل كان معه جماعة. وبالرغم من ذلك، فإن هؤلاء المنافقين كانوا سيئين جداً، لكن في النهاية بدأ المسلمون يتكاثرون. يعني لو نظرت أنت هكذا من الخارج وتقول: أين هم المسلمون؟ ها حسناً، إنهم جميعاً من المسلمين، أي الأبرار الأحرار، لا بل إن فيهم منافقين، فحذر النبي منهم وقال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان،
وإذا خاصم فجر". وفي رواية أخرى: "وإذا عاهد أخلف". وبدأ يعدد صفات المنافقين، فجعل التخلف عن الجماعة هو سمة المنافق عندما... دخل فقام فوجد حسناً أنا أذهب أكثر قوتهم هكذا حسناً والله ما أنا ذاهب فما عاد يذهب إلى الجماعات وبعدين النبي عليه الصلاة والسلام لما قال هكذا أصبح القوم يذهبون لكن العشاء والفجر يثقل عليهم جداً فأصبح التخلف عن العشاء والفجر علامة من علامات النفاق وهناك علامات كثيرة لكن في استقر المجتمع على الرغم من وجود
مشركين في المدينة ويهود ومنافقين ومسلمين، والمسلمون على طائفتين: مهاجرين وأنصار. كان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الغزوات ابتداءً من شهر شعبان من السنة الأولى، فخرج حمزة وخرج الحارث وخرج فلان وعلان في السرايا، يذهبون ويعودون لكي يستطلعوا الطريق ويرسموه، ولكي وهي راجعة بعد أولاً التهديد بالقتال، وثانياً تضييع أموال المسلمين. النبي عليه الصلاة والسلام فعل هذا، وكانت نهاية
هذه السلسلة هي غزوة بدر التي ستقع في يوم السابع عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة، لأننا جلسنا حتى الآن ثمانية عشر شهراً نبني الدولة. افتتحنا المسجد، وعملنا الصحيفة، وبعد أن عملنا المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، بعدما أقمنا المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، أبرمنا الاتفاقيات مع القبائل الخارجية مثل جهينة ومدلج وغيرها، ليس لكي يُسلموا، بل ليكون بيننا اتفاقيات لمنع القتال. بعد الفاصل سنرى ما الذي حدث حينئذٍ من بداية رمضان. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد...
لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. بعد أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدولة وأكدها في الداخل والخارج، تهيأ ذلك للحرب مع المشركين. رسول الله هو رسول السلام، ولذلك لم يذهب إلى المشركين، ولكنهم هم الذين جاءوا إلى المدينة من أجل العدوان والطغيان، في رمضان في السنة الثانية، رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج إليهم خارج المدينة، فخرج في حدود يوم الثالث عشر من رمضان
إلى الجنوب، إلى بدر جنوب يثرب. يعني هي تقع بين يثرب ومكة على بُعد حوالي مائة وستين كيلومتراً. مائة وستون كيلومتراً مسافة كبيرة، نعم، تقريباً مثل... من القاهرة إلى بني سويف مائة وعشرون كيلومتراً، نحتاج أربعين كيلومتراً أخرى بعدها فتصبح مسافة طويلة تستغرق ثلاثة أيام سيراً. هذا تدريب وليس مجهوداً فقط لأنه كان يتم بنظام وكان يتم بطريقة تجعله تدريباً يحرك جسمك ويجعلك تتعامل مع الناقة
والجمل والخيل والحمار والدواب وتحمل الأثقال وتحمل السلاح. تحمل الطعام والشراب، فهو في الوقت ذاته تدريب، وتمشي في وقت، وتنام وترتاح في وقت آخر. لديهم نظام، والنظام معروف لكي يرتاح جسمك. فصحيح أن السفر فيه مجهود، لكنه مثل مجهود التدريب تماماً. فأنت في التدريب، سواء كان عسكرياً أو رياضياً، أيضاً تبذل جهداً في إرهاق، وأيضاً هناك خسائر، منها عموده الفقري يتعرض للتمزق
