السيرة النبوية - الحلقة الرابعة والثلاثون

السيرة النبوية - الحلقة الرابعة والثلاثون - السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات، عسى أن يرحمنا الله سبحانه وتعالى به وبسيرته. فعند تلاوة سيرته وذكرها تتنزل الرحمات ويحف المجلس الملائكة أينما كانوا، وكلما زدنا. وعدنا في ذكر الحبيب صلى الله عليه وسلم كلما رقت القلوب وخشعت لمولاها، فليس هناك باب يوصل إليه سبحانه سوى باب النبي عليه
الصلاة والسلام. قبل هجرة المصطفى بدأ الصحابة في الهجرة، وضربنا مثلاً في حلقة سابقة بأم سلمة، وضربنا مثلاً بصهيب الرومي وأنه رد الأموال كلها بالرغم من أن... المشركين لا يستحقونها، فلما ضغطوا عليه وأمروه بتركها تركها لله، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ربح صهيب، ربح صهيب، ربح صهيب". ومن قصص الهجرة قبل المصطفى هجرة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه. كان عمر من عماليق العرب،
كان فيهم عماليق. هكذا يقدر طوله ما بين مائتين وثمانين سنتيمتراً إلى ثلاثة أمتار، ويكون عرضه متناسباً مع هذا الطول. وكان رضي الله تعالى عنه أحول، وكان في رأسه ضرر، وكان رضي الله تعالى عنه أيسر أعسر، يكتب بيده اليمنى كما يكتب بيده اليسرى، كان كاتباً أمامك أنت واحد. ماذا يعني قوي الإيمان وقوي الجسد؟ اتفق مع اثنين آخرين، واحد اسمه عياش بن
أبي ربيعة والآخر اسمه هشام بن العاص. قال لهم: "يا أبناء المسلمين، عياش وهشام، لنلتقِ في المكان الفلاني لنسافر إلى المدينة مهاجرين". قالوا: "حسناً، نخرج ثلاثتنا فيكون ذلك موكباً جميلاً". لكن عياش وهشام تخلفا. أحدهم قبض عليه أهله ووضعوه في السجن لأنه تكلم وقال: "إنني غداً سأسافر مع عمر ولن آخذ إخوانه"، فذهبوا وقالوا: "حسناً، تعال"، وقبضوا عليه ووضعوه في السجن. وجاء الآخر حيث قبضوا
على هشام وجاء عياش، وعياش هذا هو ابن أبي ربيعة، وربيعة هذا هو أخو أبي جهل من أمه. أخو أبي جهل، أبو جهل لم يعلم، وعياش وسيدنا عمر وقف عند الكعبة وقال لهم: "على فكرة، أنا ذاهب الآن إلى المدينة، ومن أراد أن تثكله أمه فليتبعني، ليأتي خلفي حتى أضربه ضرباً مبرحاً يجعله يحرم بعد ذلك من المشي، سأقعده. الشجاع منكم فليأتِ خلفي." انظر ما
فائدة القوة، قوة لم يخرج أحد أو يسافر، وليس لنا تدخل بك، فقد أخذ أغراضه ومضى. انظر الآن إلى هؤلاء وإلى فروسية سيدنا حمزة وسيدنا النبي عندما جاءهم وهم في دار الأرقم متوشحاً سيفاً، وكان معلوماً عن عمر أنه كان يؤذي المسلمين في بداية الأمر قبل الإسلام، قبل إسلامه، فخرج إليه النبي وأخذه منطقته، أحزانه، ولبه هكذا، وحمله على ذراعه عليه الصلاة والسلام، وحمزة قال له: "يا رسول الله، نخرج فإن وجدناه يريد خيراً بذلناه له، وإن أراد شراً قتلناه بسيفه" ليس بسيوفنا، بل بسيفه. هو يقول لك: "الله! أنت تمسك سكيناً؟ أنت لا تعرف كيف تحمي
نفسك منها، ما هذا؟" فرسانٌ نبلاءُ شجعانٌ قلوبُهم معلقةٌ بالله. مشى سيدنا عمرو ومعه عياش ووصلا إلى المدينة. عندما علم أبو جهل وأخوه الذي يُدعى الحارث، جريا وراءه وقالا له: "يا عياش، إن أمك جالسةٌ بجانب الكعبة تولول وقالت: لن أجلس في الظل حتى تضربني الشمس، ولن آكل، ولن أغسل رأسي حتى الأمل". لا يأكلني أو يأتي عياش، قال له: لا، أنا لا يرضيني أن أمي يحدث لها هكذا. حاضر،
سأرجع معك. سيدنا عمر قال له: لا، هؤلاء يخدعونك، هم يريدونك أن ترجع لكي يفتنوك في دينك. قال له: لا أطيق إلا أن أبر أمي. قال له: حسناً، خذ ناقتي هذه، ناقة تسير مثل الصاروخ، ماذا يطلقون عليها؟ ذلول، نعم، نجباء، ذلول. ماذا يعني أنها تسير مثل الصاروخ؟ توجد الآن أشياء يمكنكم مشاهدتها في التلفزيون تسمى مسابقات الهجن. تجدون هذه هجن مخصوصة، وهي التي تشارك في تلك المسابقات، وليست أي هجن. ولذلك يبيعونها بثمن باهظ، وأيضاً يصنعون لها أنساباً. يقول هذا الهجين هذا ابن الهجين هذا ابن الهجين. لديهم سلسلة أنساب، فكانت
هذه الإبل إبلاً غالية ومحترمة ولها فوائد في السرعة. فإن شككت فيهم اركب واهرب لأنها غير مطمئنة في الطريق. قال له أبو جهل: يا أخي، استغلظ علي بعيري، فبعيري متعب جداً وقد أتعب ظهري. الله. كذب كله، وأريد أن تريحني من حكايتك هذه. قال له: ما الأمر يا أخي؟ حاضر. ونزل من على الناقة هذه التي تجري عندما تحدث مشكلة، يعني نجري بها. ذهبوا مؤيدين له وخدعوه وأدخلوه مكة وهو مقيَّد،
وقال: هكذا فافعلوا بسفهائكم كما نفعل بسفيهنا هذا. ورموه في السجن مع هشام. قال له: "هذا ليس الذي كنت ستخرج معه". ألقي بهما في السجن معاً. بعد الفاصل نتكلم عن هذه القصص الطيبة التي كانت مع الصحابة قبل هجرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. سافر
سيدنا عمر. قالوا ذهب مع عمر عشرون من الصحابة. سافر مع سيدنا عمر عشرون من الصحابة. سمعوا: "إن هذا عمر سافر هو وعياش أول أمس". فقالوا: "هيا نخرج في صحبتهم ونلحق بهم". فلحقوا بهم، لحقوا بهم، لحقوا بهم حتى أصبحوا عشرين. نحن الآن دخلنا في شهر محرم من سنة وَدَخَلْنَا هَكَذَا فِي أَوَائِلِ سَفَرٍ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي الْمَدِينَةِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، خَلَاصٌ فِي مَكَّةَ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي مَكَّةَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، صَفِيَتْ تَمَامًا إِلَّا النَّبِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِالْبَقَاءِ، وَمَنْ
كَانَ مُكْرَهًا مِنْهُمْ مِثْلَ عَيَّاشٍ وَهِشَامٍ وَمَنْ كَانَ مُكْرَهًا قَعَدُوا فِي الْمَدِينَةِ. مدينة مكة استقرّوا في هذا المكان قرية مكة أو مدينة مكة ومن كان مُكرَهاً انتبه للكلام، إذ يوجد أناس غير هشام وغير عيّاش، لكن هشام وعيّاش أصبحوا محبوسين، مُقيَّدة أيديهم، يقدمون لهم الطعام بالكاد حتى لا يموتوا، من أجل تعذيبهم وليس من أجل رحمتهم. كل هذا من عمل أبي جهل. أبو جهل ومن معه حقد أسود، وسيدنا عمر أخذ بعضه وسافر
ومعه عشرون من الصحابة، وسيدنا أبو بكر قال لسيدنا: "أنا سأسافر إلى المدينة"، فقال له: "لا، ابقَ فلعلي يُؤذَن لي"، فقال: "أوكائن ذلك يا رسول الله؟"، قال: "ابقَ". وسيدنا علي أراد أن يمشي فقال له: "لا، ابقَ فلعله". يُؤذَنُ لي فأكون سابقاً سيدنا أبا بكر وسيدنا علياً. سيدنا أبو بكر لديه عائلة من