أو يحدث له انزلاق، فهذه خسارة أثناء التدريب، لكن الغالب أنه تدريب، والغالب أنه استعداد. الأمر الثاني أن تنتبه إلى أن الناس ليسوا في أسنانهم حالياً، أي أن السن مختلف، يعني النبي عليه الصلاة والسلام كان عمره أربعة وخمسين عاماً وستة أشهر حينئذ. لا تقارنه بشخص عمره أربعة وخمسون سنة في وقتنا الحاضر. هو أقوى -عليه الصلاة والسلام- من شخص أكبر منه بسنتين، من وُلد قبله
ويبلغ من العمر ستة وخمسين عاماً. لا تقارنه بشخص عمره ستة وخمسون سنة في وقتنا الحاضر. إذاً كم يبلغ الفارق؟ هذا الفارق قد يصل الآن في الحالة عشرون سنة تريد أن ترى الحالة الجسدية لأحدهم، انظر كم سنة عمره واخصم منها عشرين. ما دام تجاوز الأربعين، ما دام تجاوز الأربعين، لا تأتني بشخص عمره عشرون سنة وتخصم منه عشرين وتقول لي إن عمره صفر. لا، ما دام تجاوز الأربعين، يعني الذي عمره أربعون سنة. يتصرف مثل الذي عمره عشرون عاماً. لدينا الآن في النشاط والجري والطاقة والحركة وأشياء مماثلة. كم شخصاً خرجوا مع سيدنا
النبي عليه الصلاة والسلام إلى بدر؟ هل كانوا يوم الثالث عشر أم يوم الثاني عشر؟ ثلاثمائة وثلاثة عشر شخصاً أم ثلاثمائة واثني عشر؟ وهو الثلاثمائة. وثلاثة عشر وهو الرابع عشر، أو كانوا ثلاثمائة وسبعة عشر؟ خلاف السيرة، قالت هكذا وقالت هكذا وقالت هكذا. قالوا: لا، هم كانوا ثلاثمائة واثني عشر، وتمام الثلاثة عشر هو سيدنا. هو الثالث عشر. قالوا: لا، إنهم كانوا ثلاثة عشر، وسيدنا هو الرابع عشر. وقالوا: لا، إنه... كانوا سبعة عشر، ثلاثمائة وسبعة عشر. المشهور أنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر مع سيدنا، فيكون
الذين خرجوا معه ثلاثمائة واثني عشر رجلاً على الصفة التي أخبركم عنها، وهي أنهم أقوياء وأن السفر يُعدّ نوعاً من أنواع التدريب العسكري، وأنهم مشوا كل هذا لأن هذه أفضل بقعة نستطيع فيها القتال مع هؤلاء الناس، فجاءه أحد من الصحابة وقال له: "يا سيدنا، هل المكان الذي أنت جالس فيه هذا هو وحي من السماء؟ هل أمرك الله أن تجلس هنا فقط؟ أم
أنه عبارة عن رأي ومشورة ومكيدة للعدو؟" قال: "لا، هذا رأي". قالوا: "إذاً هذا المكان..." خطأ في رأينا هذا، دعنا نمشي قليلاً هكذا ونأخذ الماء. ثم هم يبحثون عن الماء فلا يجدونه، فيتعبون بسرعة. ويكون الماء خلفنا، فإذا احتجنا إلى الماء - ونحن نحتاج إلى الماء كثيراً في الشرب وفي الأكل وأيضاً في الوضوء وغيره - فليكن الماء خلفنا، وأيضاً عندما نأتي نحن ننزل إلى سنسد عليهم حتى لا يستطيع أحد الالتفاف من خلفنا، وبذلك نكون قد أغلقنا عنق الزجاجة. لكن لو كنا متأخرين، ستكون هناك فرصة لأن يأتونا من اليمين ومن الشمال
ومن خلفنا ويطبقوا علينا كالكماشة ويقضوا علينا. قال له: حسناً، توكلنا على الله. هذا يعني أن القائد يستمع إلى الخبرات العسكرية لفريق فذهبوا وكانت المشورة، ماذا نفعل؟ ذهبوا فأصبحوا اثني عشر ثم وصلوا إلى خمسة عشر، حسناً. أرسل سرايا لكي تأتي بالأخبار التي تُعتبر كالمخابرات الحربية في المعركة نفسها. ما الذي يجري؟ ما الذي حدث؟ ما الذي
وصل؟ من هم؟ كم عددهم؟ خرج سيدنا رسول الله في هذا الاستطلاع بنفسه ومعه أبو لمكان كذا، وبعد ذلك وجد بَعَر الإبل وهكذا، ورماداً وكانت ناراً موقدة ثم انطفأت، عَدّ النار كم مضى عليها، ورأى البعر هذا ما هو علفه، عندما كسروه قام ليعرف ما هو هذا العلف، قال: هذا علف قريش. هذه خبرة، فلا بد من الخبرة،
ولا بد من التعلم، ولا بد من في الحلقة القادمة نرى كثيرًا من تحصيل العلم الذي إذا ضيعته لم تنجح، وإذا حصّلته نجحت. فإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.