ضمنها ابنه عبد الله بن أبي بكر ومن ضمنها السيدة عائشة ومن ضمنها السيدة أسماء وهكذا. بينما سيدنا علي مسؤول مسؤولية قبلية وشرعية وبإذن سيدنا الرسول عن عائلة النبي التي فيها فاطمة وفيها رقية وفيها. أم كلثوم وزينب، وهما من بنات النبي. زينب كانت متزوجة، وفي ذلك الوقت كانت رقية
متزوجة من سيدنا عثمان، وفاطمة وأم كلثوم خليط لم يكن هناك زواج. حسناً، معنا عبد الله بن أبي بكر، ومعنا أبو بكر، ومعنا علي، ومعنا شخص كان يعمل عند أبي بكر وهو من المسلمين، كان سيدنا مولى من موالي سيدنا أبي بكر، هذه الأسماء نريد أن نحفظها ونرى ما الذي سيحدث معنا. أسماء أخرى مثل هشام وعياش قُبِضَ عليهم عندما هاجر سيدنا ووصل إلى
المدينة. لم ينسَ الرجال الذين معه، هشام وعياش، لم ينسهم. قال: "من منكم يأتيني بهشام وعياش؟"، أي ما نسميه الآن بالعمليات فقال الوليد بن الوليد: "أنا آتيك بهما يا رسول الله". إنها عمليات خاصة، لأن في ذلك خطورة، فقد يقضون عليه، ذلك الذي يذهب لتحريرهم، أو أخذهم. هذه عمليات فدائية، عمليات التي نسميها الآن العمليات الخاصة. يذهبون ليحضروا هشاماً وعياشاً. ليس لي تدخل، كيف يحضرونهم ومن الذي يقول؟ الوليد بن الوليد يعني ابن المغيرة، وهو أخو سيدنا خالد الذي لم يُسلم بعد. أما الوليد فقد أسلم قبله بفترة. نزل الوليد ودخل مكة ليلاً
حتى لا يراه أحد، فكانت عملية خاصة لا يلحظها أحد. أحضر الأغراض وما يلزم، وفهم أن امرأة توصل الطعام إليهما في... سجنهما فتتبعها أيضاً سَرَقَ يَدَيْهِما وقال رسول الله يريدكما، حسناً إذاً ارتفعت المعنويات تماماً وأصبحت الفرق سلسة وخرجوا واختفوا، لم يعرف أحد كيف يجدهم، وذلك لكي
نكمل قصة عياش وقصة هشام. لا تبقَ معنا في هذا، فهذا في الهامش، إن هشام وعياش هؤلاء لم يُتركوا، هشام وعياش أُرسل إليهما. الوليد بن الوليد أخذهم وذهبوا، ولكن هذا كان بعد قصة سيدنا صلى الله عليه وسلم عندما قال: اجلس يا أبا بكر، اجلس يا علي، اجلس يا عامر بن فهيرة الذي يرعى الغنم لأبي بكر، اجلسي يا أسماء، اجلسي يا عائشة، وهكذا. في يوم السادس والعشرين من شهر صفر في الصباح خميس يوم أي ستة وعشرين صفر، أسمع الكلام، نحن في أي سنة الآن؟ أربعة عشر، وصفر هذا أي شهر؟ الشهر الثاني، محرم صفر، إذاً نحن الآن
في الشهر الثاني من أي سنة؟ أربعة عشر، واليوم أي يوم؟ الخميس. اجتماع طارئ في برلمان المشركين، في برلمان المشركين في دار الندوة. واجتماع طارئ يعني ماذا؟ اجتماع طارئ يعني أنه مهم، أولاً: مهم جداً. ثانياً: لا بد من حضور ممثل من كل قبيلة. هذا هو معنى كلمة "طارئ". اجتماع طارئ يعني أنه لأمر جلل، ويجب على كل ممثل من كل قوة أن يحضر لاتخاذ القرارات المناسبة. حسناً، الساعة العاشرة تماماً، أصبح
الجميع كبير يرتدي شيئًا نظيفًا جدًا جوخة، كنا ونحن صغارًا نسميها ماذا؟ جوخة، ما معنى جوخة؟ يرتدي شيئًا محترمًا، عباءة محترمة وهكذا، وهو يريد أن يدخل معهم، فقالوا له: من الرجل؟ من أنت؟ قال: أنا الشيخ ناصح النجدي، من نجد، وشيخ ماذا؟ ناصح، تبين أنه الشيطان، تبين أنه الشيطان شيخ ناصح واتضح أنه إبليس الشيطان، ودخلوا وقرروا جريمتهم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، في قصة لطيفة سنذكرها
لكم في حلقة قادمة. فإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.